حان الوقت للتوقف عن التصريحات الرنانة، والتقليل من الادعاءات الضخمة، والاستعداد الجاد لتحولات كبرى. ربما نحن على مشارف أكثر الفترات جنونًا في "تاريخ البشرية"، مما يستوجب أن نتحلى بقدر أكبر من الحسم، والإصرار، والاستعداد.
الشعوب والدول التي تدرك هذه الحقيقة تسعى لنقل أعظم طموحاتها إلى الحاضر وإلى هذا العصر. نحن نعيش في حقبة تتسارع فيها المحاولات الجريئة من كل دولة لضمان بقائها، وتتخذ أشكالًا قد تبدو غير مألوفة أو حتى جنونية.
لكن هذا كله ينبع في الأساس من خوف عميق؛ خوف من المستقبل الذي أصبح كابوسًا يطارد العالم بأسره.
إذا استمر هذا الخوف دون رادع، وإذا سمح له بالسيطرة على البشر، فقد نجد أنفسنا أمام مستقبل مظلم كليًا. لم تعد هناك آليات دولية فعّالة تكبح جماح جشع الشركات متعددة الجنسيات أو تهدئ من مخاوف الدول. لم تعد هناك مبادئ مشتركة، ولا قواعد موحدة، ولا اتفاقيات جامعة، ولا أعراف مستقرة، ولا حتى حدود تفرض السيطرة. لقد بات سباق القوة الخيار الوحيد المتبقي أمام الجميع.
نحن اليوم نتحرك على حافة المعرفة، وحدود الزمن، وأطراف السرعة، وأعماق الجشع. وحتى الآن، نحن كبشر غير قادرين على استيعاب ما يمكن أن نفعله في ظل هذه الظروف. العديد من الدول عاجزة عن رؤية ما ينتظرها في المستقبل القريب، وتكتفي باتخاذ مواقف دفاعية وفق الظروف الراهنة للحفاظ على مواقعها.
لقد دخلنا حقبة استثنائية، حيث قد تضطر البشرية إلى قلب كل الموازين وتحطيم القواعد التقليدية للحفاظ على رفاهيتها وأمانها في هذا العصر الذي تسوده حالة من انعدام الثقة. نحن نسير بخطى ثابتة نحو مستقبل مليء بالتحديات والقرارات المصيرية.
نحن نعيش في عصر يتطلب موارد هائلة لإشباع طموحات الرفاهية المفرطة والقفزات التكنولوجية المذهلة. ومع ذلك، تعجز العديد من الدول عن امتلاك هذه الموارد، مما يجعل الدول الغنية بالموارد محط أنظار الجميع ومثار أطماعهم.
لم تعد الحروب والصراعات بحاجة إلى غطاء سياسي أو أيديولوجي أو حتى عداءات تاريخية. ففي هذا "عصر العواصف"، حيث تتردد تهديدات "الحرب النووية" التي قد تقضي على البشرية، وتُستخدم بشكل غير مسؤول حتى من قبل من يُفترض أنهم الأكثر حكمة، ستكون الدول التي تمتلك الموارد هي الأكثر قدرة على الصمود.
ولكن في المقابل، ستواجه هذه الدول تهديدات متزايدة على حدودها وأجوائها، حيث ستجتمع القوى المعادية ضدها.
علينا أن نمعن النظر في الجبهات الحالية والمخاوف من الجبهات المحتملة. فالشرق الأوسط، آسيا الوسطى، إفريقيا، جنوب آسيا، روسيا، أمريكا اللاتينية، وحتى المناطق القطبية، تزخر بموارد قد تؤدي إلى تشكيل جبهات وتحالفات وتكتلات وصراعات جديدة.
كما يجب أن نولي اهتمامًا بممرات التجارة البحرية والبرية، وما يترتب عليها من تعريفات جديدة للقيم الجيوسياسية.
من خلال هذا الفهم العميق فقط يمكننا استشراف خريطة المستقبل. لقد أصبحت التكنولوجيا بلا حدود، في حين تتناقص الموارد التي تغذيها بشكل متسارع. ومع ازدياد شغف المجتمعات بالتكنولوجيا والرفاهية، تصبح هذه العوامل الأسباب الرئيسية لحروب اليوم والمستقبل، وهي صراعات مرشحة للتصاعد بشكل أكبر في السنوات القادمة.
لقد كانت القوة والرفاهية اللتان تمتعت بهما الدول الغربية (أوروبا والولايات المتحدة) على مدار 500 عام، نتاجًا مباشرًا لنظام استعماري اعتمد على إخضاع الشعوب ونهب ثرواتها.
واليوم، مع اقتراب نهاية هذا العصر، نجد أنفسنا في قلب صراعات تهدف إلى إعادة تقاسم الموارد والقوة، وإعادة رسم موازين القوى العالمية.
أما أوروبا، التي قامت بتأسيس تفوقها التكنولوجي على موارد مستغلة من شعوب أخرى دون امتلاكها لموارد ذاتية، فقد وصلت إلى نهاية الطريق.
لقد بدأت تُطرد تدريجيًا من إفريقيا، ومن الشرق الأوسط، ومن آسيا.
بينما ترتفع القوى الاقتصادية الجديدة خارج إطار الغرب وتعتمد على مواردها الذاتية، نشهد تآكل موارد أوروبا وتراجع نفوذها.
هذه القوى تشجع الدول التي كانت عرضة للاستغلال الاستعماري على بناء استقلالها وتنمية قدراتها الذاتية، مما يؤدي إلى حصر أوروبا في إطارها القاري وعزلها عن الساحة الدولية. خلال السنوات المقبلة، من المتوقع أن نشهد انهيار الاقتصاد الأوروبي، وما يترتب عليه من اضطرابات سياسية عميقة.
وفي ظل هذا الوضع، ستصبح القارة الأوروبية الخاسر الأكبر في خريطة توزيع القوى العالمية.
تشكل الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل المحور الرئيسي المسؤول عن الأزمة العالمية الحالية. هذا التحالف فتح أبواب الفوضى من خلال تنفيذ سيناريو كارثي يتضمن الاحتلالات، والصراعات الداخلية، والحروب الإقليمية، وحتى احتمالية استخدام الأسلحة النووية، في محاولة يائسة للحفاظ على سيطرته على الموارد والقوى العالمية.
هذا السيناريو يتضمن عمليات إبادة جماعية، ومجازر وحشية، ونهبًا للموارد، ومخططات تهدف إلى محو الشعوب، وكل ذلك يتم تحت ستار "تطبيع" يُراد به جعل هذه الجرائم مقبولة دوليًا.
ما حدث في غزة كان النموذج الأول لهذا المخطط؛ فقد دُمّرت القيم الإنسانية وكل ما يُعتبر مقدسًا أو محميًا في تاريخ البشرية. الإبادة التي نفذتها إسرائيل في غزة ليست سوى البداية لمشروع إبادة عالمي. وفي المستقبل، لن يتردد هذا المحور في تكرار هذه السيناريوهات المروعة في دول أخرى حول العالم.
غزة وحرب أوكرانيا: مخططات تقود إلى كارثة نوويةيسعى التحالف المتمثل في الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل إلى الحفاظ على سيطرته على الموارد والنفوذ العالمي، عبر تنفيذ مخططات جهنمية لا تأبه بالتضحية بجزء كبير من البشرية.
لهذا السبب، يجب إيقاف إسرائيل بأي ثمن. ويجب أيضًا إيقاف الولايات المتحدة وبريطانيا، وحتى أوروبا القارية التي بدأت قواها تتراجع. هذا المحور، الذي يفرض على العالم خيارًا مرعبًا: "إما الخضوع لنا أو الإبادة"، يجب أن يُوقف بأي وسيلة ممكنة.
لقد كانت حرب أوكرانيا نتاجًا لمخططات هذا المحور، وكذلك الحروب الصاروخية بعيدة المدى مع روسيا. واليوم، هم أنفسهم الذين يخططون لتزويد أوكرانيا بصواريخ نووية، ودفع العالم نحو كارثة نووية من خلال هذه الأزمة.
وعندما تواجه هذه القوى "الانهيار الحتمي"، فإنها لن تتردد في تنفيذ سيناريو كارثة نووية أخرى، لكن هذه المرة عبر إسرائيل.
لقد وصل النظام الغربي إلى نهايته. ولم يتبق أمامه سوى خيار واحد: تنفيذ عمل جنوني أخير يحمل في طياته دمارًا هائلًا للبشرية.
هذا الجنون لا يمكن أن ينبع إلا من الغرب، الذي كان تاريخه خلال الخمسمئة عام الماضية مليئًا بالإبادات الجماعية، والنهب، ومحو الثقافات.
اليوم، لم تعد الشعوب مستعدة لمشاركة مواردها مع الغرب. إفريقيا لن تشارك. آسيا لن تشارك. القوى الصاعدة والمستقلة تتقدم بخطى ثابتة، بينما ينكمش نفوذ الغرب الذي كان قائمًا على الهيمنة على الموارد.
لهذا السبب، بدأ الغرب بشن هجمات على دول الموارد. حربهم مع روسيا هي مثال حي، وهدفها الأساسي هو السيطرة على موارد روسيا. وإذا فشلوا في تحقيق ذلك، فلن يترددوا في إشعال حرب نووية.
تركيا: ذكاء جيواستراتيجي وانفتاح نحو دول الموارد
بينما تستعد تركيا لدخول "عصر العواصف"، لم تقتصر إنجازاتها على تحقيق نجاحات هائلة في تكنولوجيا الدفاع أو فتح أبواب الابتكار، بل أظهرت براعة استثنائية في استخدام ذكائها الجيوسياسي.
فقد اتجهت بسرعة نحو دول الموارد، وفتحت ممرات التجارة العالمية، واستثمرت في كل فرصة استراتيجية ممكنة.
لا ينبغي النظر إلى الموارد فقط كنفط وغاز طبيعي، بل يجب فهمها كطرق وممرات تصل هذه الموارد إلى الأسواق العالمية، وكقطاعات تدعم ثورة تركيا التكنولوجية.
كان انفتاح تركيا على إفريقيا خطوة استراتيجية استثنائية. ففي الوقت الذي يتم فيه إخراج فرنسا والدول الأوروبية من القارة، تمكنت تركيا من تعزيز حضورها عبر شراكات متعددة بصفتها "الدولة الصديقة" التي تدعم الشعوب ضد الاستعمار.
لم تقتصر جهود تركيا على العلاقات الاقتصادية، بل عززت شراكاتها مع دول الموارد عبر تعاون عسكري وأمني. عملت على الاستفادة من قطاعات حيوية تشمل النفط، الغاز، المعادن، الزراعة، المياه، والممرات المائية، إلى جانب تطوير بنية أمنية عسكرية تحمي هذه القطاعات.
بفضل هذه الاستراتيجية، نجحت تركيا في معالجة "مشكلة الموارد" بطرق تضمن دعم اقتصادها، وتعزز من موقعها في الصراعات العالمية حول القوة والموارد.
تعمل تركيا على ترسيخ مكانتها في مركز خريطة القوى العالمية المستقبلية. وبهذا الصدد، فإنها تتفوق على جميع الدول الأوروبية من حيث الاستعداد والجاهزية.
في "عصر العواصف"، الذي سيشهد انهيار أمم وصعود أخرى، ستتبوأ تركيا مكانة رائدة بين "الدول النجم"، لتصبح بحق "الدولة المركزية".
الوقت يضيق، وحان وقت التحرك بسرعة أكبر لتحقيق المزيد من التقدم!
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة