إن من أبسط الدروس التي نتعلمها من الحياة ولا تتوقف عن تكرارها هي أن أساس كل علاقة فاشلة وكل نهاية مريعة هي وضع الثقة في غير أهلها، وفي غير محلها.
يحدث هذا على الصعيد الشخصي في علاقاتنا التي تنتهي بمأساة أو حزن وربما بفاجعة، في علاقات الصداقة والعمل والزواج كذلك، فنكتشف متأخرين أننا المسبب الأول في هذا الفشل، لأننا بنيناه أصلا على أساس لم نحسن دراسته وقياس مدى صلاحيته وقدرته.
في العلاقات الاقتصادية أيضا تفشل الشركات نتيجة لسوء إدارتها، أو لأخطاء تراكمت بسبب قلة الأهلية التي يتمتع بها المدير، أو الخبراء الذي تعتمد عليهم الشركات لرصد تحركات الأسواق المحلية والعالمية المستقبلية.
يحدث أيضا مع كل حاكم ينتخب فلا يسأل عن حاله وأنه أهل للطاعة لم يسرف، ولم يفسد، ولم يحارب الدين بخداع، ولم يسرق، ولم يكن وليا لأعداء المسلمين.
الأمر ذاته يتم في العلاقات بين الجماعات والدول، وهي ربما من أخطر العلاقات التي يجب أن تبنى على أسس ومعايير دقيقة، كون الخسارة فيها تتحملها أمة بأكملها وشعب بكامل مقدراته وأفراده وتاريخه ومستقبله وربما وجوده أيضا.
بناء الثقة يحتاج لأمرين في الأغلب الأول ان تعرف الأخر جيدا، فتدرس تاريخه، وحياته، وأفكاره، وحتى سلوكه، ونشاطه، وطاقته، المحن والأزمات التي مرت به فانتصر عليها أو انتصرت عليه، وكيف يتعامل مع الأخرين والزاوية التي يراهم منها.
وأن تجعل لهذا مقاييس تعتمد عليها فتبحث عن تاريخ من تريده أن يدير شركتك مثلا قبل أن يصل إليك فتنظر إلى سجله، وما أقدم عليه من صفقات مربحة للشركات التي كان يعمل بها، وأنه كان موظفا منضبطا مخلصا ويمتلك علاقات رائعة مع زملائه.
وتفعلها عندما تختار صديقا مثلا فتنظر لعلاقاته بأصدقائه القدامى وأسلوبه في التعاطي مع هذه العلاقات وطريقة حديثه عنها وتلميحاته وأخلاقه وأهدافه وتقواه.
نفعل هذا بشكل ممتاز في مجتمعاتنا عندما نقدم على الزواج فنقوم بسلسلة العائلات وتاريخها، والبحث باستفاضة عن الشخصيات التي أحسنت أو أساءت للعائلة، ونبني اختياراتنا على هذا، وفي الكثير من مجتمعاتنا نجد أن فرص الزواج تكون محصورة في عدد من الأسماء والعائلات التي تجتاز الاختبارات، ولا نسمح بتخطي هذه الحواجز أو كسرها حتى وإن تجاوزت نسب العنوسة لدى فتيات هذه العوائل حدودا مرتفعة.
كذلك في العلاقات بين الدول، فعندما تختار الدول حلفاءها تبحث عن المشترك العقائدي والتاريخي والأهداف المشتركة كذلك، وتنجح هذه الشراكات في تحقيق أهدافها على الأغلب لأنها تبنى على أسس اختبرت من قبل.
يحدث هذا في تلك البلدان التي تملك رفاهية التفكير والتخطيط بالتأكيد واستراتيجيات واضحة، وليس في بلاد المسلمين السنة المنهكة جدا اليوم، والتي تقوم على الارتجال في كل مشاريعها لا في سياساتها فقط، كونها لم تتمتع حتى اليوم بالاستقلال والاستقرار اللذان يتيحان لها فرصة معرفة قيمة التخطيط والبحث وإدخال هذا المنهج في تحركاتها وتحالفاتها.
لا أعتقد أن الشريف حسين مثلا كان يعرف تاريخ الإنكليز الاحتلالي كاملا عندما بدأ مراسلاته المشؤومة معهم (مراسلات حسين مكماهون).
وربما ولكي لا نجزم بضحالة علوم و خبرة سياسيينا نقول بأنه ربما اعتقد أنه يحظى بأهمية ما أو مكانة خاصة لديهم، وهذا هو السبب الثاني لتورطنا بعلاقات فاشلة، فأنت عندما تتعرف على شخص سفيه، أو قاتل، أو وقح، أو لص، وتتوقع منه أن يكون معك مهذبا وأمينا وطيبا فهو غباء مطبق ولاريب.
كذلك بالنسبة لتلك العلاقة التي ربطت الشريف حسين بالإنكليز يومها، والذي اعتقد أن له تلك المكانة المتميزة ، ولم يقارن حاله بحال أخر ملوك الهند المسلمين بهادر شاه مثلا، والذي انتهى بنهايته حكم المسلمين للهند والذي استمر لـ 800 عام وتم عبر خطوات عديدة تعاد اليوم في دولنا وهي غزو من الدولة الصفوية ودمار هائل لدلهي وغنائم كبيرة عاد بها الصفويين في عام 1740م، تلاها تدهورت أحوال البلاد، والذي سهل دخول البريطانيين باسم شركة الهند الشرقية البريطانية، واستطاعوا السيطرة من خلالها على الهند، ثم دخلوا دلهي في بدايات القرن التاسع عشر، وكانت الأوضاع مزرية للمسلمين وقتها، وكان حكامهم لا يتعدون أن يكونوا تابعين للبريطانيين.
في تلك الظروف استلم بهادر شاه الحكم عام ،1838 ولاحت بوادر الثورة في عهده، واتحد المسلمون والهندوس في ثورة عارمة على المحتل البريطاني، وكما العادة فقد وجد المستعمر تلك الطائفة التي تساعده وتدعم تسلطه على بلادها والتي تمثلت في السيخ.
نجح الإنكليز في القضاء على تلك الثورة، وسيق الملك إلى الأسر، وهناك قدموا له في وجبته الأولى رؤوس أولاده الثلاثة الذين قتلوهم في الطريق إلى القلعة، وقاموا بقطع رؤوسهم وطهيها وتقديمها للشيخ الطاعن في السن دون رحمة.
حكم عليه بالمنفى ومات في بورما وحيدا ومنعت بريطانيا المسلمين من إقامة سور أو بناء لقبره لنحو قرن من الزمان، وتكتمت على موته لفترة طويلة، ثم بني القبر وتم تعريف الناس به وأصبح مزارا للهنود هناك.
وقد ذكر في مقال أوردته مجلة الحج 1372 هـ أن: " القائد الهندوسي المشهور ( سبهاش تشندربوس ) الذي قام على رأس قوة ضد الإنجليز أثناء الحرب العالمية الثانية , ذهب إلى قبر ملك الهند السابق في سبتمبر سنة 1943م و أدى له التحية العسكرية تقديرا لموقفه الخالد في محاولته إخراج الإنجليز سنة 1857م و عاهد الله أمام قبره أن يظل مجاهدا ( لو قال مناضلا لكان أفضل ) حتى تتحرر الهند و يخرج الإنجليز و تتحقق أمنية الملك المظلوم الراقد بعيدا عن وطنه ... ثائر يحيي رفات ثائر".
القصص تتكرر في كل مكان من العالم، والنتيجة واحدة ضياع البلاد والعباد بين أنياب الطامعين والمستعمرين.
والقضية هنا أن الحكايات تعاد بحذافيرها ولا نتعظ، في علاقات الدول مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تقوم اقتصاداتها على ثروات العالم الثالث.
ويعود المقاومين وطلاب الحرية للاستعانة بدول لا تقدم لشعوبها الحرية ويتأملون منها غير الفتك بهم.
ويتعاون مسلمون يدعون تحرير الأماكن المقدسة مع دول يشهد لها تاريخها وحاضرها بأنها لم تتوقف عن الكيد للإسلام والمسلمين وأنها تحالفت مع كل عدو لهم.
وما نزال لا ننتبه لرموزنا وعلمائنا المخلصين، نتركهم بين براثن الحاجة والفقر شتاتا في دول أوروبا وتعففا منهم عن طلب العون، ونمجد الخونة و المرتزقة.
ولا نحرك ساكنا لتاريخنا يُزَوَر، وقبور عظمائنا ومساجدنا وأثارنا الإسلامية العظيمة تُدْرَس وتُغَيب تحت حجج شتى لكي ننساها ولا تحرك أرواحنا.
ولا ننتبه لوحدتنا كمسلمين وقوة ما نملكه مجتمعين ونحن ندير ثرواتنا بأيدينا، فنطرد كل عدو وعميل ومحتل، ونعيد لبلادنا الحياة ونخلصها من الشرور والضياع.
إن وعي الشعوب هو المعول عليه، وإن أخذ زمام المبادرة وبذل الوقت والنفس والمال له هو ثغر من أهم ثغور الأمة اليوم.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة