الدولة الكردية.. أول خطوط "سايكس بيكو" الجديدة

11:0510/10/2017, Salı
تحديث: 10/10/2017, Salı
عبير النّحاس

تظهر لنا الصورة القادمة من الشمال العراقي، والشمال الشرقي السوري، انعكاسات سياسات رئيس الولايات المتحدة المتعجلة، وغير الصبورة، المادية، والواضحة جدا في طلب دفع فواتير الحماية الأمريكية دون مماطلة.فبعد أن قالها صراحة قبل توجهه لمؤتمر الرياض، ها هي تلوح في المنطقة بخطوات عملية ومتسارعة جدا في المنطقة هنا.النفط العراقي مقابل الحماية التي بدأت منذ تحديد الولايات المتحدة لخطي العرض (31 و32)، عندما تم قمع الثورة الكردية من قبل نظام الرئيس الراحل صدام حسين، والنفط السوري مقابل السلاح المقدم إلى "وحدات

تظهر لنا الصورة القادمة من الشمال العراقي، والشمال الشرقي السوري، انعكاسات سياسات رئيس الولايات المتحدة المتعجلة، وغير الصبورة، المادية، والواضحة جدا في طلب دفع فواتير الحماية الأمريكية دون مماطلة.


فبعد أن قالها صراحة قبل توجهه لمؤتمر الرياض، ها هي تلوح في المنطقة بخطوات عملية ومتسارعة جدا في المنطقة هنا.


النفط العراقي مقابل الحماية التي بدأت منذ تحديد الولايات المتحدة لخطي العرض (31 و32)، عندما تم قمع الثورة الكردية من قبل نظام الرئيس الراحل صدام حسين، والنفط السوري مقابل السلاح المقدم إلى "وحدات حماية الشعب" في سوريا، والتي تعلم الولايات المتحدة والعالم جيدا أنها تقاد من جبال قنديل.


وبأسلوب لم يتغير منذ حربها على أفغانستان تعمد الولايات المتحدة لاستخدام المتطرفين الإسلاميين (داعش اليوم) أداتها الناجحة دوما للتوغل في المناطق السنية فتتمكن منها وتنفي عنها المقاومة المعتدلة، ثم تتقدم القوات الكردية لتسلمها "داعش" تلك الأماكن قبل اختفائها أو توجهها لمناطق جديدة، فتقيم الولايات المتحدة قواعدها التي بلغت العشرة حتى اليوم في الشمال السوري وحده.


ولا تخفي إسرائيل دعمها وتصريحاتها بأن وجود دولة كردية في هذه المنطقة هو أمر نافع وهام، وهذا حقيقي لأنه يحقق لها مصالحها بالوكالة والتي تتجسد في استنزاف البلدان المحيطة بها (تركيا، العراق، سوريا)، والتي يمكن أن تقف عائقا في وجه مشروعها الكبير بإسرائيل من الفرات إلى النيل.


هل يعتقد الأكراد أنهم سيبنون بالنفط دولة قوية؟

حسب الإحصائيات المقدمة من وكالة الطاقة الدولية فإن نفط الإقليم يبلغ نحو 4 مليارات برميل، ولكن المسح الجيولوجي الأمريكي يقول بأن الرقم اعلى من ذلك بكثير، فلو أضفنا له نفط دير الزور، والمنطقة الشمالية الشرقية من سوريا التي تسيطر عليها الأحزاب الكردية لاستطعنا فهم حقيقة الدور الأمريكي والدعم المنقطع النظير لـ "وحدات حماية الشعب"، وإصرارها على فتح ممر نحو البحر المتوسط.


وبهذا يكون دور هذه الدولة "الحلم" أن تحقق مصالح إسرائيل والولايات المتحدة بآن معا، أما مصالح الأكراد أنفسهم فلا شك أنها لن يكون لها أي أثر على حياتهم الاقتصادية والاجتماعية، وحتى التخلص من استبداد الأحزاب اليسارية، فضلا عن الانتفاع بالثروات.


كما حصل معنا نحن العرب عندما تم خداعنا بما يسمى القومية، والدولة القومية العربية، وبقينا لعقود نردد شعارها الزائف (أمة عربية واحدة) الذي دفن في مهده أصلا، وفرغ من محتواه، وما كانت تلك الحكومات التي ترفعه إلا أداة لتحقيق مصالح المستعمر الذي جاء بها ونصبها على بلادنا بانقلابات دموية لتنوب عنه.


تذكر هذا بوضوح الخرائط التي تصلنا عن سايكس بيكو الجديدة التي ابتدعتها الولايات المتحدة عندما فتحت أعينها ثورات الربيع العربي على أن سايكس بيكو الأوروبيين لم تعد نافعة بعد استيقاظ الشعوب ووعيها وشجاعتها، وقدرتها على التخلص من الحكومات التي جثمت على صدرها لعقود لتحقق مصالح المستعمر في قمع وتجهيل وظلم شعوبها، مستعينة بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة من قتل وتنكيل، واثقة من عدم محاسبتها من قبل القانون الدولي مادامت تخدم قطبه الواحد.


فهل سيرغب الأكراد من جديد بإعادة اللعبة القديمة المتجددة التي سئمناها نحن، ولعب دور الشعوب الضحية لعقود أخرى، وكل الحقائق تدل على أنها سايكس بيكو أخرى تعيد صياغة المنطقة من جديد، بعد أن هزت الثورات المباركة عروش الحكام المستبدين، وهل يعتقدون أن دورهم سيكون مختلفا عن دور دول الخليج مثلا التي لم تمتلك إلى اليوم بنية تحتية تحميها من أقل كمية من المطر بعد عقود طويلة من ظهور بحار النفط فيها.


دور المثقفين من الأكراد هنا

لا يغيب  الوعي عن الأكراد فيما يحاك لهم، ولا يسكن هوس الانفصال العقلاء منهم، فالشعب الكردي الذي خرج منه صلاح الدين يوما كان وما زال جزءا أصيلا من الأمة، ويعي جيدا بأن تلك العقول اليسارية والشيوعية والقومية لا تفكر في غير مصالحها الشخصية ومكاسبها، وهم يرفضون ما يتشدق به سياسييهم بعد ان أدركوا أوجاع الدولة القومية وعانوا من شرورها، وقد تجلى هذا في بداية الثورة السورية عندما خرج الجميع لهدف واحد، وبصوت واحد لرفع الظلم، وكذلك عندما فتح الأكراد بيوتهم للعرب السنة الهاربين من جحيم المعارك في العراق رغم التضييق، وهم شعب أغلبه سني مسلم رافض للعنصرية، ويبحث عن العيش الكريم والمستقبل المزدهر لأبنائه، بعيدا عن الحرب وأطماع السياسيين.


يدرك الشعب الكردي الواعي خطورة أن تتكون دولة بأيد أمريكية، ويعرف أن الخاسر الأكبر سيكون سكانها المدنيين الذين سيقع على عاتقهم رفد تلك الدولة بأبنائهم وبناتهم أولا لسد الخلل في الجيوش، ومن ثم بتقبل الفقر كمصير لهم لأمد طويل ريثما تستقر أركان تلك الدولة، وهو ما لن يحصل بالتأكيد، ولن تسمح به إسرائيل والولايات المتحدة، لأنها دولة مهمتها الاستنزاف، بعد إمداد الولايات المتحدة بالنفط طبعا.


ويدرك من عاش خارج تلك المناطق أو وجود تلك الدولة سيوسع الشرخ بين الأكراد بصفة عامة والشعوب التي تقطن البلاد المجاورة وتفقدهم كل المكاسب التي ناضلوا وتعبوا للحصول عليها لأجيال مضت.


بل أمة واحدة

يعلم من ذهب إلى الحج أو العمرة لمرة واحدة كم في شعار الدولة القومية العربية من تقزيم للأمة عندما اختصرها بالعرب فقط، ونفى منها كل تلك الشعوب التي كانت تشكل معنا دولة واحدة قوية يوما، ولن يعدم عاقل من الوصول لفكرة أن هذا الشعار صنعته يد المستعمر وزرعته ذراعه في بلادنا ليسهل عليه تحقيق أهدافه في تمزيقنا وتفريقنا وعزلنا عن بقية الشعوب.


وأعتقد ان حلما ما راود كل طفل عربي راح يردد يوما في طفولته شعار حزب البعث الذي أسسه "ميشيل عفلق" لضرب الوحدة الإسلامية والتعمية عن الفعل بوحدة عربية تقابلها، وأن يأسا ما أيضا نال منه وهو يقرأ أو يسمع أو يرى كل تلك المحاولات لصنع تلك الوحدة والتي باءت بالفشل، وكان أخرها مجلس التعاون الخليجي والذي لحق بالركب مؤخرا لأن أمر الوحدة مرفوض لدى الولايات المتحدة.


ونرى أن الدولة الطائفية والقومية الصغيرة مقصوصة الجناحين، ستكون شعارا خالصا للمرحلة القادمة، حسب ما يتفتق به الذهن الاستعماري، لكن الله غالب على أمره.

#الدولة الكردية
#سايكس بيكو
#الولايات المتحدة