الغوص في عمق الحقيقة.. الأساطير الحديثة وسجن صيدنايا

08:4220/12/2024, الجمعة
تحديث: 20/12/2024, الجمعة
يوسف قابلان

لقد سقط أخيراً نظام البعث الذي حكم سوريا لأكثر من 60 عاماً كاشفًا عن حقيقته كآلة دمار وقتل بلا روح. وها هي سوريا تدخل مرحلة جديدة، وقد أثبتت الأحداث في سوريا مجددًا أنه لا يمكن بناء عالم جديد دون تركيا. فالأعلام السورية الجديدة ترفرف بجانب الأعلام التركية في سماء سوريا. سأنقل لكم ما كتبه أخونا محمد وارجي، أحد ألمع طلاب في مدرستنا (MTO)، عن الأحداث في سوريا بقلمه البارع الذي يبرز جذور انعدام الروح في العالم الحديث عبر الأساطير الحديثة. قراءة تثري الفكر.. يصف لنا القرآن الكريم خلق الإنسان بجمال وحكمة،

لقد سقط أخيراً نظام البعث الذي حكم سوريا لأكثر من 60 عاماً كاشفًا عن حقيقته كآلة دمار وقتل بلا روح. وها هي سوريا تدخل مرحلة جديدة، وقد أثبتت الأحداث في سوريا مجددًا أنه لا يمكن بناء عالم جديد دون تركيا. فالأعلام السورية الجديدة ترفرف بجانب الأعلام التركية في سماء سوريا.

سأنقل لكم ما كتبه أخونا محمد وارجي، أحد ألمع طلاب في مدرستنا (MTO)، عن الأحداث في سوريا بقلمه البارع الذي يبرز جذور انعدام الروح في العالم الحديث عبر الأساطير الحديثة.

قراءة تثري الفكر..

يصف لنا القرآن الكريم خلق الإنسان بجمال وحكمة، بحيث نشعر في كل مرة نقرأه بعبء المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقنا. لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وفضله على جميع المخلوقات، ومنحنا العقل والإرادة والحرية. ولكن هذا التفوق يأتي معه واجب عظيم؛ تحقيق العدل والقضاء على الظلم. ومسؤولية الإنسان لا تقتصر على إنقاذ نفسه فقط، بل تشمل أيضًا إنارة حياة الآخرين. ولكن ماذا يحدث عندما ننسى هذا الواجب؟ التاريخ يعطينا نفس الإجابة دائماً: إن التخلي عن العدل، يؤدي إلى وقوع الكوارث.

إن العالم الحديث يمهد الطريق لهذه الكوارث، حيث يقمع منذ البداية سعي الإنسان للوصول إلى الحقيقة، ويحبسه في أوهام مضللة، أتذكر دائمًا قصة الكهف عند أفلاطون، حيث لا يرى الناس سوى ظلال الحقيقة ولا يرون الحقيقة نفسها أبدًا. ولكن دعونا نترك الكهف الذي وصفه أفلاطون جانبًا ولنصغ إلى القرآن الكريم، سنجد حينها أن كفاح الإنسان للخروج من الجهل والوصول إلى نور الله يحمل معاني أعمق وأشمل بكثير. فالوصول إلى الحقيقة ليس مسعى فرديا، بل هو مسؤولية جماعية وشهادة واجبة.

تمثل الكهوف في تاريخ الإنسانية رموزًا لاضطراب النفس البشرية أو لسكينتها، تأملوا كهف غار حراء وغار ثور في التاريخ الإسلامي؛ الأول كان بوابة الوحي، والثاني بوابة الهجرة، وكلاهما فتح الطريق نحو الحقيقة. لكن كهوف العالم الحديث لا تمنحنا هذ السكينة والسلام، بل تذكرنا بممرات سجن صيدنايا المظلمة وكآبتها، التي لا تحاصر الجدران فقط، بل تطوق الضمير الإنساني أيضًا. صرخات صيدنايا تتلاقى مع صرخات أطفال غزة الصامتة تحت الأنقاض. هذه هي حقيقة العالم الحديث، لقد حل الظلم محل العدالة منذ زمن بعيد.

إن سلسلة الظلم الممتدة من صيدنايا إلى فلسطين لا يمكنها أن تغير حقيقة واحدة: قوة دعوة المظلوم. تلك الدعوات الهادئة يتجاوز صداها ضجيج الظالمين، كالحجارة التي ألقتها طيور الأبابيل من مناقيرها على أبرهة وجيشه. هذه الحقيقة تدفعنا إلى إعادة النظر في أساطير الغرب. فبروميثيوس ولوكي، رغم كفاحهما من أجل الحرية، تحولت أساطيرهما إلى مبررات للظلم الغربي اليوم. فتحت قناع الديمقراطية وحقوق الإنسان، نشهد جميعًا مشاريع القمع والعنف التي تفرض على العالم الإسلامي. ولكن مفهوم الحرية في الإسلام يختلف تمامًا؛ فالحرية الحقيقية تتحقق بالاستسلام لله، وحيثما يكون الاستسلام لله، لا يمكن أن يكون هناك مكان للظلم أبدًا.

في هذه النقطة، ينبغي لنا أن نتمعن أكثر في المشاريع اللاهوتية والأيديولوجية للغرب. تأمل في نبوءات معركة "أرمجدون" لدى المسيحية الإنجيلية والمثل الصهيونية. هذا الفهم يشرعن ذهنية خطيرة تساوي حق الوجود للشعب اليهودي بزوال الشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من تقديمه كحافز ديني، إلا أنه في الواقع فخ مغطى بالكامل بالمصالح السياسية. بينما يقدم الإسلام نظام حياة قائم على العدالة والسلام. وعندما يطبق الإنسان هذا النظام في حياته، يحقق حريته الحقيقية بما يتناسب مع فطرته.

ونجد وضعًا مشابهًا في الفكر الشيعي. فالشيعة مثل الإنجيليين، يتبنون اعتقادًا في المجيء المنتظر يمتد عبر الألفية. وقد أدى انتظار عودة المسيح وظهور الإمام المهدي إلى تأجيج الصراعات المذهبية على مر التاريخ، وتحول هذا الصراع في النهاية إلى فساد يجعل من الظلم واجبًا دينيًا. هذا الفكر الذي يتخذ من إيران مركزًا له، كان في الماضي يغذي رغبة الانتقام لحصون كسرى المدمرة، واليوم وصل إلى حد التعاون مع الصهاينة. إن وقوف المدعين بالدفاع عن حقوق المظلومين إلى جانب الظالم هو أبرز دليل على هذا الفساد.

ونشهد جميعًا كيف تحولت وسائل الإعلام إلى أداة في هذا السياق. ونعلم جيدًا كيف يحرف الإعلام الغربي ما يجري من ظلم في فلسطين. ولكن تكفي دمعة تنهمر من عيون أم لتتمكن من تمزيق الستائر الزائفة. لأن الحقيقة غالبًا ما تكون كامنة في صرخة صامتة، وضمير الإنسان دائمًا ما يشعر بذلك. ولهذا السبب، فإن أهمية ثقافة الإعلام والتفكير النقدي تتزايد بشكل كبير في عالمنا اليوم.

أود أن أذكر في الختام أنه مهما كان العالم معقدًا وفوضويًا، فإن جهود الإنسان المستسلم للقدرة الإلهية قادرة على اختراق ظلال الظلم. فالكهوف المليئة بالقمع والظلم في يومنا هذا ستفتح آفاقًا جديدة بفضل الذين يتوكلون على الله.

الأمل لا يموت أبدًا، لأن الإنسان ليس سجين قيوده بل هو إرادة تسعى لنيل رضا الله. ودعوة المظلوم لها القدرة على هدم كل جدران الخوف. يوما ما ستشرق الحقيقة كالشمس. وهذه الأيام قريبة.


#الأساطير الحديثة
#صيدنايا
#سوريا
#الظلم
#نظام البعث
#فلسطين