الفنانة التشكيلية ميساء يوسف تواصل عملها الفني رغم تدمير الجيش الإسرائيلي لمنزلها الذي يتواجد فيه مرسمها الخاص.
مؤخرا، أعادت يوسف (40 عاما)، وهي أم لثلاثة أطفال، الحياة لمرسمها الخاص الذي أسسته قبل اندلاع الإبادة في منزلها بمدينة دير البلح وسط القطاع، وحولته آلة الحرب الإسرائيلية إلى ركام.
أنقذت يوسف ما يمكن إنقاذه من لوحاتها التي عكفت على رسمها منذ بداية مشوارها الفني قبل 14 عاما، لكنها تقول للأناضول إن "معظمها لم يعد صالحا للعرض".
وفي المرسم الذي يطل من جدرانه المدمرة على ركام منازل دمرتها إسرائيل أيضا، تضع يوسف لمساتها الأخيرة على لوحة تجسد حياة نزوح الفلسطينيين وإقامتهم داخل الخيام.
تستخدم يوسف في تجسيد هذه المعاناة "فن الكولاج"، الذي يعتمد على تجميع قطع متداخلة من مواد مختلفة كالأوراق والأقمشة وأي أنسجة أخرى قابلة للتشكيل، حيث يتم إلصاقها على سطح العمل.
وفي إطار ذلك، تستخدم يوسف مجموعة من القصاصات الورقية والكرتونية، فضلا عن أقمشة نجحت بانتشالها من تحت أنقاض منزلها المدمر.
تقول يوسف، خريجة دبلوم التمريض وبكالوريوس الفنون الجميلة، إن الجيش الإسرائيلي دمر نحو 85 بالمئة من منزلها بمدينة دير البلح، ومن بين الأجزاء المدمرة كان مرسمها الخاص الذي تطلق عليه وصف "العالم الخاص بها".
وتضيف: "مرسمي قبل الحرب كان جميل جدا ويضم كل المستلزمات والمواد الخام التي أحتاجها".
وتشير إلى أنها حصلت على عدة منح (مالية) للأعمال الفنية الأمر الذي مكنها من تجهيز مرسمها بغالبية الإمكانيات.
لكنها اليوم تحاول انتشال ما تقدر عليه من المواد الفنية والمستلزمات كفراشي الرسم والألوان من تحت الأنقاض.
كما أنها انتشلت لوحات فنية من تحت أنقاض الكتل الإسمنتية المدمرة إلا أنها "متضررة وغير قابلة للعرض".
ولفتت إلى أن تدمير منزلها تم في أغسطس/ آب الماضي، حيث خرجوا من منازلهم آنذاك بعد إنذار إسرائيلي بالإخلاء وتحت النيران حيث كان الفلسطيني يفكر حينها بالنجاة بروحه فقط دون اصطحاب أي شيء من المنزل.
ورغم الخسارة والدمار، إلا أن يوسف قررت مواصلة مسيرتها الفنية لنقل صورة الأحداث في ظل حرب الإبادة إلى العالم، كما تقول "اليوم أحاول استمر بالمسيرة الفنية عشان ما توقف لسه مستمرين بالإبداع ونقل صورة الاحداث في ظل الحرب".
**فن الكولاج
وحول مشوارها الفني، تقول يوسف إنها شرعت بإنتاج الأعمال الفنية منذ 14 عاما.
وتضيف إنها باتت تعتمد في إنتاج أعمالها على "فن الكولاج"، باستخدام الخامات البيئية المختلفة.
وحول ذلك، تقول إنها تعيد تدوير "كل ما هو حولها من الأوراق أو الكرتون أو القماش".
وبينت أنها شاركت في عدة معارض محلية ودولية حول العالم، في دول عربية أبرزها "الأردن والكويت ولبنان ومصر والجزائر والمغرب"، وأوبية مثل "ألمانيا وفرنسا وبريطانيا".
ولفتت إلى أن آخر معارضها تم تنظيمه خلال حرب الإبادة في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، دون الإشارة إلى آلية تنظيمه رغم تواجدها بغزة.
وفي حديثها عن أهم المعارض، قالت إنها نظمت معرضا في تركيا أشرفت عليه "دائرة الاتصال التركية"، حيث عرضت فيه منتجات فنية عمرها نحو 10 سنوات، وفق قولها.
**التعبير عن الانتهاكات
تواصل يوسف عملها الفني برسم لوحة تجسد حياة الفلسطينيين داخل الخيام حيث تقص قطع من القماش الذي انتشلته من تحت الأنقاض، وتلصقه على اللوحة لإكمال تفاصيلها.
وتمسك بلوحة أخرى كانت رسمتها قبل حرب الإبادة، قالت إنها تجسد فيها نفسها للتعبير عن الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين.
رسمت يوسف على هذه اللوحة التي أطلقت عليها اسم "أليس في فلسطين"، فتاة تجلس إلى جانب بحر ألصقت عليه قوارب ورقية وخلفه أسماك كثيرة، في دلالة إلى عدم استخدام القوارب في ميناء غزة المدمر حاليا لأغراض الصيد.
وتابعت: "كأن هذه القوارب في الميناء هي فعلا ورقية لا فائدة منها، نحن محرومين من كل حقوقها حتى البحر حينما نرتاده تكون مساحته محدودة".
وقبل اندلاع الحرب وإغلاقه بشكل كامل، كان الجيش الإسرائيلي يسمح لصيادي غزة بالوصول إلى أميال قليلة محددة في البحر الأبيض المتوسط المقابل للقطاع، في حين كانوا يتعرضون لاعتداءات واستهداف متكرر ما يسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوفهم.
ومع اندلاع حرب الإبادة، يغامر بعض الصيادين للنزول إلى البحر للبحث عن مصدر رزقهم في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وتدهور الأوضاع الإنسانية جراء المجاعة التي باتت تضرب كل محافظات القطاع، جراء القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات الإغاثية.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 149 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.