كان الجميع يسألني باستمرار: "متى ستسافر؟" وكنت أجيبهم: "لم أتوقع سقوط النظام بهذه السرعة، لذا كان جدول أعمالي مزدحماً جدًا للأسف." وبالفعل بينما كان الجميع يتوجه إلى دمشق، كنت مشغولًا بتنفيذ بعض البرامج التي التزمت بها داخل تركيا وخارجها. وأخيرًا بعد إرسال عدد يناير 2025 من مجلة "تاريخ عميق" المخصص لدمشق إلى المطبعة، توجهت إلى سوريا.
لقد كانت سوريا أول بلد سافرت إليه في بداية العشرينات من عمري. وكانت بوابتي إلى العالم الإسلامي، وموضوع أول كتاب نشر لي، والبلد الذي تعلمت فيه اللغة العربية. لذا كان لسوريا وخاصة دمشق، مكانة خاصة في قلبي.
لقد كان شعورًا لا يوصف أنني سأرى مدينتي الجميلة التي تابعتها عن كثب لسنوات طويلة بسبب الظروف الصعبة. وبينما كنت في طريقي من الريحانية إلى إدلب، ومن ثم إلى حماة وحمص، كنت أشعر بشعور لا يمكن وصفه مع اقترابي من دمشق. وفكرت في نفسي: "إذا كنت أنا أشعر بكل هذه المشاعر، فكيف هي الفرحة التي شعر بها السوريون الذين شردوا من ديارهم، وتعرضوا للقصف بالقنابل والغرق في البحار، وعاشوا في مخيمات لسنوات طويلة تحت وطأة الحر والبرد؟" وبالفعل طوال الطريق كنت أرى علامات واضحة للارتياح والطمأنينة بادية على وجوه الناس، إن مجرد انتهاء عهد حزب البعث هو انتصار كبير بحد ذاته. وعندما تنظر إلى الأحداث السورية من منظور السوريين، تفهم كل شيء بشكل أفضل.
وجدت دمشق كما تركتها تقريبًا، باستثناء الدمار الهائل الذي خلفه قصف النظام في ضواحي مثل جوبر ودوما وحرستا. وفور وصولنا إلى قلب المدينة عبرنا شارع النصر باتجاه سوق الحميدية، ثم إلى الجامع الأموي. وقبل دخول الجامع توجهنا أولًا، وفقًا للأدب والأصول، إلى ضريح "سلطان الشرق المحبوب" صلاح الدين الأيوبي. هنا تحديدًا وقف الجنرال الفرنسي هنري جوزيف غورو بعد انتصاره على الجيش العربي في معركة ميسلون في 24 يوليو 1920، وركل القبر قائلًا: "انهض، لقد عدنا" أما نحن فبعد مرور قرن وبدء عهد جديد في سوريا، وقفنا عند قدمَي هذا السلطان العظيم، لنقدم خالص احترامنا وحبنا وتقديرنا.
كان الجامع الأموي أحد أحب الأماكن إلى قلبي عندما كنت أعيش في دمشق، وربما بسبب تأثير الشوق والحنين، بدا لي الآن أكثر روعة وجلالًا عندما وطأت قدماي فناءه مجدداً. تُرى هل يمكن للأماكن أن تنعم بالطمأنينة؟ يبدو أن الجامع الأموي قد نال نصيبه منها. فقبل وقت قريب كان الخطباء على المنابر يشيدون علناً بجيش البعث وقائده بشار الأسد، ولا شك أن هذا المعلم التاريخي الديني كان يبكي دماً. أما الآن فقد استعاد منبره ومحرابه وأبوابه، ونوافذه وقبة النسر وكل جزء منه، السكينة والطمأنينة. واستعاد الجامع هويته الأصيلة، وعادت زواياه تمتلئ بالدروس والمناقشات العلمية من جديد.
وبينما كنت أتجول داخل أسوار دمشق وخارجها، وأتنقل بين أحيائها، وأجول في حمص وحماة ومعرة النعمان، كان من الصادم والمؤثر أن أشهد ملامح المرحلة الأولى لإعادة الإعمار في بلد دمرته الحرب من كل جانب. لقد بدا واضحًا أن الناس تجاوزوا موجات الفرح الحماسية، وبدأوا الآن يتطلعون إلى تحقيق تحسينات ملموسة وتقدم ملحوظ من الإدارة الجديدة.
إن النهوض ببلد دمرت مدنه، واختلت توازناته السكانية تمامًا، وانقلب اقتصاده رأسًا على عقب، ودمرت بنيته التحتية، ولا تزال تصدعاته الدينية والمذهبية نشطة وقابلة للاشتعال، يُعدُّ مهمة أصعب بكثير مما يُتصور. على الإدارة الجديدة في سوريا أن توفّي بآمال مواطنيها في الداخل، وفي الوقت نفسه تواجه القوى المختلفة التي ستسعى -لأسباب شتى- إلى إفشالها.
وفي هذا المنعطف الحرج الذي تمر به سوريا، تقع مسؤوليات مهمة على عاتق تركيا، بل على عاتقنا جميعًا. ولكن يجب أن نولي اهتمامًا كبيرًا لذلك التوازن الحساس؛ فسوريا ليست إحدى ولاياتنا أو مدننا بل هي جارة عزيزة ساهمنا في تحريرها. لن نسير أمامها أو خلفها، بل سنسير معها جنبًا إلى جنب ويدًا بيد. وأي صيغة أخرى تُطرح لطبيعة هذه العلاقة ستكون بمثابة فرصة ثمينة لبعض الأطراف التي تسعى لإثارة الفتنة بيننا وبين سوريا.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة