في خطوة تثير تساؤلات كثيرة حول مدى جدية واشنطن بتطبيقها، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الأوثق لتل أبيب عقوبات على منظمة "أمانا" الإسرائيلية، على خلفية دعمها لأنشطة استيطانية بالضفة الغربية المحتلة.
وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت الاثنين فرض عقوبات على "أمانا" التي تفضل العمل منذ عقود بعيدا عن الإعلام، وشركتها الفرعية "بنياني بار أمانا"، ما أثار تساؤلات حول طبيعة المرحلة المقبلة للمنظمة التي تتعامل مع البنوك الإسرائيلية جميعها.
ووفقا للشرعية الدولية فإن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، ومنذ عقود تدعو الأمم المتحدة تل أبيب إلى إنهائه ولكن دون جدوى، وتحذر من أنه يقوض فرص معالجة الصراع وفقا لمبدأ حل الدولتين.
الأناضول تسرد تبعات العقوبات الأمريكية على "أمانا"، وطبيعة المنظمة، ونشأتها، ودورها البارز في دعم الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية وهضبة الجولان السوري المحتلة ومناطق أخرى.
** من هي "أمانا"؟
تأسست منظمة "أمانا" عام 1979، بهدف الاستيطان في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري والجليل والنقب شمال وجنوب إسرائيل.
المنظمة تعمل على إنشاء بؤر استيطانية ومستوطنات جديدة وتطوير القائمة منها، ويتركز نشاطها حاليا في الضفة الغربية، ويشغل منصب أمينها العام منذ العام 1989 زئيف حيفير (زامبيش).
كما تعمل بمجال البناء في الضفة الغربية، من خلال فرعيها شركتي "بار أمانا للإنشاءات والتطوير العقاري"، و"الوطن"، وتشمل أنشطتها تشجيع استيعاب المستوطنين، وتخطيط وإنشاء مستوطنات وبؤر جديدة ومساعدة السلطات في تلك المستوطنات.
ولا ترغب المنظمة بتسليط الأضواء عليها، ورغم أن أصولها تصل - بحسب التقديرات - إلى مئات الملايين من الشواكل (الدولار يساوي نحو 3.7 شيكل)، إلا أن تأثيرها على الحياة في إسرائيل هائل، وفق موقع "ذا ماركر" الملحق الاقتصادي لصحيفة "هآرتس" العبرية.
وتعتبر "أمانا" الذراع الاستيطانية الرئيسية لمنظمة "غوش إيمونيم"، وهي حركة اجتماعية دينية قومية نشأت بعد حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، وعملت على إقامة المستوطنات في الضفة الغربية والجولان وقطاع غزة وسيناء.
وفي ثمانينات القرن العشرين، لم تعد "غوش أمونيم" موجودة كهيئة رسمية، بعد أن اندمج بعض أعضائها في الأحزاب اليمينية وقتها.
وتشرف "أمانا" على إنشاء مستوطنات وبناء منازل وتأجير كرفانات وشراء أراض بالضفة الغربية وتشكيل بؤر استيطانية، وتعرض على موقعها الإلكتروني منازل للبيع في المستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية، من خلال شركة "بار أمانا للإنشاءات والتطوير العقاري" التابعة لها.
وبعض المستوطنات التي تظهر على موقع "أمانا" هي بؤر استيطانية غير مرخصة من الحكومة الإسرائيلية.
** تحقيق لـ "هآرتس"
وفقا لتحقيق صحيفة "هآرتس"، تعمل "أمانا" بشكل غير قانوني أحيانا، وتلعب دورا رئيسيا في إقامة بؤر استيطانية زراعية غير قانونية، وفي السنوات الأخيرة أصبحت هذه المناطق مرتبطة بعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين.
وبسبب وضع "أمانا" كجمعية تعاونية، لا توجد طريقة لإلقاء نظرة خاطفة على الدورة المالية التي تولدها، وليس عليها أي التزام بالشفافية، بينما قدرت حركة "السلام الآن" الحقوقية الإسرائيلية، أن أصولها تصل إلى 600 مليون شيكل (نحو 161 مليون دولار).
