قال الخبير في القانون الدولي محمد النويني، إن مذكرتي الاعتقال اللتين أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه المقال يوآف غالانت أحرجت الدول الداعمة لتل أبيب، معتبرا أن التحدي يكمن في تفعيل القرار وتنفيذه.
جاء ذلك في مقابلة أجرتها الأناضول مع النويني وهو رئيس الفضاء المغربي لحقوق الانسان(غير حكومي)، قال فيها إن قرار المحكمة "نقطة مفصلية في تاريخ العدوان الإسرائيلي على فلسطين، وعنوان للحقيقة".
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال دوليتين بحق نتنياهو وغالانت، بتهم تتعلق بـ"ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" خلال حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة.
وعقب قرار المحكمة التي لا تملك أفراد شرطة لتنفيذه، أصبحت الدول الأعضاء فيها ملزمة قانونا باعتقال نتنياهو وغالانت إذا دخلا أراضيها، وتسليمهما إلى الجنائية الدولية لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقيهما.
*أهم قرار للمحكمة
وقال النويني إن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت سيكون لها تأثيرات كبيرة على علاقات التطبيع بين إسرائيل وبعض الحكومات العربية التي ستجد نفسها محرجة جدا أمام شعوبها، ودعا بلاده إلى "توقيف أي شخص متورط في جرائم ضد الإنسانية تطأ قدماه البلد استنادا إلى دستور البلاد".
ووصف القرار بأنه "من أهم القرارات الصادرة في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية، ويشكل نقطة مفصلية في تاريخ العدوان الإسرائيلي على فلسطين ودول المنطقة، وله وقع ورسائل متعددة على جميع الأصعدة، بالنظر لكونه صدر من قبل أعلى هيئة قضائية تحاكم الأفراد، وتضم 124 دولة".
وأشار الخبير المغربي إلى أن "القرار يجعل الكيان الصهيوني (إسرائيل) في نظر المجتمع الدولي كيانا إرهابيا غاصبا للأرض، قاتلا للأطفال والنساء، ارتكب كل الجرائم الخطيرة التي تعاقب عليها الجنائية الدولية، من قبيل جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم العدوان، وجرائم الحرب".
وفيما يتعلق بتداعيات القرار، أكد النويني أن القرار "له تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية تخدم مصالح الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى، وترفع من عزيمة المقاومة بغزة وجنوب لبنان، وكذلك باقي حركات التحرر والمقاومة في العراق واليمن".
في المقابل، أضاف الخبير أن القرار "ستكون له آثار سلبية سياسيا على الجبهة الداخلية للمجتمع الإسرائيلي، وستزيد من التشرذم والانقسام الحاصل داخل دائرة صنع القرار بالكابينت (المجلس الوزاري المصغر) الإسرائيلي".
وحسب رأي الخبير في القانون الدولي، فإن مذكرتي الاعتقال سوف "تشلان حركة نتنياهو وغالانت، وتمنعهما من السفر إلى الدول الموقعة على نظام روما الأساسي المحدث للمحكمة الجنائية الدولية".
كما أن المذكرتين، وفق النويني، "ستحرجان الدول التي تدعم الكيان الصهيوني بالسلاح والعتاد، إذا ما قررت الاستمرار في دعم رموز كيان مطلوب للعدالة الدولية، على خلفية ارتكابه لجرائم حرب ضد الانسانية، من تقتيل للمدنيين وتجويعهم وترحيلهم قسريا في ظروف إنسانية خطيرة لم تشهدها البشرية من ذي قبل".
*هل ستلتزم الدول؟
وعن مدى التزام الدول المصادقة على نظام روما بتوقيف نتنياهو وغالانت، قال المحامي المغربي أن "جل الدول الغربية الموقعة على نظام روما الأساسي، سوف تضطر للتساوق مع موقف الممثل الأعلى (السابق) للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل الذي أكد (قبل تسليمه مهمته لكايا كالاس، الأحد) بأن قرار المحكمة ليس سياسيا، ويجب احترامه وتنفيذه".
