الأناضول رصدت ضمن سلسلة تقارير "الداعمون الصامتون للإبادة الجماعية الإسرائيلية في أوروبا"، جهود صُناع الثقافة في أوروبا لإضفاء الشرعية على جرائم إسرائيل المخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام تلقى تهديدات بالقتل جراء انتقاده تل أبيب في مهرجان برلين السينمائي المخرج الياباني الأمريكي نيو سورا : -تم في مهرجان البندقية في إيطاليا خلق مساواة زائفة من خلال وضع الأفلام الإسرائيلية والفلسطينية في نفس القسم في البرنامج -الجمهور تفاعل بشكل إيجابي مع الكوفية والعلم الفلسطيني الذي تم رفعه في المهرجان
يواصل قطاع الثقافة والسينما والفنون في أوروبا صمته إزاء الإبادة الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة، في وقت تحاكم فيه تل أبيب دوليا جراء ذلك، حيث تعرض مناصرو فلسطين لمضايقات عديدة وصلت إلى مستوى التهديد بالقتل.
ورصدت الأناضول ضمن سلسلة تقارير "الداعمون الصامتون للإبادة الجماعية الإسرائيلية في أوروبا"، جهود صُناع الثقافة في أوروبا لإضفاء الشرعية على جرائم إسرائيل، والضغوط على الفنانين الذين يدلون بتصريحات مؤيدة للفلسطينيين، بدءا من فرض الرقابة عليهم، وصولا إلى فصلهم من وظائفهم.
وبدعم أمريكي، تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حرب إبادة جماعية على غزة، خلفت أكثر من 144 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
وتواصل تل أبيب مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
المخرج الياباني الأمريكي نيو سورا، الذي أظهر التضامن مع الفلسطينيين في مهرجان البندقية السينمائي الدولي الـ81 في إيطاليا (بين 27 أغسطس/ آب الماضي و7 سبتمبر/ أيلول)، أدلى بتقييمه للأناضول عن الموقف المؤيد لإسرائيل في عالم الفن.
وأضاف سورا، أنه في 7 أكتوبر 2023 كان في مرحلة ما بعد الإنتاج لفيلم طويل.
وواصل: "تساءلت عن معنى الاستمرار في صناعة الأفلام في مواجهة الإبادة الجماعية (الإسرائيلية) التي تم بثها على الهواء مباشرة".
وأضاف متسائلا: "ما الفائدة من سرد القصص عندما تكون الكرامة الإنسانية والحقوق الإنسانية في مواجهة العنف الرهيب الذي يحرم فيه الناس من صفاتهم الإنسانية".
وفيما يتعلق بانحياز إدارة المهرجان لإسرائيل المتورطة في الإبادة الجماعية بغزة، قال سورا: "تم محاولة خلق مساواة زائفة من خلال وضع الأفلام الإسرائيلية والفلسطينية في نفس القسم في برنامج المهرجان، لذلك شعرت بخيبة أمل كبيرة بسبب هذا الوضع، ووقعت رسالة مفتوحة ضد إدراج أفلام تابعة لشركات إسرائيلية في البرنامج".
وأشار سورا، إلى تفاعل الجمهور بشكل إيجابي مع الكوفية والعلم الفلسطيني الذي تم رفعه في المهرجان.
وأضاف: "سمعت أصوات (فلسطين حرة) في القاعة، وقام العديد من الأشخاص من اليابان والعالم العربي بإرسال رسائل تضامن على مواقع التواصل الاجتماعي".
وتطرق المخرج الياباني الأمريكي إلى المشاكل الهيكلية في صناعة السينما بالقول إن "صناعة السينما في أمريكا تعتمد إما على المستثمرين الأفراد أو الشركات، وإذا كان لدى المستثمرين علاقات إسرائيلية، فإنهم يميلون إلى دعم المشاريع الإسرائيلية ورفض المشاريع الفلسطينية".
وأشار إلى جهل المجتمع الياباني بفلسطين، قائلا إنه "في اليابان الناس لا يعرفون حتى أين تقع فلسطين، ويكاد المجتمع يكون صفحة بيضاء حول هذه القضية، ولهذا السبب من المهم للغاية رفع الوعي من خلال الثقافة".
وأكد سورا، أن الإبادة الإسرائيلية لا تستهدف حياة الإنسان فحسب، بل تستهدف أيضا الهوية الثقافية لفلسطين، قائلا "يتم تدمير الأرشيف والمؤسسات والمتاحف والذاكرة، وحماية الثقافة الفلسطينية جزء مهم من المقاومة".
كما أشار إلى مخاطر استخدام إسرائيل لتقنيات الذكاء الاصطناعي لأغراض عسكرية، محذرا من "استخدام الإبداع لأغراض القتل بدلا من الفن، وهذا الوضع يشكل تهديدا كبيرا لمستقبل البشرية".
وفي 12 سبتمبر الماضي، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن الجيش الإسرائيلي يستخدم تقنيات المراقبة والذكاء الاصطناعي وأدوات رقمية أخرى للمساعدة في تحديد أهداف هجماته في غزة، وهذه التقنيات "تفتك بالمدنيين".
وأضافت المنظمة، في تقرير، أن "هناك أداة تعتمد على تتبع الهواتف الخلوية لمراقبة إجلاء الفلسطينيين من أجزاء من شمال غزة، وأداة تُعرف بـ(غوسبل) التي تُعِدّ قوائم بالمباني أو الأهداف الهيكلية الأخرى التي سيتم مهاجمتها".
