التوعية ضد التحرش ليست ترفا

14:356/11/2017, الإثنين
تحديث: 6/11/2017, الإثنين
عبير النّحاس

قد يقول قائل أنه من السطحية أن يحصل هذا التفاعل العالمي والعربي الهائل مع هاشتاغ (#MeToo، أو #أنا_أيضا) في هذا الوقت العصيب الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط والعالم، ووسط سيل من الجرائم الوحشية التي يقترفها العالم المتحضر بحق المدنيين الأبرياء والأوطان وحتى الطفل والمرأة.وقد يتوجس البعض من انطلاق الهاشتاغ من الولايات المتحدة الأمريكية التي يصرح صاحب أعلى منصب فيها بتحرشاته بالنساء خلال فترة الانتخابات تحديدا، ويصرح أخيرا عبر تسجيل مسرب بأن المرأة تقبل التحرش بها عندما يكون المتحرش من المشاهير.تأتي

قد يقول قائل أنه من السطحية أن يحصل هذا التفاعل العالمي والعربي الهائل مع هاشتاغ (#MeToo، أو #أنا_أيضا) في هذا الوقت العصيب الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط والعالم، ووسط سيل من الجرائم الوحشية التي يقترفها العالم المتحضر بحق المدنيين الأبرياء والأوطان وحتى الطفل والمرأة.


وقد يتوجس البعض من انطلاق الهاشتاغ من الولايات المتحدة الأمريكية التي يصرح صاحب أعلى منصب فيها بتحرشاته بالنساء خلال فترة الانتخابات تحديدا، ويصرح أخيرا عبر تسجيل مسرب بأن المرأة تقبل التحرش بها عندما يكون المتحرش من المشاهير.


تأتي أهمية القضايا عادة من خلال عوامل عدة منها :

حجم الشريحة التي تمثلها والموضوع هنا يخص شريحة تقدر بأنها أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية، ولن أكون مبالغة إن قلت أكثر بكثير من النصف، فالتحرش الجنسي لا يخص كل نساء الكرة الأرضية وحسب و اللاتي تعرضن ولو لمرة واحدة لحالة من حالاته على أقل تقدير، ولكنه يخص أيضا الكثير من الأطفال من الجنسين وحتى المراهقين الذكور وأيضا الرجال في المعتقلات والأماكن الخطرة من العالم.


تأتي أهميتها أيضا من خلال النتائج السلبية الكبيرة التي يتركها التحرش على نفسية وسلوك وصحة المتحرش به، والتي قد تصل إلى الانتحار أو الأمراض النفسية التي تؤثر على تفاعله مع العالم لاحقا، والمحيطين به، وقد يقوده إلى ممارسة ما مورس عليه انتقاما ويكون ذلك بالتأكيد مع أبرياء.


عندما ننظر إلى الشريحة التي تفاعلت مع طرح الممثلة الأمريكية "إليسا ميلانو" والتي طالبت النساء اللواتي تعرضن للتحرش بالتفاعل لإظهار حجم المشكلة بعد فضيحة أكبر منتجي هوليود "هارفي واينستين"، ونجد أن الأمر وصل إلى أعلى مراكز القيادة و الوظائف السياسية في أوروبا والولايات المتحدة، والذي من المفترض أن تكون فيه النساء الأكثر قوة في العالم، والأكثر خبرة ووعيا ودراية بحقوقهن، وطرق تفادي مثل هذه التصرفات، وضرورة إدانتها وعدم التهاون معها، ونستطيع أن نتخيل حينها ما يحدث للنساء الأكثر ضعفا في البلدان الأخرى التي لا يساند فيها القانون ولا حتى المجتمع المرأة الضحية.


الحملة التي أطاحت بمسؤولين كبار إذن، والتي شاركت فيها وزيرة خارجية السويد، وأعلن من خلالها عن توثيق امرأة واحدة في البرلمان الأوروبي لخمسن حالة تحرش تعرضت لها في البرلمان مع عدة نائبات مقربات منها، تكشف استفحال المشكلة واستهتار الجناة على أعلى المستويات في دول تعتز بأنها من يطبق القانون و يحمي الحريات و يحفظ حقوق الإنسان، والتي تحكي أن ما دونها قد يكون مظلما جدا.


المشكلة التي تدفع لاستفحال ظاهرة التحرش لها عدة أوجه:

فتساهل القوانين مع المتحرش، وعدم الجدية في تجريم الفعل، هي الدافع الأكبر والمسوغ الأهم.


يأتي بعدها المجتمع الذي يحول الضحية إلى جاني، ويدافع عن الجاني معتبرا إياه الضحية، ويلقي اللوم على المرأة ولباسها دون أن يعطينا مبررا للتحرش بالأطفال الذين لا يملكون وسائل الإغراء التي تتهم المرأة باستخدامها، ولماذا يتم التحرش بالذكور منهم ومن المقربين ومن يفترض بهم حمايتهم، إلا أن يكون هوسا ومرضا نفسيا لدى المتحرش لا علاقة له بالضحية التي أظهر الهاشتاغ العربي أنها قد تكون منقبة ومحجبة حجابا لائقا، وقد رأينا على شاشاتنا من يعتبر أن اغتصاب المرأة التي ترتدي الضيق مثلا واجبا قوميا فما بالك بالشرائح المتدنية.


تأتي بعد ذلك الضحية التي تسكت، ويصور لها الفعل وكأنه عار عليها، وجريمة ارتكبتها لا جريمة ارتكبت بحقها، وهي غالبا تفضل الصمت كونها تربت في مجتمعات تعودت أن لا تساندها، وأن توجه لها اللوم مطلقا، أو أنها تضطر للصمت حفاظا على مكتسباتها الوظيفية كونها مضطرة للعمل لكسب الرزق، وهذا ما يعول عليه المتحرش على الأغلب.


المشكلة الأهم في هذا الأمر هو قلة التوعية والتي تجعل المرأة أو الطفل في حيرة في البداية من تحديد نوع الفعل الذي يمارس عليه، وتصنيفه على أنه تحرش وجريمة يجب أن يتم إيقافها ولو بالقوة مع المحاسبة عليها، و و دور هام جدا للأسر والجمعيات النسائية وحتى مؤسسات الدول.


ولعلنا ندرك أن السبب الأول للتحرش بالنساء هو استضعافهن، والنظرة الدونية للمرأة من قبل المجتمعات بشكل عام، والتي تبنى على تسليع المرأة ،فهي في المجتمعات الغربية أداة للمتعة ويتم من خلالها عرض وترويج السلع، ولا ننسى نضال المرأة المرير من أجل حصولها على أجر مساو للرجل في العمل، وهو الأمر الذي بدأ منذ نشوء المجتمعات الصناعية التي قامت على تفكيك الأسر واستخدام النساء للعمل بأجور زهيدة لاضطرارهن للعمل، وهو ما استمر في الكثير من تلك البلدان، وفي كل بلدان الشرق و الشرق الأوسط التي يفضل فيها أصحاب العمل استخدام النساء نظرا لقبولهن بالأجر الزهيد، وصمتهن على ظروف العمل، وما يتعرضن له من مضايقات من أرباب العمل أنفسهم.


ولا أعتقد ان هناك من يستطيع تجاهل ما تتعرض له النساء في الحروب والمعتقلات، واستخدام التحرش الجنسي بحقهن والاغتصاب كوسائل عقوبة وضغط، ولا أعتقد أن القصص ستتوقف عند نساء المتعة اللواتي استخدمن الجيش الياباني من شعوب البلدان المعتدى عليها من قبله، أو عند نساء افريقيا المستعبدات، أو حتى نساء الحروب في أوروبا الشرقية، والعراق، وسوريا، وغيرها ما لا يحصى من القصص التي من الغباء تجاهلها أو تجاهل انعكاساتها الهائلة على عالمنا.


وأخيرا من الخطأ ان نعتقد ان التحرش الجنسي هو التحرش الوحيد أو الذي يمتلك أعلى قائمة من الضحايا، فهناك التحرش الفكري، والتحرش النفسي أيضا، واللذان يمتلكان قائمة أكبر بكثير من التحرش الجنسي، وسأفرد لهما مساحة في مقالتي القادمة بعون الله، فالأمر جلل، والتوعية به قضية لا مجال للمساومة على أهميتها.

#العصيب
#الفكر
#قائمة