واستدرك قائلا: "لكن التحدي الكبير هو كيف تترجم هذه المواقف إلى أفعال على أرض الواقع، ولماذا التزمت باقي الدول الموقعة على نظام روما الصمت إلى غاية الآن".
وأكد أن "التحدي الأبرز الآن هو تفعيل القرار، وضرورة تنفيذه، وترجمة الأقوال والقرارات إلى أفعال".
وبخصوص عدم مصادقة المغرب على نظام روما للمحكمة الجنائية، أشار الخبير القانوني إلى أنه رغم عدم المصادقة، فإن على البلاد توقيف أي شخص متورط في جرائم ضد الإنسانية.
الخبير أوضح أن "القضاء المغربي مطالب بتفعيل مقتضيات الدستور، والعمل على توقيف أي شخص متورط في جرائم ضد الإنسانية، باعتباره يسمو على كافة القوانين".
وخلال 2020، وقع المغرب على معاهدة روما التي بموجبها تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن المملكة لم تصادق بعد على النظام الأساسي للمحكمة.
وأضاف أن "إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارهما يقودان الحرب الظالمة على شعب أعزل (الفلسطيني)، ونظرا لكونهما متورطتين في تلك الجرائم الخطيرة التي لم تشهدها الانسانية من قبل، خرجتا منذ الساعات الأولى لصدور مذكرتي الاعتقال بمواقف مناهضة للقرار".
وأكد الخبير أن واشنطن وتل أبيب حاولتا "شيطنة المحكمة في هجوم غير مسبوق على الجنائية الدولية، وعلى القضاة المشكلين لها، واتهموها بدعم للإرهاب ومعاداة السامية".
وأبرز أن موقف تل أبيب وواشنطن يناقض موقفهما عندما أصدرت المحكمة قرارات سابقة مماثلة، حيث رحبت بها وأيدتها ودعت إلى الالتزام بها.
وسبق أن هاجم نتنياهو قرار المحكمة، واعتبره "مشوه" و"يوما أسود في تاريخ الشعوب، بينما وصفه الرئيس الأمريكي بأنه "أمر شائن"، معربا عن تضامن بلاده المطلق مع إسرائيل.
والأربعاء، قال نتنياهو إنه قرر استئناف قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحقه ووزير الدفاع السابق، مع طلب تأجيل تنفيذ القرار، وزعم أن مذكرة الاستئناف الإسرائيلية "تكشف بالتفصيل إلى أي مدى كان قرار إصدار مذكرات الاعتقال غير صحيح ويفتقر إلى أي أساس واقعي أو قانوني".
*بارقة أمل
وبخصوص مستقبل القضية الفلسطينية بعد هذه الخطوة، اعتبر النويني أن هناك "بارقة أمل ونقطة مضيئة في مسيرة التحرير وتقرير المصير، وخطوة محفزة لكل أحرار العالم للمزيد من الضغط على حكوماتهم وعلى صانعي القرار للاصطفاف إلى جانب عدالة القضية الفلسطينية".
وختم حديثه بالدعوة إلى "وقف كل أشكال الدعم عن إسرائيل وإلزامها بتطبيق القانون الدولي ووقف الإبادة بغزة ورفع الحصار وإدخال المساعدات".
يشار إلى أن قرار المحكمة جاء بعد أن أعلن المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان في 20 مايو/ أيار الماضي في بيان، أنه يسعى لإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، بتهم ارتكاب "جرائم حرب".
كما طلب خان مرة أخرى في أغسطس/ آب الماضي، من المحكمة سرعة إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.
ورغم صدور المذكرتين، إلا أن إسرائيل تواصل وبدعم أمريكي مطلق ارتكاب إبادة جماعية في غزة، خلفت أكثر من 149 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
كما تواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.