- علي السويح، عضو مجلس الدولة: المصالحة الوطنية من أهم القضايا في الشأن الليبي الآن وتعتبر جزءا لا يتجزأ من الحل السياسي - خليفة الدغاري عضو مجلس النواب: ليبيا تحتاج مصالحة سياسية وليس مصالحة مجتمعية - الباحث بشير الجويني: ما حصل ويحصل في ليبيا في العشر سنوات الأخيرة هو أن المصالحة الوطنية في جزء كبير منها بقيت أسيرة التجاذبات
أجمع سياسيون ليبيون وخبراء أن المصالحة الوطنية في ليبيا تهم جميع الأطراف في البلاد دون استثناء.
واعتبروا في تصريحات للأناضول، أن تقاليد الليبيين وإرثهم وأعرافهم تكفل إنجاز مصالحة تحتاجها ليبيا والمنطقة عموما.
وأقر مجلس النواب الليبي بتاريخ 7 يناير/ كانون ثاني الجاري، خلال جلسة برئاسة رئيس المجلس عقيلة صالح بمدينة بنغازي شرق ليبيا بالأغلبية، مشروع قانون المصالحة الوطنية بعد "استيفاء مناقشة ومداولة مواده"، الأمر الذي رفضه المجلس الرئاسي الليبي واعتبره "تسييسا".
المجلس الرئاسي دعا إلى "الالتزام بالاتفاق السياسي الليبي (لعام 2021)، كأساس شرعي لتنظيم عمل المؤسسات السياسية وتنسيق اختصاصاتها لتجنب النزاعات وفرض الأمر الواقع".
وأكد أن "إنجاح مشروع المصالحة الوطنية يتطلب تعاون كافة الأطراف لإرساء العدالة والسلم الأهلي“.
وفي 9 سبتمبر/ أيلول 2021، أعلن المجلس الرئاسي الليبي إطلاقه مشروع المصالحة الوطنية الشاملة، وهي المهمة التي كلفه بها ملتقى الحوار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة بين أطراف النزاع الليبي في جنيف في يناير/ كانون الثاني 2021، والذي انبثق عنه "الرئاسي" في 5 فبراير/ شباط 2021، إلى جانب حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
علي السويح، عضو مجلس الدولة الليبي اعتبر أن "المصالحة الوطنية من أهم القضايا في الشأن الليبي الآن"، وأنها "جزء لا يتجزأ للحل السياسي بين كل الأطراف."
وأضاف السويح في تصريحات للأناضول أنه في "ليبيا ليست هناك مشكلة بين طرفين واضحين بأتم معنى الكلمة، بل بين عدة أطراف، والليبيون يريدون مصالحة مبنية على قاعدة سليمة وفق قوانين يتفق عليها الجميع“.
** تفرد بعض الاطراف
وحول إقرار البرلمان مصالحة قال السويح: "المشكلة أن بعض الأطراف تحاول التفرد بملف المصالحة وتحاول استثمارها“.
وأضاف: "ملف المصالحة يحتاج إلى اتصالات و حوارات بين الأطراف المختلفين في الشأن الليبي وما ترتب عليه من مشاكل نريد وضع حل لها“.
وتابع: “الحل ليس بيد مجلس النواب ولا المجلس الرئاسي فقط أو مجلس الدولة، هذا شأن ليبي عام، ومشكلة المصالحة مشكلة عامة في ليبيا يجب الانفتاح والتعاون بين هذه الأجسام مجتمعة.. الجميع بما فيها الأجسام التنفيذية وكذلك الأطراف ذات العلاقة."
ويفسر السويح ضرورة الانفتاح على الجميع بأن "هناك بعض الأطراف (لم يذكرها) تضررت وهي غير موجودة في الساحة السياسية".
وأضاف: "نحن لاحظنا أنه بمجرد صدور القانون عن مجلس النواب، شكك فيك فيه المجلس الرئاسي وكذلك مجلس الدولة وبعض الأطراف الأخرى“.
** الجميع يحتاجها
وحول غياب آلية تجميعية لحوار يشترك فيه الجميع، قال السويح: "الذي حصل في العمل السياسي والتجاذبات انعكس حتى على ملف المصالحة الذي من المفروض ألا يحصل له ذلك، لأنه يلبي مصلحة عامة ويلبي طلبات المتضررين ويجمع شمل ليبيا ولكن كل الصراعات تم إقحامها في كل الملفات وهذه أكبر مشكلة تواجه ليبيا".
وأضاف: "إذا كان المجلس الرئاسي ومجلس النواب ومجلس الدولة يدّعون أن لهم أسبقية في ملف المصالحة، فإنني أعتبر أن الأمر ليس مسألة أسبقية".
وأردف: "من المفروض أن يحصل تواصل وحوار شفاف ودائم بين كل الأطراف، سواء أكان مجلس النواب أو مجلس الدولة أو المجلس الرئاسي أو الجهات التنفيذية والأطراف ذات العلاقة من المتضررين في ملف المصالحة".
وتابع: "لو وجدت إرادة حقيقية للوصول إلى حوار بين الجميع، فليس مستحيلا التوصل لاتفاق.. نحن مستعدين في مجلس الدولة للتواصل إلى أبعد الحدود وليس لنا مشكلة ولا نريد التفرد بملف المصالحة“.
** قابل للتعديل
وردا على الاتهامات بـ"التسرع والتسييس" في إطلاق هذا القانون، قال خليفة الدغاري عضو مجلس النواب الليبي: "هذا القانون ليس نهائيا وإذا كانت هناك تعديلات مطلوبة أو ملاحظات يمكن تعديله".
وحول إمكانية الاستجابة لأي طلب تعديل، أضاف الدغاري في تصريحات للأناضول: "قانون المصالحة الوطنية هو من القوانين التوافقية بين كل الأطراف على صيغة القانون مهما كانت الجهة التي تبنته".
وتابع: "ليبيا تحتاج مصالحة سياسية ولا تحتاج إلى مصالحة مجتمعية الموضوع هو خلاف سياسي أكثر منه خلاف اجتماعي ".
ووفق الدغاري فإن "الليبيين متصالحون بطبيعة المجتمع الليبي الذي يعتمد العرف، عكس أي بلد عربي آخر ونحن نأخذ دائما بالعرف الذي لا يقل قيمة عن القانون والمجتمع الليبي بطبيعته متصالح“.
وحول ما إذا كان القانون يهم كل الأطراف أكد الدغاري أن "القانون يخص كل الليبيين“.
** مسألة حساسة.. وتجاذبات
بشير الجويني، باحث في العلاقات الدولية، قال: "مسألة المصالحة الوطنية هي من المسائل الحساسة ليس فقط في ليبيا ولكن في كل المحطات التي كان فيها حروب أهلية وهذا رأيناه في أمريكا اللاتينية وأوروبا وغيرها من البلدان".
وأضاف الجويني للأناضول: "التجارب المقارنة تفيد أن المصالحة الوطنية هي مرحلة من مسار كامل، وليست مجرد نقطة يتم فيها مصالحة النظام القديم مع النظام الجديد“.
وتابع: "ما حصل ويحصل في ليبيا في العشر سنوات الأخيرة، هو أن المصالحة الوطنية في جزء كبير منها بقيت أسيرة التجاذبات، البعض منها داخلي وبعضها خارجي ولم يتم تنزيل مسألة المصالحة وتمليكها لأطراف النزاع ."
ووفق الجويني "هناك خصوصية في ليبيا أنه ليست هناك مشاكل أصيلة بين مكونات الشعب الليبي، وقضية الشرق والغرب وقضية الفدرالية وغيرها من المسائل التي أثيرت في السنوات الأخيرة هي مسائل موجودة تعايش معها الليبيون قبل 2011 ويمكن أن يتعايشوا معها شرط ألا يتم توظيف المسألة بشكل سياسي. "
وأشار إلى وجود تساؤلات وهي "هل المصالحة الوطنية هي فقط وظيفة المجلس الرئاسي كما نص على ذلك الاتفاق السياسي؟ أم أنها مسألة تتجاوز الأطراف السياسية لتكون عملية تشاركية تشمل الجميع في ليبيا وليس فقط النظام الجديد ولكن أيضا حتى النظام القديم ومختلف مكونات الساحة السياسية والاجتماعية في ليبيا؟".
حلول غير تقليدية
وأضاف الجويني: " لابد من التفكير في استنباط حلول غير تقليدية، لأن الوصفات الجاهزة التي تقدم في المؤتمرات الدولية وبالرعاية الدولية الأممية والإقليمية مهمة ولكن لا يمكن تطبيقها بشكل كامل لأن لكل بلد خصوصيته ولكل مرحلة خصوصيتها".
وتابع: "تاريخ ليبيا وفي ماضيها أشياء مشرفة تدل على أن الليبيين قادرون على حل خلافاتهم بأشكال تراعي البيئة المحلية وتراعي التقاليد المحلية وتضمن أن المصالحة تكون مصالحة مستدامة ولا تكون مصالحة ذات بعد سياسي أو تكون مصالحة مرحلية أو ظرفية."
ويرى الجويني أن "دول الجوار بما عاشوه وخاصة دول الجوار المباشر قادرون على تقديم لا أقول نصائح بل تجارب يمكن الاستفادة منها من أجل صياغة التجربة الليبية الخاصة التي تكون عملية داخلية ليبية تتم بأياد ليبية وتكون ملكيتها ليبية وتعود بالنفع والاستقرار على ليبيا وعلى جوار ليبيا وعلى المنطقة ككل".
و تستمر جهود أممية ومحلية لإيصال ليبيا إلى انتخابات تحل أزمة صراع بين حكومتين إحداهما حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة ومقرها طرابلس (غرب) وتدير كامل غرب البلاد، ومعترف بها من الأمم المتحدة.
والثانية عينها مجلس النواب مطلع 2022 برئاسة أسامة حماد ومقرها بنغازي، وتدير منها كامل شرق البلاد ومعظم مدن الجنوب.