يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية، قد أطلقت الرشقة الأولى لحرب تجارية قد يطول أمدها بين القوى الاقتصادية الكبرى حول العالم.
وستتجلى تداعيات الحرب على الاقتصادات الهشة، التي تعتمد بشكل كبير في تجارتها مع تلك الدول، بحسب تقديرات الخبراء والمتابعين.
وفي 5 يوليو/ تموز الجاري، بدأت الإدارة الأمريكية رسميًا، فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25 بالمئة على 818 سلعة صينية بقيمة 34 مليار دولار.
وقد كانت الإجراءات الانتقامية متكافئة، حيث ردّت الصين بفرض تعريفات جمركية بقيمة 50 مليار دولار على سلع أمريكية هي في الأغلب سلع زراعية.
أعقب ذلك، تحذير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من أن الولايات المتحدة ربما تستهدف في نهاية المطاف سلعًا صينية بقيمة تتجاوز 500 مليار دولار، بما يعادل إجمالي الواردات الأمريكية من الصين العام الماضي.
** تحذير أوروبي
ومطلع الشهر الجاري، حذر الاتحاد الأوروبي، من اتجاهه لفرض رسوم على صادرت أمريكية بقيمة 294 مليار دولار، ضمن حزمة تدابير مضادة، في حال فرض الولايات المتحدة رسومًا على واردات السيارات الأوروبية.
جاء ذلك، بعد تهديد الرئيس الأمريكي، بفرض رسوم جمركية جديدة على السيارات المستوردة إلى الولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
وقال ترامب حينها: "استنادًا إلى التعريفات الجمركية والحواجز التجارية التي وضعت على الولايات المتحدة وشركاتها الكبرى من طرف الاتحاد الأوروبي، وإذا لم يتم تفكيك هذه التعريفات والحواجز قريبًا وإزالتها، سنضع تعريفة 20 بالمئة على جميع سياراتهم (المستوردة) القادمة إلى الولايات المتحدة".
** خسارة مؤثرة
وقال الخبير الاقتصادي إبراهيم الفليكاوي، إن الحرب التجارية التي بدأت بين القطبين الصيني والأمريكي، لن تكون ذا تأثير على البلدين "فقط". مضيفًا "الكل خاسر من هذه الحرب".
وذكر الفليكاوي، في اتصال هاتفي من الكويت، أن الآثار ستمتد للأسواق العالمية، وستتجلى آثارها في الأسواق الهشة، التي تتعامل شركاتها بالتصدير أو الاستيراد مع الدولتين.
وتابع: "طول أمد التوترات، قد تؤثر على إمدادات النفط على المدى المتوسط، مع التراجع المحتمل لنمو الاقتصاد العالمي".
الخبير الكويتي، أشار إلى الأضرار الكبيرة التي ستظهر باقتصادات الدول الكبرى، مع تزايد وتيرة القرارات الانتقامية، وربما تتجه أنظار المستثمرين للملاذات الآمنة كالذهب.
وزاد: "قد تجتاح دول العالم، موجات تضخمية واختلالات في تدفقات رؤوس الأموال، وحالة من عدم اليقين تؤثر على البورصات العالمية".
** تقليص العجز
وقال جاسم عجاقة، الخبير الاقتصادي والأستاذ في الجامعة اللبنانية، إن "واشنطن تحاول تقليص العجز التجاري الكبير مع الصين، من خلال هذه الإجراءات".
وأضاف عجاقة، في اتصال هاتفي مع "الأناضول" من بيروت، إن "سياسة ترامب تستهدف حماية القطاع الصناعي الأمريكي من المُنافسة العالمية، مثلما أعلن في برنامج الانتخابي قبل قدومه رئيسًا".
ولفت إلى أن أحد السيناريوهات القائمة، تتضمن تراجع الولايات المتحدة عن قراراتها، حال تصاعد وتيرة القرارات المضادة، مثلما حدث في 2002، حيث فرضت واشنطن رسومًا جمركية نسبتها 30 بالمئة على واردات الصلب، واستمرت لمدة سنة ثم ألغيت.
وتابع عجاقة: "الإجراءات لها تداعيات على كل دول العالم المصدرة إلى أمريكا وعلى رأسها الصين (22 بالمئة من إجمالي الاستيراد)، الاتحاد الأوروبي (18 بالمئة)، المكسيك (13 بالمئة)، اليابان (6 بالمئة)، الدول العربية (2 بالمئة) ودول الخليج (1 بالمئة)".
وتشكل الواردات الأمريكية حالياً نحو 23 بالمئة من الناتج الإجمالي العالمي مقارنة مع 17 بالمئة عام 2000.
** حرب أكبر
ويرى بنك قطر الوطني (أكبر مؤسسة مالية في منطقة الشرق الأوسط)، أن تبادل الرسوم الجمركية بين الدول الاقتصادية الكبرى، قد تكون الرشقة الأولى لحرب تجارية أكبر من ذلك بكثير.
وذكر التقرير البحثي للبنك، أن الحيوية الحالية للاقتصاد الأمريكي، تشجع الرئيس ترامب على تحمل مخاطر أكبر فيما يتعلق بالسياسة التجارية.
وأشار "قطر الوطني" إلى أن التعريفات الجمركية، التي تم الإعلان عنها حتى الآن، والتي تقارب قيمتها 100 مليار دولار، لا تغطي سوى نسبة تزيد قليلاً عن 3 بالمئة من إجمالي الواردات الأمريكية.