مصور وكالة الأناضول منتصر الصواف.. شهيد الإبادة الإسرائيلية في غزة

10:186/10/2024, dimanche
الأناضول
مصور وكالة الأناضول منتصر الصواف.. شهيد الإبادة الإسرائيلية في غزة
مصور وكالة الأناضول منتصر الصواف.. شهيد الإبادة الإسرائيلية في غزة

- استشهد منتصر في 1 ديسمبر الماضي باستهداف إسرائيلي مباشر أُصيب على إثره وظل ينزف لمدة نصف ساعة حتى فارق الحياة. - شقيقته شيماء للأناضول: قبل استهدافه بنحو 10 دقائق كنت أتصل به فأخبرني أنه ذاهب لإطعام القطط في الشارع وسيعاود الاتصال بي. - شقيقه الأكبر محمد للأناضول: منتصر كان يحب الحياة ويعشق الصحافة ويعتبرها رسالة ويحرص على توثيق جرائم الاحتلال حتى آخر يوم في حياته. - زوجته آلاء للأناضول: كان حنونا وطيب القلب ومتسامحا، يحب الصغار والكبار، وبارا بوالديه ويحب أولاده كثيرا.

خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، لم تكتف إسرائيل بتوجيه نيرانها إلى الأبرياء من المدنيين، بل تعمدت استهداف أولئك الذين حملوا على عاتقهم توثيق الحقيقة.

في مقدمة هؤلاء كان الصحفيون، الذين خاطروا بحياتهم لتسليط الضوء على ما ترتكبه إسرائيل في غزة من جرائم بحق المدنيين وكافة أشكال الحياة، ليبادر جيشها بقتل 174 منهم منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

من بين هؤلاء الصحفيين، كان منتصر الصواف، المصور المتعاون الذي عمل مع وكالة الأناضول منذ عام 2014.

لم يكن منتصر مجرد ناقل للحدث، بل كان شاهدا على المأساة الفلسطينية، وحريصا على التقاط الجرائم الإسرائيلية الحية ضد الفلسطينيين وتوثيقها بعدسته رغم المخاطر المحدقة به.

كان يدرك أن كل صورة يلتقطها قد تكون الأخيرة له، ومع ذلك لم يتراجع، مكرسا جهده لكشف الحقيقة والدفاع عن الرواية الفلسطينية ضد الإسرائيلية.

في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، تعرض منتصر مع عائلته لهجوم صاروخي إسرائيلي على منزله، نجا بأعجوبة من موت محقق، لكنه فقد عددا من أفراد أسرته، بينهم والدته ووالده وشقيقيه.

خرج من تحت الأنقاض مصابا في عينه وأنفه، ولم يجد طبيبًا يعالجه، بعد أن دمرت إسرائيل معظم مستشفيات غزة والشمال، مما جعله يواجه الألم وحده.

ومع ذلك، لم توقفه إصاباته فقد عاد إلى الميدان، يجمع شظايا قصص الحرب، ويواصل أعماله الإنسانية التي كان يمارسها جنبا إلى جنب مع الصحفية.

حتى باغتته نيران القناصة الإسرائيليين في 1 ديسمبر/ كانون الأول، بعد 13 يوما فقط من استهدافه وعائلته سابقا.

أُصيب منتصر على إثر ذلك، وظل ينزف وحده لمدة نصف ساعة حتى فارق الحياة.

** صحفي لا يعرف الخوف

وعن الراحل، يقول زميله الصحفي محمد ماجد، إنه كان من "الصحفيين الذين لا يعرفون الخوف، يقف في مقدمة الصفوف لنقل الصورة الحقيقية للعالم، لإيمانه العميق بأنها أقوى من أي سلاح".

ويضيف للأناضول: "كان منتصر يرفض الصمت أمام الظلم، وكان يسعى دائما لنقل معاناة الناس تحت الحصار والعدوان حتى في لحظاته الأخيرة".

ومستذكرا موقفا بدا فيه الصواف قويا، يقول ماجد: "عندما استشهدت عائلته وكان مصابا ذهبت لمواساته وقلت له: أنا معك، لكن رغم ألمه ودموعه رد قائلا: "أنا معك وإن احتجت أي شيء أنا موجود".

ويشدد على أن منتصر رفض ترك الكاميرا وتوثيق الجرائم الإسرائيلية في مدينة غزة التي رفض النزوح منها للجنوب استجابة لإنذارات الجيش.

ويوضح أن "منتصر قبل استشهاده عانى من ظروف صحية صعبة جراء إصابته الأولى خلال تدمير منزل عائلته فوق رؤوسهم، والثانية حينما نزف ولم يجد من يسعفه إلى أن فقد حياته".

وعن رحيله، يقول ماجد: "استشهاد منتصر كان خسارة كبيرة لنا جميعا، لعائلته وزملائه وكل من عرفه، لكنه ترك بصمته كصحفي وإنسان وعلينا الاستمرار من بعده ورفض الصمت".

وفي رسالة تعزية آنذاك، قال رئيس مجلس إدارة الأناضول، ومديرها العام سردار قره غوز: "للأسف، فقد منتصر الصواف، المصور المتعاون مع وكالتنا، حياته جراء الهجمات الإسرائيلية".

وأشار إلى أن "وكالة الأناضول تكافح من أجل ضمان سلامة أرواح زملائنا الذين يؤدون مهامهم بتفان كبير في ظل ظروف صعبة للغاية في غزة".

وتابع: "نيابة عن منتصر الصواف وجميع زملائنا الذين فقدوا أرواحهم في هجمات الحكومة الإسرائيلية في غزة، سنواصل نضالنا لضمان محاسبة أولئك الذين نفذوا هذه الهجمات أمام القانون الدولي".

وأردف: "رحم الله زميلنا وجميع أصدقائنا الذين فقدوا أرواحهم في غزة، وأتقدم بالتعازي إلى أسرهم".

وأكد المدير العام للأناضول على أن أحد الخاسرين الرئيسيين في غزة "هي هذه القيم والمجتمع الدولي الذي أفرغها من مضمونها".

بدورها، قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز، في تصريح لها حول استهداف إسرائيل للصحفيين: "أشعر بالحزن الشديد لمقتل منتصر الصواف، مصور وكالة الأناضول في غزة".

** الصحفي الإنسان

منتصر الصواف، الذي ولد عام 1990 التحق بقسم الصحافة والإعلام في جامعة الأقصى في غزة، لـ"شغفه في التصوير والصحافة وحرصه على نقل الرواية الفلسطينية وصورة المعاناة والاضطهاد التي يعاني منها الشعب الفلسطيني وخصوصا في القطاع"، بحسب شقيقته شيماء الصواف المغتربة في الأردن.

وتقول شيماء للأناضول: "منتصر كان محبا للحياة، ومبادرا في تقديم الخدمة ولو على حساب عمله ووقته".

وتضيف: "رغم المسافات بيننا، إلا أن منتصر كان يساهم في صنع اللحظات الجميلة لي ولأطفالي".

منتصر الذي عاش تحت القصف، كان يبادر بطمأنة شقيقته عليه وعلى عائلتها التي كان يتعذر التواصل معهم بسبب انقطاع خدمات الاتصال والإنترنت، وفق قولها.

‎وتستكمل قائلة: "في الليلة التي ارتكب فيها الاحتلال مجزرة بحق عائلتي استشهد على إثرها 45 فردا بينهم والدي ووالدتي وإخوتي وأبنائهم، ورغم إصابة منتصر في وجهه وعينه إلا أنه كان شديد الحرص على التواصل معي للتخفيف من ألمي وعجزي لهذا المصاب الأليم".

وقبل استهدافه بنحو 10 دقائق، قالت شيماء إنها تواصلت مع "منتصر من أجل الاطمئنان عليه فأخبرها أنه ذاهب لإطعام القطط في الشارع فيما سيعاود الاتصال بها فور الانتهاء من ذلك".

وبعد مرور نصف ساعة، صدمت شيماء بانتشار خبر استشهاد منتصر ما أصابها بحالة هلع وخوف وحزن شديد.

وترى شيماء أن استهداف إسرائيل المتواصل للصحفيين والكتاب هو "محاولة لإسكات صوت الحقيقة الذي يفضح ممارساتها وجرائمها، ويكشف أكاذيبها ويعري مزاعمها أمام العالم".

** حب الحياة والأطفال

محمد الصواف، شقيق منتصر الأكبر، لا يخفي فخره بمناقب أخيه الراحل، واصفا إياه بشخص كان ينبض بالحياة، ويصنع الفرح من حوله، ويعشق مهنته كصحفي ملتزم بنقل الحقيقة.

يقول محمد للأناضول: "كان منتصر أكثر من أحب الحياة والاستمتاع بها، وكان يسعى دائمًا لإيجاد أماكن الفرح ليعيشها ويشاركها مع من حوله لم يكن يضع نفسه في المقدمة، بل كان يفضّل الآخرين على نفسه".

ويضيف: "كان يحب الأطفال، خاصة أطفال العائلة أحيانا كان يتكفل بتنظيم حفلات أعياد ميلادهم، وكان قريبا منهم لدرجة أنه كان يصنع لهم الهدايا بيديه من الصوف والخزف، ليضفي عليهم البهجة والسرور".

ويشير إلى أن منتصر مر بأزمة شخصية مؤلمة، عندما فقد ابنه قبل 6 أشهر من بدء الحرب بسبب مرض، وهو ما ترك في قلبه جرحا عميقا ومع ذلك، لم يسمح لهذا الحزن أن يطغى على روحه، بل ظل ملتزما بنشر الفرح من حوله.

ويتابع: "كان يتعامل مع والديه كأصدقاء، وحرص دائما على أن لا يغادر جوارهم إلا وهم في قمة السعادة، فأينما وُجدت الحياة والفرح، كان منتصر حاضرا".

** عشق للصحافة منذ الصغر

ويلفت محمد إلى أن "منتصر ورث مهنة الصحافة عن والدنا الذي كان صحفيا، وتربى على مبادئ هذه المهنة منذ صغره، حيث أحب الكاميرا وارتبط بها منذ عام 2014".

ويضيف: "كان يعشق الصحافة ويعتبرها رسالة، ويحرص على نقل وتوثيق جرائم الاحتلال حتى آخر يوم في حياته".

ويشير إلى أن "منتصر غطى حروبا إسرائيلية عدة على غزة، أبرزها حربي 2014 و2021، والكثير من التصعيدات، بالإضافة إلى تغطيته لمسيرات العودة التي انطلقت في عام 2018 واستمرت أكثر من 20 شهرا".

ويوضح أن "منتصر كان متابعا للأحداث السياسية، وكان يتوقع حدوث تصعيدات، حيث ظل يراقب الأحداث طوال النهار والليل ليرصد جرائم الاحتلال بكاميرته".

** مواصلة الرسالة بعد الإصابة

يتذكر محمد الأيام الأخيرة لأخيه منتصر بحزن عميق، قائلا: "منذ اليوم الأول لحرب الإبادة على غزة، كان يعمل بلا توقف، لدرجة أنني كنت ألومه على إهماله لراحته ولأسرته فكان يعود إلى المنزل مرة كل أسبوع أو أسبوعين لبضع ساعات فقط، ليعود منهكا إلى العمل لأنه شعر أن واجبه لا يحتمل التأجيل".

ويضيف: "بعد نزوحنا من حي تل الهوا إلى شرق غزة، واصل منتصر عمله دون توقف، حتى بعد أن غادر معظم زملائه إلى جنوب القطاع".

ويتابع: "بعد نزوح زملائه، قام منتصر بتجهيز احتياجاته اللوجستية ليواصل التصوير، وفي الفترة الأخيرة من حياته استخدم جهازا محمولا لتوثيق الأحداث ورفض الانتقال إلى الجنوب، رغم أنه كان بإمكانه مغادرة القطاع لكنه رفض وتمسك بمكانه".

ويشير إلى أنه في يوم 17 نوفمبر 2023 "كنا في بيت والدي بعد نزوحنا من تل الهوا، وفجر اليوم التالي، تعرض البيت للقصف، واستشهد 47 شخصا من العائلة، وأصيب منتصر في عينه بحروق في وجهه، واستشهد والده ووالدته وعدد من إخوته وأطفالهم".

ويوضح: "رغم إصابته، استمر منتصر في تغطية الأحداث، مستخدما دراجة هوائية أو أي وسيلة متاحة لنقل الأخبار، حيث كانت وسائل النقل شبه معدومة".

ويواصل: "رغم الصدمة الكبيرة التي لحقت بنا جراء قصف منزل العائلة ومقتل معظم أفرادها، ظل منتصر يعمل، يبحث تارة عن جثامين العائلة بين الأنقاض، ويرعاني صحيا كوني مصاب تارة أخرى، وفي الوقت نفسه كان يواصل نقل الأحداث".

** عزيمة حتى الرمق الأخير

ويلفت محمد إلى أن منتصر "لم يكن مقتنعا بأن سترة الصحافة ستحميه، فقد شاهد زملاءه يُستهدفون أثناء عملهم واستُشهد بعضهم، وكان يشارك في تشييعهم بقلب يعتصره الألم".

ويقول: "حتى في يومه الأخير، ظل يمارس مهنته بعزيمة قوية تناول معنا الغداء، ثم استعد للذهاب إلى مستشفى المعمداني، لكن طائرة مسيّرة استهدفته، فأصيب في ظهره ورأسه، واستُشهد معه شقيقه مروان وعدد من أبناء عمومتنا".

ويضيف: "ظل منتصر ينزف في مكان استهدافه لمدة نصف ساعة دون وجود سيارات إسعاف، وعندما تم نقله إلى المستشفى، كان النزيف قد أضعف جسده ورغم الجهود لإنقاذه، فارق الحياة متأثرا بجراحه".

ويتابع: "لم نكن قد تجاوزنا الصدمة الأولى بعد مقتل معظم أفراد العائلة، ثم خلال أقل من أسبوعين، خسرنا البقية كان ذلك أقسى مما يمكن تحمله".

وعن آخر أعمال منتصر الإنسانية، يقول محمد: "رغم قلة الطعام، كان يحرص على إحضار طعام للقطط وإطعامها يوميا، واعتادت القطط على مواعيده، وكانت تتجمع حوله كل يوم عند المنزل منتظرة وجبتها".

ويختتم محمد حديثه قائلا: "ذكريات منتصر لا تزال حية نتذكر قصصه ومواقفه المبهجة، ورغم الألم، تظل ضحكاته وذكرياته محفورة في قلوبنا، ولا يزال الأطفال يتذكرونه بابتسامة، محتفظين بحكاياته التي طالما أسعدتهم".

** علاقة طيبة بالجميع

بدورها، تتحدث آلاء رجب، زوجة منتصر، عن تفاصيل حياتهما معا، حيث تزوجا في عام 2015 ورُزقا بطفلين: سارة (6 سنوات) وعز الدين (3 سنوات).

تتذكره بحب وحنين قائلة: "كانت علاقته معنا طيبة ومليئة بالمحبة والاهتمام، وكذلك مع أهله وجيرانه وأصدقائه".

وتضيف: "كان حنونا وطيب القلب ومتسامحا، يحب الصغار والكبار، وإذا رأى طيرا أو قطة، يحرص على إطعامهم وينثر الطعام بجانب البيت ليسهل عليهم الوصول إليه".

وتتابع: "قبل استشهاده بفترة قصيرة، كان يقدم الطعام والماء للقطط أمام منزل عائلته".

تستذكر آلاء علاقة منتصر بوالديه قائلة: "كان بارا بهما، يحرص دائما على زيارتهما والاطمئنان عليهما بعد يوم عمله الشاق. كانت علاقته بوالده قوية جدا، وكان لا يفوت فرصة ليذكرني بضرورة العناية بوالدته".

وعن علاقته بأبنائه، تقول: "كان يحب أولاده كثيرا، وعندما يعود من العمل ينادي طفله الصغير بلقب أبو عبيدة ليلعب معه، تلك اللحظات كانت تحمل أسمى معاني الأبوة".

وبصوت مفعم بالشجن، تكمل: "بعد استشهاده، كثيرا ما يقول ابني عز الدين إنه يحب والده، ويريد أن يصبح صحفيا مثله لينقل للعالم ما يفعله الاحتلال بنا".

وتضيف: "خلال الحرب، تعرض زوجي لإصابة في عينه، وتضررت كاميرته. ورغم كل ما فقده من أحبة بعد استشهاد والديه وإخوته، لم يتوقف عن تغطية الأحداث أعطيته هاتفي المحمول ليستمر في عمله، وكان يواصل عمله بكل عزيمة لتوثيق جرائم الاحتلال".

وبينما تتحدث، تجلس طفلتها سارة إلى جانبها، أما ابنهما عز الدين، فيقول بكلمات بريئة: "أحب أبي، وأتمنى أن أصبح صحفيًا مثله".

‎ وبدعم أمريكي مطلق تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية على غزة أسفرت عن أكثر من 138 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

#الإبادة الإسرائيلية بغزة
#الإبادة الجماعية الإسرائيلية بغزة
#غزة
#مصور الأناضول
#منتصر الصواف