في يوم 20 يناير، قُبيل مراسم تنصيب الرئيس الجديد في الولايات المتحدة، كانت الكلمة التي ألقاها الرئيس السابق جو بايدن في آخر يوم تحظى بمتابعة كبيرة على مستوى العالم. كان بايدن يستعرض ما حققه خلال فترة رئاسته التي استمرت أربع سنوات، محاولًا تسليط الضوء على التقدم الذي حققته الولايات المتحدة في العديد من المجالات حسب وجهة نظره.
لقد كان يتحدث عن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم بين إسرائيل وحماس، معتبراً ذلك إنجازًا يُحسب له. ولكن بينما كان المشاهدون يتابعون الخطاب عبر قناة الجزيرة، فوجئوا بقطع البث فجأة والانتقال إلى كلمة مُسجلة مسبقًا للناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، حول الموضوع نفسه. وقد يتساءل البعض: هل كان من الضروري قطع بث خطاب مباشر يعتبر محوريًا في جميع القنوات الإخبارية من أجل كلمة مُسجلة مسبقًا؟ لا يمكنني الجزم، ولكن هذا التصرف بحد ذاته لاقى استحسانًا كبيرًا من قبل المتابعين الذين رأوه خطوة لافتة ومميزة.
طوال خطاب الرئيس الأمريكي، كانت كل تصريحاته حول الشرق الأوسط إما أكاذيب واضحة أو أمورًا غير ذات أهمية لا تستحق التوقف عندها. فقد اكتفى بمراقبة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل الصهيونية بحق أهل غزة على مدار 471 يوماً، بل تجاوز ذلك بمواصلته تقديم دعم غير محدود لها. والجميع يدرك أن لدى رئيس الولايات المتحدة القدرة والإمكانية لوقف كل هذه الجرائم. في الواقع، أظهر ترامب قبل توليه المنصب مباشرةً مدى نفوذ الولايات المتحدة عندما تحدى العالم بتهديداته، وكشف في الوقت ذاته عن الدور الأمريكي في المساهمة في هذه الجرائم ضد الإنسانية.
أما خطاب أبو عبيدة الذي جاء ردًا على بايدن، فقد حظي منذ البداية بمتابعة واهتمام عالمي واسع،. حيث اتسم بالتماسك الداخلي وأضفى السكينة على قلوب المظلومين. حتى الأعداء تابعوا هذا الخطاب بفضول واهتمام. بل إن وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها كانت قد أشارت في وقت سابق إلى أن متابعة تصريحات أبو عبيدة حول التطورات الميدانية في غزة تُعد أكثر مصداقية ووضوحاً من تصريحات نتنياهو، التي كان يُدرك الجميع أنها محض أكاذيب. ومنذ 7 أكتوبر ثبت أن كل ما قاله نتنياهو عن غزة كان عكس الواقع، بينما تحقق تمامًا كل ما أعلنه أبو عبيدة بحذافيره.
ومن أعظم المكاسب التي حققتها معركة "طوفان الأقصى" خلال هذا المسار هو تعزيز مصداقيتها في مجال المعلومات وتوجيه ضربة قاسية إلى صفوف العدو. فلم يعد أحد يثق أو يصدق ما تروج له إسرائيل أو الولايات المتحدة بشأن فلسطين. لقد منيت الصهيونية بهزيمة ساحقة في بناء رواياتها المفبركة التي اعتمدت لسنوات على الإعلام والأدب والسياسة وصناعة السينما، في مواجهتها مع حركة حماس، وخاصة مع أبو عبيدة.
وحتى إسرائيل نفسها لم تعد قادرة على إقناع شعبها بأكاذيب نتنياهو، بل باتت تحاول الحصول على الأخبار من أبو عبيدة. فالكل يدرك أن نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين يكذبون على شعبهم بل حتى على أنفسهم. أما أبو عبيدة، فلم يسبق له أن كذب، وكل ما صرّح به تحقق في نهاية المطاف. لم يُخفِ أبدًا احتمال تعرض الشعب الفلسطيني لخسائر كبيرة في الحرب، لكنه كان يؤكد دائمًا في نهاية كل خطاب له أن كفاحهم هو جهاد في سبيل الله، يتضمن النصر والشهادة.
