تاماس بلتسر، محلل النفط والغاز في شركة "إرسته إنفستمنت": - قرار أوكرانيا الأخير يدفع روسيا إلى زيادة صادرات الغاز عبر السوق التركية - ستعمل روسيا على نقل كميات أكبر عبر خطي "السيل الأزرق" و"تورك ستريم" (السيل التركي) - إذا أُديرت المرحلة بشكل صحيح فإن تركيا تتمتع بمستقبل واعد كمركز تجاري للطاقة أكيرا ياناغيساوا، كبير الاقتصاديين في معهد اقتصاديات الطاقة الياباني: - الخيارات المتاحة أمام أوروبا لتلقي الغاز الروسي أصبحت محدودة للغاية خارج خط "تورك ستريم" - ستلعب تركيا دورا مهما بشأن بزيادة حجم الغاز الذي يتم نقله عبر خطوط الأنابيب من روسيا إلى أوروبا
يفتح انتهاء أجل اتفاقية عبور الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا، مطلع العام الجاري، المجال أمام تركيا لتعزيز مكانتها كجسر لعبور الغاز الروسي نحو القارة العجوز، عبر خط "تورك ستريم" (السيل التركي)، بحسب خبراء في صناعة الطاقة.
وقبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، كانت روسيا المورد الأكبر للغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي بنسبة 45 بالمئة من مجمل الاستهلاك الأوروبي للغاز، بفضل استثمارات مليارية من خطوط الأنابيب.
ورغم أن حصة روسيا في محفظة الغاز الأوروبية بلغت 201.7 مليار متر مكعب في عام 2018، فإن هذه الكمية انخفضت بشكل كبير إلى نحو 35 مليار متر مكعب في عام 2023.
ومن هذه الكمية، تم نقل 15 مليار متر مكعب عبر خطوط الأنابيب التي تمر بأوكرانيا في 2023 وارتفع قليلا إلى قرابة 16 ملياراً في 2024، بينما تم تسليم البقية على شكل غاز طبيعي مسال.
ونتيجة للعقوبات المفروضة بسبب الحرب، فقدت روسيا العديد من عملائها لصالح موردي الغاز الطبيعي المسال مثل الولايات المتحدة وقطر، وكذلك لصالح النرويج التي عززت قدرتها الإنتاجية.
ومع إغلاق خطوط الأنابيب الرئيسية التي تنقل الغاز الروسي إلى أوروبا مثل "نورد ستريم 1"، و"نورد ستريم 2"، وخط "يامال-أوروبا"، يبرز خط أنابيب "تورك ستريم" الذي يمر عبر تركيا كمسار النقل الوحيد للغاز الروسي إلى أوروبا في حال توقفت الإمدادات عبر أوكرانيا بشكل تام.
وجرى إطلاق مشروع "تورك ستريم" في يناير/ كانون الثاني 2020 بموجب اتفاق بين تركيا وروسيا، وهو يتمتع بقدرة نقل كبيرة تجعله محط أنظار في معادلة الطاقة.
ويتألف المشروع من خطين، تبلغ طاقة كل منهما 15.75 مليار متر مكعب سنويا؛ وحتى الآن، تمكن المشروع من نقل أكثر من 40 مليار متر مكعب من الغاز إلى تركيا، و53 مليار متر مكعب إلى أوروبا.
ووفقا لمسؤولين روس، فإن استخدام "تورك ستريم"، يمكّن روسيا من نقل ما يصل إلى 63 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر تركيا.
من جهة أخرى، يرى خبراء أن وقف الغاز عبر أوكرانيا قد يؤدي إلى خسائر سنوية تُقدر بنحو 800 مليون دولار من إيرادات العبور بالنسبة لأوكرانيا، و5 مليارات دولار من عائدات بيع الغاز لشركة "غازبروم" الروسية.
** منفذ رئيسي
وفي حديث للأناضول، قال تاماس بلتسر، محلل النفط والغاز في شركة "إرسته إنفستمنت"، إن قرار أوكرانيا الأخير يدفع روسيا بشكل غير مباشر إلى زيادة صادرات الغاز عبر السوق التركية، ونقل كميات أكبر عبر خطي "السيل الأزرق" و"تورك ستريم".
وأضاف بلتسر: "بسبب إغلاق المسارات الرئيسية لنقل الغاز الروسي، أصبحت السوق التركية نقطة خروج أكثر أهمية لصادرات الغاز الروسي".
وأشار إلى أن تركيا ليست فقط مركزا إقليميا لتجارة الغاز، بل تلعب أيضا دورا حاسما في إمدادات الغاز إلى جنوب وشرق أوروبا.
وأوضح أيضا أن قرب تركيا من العديد من الدول المصدّرة للطاقة، ووجود خطوط أنابيب تربطها بهذه الدول يمنحها موقعا استراتيجيا فريدا.
وتابع: "هناك العديد من الفرص المتاحة إذا تم حل المشكلات المتعلقة بالسياسة والأمن، خاصة في ظل المشروعات المحتملة مثل الغاز القادم من أذربيجان وتركمانستان وحتى مشروع خط الغاز الطبيعي بين قطر وتركيا".
وأكد بلتسر أن "تركيا تعد بمستقبل مشرق كمركز تجاري ونقطة إمداد رئيسية في الطاقة إذا تم إدارة المرحلة بشكل صحيح.. يمكن أن تصبح تركيا مركزا رئيسيا للغاز الطبيعي، حيث تلعب دور الوسيط بين موارد الغاز في الشرق الأوسط، والبحر الأسود، وروسيا، وشرق البحر المتوسط، وبين العملاء الرئيسيين في أوروبا الوسطى والجنوبية الشرقية".
تدفق الغاز إلى أوروبا
بدوره، أوضح أكيرا ياناغيساوا، كبير الاقتصاديين في معهد اقتصاديات الطاقة الياباني، أن حوالي 45 مليار متر مكعب من الغاز كان يتم نقله سنويا عبر أوكرانيا من روسيا إلى أوروبا قبل توقف الإمدادات.
وقال ياناغيساوا: "نتيجة لذلك، ستضطر أوروبا الآن إلى سد الفجوة في الغاز إما عبر استيراد الغاز الطبيعي المسال من الخارج أو زيادة تدفق الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا عبر تركيا".
وأشار ياناغيساوا إلى أن الخيارات المتاحة أمام أوروبا لتلقي الغاز الروسي أصبحت محدودة للغاية خارج خط "تورك ستريم"، وقال: "لهذا السبب، ستلعب تركيا دورا مهما بشأن زيادة حجم الغاز الذي يتم نقله عبر خطوط الأنابيب من روسيا إلى أوروبا".
من جهة أخرى، أشارت زوزانا برينكوفا، الباحثة في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، إلى أن روسيا قد تزيد إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر "تورك ستريم".
وقالت برينكوفا: "إذا كان هناك سعة فائضة في خطوط الأنابيب التي تمر عبر تركيا، فإن أنقرة قادرة على زيادة نقل الغاز الروسي أو الأذربيجاني إلى أوروبا.. في رأيي، الأمر يعتمد إلى حد كبير على توفر السعة".
مركز للغاز
وعملت تركيا خلال العقدين الماضيين على زيادة قدرتها على تأمين الغاز الطبيعي المسال من خلال إنشاء مراكز تخزين وإعادة تغويز الغاز الطبيعي المسال (تحويله من الحالة السائلة إلى الغازية) وتطوير بنيته التحتية.
كما وقعت تركيا عام 2024، اتفاقيات لاستيراد ما يقرب من 100 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال.
في هذا السياق، أبرمت شركة خطوط الأنابيب ونقل البترول التركية "بوطاش" (BOTAŞ) العام الماضي، اتفاقيات توريد غاز طبيعي مسال مع أربع شركات مختلفة، في خطوة لتعزيز خططها الاستراتيجية في هذا القطاع.
وفي يناير/ كانون الثاني 2023، وقّعت بوطاش اتفاقية مع سلطنة عُمان لتوريد الغاز الطبيعي خلال الفترة من 2025 إلى 2035، تتضمن استيراد مليون طن سنويا (ما يعادل حوالي 1.40 مليار متر مكعب) من الغاز الطبيعي المسال.
كما وقّعت الشركة مذكرة تفاهم مع شركة "إكسون موبيل" (ExxonMobil) في مايو/ أيار الماضي، وتتضمن إمكانية تزويد تركيا بما يصل إلى 2.5 مليون طن سنويا (حوالي 3.45 مليار متر مكعب) من الغاز الطبيعي المسال.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أبرمت بوطاش اتفاقيات توريد مدتها عشر سنوات مع شركتي "شيل" (Shell) و"توتال اينيرجيز" (TotalEnergies)، تدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من عام 2027.
وتتضمن الاتفاقية مع "شيل" (Shell) توريد 4 مليارات متر مكعب سنويا، بينما تتيح الاتفاقية مع "توتال اينيرجيز" استيراد 1.6 مليار متر مكعب سنويًا.
وبموجب هذه الاتفاقيات، يُتوقع أن توفر تركيا ما يصل إلى 100 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي خلال مدة الاتفاقيات.
وإلى جانب الغاز الطبيعي المسال، تعتمد تركيا على خطوط الأنابيب لتأمين احتياجاتها من الغاز من روسيا، وأذربيجان، وإيران.
وتمتلك أنقرة القدرة على استيراد 31.5 مليار متر مكعب سنويا عبر خط أنابيب تورك ستريم، و16 مليار متر مكعب عبر خط السيل الأزرق.
أما من أذربيجان، فيبلغ حجم الإمدادات عبر خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول "تاناب" (TANAP) نحو 16 مليار متر مكعب سنويا.
وبالنسبة للغاز الإيراني، فإن طاقة خط أنابيب الغاز بين إيران وتركيا تبلغ 10 مليارات متر مكعب سنويا.