لقد مرّ عام كامل منذ بدء الإبادة الجماعية في غزة، واليوم نجد أنفسنا نتساءل عمّا إذا كان ذلك الصراع البعيد سيصل إلى حدودنا مع اجتياح لبنان.
هل ستهاجم إسرائيل تركيا؟
لقد كان هذا السؤال من أكثر الأسئلة بحثاً على غوغل في الأسبوع الماضي. فما السبب؟
أوضح الرئيس أردوغان بجلاء الهدف الحقيقي لإسرائيل خلال خطابه في مهرجان "تكنوفست" بولابة أضنة قبل أيام، حيث قال: "إنهم يلجؤون إلى كل الوسائل لنشر النار في المنطقة كلها لإغراقها بالدماء والدموع. ولا ينبغي أن يكون المرء منجّما لمعرفة هدفها النهائي".
فما هو "الهدف النهائي"؟
وقد أجاب أردوغان عن هذا قائلاً: "نحن جميعا نعلم جيدا ما هي الأرض الموعودة إنهم يتسابقون لتحدي تركيا على بُعد 30 كيلومتراً. إننا نعرفهم جيدا. فالإدارة الإسرائيلية الحالية تكشف عن نواياها الحقيقية في كل تصريح تصدره وفي كل خريطة تشاركها".
عند البحث في محرك البحث غوغل، نجد أن عبارة "الأرض الموعودة" قد ظهرت في العديد من عمليات البحث. هذا المصطلح، الذي رسخه في الأذهان الأستاذ الراحل نجم الدين أربكان قبل سنوات، هو مصطلح ديني وجيوستراتيجي في آن واحد. فقد حذر أربكان مراراً وتكراراً من الهدف النهائي لإسرائيل، قائلًا: "الخطان الأزرقان على علم إسرائيل يشيران إلى نهر الفرات ونهر النيل. والفرات هو تركيا. ما الذي يعنيه هذا العلم؟ إنه يعني أننا سنسيطر على كامل الشرق الأوسط بما في ذلك تركيا. لقد حان وقت تنفيذ هذا الأمر. لذلك علينا تدمير الدول الواقعة في الأرض الموعودة واحدة تلو الأخرى، وإقناع أي دولة أو حكومة لا تخضع لأوامرنا ونقيم حكومتنا الخاصة بدلاً منها. هذا هو القرار، وهذا هو التطبيق. وكما ترون، تم احتلال أفغانستان والعراق، والآن يسعون إلى احتلال سوريا وإيران. ثم سيأتي دور مصر والسعودية وتركيا".
وقد أدلى أربكان بهذا التنبؤ في يونيو 2003 خلال مشاركته في برنامج "ساحة السياسة". وتكتسب هذه الفترة أهمية خاصة، حيث جاءت بعد شهرين من بدء الغزو الأمريكي للعراق، مما يعني أن أربكان قد تنبأ بالأحداث الحالية. كما حذر حزب العدالة والتنمية الذي تولى السلطة حديثًا، مؤكدًا أن الهدف النهائي هو تركيا.
إذا ما نظرنا إلى الأحداث التي شهدتها منطقتنا على مدار الـ 21 عامًا الماضية؛ من حروب واغتيالات واحتلالات وثورات الربيع العربي وانقلابات، وخاصةً الاضطرابات العالمية التي شهدناها في العام الماضي، تتضح لنا الصورة بشكل أوضح، وتبرز أمامنا حقيقتان تتعلقان بتركيا:
الأولى: أن تركيا هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمكنت من الصمود في وجه الفوضى التي عمت المنطقة، رغم الأزمات السياسية التي شهدتها عام 2007، وأحداث "جيزي بارك" في 2013، وعملية 17-25 ديسمبر، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
الثانية: فشلت الولايات المتحدة في محاولتها محاصرة تركيا بتنظيم "داعش" الإرهابي من جهة، وتأسيس كيان كردي على حدودها من جهة أخرى.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن إسرائيل كانت أول من دعم الاستفتاء الذي حاولت إدارة بارزاني تنظيمه في عام 2017 لإنشاء دولة كردية في شمال العراق، حيث حضر من نتنياهو، ورُفِعت الأعلام الإسرائيلية خلال الاحتفالات في أربيل.
وليس من الصحيح ربط استهداف تركيا بدافع جنون إسرائيل "أرض الميعاد" فحسب. فقد تناول الراحل شعبان تيومان دورالي في كتابه "الحضارة العالمية البريطانية اليهودية المعاصرة" هذه المسألة، وعرّف ما أسماه بـ"الحضارة البريطانية اليهودية” التي تحكم العالم اليوم، على هذا النحو: "نُطلق على الحضارة المعاصرة التي نشأت من الريادة البريطانية، مستندةً إلى الموارد المالية ذات الأصول اليهودية، والتي نشرت أيديولوجيتها بدءاً من المستعمرات إلى كل ركن من أركان العالم، اسم 'الحضارة العالمية البريطانية اليهودية."
سأربط هذا المقال بتحليل وشروح الأستاذ تيومان دورالي. فقد قام الأستاذ خلال الفترة من يناير 2015 إلى أبريل 2018 بتقديم سلسلة دروس حول "الحضارات الشرقية والغربية" في "زيتون بورنو"، وقد تم توثيق هذه الدروس في كتاب يحمل نفس الاسم، صدر عن بلدية"زيتون بورنو". سأستشهد بما ورد هناك.
طرح أحد الطلاب على الأستاذ توفيق دورالي السؤال التالي: "في ظل الأوضاع السياسية الحالية، سواء في بلدنا أو في الدول الإسلامية التي انتشر فيها الإسلام منذ خروجه من المدينة ومكة، هل ترون أي بوادر تدل على نهوض الحضارة التي نعتقد أنها ستستيقظ يومًا ما؟ هل تلاحظون أي نبض يوحي بإحيائها؟"
أجاب الأستاذ دورالي: "أعتقد، وربما تكون مجرد أمنية، أن هذه الحضارة قد تنهض من تركيا. لهذا السبب يُحاك ضد تركيا كل هذه المؤامرات. فهم لا يريدون لنا أن ننهض أبدًا. هذه المؤامرات مستمرة منذ انهيار الدولة العثمانية حتى يومنا هذا. فلم يتركوا لنا فرصة لاستعادة قوتنا."
ثم سأل الطالب سؤالاً آخر: "هل ترون أي مؤشرات على حدوث هذه النهضة في الوقت الحالي؟ هل نشهد تقدمًا في الوقت الراهن، أم أن الوضع يسير في الاتجاه المعاكس؟"
فأجاب الأستاذ: "الأحداث التي تجري اليوم في منطقتنا، وفي بلادنا، وما حولها هو بمثابة نذير بولادة جديدة، ولكن هل ستتحقق هذه الولادة أم لا؟ لا أعلم. يبدو لي أن احتمال الإجهاض أكبر من احتمال الولادة، ولكن هناك تقلصات مؤلمة. وهذا الألم يهز الأرض والسماء معًا بشكل واضح جدًا. إن العداء للإسلام الذي يسيطر على كل قوى المال في العالم ينبع من هذا الخوف والقلق. إنه الخوف من إمكانية حدوث هذه الولادة."
لا أعلم إن كانت الاقتباسات والمعلومات التي قدمتها ستُرضي أولئك الذين يبحثون عن إجابات لأسئلة مثل "هل ستهاجم إسرائيل تركيا؟" أو "لماذا يجب أن تهاجم؟" ولكن من أجل فهم الجنون الإسرائيلي الأمريكي الذي يقترب من مسافة نظرنا، يجب علينا مراجعة العشرين عامًا الماضية في منطقتنا. لقد انتهت الحروب بالوكالة. ولم يعد أمام الغرب، الذي أفلس جميع المؤسسات التي ينبغي أن تؤمن العدالة والسلام والأمن، سوى خيار واحد، وهو إيقاف تركيا، التي تمثل أكبر عقبة أمام إقامة النظام العالمي الجديد، في مكانها.
إن القتال والمقاومة والتصدي والوقوف في وجه أي تهديد، هو جزء من طبيعة هذه الأراضي ومن روح شعبنا. ولكن هل تعلم ما هي قضيتنا الحقيقية؟ نحن كمجتمع نواجه صعوبة في رؤية الأمواج التي تقترب. أولئك الذين وصفوا تحذيرات نجم الدين أربكان السابقة بأنها "هراء" ومثله العظيمة بـ "الأحلام"، وأولئك الذين استهانوا بتحليلات تيومان دورالي واعتبروها "فلسفة"، كانوا يعرفون أنهم مخطئون وأنهم سيخطئون مرة أخرى. والآن ها هم مرة أخرى على الشاشات وفي الزوايا وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدأوا يقولون "لن تهاجم إسرائيل تركيا. أردوغان يزرع الخوف في قلوبكم". يجب أن نرى هذا الفخ قبل إسرائيل. وما تبقى نكله إلى الله.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة