سبق لإيران أن طرحت مبادرات عدة لتوقيع ميثاق عدم اعتداء مع دول الخليج العربي الست والعراق، على الأساس الجغرافي وطبيعة ونوع العلاقات التي تربطها مع تلك الدول التي تلتقي على مصالح مشتركة في الحفاظ على الأمن والاستقرار في الخليج العربي وبحر عمان ومضيقي باب المندب وهرمز، يمكن أن تشكل "مبادرة هرمز للسلام" الإطار الأمثل لتلك المصالح.
تركز المبادرة على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وعدم الاعتداء والالتزام بأمن الطاقة وحرية التجارة الدولية، بالإضافة إلى إعطاء الأمم المتحدة دورا أوسع في حل الخلافات بالاحتكام إلى ميثاقها ومبادئ القانون الدولي.
وتشدد خطة الرئيس الإيراني على إخراج القوات الأمريكية من دول الخليج كشرط مسبق للمضي قدما في خطة "تحالف الأمل"، لكن ذلك "قد" يكون أحد أهم عوامل فشل الخطة، إذ من المؤكد أن دول الخليج العربية لا يمكن لها أن تتخلى عن "المظلة الأمنية الأمريكية" التي وفرت لها الحماية طيلة عقود.
كما أن معظم دول الخليج العربية شريك فعلي في تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي "الناتو العربي" وتحالف الأمن البحري "الحارس"، وهما تحالفان تشكلا بالأساس لمواجهة التهديدات الإيرانية والحد من تدخلاتها في دول المنطقة.
لذلك، تبدو المبادرة الإيرانية غير واقعية في المرحلة الراهنة التي تشهد "حربا خفية" بين إيران وعدد من الدول الخليجية بالإضافة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل.
من المؤكد أن الولايات المتحدة سترفض أية دعوات إيرانية أو غير إيرانية لإخراج قواتها سواء من الدول الخليجية أو العراق أو من مياه الخليج العربي والبحر الأحمر، وهو ما سترفضه دول أخرى مثل السعودية والإمارات وإسرائيل.
وتعتمد "معظم" الدول الخليجية على القدرات العسكرية الأمريكية على أراضيها وفي المنطقة، سواء ما يتعلق بحماية أمنها الداخلي أو ما يتعلق بمواجهة التهديدات الخارجية الإيرانية بشكل خاص.
وإذا كانت المبادرة الإيرانية وفق ما أعلن عنها ستحقق نوعا من السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، فإن أمرا كهذا بحاجة إلى خطوات عملية لإعادة بناء الثقة بين هذه الدول وإيران التي "تعتقد" دول، مثل السعودية، بأن إيران تمارس أدوارا في زعزعة استقرار المنطقة وتهديد أمنها الداخلي مباشرة أو عبر القوات الحليفة لها (الحشد الشعبي في العراق وجماعة الحوثي في اليمن).
لم تحظ مجمل المبادرات الإيرانية بترحيب دول الخليج العربية رغم المساعي الدبلوماسية المكثفة التي يبذلها الرئيس الإيراني ووزير خارجيته.
لكن إيران التي تدرك حقيقة موقف دول الخليج العربية من أية مبادرة تطرحها طالما ظلت حالة "انعدام الثقة" هي السائدة في العلاقات بينهما، فإن إيران حاولت التحرك باتجاه شكل من أشكال التحالفات مع روسيا والصين وقوى دولية أخرى بهدف خلق توازن قوى جديد موجه ضد الولايات المتحدة والدول الحليفة لها في المنطقة.
مسؤولون إيرانيون تحدثوا عن أن الرئيس روحاني بعث في أعقاب اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة برسائل إلى قادة دول مجلس التعاون بالإضافة إلى العراق، لعرض "مبادرة هرمز للسلام" الخاصة بتأمين الملاحة البحرية في المنطقة، لحثهم على المساهمة في تطبيقها بما يعكس السياسات الإيرانية "الجديدة" التي تولي ضمان أمن واستقرار منطقة الخليج العربي أهمية كبيرة.
وتحدثت تقارير لوسائل إعلام عربية عن أن كلا من السعودية والبحرين ردتا بشكل "إيجابي" على المبادرة الإيرانية، لكن أيا من الدولتين لم تصرحا بشكل رسمي بما يؤكد أو ينفي صحة هذه التقارير التي أحجم وزير الخارجية الإيرانية عن التعليق عليها.
ونقلت صحف محلية خليجية عن مصدر بوزارة الخارجية الإيرانية قوله إن طهران تلقت ردا ايجابيا من السعودية والبحرين على رسالة رسمية وجهتها إيران للمملكتين عبر دولة الكويت بخصوص "خطة السلام في المنطقة".
وحظيت المبادرة الإيرانية بتأييد عدد من قادة دول العالم، بمن فيهم المستشارة الألمانية ووزير الخارجية الروسي.
لم تكن المبادرة الإيرانية هي الوحيدة التي تحاول أن تجد طريقها إلى أرض الواقع، للحد من التوترات التي تشهدها منطقة الخليج العربي واحتمالات الصدام العسكري مع الولايات المتحدة التي هي الأخرى تتحرك لبناء تحالفات تضم دولا كبرى، مثل بريطانيا وفرنسا، من أجل حماية "الأمن البحري" في المنطقة ضمن تحالف دولي يتحدث مسؤولون أمريكيون أنه سيضم نحو 70 دولة من دول العالم أعلنت عن موافقتها على تشكيل مثل هذا التحالف بقيادة الولايات المتحدة، بعد تعرض منشآت نفط أرامكو لهجمات في سبتمبر/أيلول الماضي.
ويشكل أمن منطقة مضيق هرمز جزءا من منظومة أمنية إقليمية أوسع تضم وفق الرؤية الأمريكية، منطقة باب المندب وبحر عمان والبحر الأحمر، وهي الجغرافية الحيوية لأمن الطاقة والتجارة الدولية ضمن النطاق الجغرافي للتهديدات الإيرانية.
وتعتقد إيران، أن هناك إمكانية لتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة بمشاركة جميع دولها وفق مفهوم مشترك للأمن الإقليمي الشامل في جميع المجالات بما يضمن أمن الملاحة البحرية ومصالح جميع دول المنطقة.
ومع حقيقة "صمود" إيران في مواجهة العقوبات الأمريكية خلافا لتوقعات بعض دول المنطقة باحتمالات انهيار النظام فيها، فإن هذه الدول "قد" تجد أن السبيل الأمثل لتحقيق الأمن والاستقرار، سيكون بالتفاهم والحوار مع إيران وليس باستمرار العداء لها بعد فشل الرهان على الولايات المتحدة.
وإذا أرادت إيران النجاح لمبادرتها فإنه من غير المستبعد أن تتراجع عن الشرط "المسبق" الذي وضعه روحاني بخروج القوات الأمريكية من المنطقة، من منطلق أن لدول الخليج العربية الحق في بناء التحالفات وعقد الاتفاقيات الأمنية مع دول العالم، ومنها الولايات المتحدة، بما يخدم مصالحها، وأن على إيران أن تحترم سيادة هذه الدول وخياراتها في ذات الوقت الذي تحترم الدول الأخرى خيارات إيران في تعزيز وتقوية علاقاتها وتحالفها مع روسيا والصين في ما يتعلق بالأمن البحري.