كما تقوم "أمانا" بجمع رسوم شهرية من سكان عشرات المستوطنات، والتي تم وصفها سابقًا في تحقيق لصحيفة "هآرتس" بأنها إحدى آليات الإيرادات الرئيسية لديها.
هذه الإيرادات هي جزء من البنية التحتية التي تسمح للحركة، بحسب التحقيق، بتمويل البناء في البؤر الاستيطانية غير القانونية، حيث تخشى الشركات العقارية القياسية البناء حتى لا تتكبد خسائر في حالة الإخلاء.
وتصدرت شركة "الوطن" التابعة لـ "أمانا" عناوين الأخبار قبل تسع سنوات، عندما كشف تحقيق أجراه موقع "همكور" العبري، أنها كانت تستولي على الأراضي التي يملكها فلسطينيون باستخدام وثائق مزورة.
** ماذا تعني العقوبات الأمريكية؟
في يوليو/ 2024 فرضت كندا لأول مرة عقوبات على "أمانا"، لكن فرض واشنطن عقوبات عليها يطرح أسئلة حول مدى جديتها في تطبيقها نظرا للدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل في كافة ممارستها.
كما يبقى السؤال الماثل حول مدى تأثير العقوبات على قدرة الشركة العقارية على تقديم الخدمات، ومصير شركائها التجاريين، وعلى المشترين والمستأجرين لشقق 83 مستوطنة أنشأتها وتعمل على إنشائها بالضفة الغربية.
ومعنى العقوبات هو قطع العلاقات الاقتصادية مع الحركات المفروضة عليها في الدول التي تطبقها، ويضاف إلى ذلك خطر فرض عقوبات ثانوية على من يساعد على الالتفاف عليها أو مخالفتها.
وبناء على ذلك، ليس أمام البنوك وشركات بطاقات الائتمان الإسرائيلية خيار سوى منع تحويلات الأموال والمشتريات والتعامل إطلاقا مع "أمانا"، أو أنها تخاطر بقطع العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة.
وتحتفظ "أمانا" بعلاقات اقتصادية مع العديد من الشركات في إسرائيل، وقد تتأثر هذه العلاقات الآن مع العقوبات الجديدة، كما تعمل الحركة مع جميع البنوك الإسرائيلية.
وفي بيان العقوبات الأمريكية الذي صدر الاثنين، أعلنت وزارة الخزانة أن العقوبات تستهدف الحركة وشركتها "بنياني بار أمانا" بالولايات المتحدة، التي تعمل في مجال بناء وتطوير مستوطنات وبؤر استيطانية بالضفة الغربية.
ونقل البيان عن نائب وزير الخزانة والي أديمو، الذي تقدم بلاده دعما مطلقا لإسرائيل في الإبادة بغزة، زعمه بأن بلاده "تلتزم إلى جانب حلفائها وشركائها، بمحاسبة أولئك الذين يسعون إلى تسهيل الأنشطة التي تهدد استقرار الضفة الغربية وإسرائيل والمنطقة بأسرها".
وبموجب عقوبات اليوم، تُجمد أصول المنظمة وشركتها الفرعية في الولايات المتحدة، وتُمنع أي معاملات مالية معهما من قبل الأفراد أو المؤسسات الأمريكية، حسب المصدر نفسه.
الخزانة الأمريكية سلطت الضوء على أن "الحركة الإسرائيلية تستخدم دعمها المالي والبنية التحتية لتوسيع المستوطنات، ومصادرة الأراضي الفلسطينية بالضفة".
وتكثف إسرائيل أنشطتها الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ويؤكد وزراء علنا أنهم يعملون على ضمها إلى إسرائيل.
في المقابل، يتمسك الفلسطينيون بالضفة الغربية جزءا لا يتجزأ من دولتهم المستقلة المأمولة، وعاصمتها القدس الشرقية التي تحتلها إسرائيل منذ 1967.