غزة تنتصر

08:4217/01/2025, Cuma
تحديث: 17/01/2025, Cuma
أرسين جليك

هل تذكرون من قالوا في السابع من أكتوبر "ستدمر إسرائيل غزة تمامًا، وستفنيها وتحولها إلى جحيم"؟ هؤلاء الذين كانوا يحكمون على الأمور من أماكنهم ويتحدثون نيابة عن حماس. لقد صدمهم طوفان الأقصى كما صدم إسرائيل. فقد كانت إسرائيل تعتبر نفسها قوة عظمى، تمتلك أحدث التقنيات، ونظامَ الدفاع الجوي "القبة الحديدية" التي لا يمكن اختراقها، ولا يستطيع طائر أن يطير في سمائها دون علمها، فكيف استطاعت تلك الطائرات الشراعية أن تصل إلى قلب تل أبيب؟ وعقب ذلك، شهدنا أيامًا مؤلمة وصادمة ومليئة بالأوجاع، ومن أكثر الأيام وحشية

هل تذكرون من قالوا في السابع من أكتوبر "ستدمر إسرائيل غزة تمامًا، وستفنيها وتحولها إلى جحيم"؟ هؤلاء الذين كانوا يحكمون على الأمور من أماكنهم ويتحدثون نيابة عن حماس. لقد صدمهم طوفان الأقصى كما صدم إسرائيل. فقد كانت إسرائيل تعتبر نفسها قوة عظمى، تمتلك أحدث التقنيات، ونظامَ الدفاع الجوي "القبة الحديدية" التي لا يمكن اختراقها، ولا يستطيع طائر أن يطير في سمائها دون علمها، فكيف استطاعت تلك الطائرات الشراعية أن تصل إلى قلب تل أبيب؟

وعقب ذلك، شهدنا أيامًا مؤلمة وصادمة ومليئة بالأوجاع، ومن أكثر الأيام وحشية في التاريخ الإنساني. ولكننا سرعان ما ننسى. لذلك عدت إلى الأرشيف وقرأت الأخبار المنشورة في السابع من أكتوبر والـ 48 ساعة التي تلتها. وجدت عشرات الأسئلة حول ما إذا كانت غزة قد انتصرت أم خسرت، وما إذا كانت إسرائيل قد هُزمت أم حققت ما أرادت. وقد وجدت إجابات هذه الأسئلة في بنود الاتفاق الأخير.

الإجابة الأولى هي: إنه انتصار لغزة، قد يتساءل البعض كيف يمكن أن يكون هذا انتصارًا؟ الجواب يكمن في مقارنة الوضع الحالي بما كان عليه قبل السابع من أكتوبر. إن عدم وقف إطلاق النار حتى الآن، واستمرار إسرائيل في هجماتها، وإثباتها أنها ليست جديرة بالثقة، لا يغير حقيقة أن المرحلة التي وصلنا إليها هي انتصار لغزة.

إن عملية طوفان الأقصى التي بدأتها كتائب القسام في صباح السابع من أكتوبر كانت الحركة الأخيرة لحماس التي أوقفت قطار إسرائيل وأوقعت بالعديد من الدول، وخصوصًا دول العالم الإسلامي، من على متن هذا القطار. بالطبع هناك من بقي في هذا القطار، ولكن قطار الصهيونية الذي كان يسير وفق أوهامها وهوسها بـ "أرض الميعاد" قد تغير مساره وتباطأت سرعته بشكل كبير.

فشلت إسرائيل في تدمير غزة، ولكن لو عدنا إلى ما قبل السابع من أكتوبر لوجدنا أنها كانت تعتزم تدمير غزة وشعبها بالكامل. تذكرون التقارب الإسرائيلي السعودي الذي تحول بسرعة إلى تحالف، وبدأ الحديث عن تهجير شعب غزة من أراضيهم إلى الصحارى. ففي أكتوبر 2023، تم الكشف عن أن الحكومة الإسرائيلية تعد "مخطط حرب" لنقل 2.3 مليون شخص من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية التي غالبية أراضيها صحراء. وقد تم تحديد الدول التي كان من المفترض أن تدعم هذا المخطط، وعلى رأسها السعودية، وطرحت فكرة منح الفلسطينيين المهجرين من غزة الجنسية لفترة طويلة كجزء من عملية انتقالية.

لقد كانت إسرائيل منذ سنوات طويلة تحتل المنازل بشكل ممنهج في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية عبر سياسة التوسع التدريجي. وكان العائق الوحيد أمامها هو الشعب المحاصر في غزة، والدعم الذي تقدمه له حركة حماس، سواء على المستوى المادي أو الفكري. غزة التي حُولت إلى سجن مفتوح على مدار نحو عشرين عامًا، كانت إسرائيل تخطط للسيطرة عليها عبر احتلال ناعم يتمثل في فرض إرادة الدول التي تقرر مصيرها، واللجوء إلى الطرق الدبلوماسية، وضغوط الرأي العام، وتقديم وعود بحياة أكثر رفاهية وأمانًا خالية من القصف. وبينما كانت هذه المرحلة قيد النقاش اندلعت عملية "طوفان الأقصى".

صحيح أن إسرائيل حولت غزة إلى جحيم، وقتلت أكثر من خمسين ألف مدني حتى الآن، ودمرت المدينة إلى حد كبير. ولكنها لم تتمكن من إخضاعها، فغزة لم تستسلم. والاتفاق على وقف إطلاق النار التدريجي الذي أعلن عنه منذ الأمس يؤكد أن إسرائيل فشلت في الحصول على شبر واحد من أرض غزة، والتي كانت العصابات الصهيونية تخطط لبناء منازل جديدة فيها قبل شهرين، بقيت غزة لأهلها، وتوقف قطار الصهيونية الذي كان يسعى لتوسيع رقعة احتلاله، وبدأ بعض ركابه يدركون خطأ الطريق الذي يسيرون فيه، واستفاقت الشعوب المسلمة وأدركت وحشية العالم العلماني.

كما حدث انقسام كبير في الغرب، فقد شهد ملايين الناس بعيونهم معاناة الفلسطينيين التي لا توصف، ورأوا بوضوح النفوذ الخانق لإسرائيل على العالم، وخاصة أمريكا.

لم تقتصر حماس على إشعال المقاومة في غزة فحسب، بل نجحت في إيقاظ الإنسانية ضد وهم "التفوق اليهودي". فقد واجه العالم المسيحي حقيقة أن الصهيونية ترى أن جميع البشر غير اليهود "غويم"، أي مخلوقات مشوهة خلقها الله على هيئة بشر.

كل هذه الأحداث، والأهم منها وهو العجز عن كسر إرادة غزة، تمثل انتصارًا كبيرًا. لقد غيّر شهداء غزة الأبطال وأطفالهم وآباؤهم وأمهاتهم مجرى التاريخ. سيكون يوم 7 أكتوبر نقطة انطلاق للتطورات التي ستشهدها منطقتنا والعالم في السنوات القادمة.


#غزة
#انتصار
#هزيمة إسرائيل
#الاحتلال
#فلسطين
#حماس
#الصهيونية
#السابع من أكتوبر