أما عن مضمون خطاب أبو عبيدة، فقد كان بمثابة بيان نصر حقيقي، حيث بدأ حيث بدأ بالحمد والشكر لله الذي وهبهم هذا النصر، والذي لا يخلف وعده، ويكافئ الصابرين على صبرهم، ثم قرأ بعض الآيات من سورة الإسراء التي توضح الجذور التاريخية والعقائدية للمعتقدات الصهيونية والقوة التي تواجهها. لقد استند الاحتلال إلى مرجعية لاهوتية محرفة ومزورة، يفسرها وفقًا لمصالحه الخاصة. ولكن التصدي لهذا الاحتلال لا يمكن أن يتم دون الاستناد إلى مرجعية كتابية.
كما أكد أبو عبيدة قائلاً: "بينما نوجه ضرباتنا منذ السابع من أكتوبر (2023) للجيش الصهيوني، إلا أن العدو واجهنا بقتل عوائلنا وأطفالنا وتدمير البيوت والأحياء والمرافق المدنية عشوائيا". وبالمقابل، معركة طوفان الأقصى التاريخية دقت المسمار الأخير في نعش الاحتلال الصهيوني الزائل لا محالة".
إن تحليلات أبو عبيدة حول معركة "طوفان الأقصى " تتجاوز كونها مجرد دعاية، بل هي حقائق واضحة يمكن لكل ذي بصيرة أن يراها. على سبيل المثال:
"معركة طوفان الأقصى بدأت من تخوم غزة، لكنها غيرت وجه المنطقة وأدخلت معادلات جديدة في الصراع مع الكيان".
"أدت معركة طوفان الأقصى إلى فتح جبهات جديدة، وأجبرت الاحتلال على طلب المساعدة من القوى الدولية لدعمه. كما كشفت للعالم زيف ادعاءات الاحتلال وقوته الهشة."
"مرورا بإظهاره ككيان وحشي مجرم، وفضح مَن يقف خلفه من طغاة العالم ومنظماته الشكلية، وصولا إلى نبذه وملاحقة قادته وجنوده كمجرمي حرب مطلوبين للعدالة؛ كل هذا وغيره الكثير أوصل السواد الأعظم من شعوب العالم إلى قناعة بأن الاحتلال (الإسرائيلي) هو أكبر خطيئة في هذا الزمان، وأن استمرار احتلاله لأرضنا سيؤثر على كل المنطقة والعالم".
تُعد هذه التصريحات من أبي عبيدة البطل الموثوق، من أقوى التعابير التي تبرهن على أن طوفان الأقصى انتصار لا لبس فيه. فكل جملة وكل كلمة في هذا الخطاب، الذي يعد رواية رائعة للنصر، كانت مُدروسة بعناية وكأنها نتاج نقاش طويل. وبينما تابع السعداء بالنصر هذا الخطاب بفرحٍ وحماس، كان المهزومون يستمعون إليه بحزن وخيبة أمل. ومن أبرز ما ورد في الخطاب حديثه عن الشهداء، حيث قدموا العديد من الشهداء ودمّرت بلادهم، لكنهم قاتلوا حتى آخر لحظة دون أي تمييز هرمي، وفي الصفوف الأمامية حتى آخر قطرة من دمائهم. وكما عبّر أبو عبيدة بشكل مؤثر: "مظاهر عظمة هذه المعركة في تقدم قادة طوفان الأقصى لقوافل الشهداء، من رأس هرم القيادة السياسية القائد الشهيد إسماعيل هنية والشهيد الشيخ صالح العاروري، وقائد الحركة (حماس) في غزة الشهيد يحيي السنوار، الذي باتت شهادته أيقونة عالمية".
هناك حروب أو صراعات يرتبط فيها موت القائد بالهزيمة. لكن في هذه الحرب، كان الأمر مختلفًا تمامًا، فقد أشعلت وفاة القائد الحركة وزادتها حماسة وحيوية. وخاصةً مع استشهاد يحيى السنوار، الذي أحيى بموته الآلاف، وأصبح رمزًا لا مثيل له من البطولة ليس فقط لشعب غزة، بل لجميع حركات التحرر القادمة. كما أن استشهاده لم يُثْنِ طوفان الأقصى قيد أنملة، بل حدث كل ما قاله الناطق باسم الحركة أبو عبيدة منذ البداية.
وعلى العكس أيضاً، فإن طريقة استشهاده أظهرت أن هذه الحركة ليست قضية تسعى لتحقيق مكاسب دنيوية أو مصالح فردية، بل هي قضية مقدسة لا يسعى أفرادها إلى شيء سوى تحقيق أهدافهم الإيمانية. هذا الجهاد هو قضية يحبها القائد حتى الموت، وهي قضية يضحي من أجلها بروحه، والشهادة هي أسمى مرتبة يمكن بلوغها في هذا الطريق، ألم يكن إظهار القائد لذلك علامة واضحة على صدق النية وإخلاصها؟
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة