أكد منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الثلاثاء، أنه تمت معالجة كل مخاوف إسرائيل في المقترح الفرنسي الأمريكي لوقف إطلاق النار في لبنان، ولا مبرر لعدم موافقتها عليه.
بوريل حذر أيضا من أن ازدواجية معايير دول الاتحاد الأوروبي تجاه قرارات المحكمة الجنائية الدولية وفق الحالة الصادرة بشأنها يهدد العدالة الدولية.
كلام بوريل جاء في تصريحات صحفية أدلى بها من بلدة فيوجي القريبة من العاصمة الإيطالية روما، على هامش اليوم الثاني والأخير من اجتماع وزراء خارجية مجموعة الدول السبع الكبرى "جي 7".
ويتزامن ذلك مع حديث عن قرب اتفاق على وقف لإطلاق النار بموجب مقترح أمريكي فرنسي، في ظل تكثيف إسرائيل عدوانها على لبنان، يقابله تصعيد "حزب الله" في رده بالصواريخ والمسيرات على مدن إسرائيلية لا سيما نهاريا وحيفا وتل أبيب.
كما يأتي الاجتماع الأوروبي بعد إعلان رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، الجمعة، أن بلادها التي تترأس "جي 7" حاليا، تعتزم التعامل مع مذكرتي الاعتقال الصادرتين عن "الجنائية الدولية" بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت خلال الاجتماع وزراء خارجية المجموعة، أمس الاثنين واليوم الثلاثاء.
** ساعات حاسمة للبنان
وقال بوريل: "أمس (الاثنين) ناقشنا مطولا الوضع في الشرق الأوسط، وأوضحت للوزراء وأصدقائنا العرب (المشاركين) تقييمي للوضع بعد زيارتي للبنان والأردن (الأسبوع الماضي) حيث حصلت على معلومات عن التطورات هناك".
وأكد أنه "في ما يخص المقترح الذي تعمل عليه فرنسا والولايات المتحدة، تمت معالجة مخاوف إسرائيل كلها، وليس هناك مبرر لعدم وقف إطلاق النار، وإلا فسينهار لبنان".
وأوضح بوريل أن لبنان قبِل بالمقترح الأمريكي شرط مشاركة فرنسا ضامنا ثانيا لتنفيذه، لكن تل أبيب "لا تريد ذلك" فيما أعربت باريس لبيروت عن جاهزيتها للمشاركة "ما لم يكن هناك رفض إسرائيلي"، وفق ما أبلغه رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وفي معرض إشارته إلى "تصريحات وزراء متطرفين إسرائيليين لديهم نية بمواصلة القتال والقصف" ومعارضة الاتفاق المزمع، فيما "تتعرض بيروت يوميا للقصف المكثف"، قال بوريل: "دعونا نجدد الضغوط على إسرائيل لتوافق على مقترح وقف إطلاق النار اليوم".
وأضاف: "لنأمل أن توافق حكومة نتنياهو اليوم على المقترح المقدم من الولايات المتحدة وفرنسا، ليس هناك أي مبررات ولا مطالب إضافية، أوقفوا قتل الناس ولنفكر بالسلام".
ولم يغفل بوريل الإشارة إلى أنه "في لبنان سقط 4 آلاف ضحية على الأقل جراء القصف الإسرائيلي، والجنوب دُمّر بالكامل ليس بفعل القتال بل بسبب التفجير المتعمد لـ 100 ألف منزل".
وأردف: "وقف إطلاق النار ضروري جدا إذا أردنا أن يعود مئات آلاف النازحين إلى منازلهم"، لافتا إلى أنه "لم يعد هناك منازل يذهبون إليها لأن جنوب لبنان مدمر بالكامل".
وتطرق إلى قوات حفظ السلام الأممية "يونيفيل"، حيث لفت إلى أنها "تتعرض للاعتداء، والجيش اللبناني يتعرض للاستهداف (الإسرائيلي) حيث قتل عدد من جنوده".
وأضاف بوريل: "علينا إعادة النظر في كيفية عمل اليونيفيل، لكنني أدعم مشاركتها في حفظ السلام والاستقرار في جنوب لبنان".
وبعد اشتباكات مع فصائل في لبنان بينها "حزب الله" بدأت عقب شنها حرب إبادة جماعية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وسعت إسرائيل منذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي نطاق الإبادة لتشمل جل مناطق لبنان بما فيها العاصمة بيروت، عبر غارات جوية غير مسبوقة عنفا وكثافة، كما بدأت غزوا بريا في جنوبه ضاربة عرض الحائط بالتحذيرات الدولية والقرارات الأممية.
ويرد "حزب الله" يوميا بصواريخ وطائرات مسيّرة وقذائف مدفعية تستهدف مواقع عسكرية ومستوطنات، وبينما تعلن إسرائيل جانبا من خسائرها البشرية والمادية، تفرض الرقابة العسكرية تعتيما صارما على معظم الخسائر، حسب مراقبين.
* التجويع سلاح ضد غزة
وبشأن الحرب المتواصلة في غزة، قال بوريل إن "الوضع أسوأ" في القطاع الفلسطيني، مبينا أنه "في شمال غزة هناك نحو 250 ألف شخص متروكون بالكامل".
وأضاف: "منسق الأمم المتحدة (في الأرض الفلسطينية مهند هادي) أوضح لي أنهم اعتبارا من الاثنين توقفوا (عن مواصلة خدماتهم) بسبب نقص الغذاء والوقود، ولعدم تمكنهم من دخول غزة".
وأردف: "على يد من يمنع إدخال المساعدات الإنسانية بالكامل؟ الجيش الإسرائيلي، لنقل الحقيقة، لنسمي الأمور بمسمياتها، المساعدات الإنسانية لا تصل وليس هناك أي مساعدات تدخل غزة، والأمم المتحدة غير قادرة على مواصلة دعم محتاجيها في القطاع".
وأفاد بوريل أنه أبلغ نظراءه العرب والأوروبيين، أمس الاثنين، أنه "علينا أن نتصرف، لنذهب إلى مجلس الأمن الدولي ونطرح قرارا بشأن الدعم الإنساني لأهالي غزة وأيقظوا الضمير العالمي لتفادي المأساة، حل الدولتين وغير ذلك يأتي لاحقا".
وأضاف مؤكدا: "نعم، التجويع يستخدم سلاحا ضد شعب متروك (في غزة)، لنذهب إلى مجلس الأمن وننادي ضمير العالم".
وذكر أن "الوزراء الأوروبيين والعرب المشاركين في الاجتماع سيناقشون مواضيع كثيرة اليوم، وربما يتفقون على السعي نحو مساءلة من يعرقلون وصول الدعم الإنساني لأهالي غزة".
واستفحلت المجاعة في جل مناطق القطاع جراء الحصار الإسرائيلي، لا سيما في الشمال إثر الإمعان في الإبادة والتجويع، بينما تعيش مناطق القطاع كافة كارثة إنسانية غير مسبوقة، تزامنا مع حلول فصل الشتاء للعام الثاني تواليا على نحو مليوني نازح فلسطيني، معظمهم يفترشون الخيام.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، إبادة جماعية في غزة خلفت نحو 149 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
** ازدواجية معايير تهدد العدالة الدولية
وبخصوص قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت، قال بوريل: "تعرفون أن موقف الولايات المتحدة مختلف، فهي لم توقع معاهدة روما (لإنشاء المحكمة)".
واستدرك: "لكن كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وقّعتها، وهي ليست أمرا يمكن اختيار بنود منه، لا يمكن أن تلتزموا بها عندما تتخذ قرارا بشأن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، ولا تفعلوا ذلك في حالة نتنياهو، هذا كيل بمكيالين نُنتقد عليه".
وطالب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بأن "تمتثل لواجباتها بموجب القانون الدولي"، وقال: "المحكمة الجنائية، أحببتم ذلك أو لا، هي محكمة لديها السلطة، وإن لم يدعمها الأوروبيون فلن يكون هناك أي أمل للعدالة".
وأمل أنه في نهاية الاجتماع "سنكون قادرين على القول بوضوح إن الأوروبيين سيحترمون واجباتهم بموجب القانون الدولي، ونصل إلى بيان مفاده أن الدول الأوروبية ستلتزم بواجباتها بموجب القانون الدولي.
وفي 21 نوفمبر الجاري، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الإبادة المتواصلة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين بقطاع غزة.
وبموجب قرار المحكمة التي لا تملك أفراد شرطة لتنفيذه، أصبحت الدول الأعضاء فيها ملزمة قانونا باعتقال نتنياهو وغالانت إذا دخلا أراضيها، وتسليمهما إلى الجنائية الدولية لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقيهما.
إلا أن البيت الأبيض أعرب عن رفضه مذكرتي الاعتقال، معتبرا أن المحكمة "ليست لديها صلاحية مقاضاة إسرائيل"، وفق بيان أصدره أحد متحدثي مجلس الأمن القومي الأمريكي بالبيت الأبيض، رداً على سؤال لمراسل الأناضول بشأن الموضوع.