يرى عبد المجيد مناصرة وزير الصناعة الجزائري الأسبق، أن المعارضة في البلاد لديها فرصة "لصناعة الرئيس القادم" بالتوافق على دعم أحد المرشحين، قبل موعد انتخابات 12 ديسمبر/ كانون الأول، والتي ستصبح حال فشل هذا الخيار مجرد محطة "لملأ فراغ الرئاسة".
وكان مَنَاصرَة يرد، في مقابلة خاصة مع وكالة الأناضول، على سؤال بشأن إمكانية حدوث توافق بين أحزاب المعارضة حول دعم أحد المرشحين الخمسة لانتخابات الرئاسة.
ويضيف مناصرة وهو رئيس سابق لحركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي بالجزائر)، أن "الانتخابات قد تحقق حلا جزئيا لمنصب الرئيس وليس حلا للأزمة الجزائرية ومهما كان الاسم الذي سيفوز فالنظام مستمر".
**سد الفراغ في الرئاسة
والسبت الماضي، أعلن المجلس الدستوري، بشكل نهائي، قبول ملفات 5 مترشحين للرئاسة من بين 23 شخصية تقدمت بالترشح للمنصب.
والخمسة المقبول ترشحهم هم: عبد المجيد تبون، رئيس الوزراء الأسبق، وعلي بن فليس، تولى أيضا رئاسة الوزراء سابقا (الأمين العام لحزب طلائع الحريات)، وكذا عبد العزيز بلعيد، نائب سابق عن حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يترأسه الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة (رئيس جبهة المستقبل)، وعز الدين ميهوبي، وزير الثقافة سابقا (أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي، الذي كان يقوده أحمد أويحيى، رئيس الوزراء السابق المسجون في قضايا فساد) وعبد القادر بن قرينة، وزير السياحة سابقا، (رئيس حركة البناء الوطني).
ويرى مراقبون، أن العامل المشترك بين الشخصيات الخمسة هو "صفة ابن النظام"، حيث أن المتسابقين إما شغلوا مناصب سامية سابقا أو كانوا في منظمات وأحزاب تدور في فلك السلطة.
وحسب مناصرة، وهو وزير الصناعة بين (1997/2002)، فإن قائمة متسابقي الرئاسة "تعكس الوضع الذي وصلت إليه الجزائر نتيجة الاختلاف حول الحلول" وهذه النتيجة "ليست ذنب من ترشحوا ولكن هي ثمرة تعكس الواقع".
ويوضح: "لقد بقي الجزائريون حتى الآن مختلفين ومتفرقين حول الحلول بين الحل الدستوري والحل التأسيسي والحل الانتقالي وبالتالي لم يتوجه الكل للانتخاب، فالبعض سار في هذا المسار والبعض بقي ضده".
ويكمل: "الانتخابات في الظروف الحالية وبهذه التشكيلة ليست حلا للأزمة بقدر ما هي إجراء دستوري لملأ فراغ حدث في منصب رئيس الدولة، في وقت كان البعض يبحث عن شرعية حقيقية للدولة تستند إلى مطالب وطموحات الشعب والحراك المليوني".
وتأتي هذه الانتخابات في وضع غير مسبوق تشهده البلاد، وبعد ثمانية أشهر من الإطاحة بعبد العزيز بوتفليقة، في 2 أبريل/ نيسان الماضي، من قبل انتفاضة شعبية دعمها الجيش.
ويشهد الشارع الجزائري انقساما حادا بين مؤيدي الانتخابات باعتبارها المخرج الوحيد للأزمة باختيار رئيس ينفذ مطالب الإصلاح، ومعارضين يطالبون بتأجيلها بدعوى أن "الظروف غير مواتية لإجرائها في هذا التاريخ" وأنها طريقة فقط لتجديد النظام لنفسه.
**فرصة صناعة الرئيس
ويعتقد مناصرة، أنه من باب "الواقعية السياسية نقول لا نستطيع إيقاف الانتخابات، فهي ستصنع الرئيس بغض النظر عن نسب المشاركة وسيصبح رئيسا وتوجه إليه المطالب".
ويتساءل: "إذا لماذا نترك أنفسنا نتعامل مع هذا الواقع ومن موقع ضعف بعد الانتخابات؟"، ويجيب: "قبل أن يُفرض علينا هذا الواقع حتى وإن كانت هناك محدودية في الخيار بين المرشحين يجب أن ننقذ ما يمكن إنقاذه".
وطريقة الإنقاذ، حسب مناصرة وهو الرئيس الحالي للمنتدى العالمي للبرلمانيين الإسلاميين، هي أنه "على القوى السياسية والمدنية لعين بنيان (مكان عقد فيه اجتماع للمعارضة قبل أشهر) أن تكون نواة لصناعة مرشح توافقي وتدعمه على الحد الأدنى للإصلاح" .
وفي يوليو/ تموز الماضي، عقدت أحزاب وشخصيات معارضة إلى جانب نقابات اجتماعا بـ"عين البنيان" غرب العاصمة، توج بخارطة طريق للخروج من الأزمة تقوم على تنظيم انتخابات في آجال معقولة تسبقها حكومة كفاءات ورحيل رموز النظام.
ويرى مناصرة أنه في حال حصول توافق بين المعارضة حول دعم مرشح معين "أنا على يقين أنه هو من سيكون الرئيس القادم"، والبداية حسبه تكون بعرض أرضية مطالب المعارضة على المرشحين ومعرفة رأي كل واحد بينهم منها قبل اختيار أحدهم.
ويشدد أن دعم أي مرشح سيكون مشروطا "بأن يصنعوا (المعارضة) جدول أعماله (الرئيس القادم) من خلال عهدة انتقالية (ولاية تخصص للإصلاحات)، ومن كان يطالب بعهدة انتقالية للإصلاح يطبقها في ظل وجود رئيس بشرعية يبدأ عمله بتعديل الدستور والقوانين والإصلاحات بصفة عامة".
وفي رأي المتحدث، أن هذا هو "المتاح حاليا وحتى لا يفرض علينا (المعارضة) واقع آخر ونصبح فيه بموقف ضعف وهناك وقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإذا ضيعنا هذه الفرصة يأتي غدا رئيس وسيتعاملون معه من موقف ضعف لأنه ليس له معهم عقد يلزمه بالاستماع لهم".
**سيناريوهات
وبشأن السيناريوهات الممكنة قبل موعد انتخابات 12 ديسمبر/ كانون الأول يقول مناصرة "هناك إصرار من السلطة على تنظيم الانتخابات وملأ الفراغ الذي تركه عزل الرئيس (عبد العزيز بوتفليقة) بإرادة الشعب".
ويشير إلى أن "الطريق الوحيد الذي يمكنه وقف الانتخابات إذا خرج الشعب لرفضها، لكن حتى الآن الشعب منقسم وهناك من يرفض ومنهم من يدعم ويريد الخروج من هذا المأزق ".
ويكمل: "وهذا يعني أن الانتخابات قد تحقق حلا جزئيا لمنصب الرئيس وليس حلا للأزمة الجزائرية وطموحات الحراك ومهما كان الاسم الذي سيفوز، فالنظام مستمر لأنك لم توفر الشروط للتغيير المطلوب".
ويخلص محدثنا إلى أنه في النهاية "ستكون انتخابات وينجح شخص، وحتى الآن لا أكاد أجزم من الشخص الذي سينال المنصب، لأن هناك عوامل غموض مثل حجم المشاركة وأداء المرشحين، ولا يوجد مترشح متفوق على البقية قبل بداية الحملة الانتخابية".
وحسب مناصرة، "هناك أيضا أمر محدد هو درجات النزاهة يبدو أن هذه الانتخابات ستكون أحسن من السابقة، لكن ليست هناك ضمانات بالنزاهة الكاملة، وحجم النزاهة محدد في من سيكون الرئيس القادم".
** موقف الجيش
وفي معرض رده على سؤال بشأن تعهد المؤسسة العسكرية بالحياد، يقول مناصرة "الجزم بحياد كامل للجيش صعب والاكتفاء بالتصريحات لا يكفي، وعلمتنا التجارب ألا نستند للتصريحات كثيرا وننتظر ونراقب ونرى".
واستدرك: "لكن هناك أمور تغيرت، وأنا راهنت أن الجيش لن يقدم مرشحا، والجيش وفى بوعده والحمد لله لأن هناك من خاف من سيناريو لسيسي (الرئيس المصري) جديد بالجزائر وهذا لن يحدث".
ويضيف: "قراءتي الشخصية أن السلطة الجزائرية لا تتحمل المفاجآت في الرئاسيات، بدليل أنه لا وجود لهذا الأمر في قائمة المترشحين (يقصد شخصية غير متوقعة بين المترشحين)، .. وبالتالي هل يمكن تصور مفاجآت في النتائج؟".
"بمعنى أن السلطة لن تقبل أن يفاجئها الصندوق، والمؤكد أنه سيكون هناك تحكم في العملية الانتخابية بأي طريقة بشكل لا يفاجئها (السلطة) الصندوق فلا ننتظر مفاجآت في الانتخابات"، هكذا أكمل مناصرة فكرته، دون تحديد ما الذي يقصده بالمفاجآت.
وبالنسبة لحزبه حركة مجتمع السلم يقول مناصرة، إنها "قررت المشاركة في الانتخابات وليس المقاطعة، ولكن ليس بالترشح حرصا منها على توفير شروط للتوافق".
و"هذا ليس زهدا في المنصب ولا خوفا أو لأنه لا يوجد قيادات لترشيحها، وإنما تحليلها للوضع أظهر أن المرحلة مرحلة توافق ونريد أن نكون في مستوى طموحات الشارع بالبحث عن الانتقال الديمقراطي والبداية بانتخاب رئيس شرعي توافقي"، هكذا أوضح.