وأثار التضامن الفلسطيني في الحفل الختامي لمهرجان برلين السينمائي (بين 15 فبراير/ شباط الماضي و25 من الشهر نفسه) ردود فعل السياسيين الألمان، حيث وصفت وزيرة الثقافة كلوديا روث الكلمات التي ألقيت في حفل توزيع الجوائز بأنها "منحازة بشكل رهيب ضد إسرائيل".
وواجهت إدارة المهرجان تهديدا بالتحقيق، حيث أفاد السيناتور الثقافي في برلين جو تشيللو، بـ"تميز حفل توزيع جوائز برليناله، هذا العام بدعاية مناهضة لإسرائيل لا مكان لها على مسارح برلين".
أما تصريحات المخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام، في مهرجان برلين السينمائي وصفت بأنها "معادية للسامية" من قبل المسؤولين الألمان.
حيث ذكر أبراهام، أن هذه الاتهامات تقلل من قيمة مصطلح "معاداة السامية"، وتشكل خطرا على حياة اليهود.
ويعود ذلك إلى تصريحات أبراهام، في المهرجان، والتي قال فيها إنه إسرائيلي الجنسية وزميله باسل عدرا، المشارك في الإخراج فلسطيني، وأنهما سيعودان بعد يومين فقط إلى بلد لا يتمتعان فيه بالمساواة.
وتابع: "أنا أعيش في ظل نظام مدني، وباسل في نظام عسكري. نقيم على بعد 30 دقيقة فقط من بعضنا البعض. أتمتع بحق التصويت، أما هو فلا، ويُسمح لي بالتحرك بحرية في هذا البلد، في حين أن باسل، مثل ملايين الفلسطينيين، مقيد في الضفة الغربية المحتلة. يجب أن تنتهي عدم المساواة هذه بيننا".
تلك التصريحات كانت سببا في تلقيه تهديدات بالقتل، حيث كشف في منشور عبر منصة "إكس" أنه تلقى تهديدات بالقتل عقب فيلم وثائقي شارك في إخراجه مع مخرجين فلسطينيين، ويتناول العنف الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي هولندا، انسحب 12 مخرجا للأفلام الوثائقية من مهرجان أمستردام السينمائي بعد إدانة إدارة المهرجان للاحتجاج على الإبادة الإسرائيلية في غزة.
فيما حذف فيلم "فرحة" للمخرجة الأردنية من أصل فلسطيني دارين سلام، من البرنامج في مهرجان بريستول فلسطين السينمائي.
وفي هذا الصدد، قالت سلام، في بيان عبر منصة "إكس"، إن "الصمت تواطؤ، هذه الأفعال الجبانة لا تخفي الحقيقة وحسب، بل تجعلها أيضا جزء من الإبادة الجماعية الجارية".
كما أدى الإعلان عن حظر الأعلام الفلسطينية في مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" التي أقيمت في مالمو بالسويد في الفترة من 7 إلى 11 مايو/أيار الماضي ومشاركة إسرائيل إلى حدوث احتجاجات على تلك الخطوة التي وصفت بأنها انحياز مطلق لإسرائيل.
وأعلنت مديرة الاتصالات في اتحاد الإذاعات الأوروبية ميشيل روفيلي، أن جميع الأعلام والرموز محظورة، باستثناء أعلام الدول المشاركة في المسابقة وعلم قوس قزح (راية المثليين).
وبحسب وكالة الأنباء السويدية، صادر حراس الأمن عند المدخل اللافتات التي تحتوي على العلم الفلسطيني أو رسائل سياسية بهذا الصدد.
وفي سياق الاستمرار بمضايقات مناصري فلسطين في تلك المسابقة، جرى الضغط على الإيرلندية بامبي ثوغ، أول متأهلة للنهائيات، لتغيير طلاء الجسم الذي كتب عليه "وقف إطلاق النار" و"الحرية"، في حين دافع اتحاد الإذاعات الأوروبية عن مشاركة إسرائيل بالمسابقة على الرغم من استبعاد روسيا من المسابقة بسبب حربها مع أوكرانيا.
وتصف منظمات حقوق الإنسان ادعاء إدارة المسابقة بأن مواقفها "غير سياسية" بأنها "ازدواجية معايير".
وعلى الرغم من تعرضهم لعقوبات خطيرة، إلا أن عددا من الفنانين في أوروبا يواصلون دعم فلسطين وانتقادهم لحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة.
وفي معرض إعلانه إلغاء حفلاته في ألمانيا بسبب دعمه لفلسطين، قال الموسيقار البريطاني روجر ووترز، إن "دعم فلسطين في عالم الفن يعتبر بمثابة الانتحار المهني".
وتشهد كبرى العواصم والمدن الأوروبية مظاهرات شعبية حاشدة تضامنا مع قطاع غزة، يطالب فيها المشاركون بوقف الإبادة الإسرائيلية ومساءلة تل أبيب في المحاكم الدولية، فيما تعرضت أغلب تلك المظاهرات للقمع من قبل أفراد الشرطة، ما اعتبره مراقبون "انحيازا لإسرائيل".
وتميزت تلك المظاهرات بعامل الاستمرارية، ومشاركة طيف واسع من البرلمانيين والإعلاميين والفنانين الذين قالوا إن حراكهم سيتواصل حتى وقف الإبادة الإسرائيلية في غزة.