أحلام "أرض الميعاد" انتهت في غزة.. من يقترب من حدود تركيا يُصطاد في عقر داره.. انهيار معادلة إسرائيل-إيران.. نهاية "بي كي كي" الإرهابي قادمة.

07:0221/01/2025, الثلاثاء
تحديث: 21/01/2025, الثلاثاء
إبراهيم قراغول

هل ندرك تمامًا ما يحدث؟ ربما لا، لكننا نشهد لحظات حاسمة وأحداثًا تاريخية تغيّر مجرى تاريخ منطقتنا. منذ الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، تعرّضت منطقتنا لتدمير ممنهج. ومع انتهاء الحرب الباردة، بدأت موجة جديدة من المحاولات لتقسيم المنطقة وتفكيكها. كانت الخطة تقضي بتقسيم الدول الممتدة من شمال إفريقيا إلى الأناضول، وتحجيم دورها بشكل جذري. لهذا الغرض، أُطلقت غزوات كبرى، وأشعلت حروب عرقية وطائفية. في الوقت ذاته، كانت الأنظمة الحاكمة تُمهّد الطريق أمام الغزو الغربي، وفي المناطق التي لم تستطع

هل ندرك تمامًا ما يحدث؟ ربما لا، لكننا نشهد لحظات حاسمة وأحداثًا تاريخية تغيّر مجرى تاريخ منطقتنا.

منذ الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، تعرّضت منطقتنا لتدمير ممنهج. ومع انتهاء الحرب الباردة، بدأت موجة جديدة من المحاولات لتقسيم المنطقة وتفكيكها. كانت الخطة تقضي بتقسيم الدول الممتدة من شمال إفريقيا إلى الأناضول، وتحجيم دورها بشكل جذري.


لهذا الغرض، أُطلقت غزوات كبرى، وأشعلت حروب عرقية وطائفية. في الوقت ذاته، كانت الأنظمة الحاكمة تُمهّد الطريق أمام الغزو الغربي، وفي المناطق التي لم تستطع الأنظمة القيام بدورها، أُنشئت منظمات إرهابية لتفتح الطريق أمام هذه الغزوات، وكأن أبواب القلاع تُفتح من الداخل لتتدفق جيوش الغرب إلى أراضينا ومدننا واحدة تلو الأخرى.


انعكاس التاريخ: أمريكا تتجه نحو الإقليمية.. أوروبا على شفا الانهيار.. والجبهات الداخلية تُغلق..

ما نشهده الآن هو عكس آثار الحرب العالمية الأولى والموجة الجديدة من الغزو التي بدأت في التسعينيات. لأول مرة منذ مئة عام، نشهد إغلاق "الجبهات الداخلية" ومنع "الغزوات الخارجية". لم تعد الخرائط التي رسمها الغرب ذات تأثير يُذكر. وبدلاً من التقسيم، تُفتح الآن أبواب الوحدة والاندماج.


حلّ محل "الجبهات الداخلية" مشروع بناء "أمن داخلي مشترك"، وبدلاً من نهب الموارد، بدأت خطوات عملاقة نحو إنشاء "منطقة رخاء" شاملة تمتد عبر رقعة جغرافية واسعة.


مع انشغال أوروبا بمشاكلها الداخلية، وتركيز الولايات المتحدة على صراعاتها الذاتية، وتصاعد التنافس الكبير بين الشرق والغرب على مستوى القوى العالمية، أصبحت القوى الديناميكية في منطقتنا أمام فرصة ذهبية للتحرك واستعادة زمام الأمور.


فقدت الولايات المتحدة سيطرتها على العولمة وتحولت نحو الإقليمية مع صعود ترامب، بينما يعاني الاتحاد الأوروبي من أزمة اقتصادية وسياسية حادة تهدد وجوده. هذا المشهد أتاح لمنطقتنا فرصة نادرة لتحقيق قفزة نوعية على مستوى القوة والتأثير.


"سلام تركيا" يمتد كالموجة.. وصعود جديد يرتكز على الدولة والقوة..

في هذا السياق، تحوّلت رياح "سلام تركيا" إلى موجة كبرى تتخطى الحدود والدول والبحار. أصبحت "عولمة الجغرافيا" واحدة من أقوى الهويات في القرن الحادي والعشرين. اليوم، تنطلق عاصفة كبرى من إندونيسيا إلى الجزائر، ومن شرق إفريقيا إلى البحر الأسود، تغطي المحور الرئيسي للعالم. هذه العاصفة تعيد تشكيل خريطة القوة في المنطقة والعالم.


هذا التحول يختلف تمامًا عن موجات سابقة مثل "الربيع العربي" التي وظّفها الغرب لخدمة مصالحه. فهو نهج حديث يرتكز على تعزيز الدولة ومراكز القوة، مع مراعاة التوازنات العالمية، واستلهام الفكر الإمبراطوري برؤية عصرية. يعتمد على قوة عسكرية فريدة وهوية وطنية وجغرافية متماسكة، ويهدف إلى صياغة خرائط جديدة للموارد والممرات التجارية، ليصبح قوة رئيسية تسهم في تشكيل ملامح القرن الحادي والعشرين، مع ترسيخ هذه الرؤية كجزء من الوعي الشعبي.

انهيار معادلة إسرائيل-إيران.. نجاة المنطقة بأكملها.. والإرهاب كان نتاج هذه المعادلة


منذ تسعينيات القرن الماضي، لعب عنصران أساسيان دورًا رئيسيًا في تمزيق المنطقة: إسرائيل وإيران. هذا الصراع، الذي تم إنشائه لتمهيد الطريق أمام الغزو الغربي، كان بمثابة وهم مفتعل يقف وراء جميع الأزمات التي اجتاحت المنطقة.


أينما تدخلت إيران، تحوّل المكان إلى ساحة حرب، وأينما تدخلت إسرائيل، اندلعت الصراعات. غزو الولايات المتحدة للعراق وأفغانستان كان نتيجة لاستفزاز إسرائيلي، ولكنه في الوقت ذاته فتح المجال أمام توسع النفوذ الإيراني. كما أن جميع التنظيمات الإرهابية التي ظهرت في المنطقة كانت وليدة هذه المعادلة التخريبية.


بسبب طموحات هذين "العدوين في الظاهر"، عانت منطقتنا ثلاثين عامًا من الكوارث المتتالية. وجميع الهجمات العدوانية التي شنّتها الولايات المتحدة وأوروبا اعتمدت على هذه المعادلة وتم تنفيذها وفقًا لها.


إيران وإسرائيل تفقدان السيطرة على المنطقة.. وكلتاهما تواجه خطر الانهيار الداخلي

اليوم، يمكن القول بثقة إن هذه المعادلة قد انهارت. فقدت إيران نفوذها في المنطقة بشكل شبه كامل بما في ذلك في سوريا ولبنان والعراق واليمن. لم تعد قادرة على استخدام هذه الدول كأدوات في حروبها بالوكالة. ولأول مرة منذ ثورة 1979، اضطرت إيران إلى الانسحاب إلى داخل حدودها، مما كشف عن احتمالية تعرضها لانهيار داخلي.


على الجانب الآخر، إسرائيل أيضًا فقدت نفوذها الإقليمي. وسنشهد قريبًا نتائج هذا الانهيار بشكل واضح ودرامي. لقد بدأت إسرائيل بالفعل مرحلة "الانهيار الداخلي"، وكانت هدنة غزة أول مؤشر على ذلك. ومن المتوقع أن تنسحب إسرائيل من لبنان ومن الأراضي السورية في المستقبل القريب.


خبران سارّان


نعيش الآن لحظات مفعمة بالفرح والأمل مع أخبار تبعث على السرور. هذه الأخبار هي أولى نتائج إنهاء "المعادلة القديمة" التي ظلت تهيمن على المنطقة،وهناك أيضا المزيد من التغييرات الإيجابية في الطريق.


في سوريا، سقط نظام البعث، وانتهى أحد أعمدة "المعادلة" التي تأسست بعد الحرب العالمية الأولى. اليوم، تولى أبناء سوريا الحقيقيون قيادة البلاد، وتمكن نظام وطني أصيل من إزاحة النظام الفاسد. هذا التحول سيكون له تأثيرات غير مسبوقة على سوريا والمنطقة بأكملها.


أما في غزة، فقد تحقق وقف إطلاق النار. ورغم المجازر الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل، إلا أنها لم تنجح في كسر إرادة شعب غزة أو إخضاعه. وبالرغم من الدعم العسكري الكبير الذي تلقته إسرائيل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لم تستطع مواجهة إرادة هذا الشعب وصموده البطولي.

471 يومًا من المقاومة.. والهزيمة للعدوان! تبعات جيوسياسية كبيرة قادمة


على مدار 471 يومًا من الموت والدمار المروع، بقيت كتائب عز الدين القسام وحركة حماس صامدتين بكل شجاعة. أما شعب غزة، فقد أثبت صبرًا وتحملًا لم تشهد لهما الإنسانية مثيلًا، ووقف بشموخ أمام آلة الحرب الإسرائيلية.


المعتدون الذين ارتكبوا هذه المجازر الوحشية أدانهم ضمير البشرية. ولكن هل تعتقدون أن هذه الأحداث ستقتصر تداعياتها على الجانب الأخلاقي فقط؟ بالطبع لا. فالنتائج الجيوسياسية ستكون كبيرة وعميقة. لقد انتهى حلم التوسع الإسرائيلي إلى الأبد. والمقاومة الباسلة في غزة تمثل دليلًا واضحًا على ذلك.

مشروع "أرض الميعاد" انتهى في غزة!


لقد انتهى مشروع "أرض الميعاد" في غزة. أولئك الذين وصلوا إلى حدود تركيا، مهددين بنشر خرائط "الدولة اليهودية"، ومعلنين نيتهم تقسيم العديد من الدول، لم يتمكنوا حتى من تجاوز كتائب عز الدين القسام في غزة.


تخيلوا الآن هؤلاء وهم في مواجهة مع تركيا. لقد دعموا ووجهوا أحداثًا كبرى مثل انقلاب 28 فبراير/شباط ومحاولة انقلاب 15 يوليو/تموز. كما سلّحوا ودعموا تنظيم "بي كي كي"، ونفذوا عمليات داخل تركيا.


إن اقتربت من حدودنا، سيحاصرك خصمك في عقر دارك.. ويُلقي بك في البحر المتوسط!


لكن كل شيء تغيّر مع التحول التاريخي الكبير الذي شهدته تركيا. لقد عاد عقل الإمبراطوريات، وبدأ خصوم تركيا بالتراجع. الآن، بدلًا من التدخل في شؤون تركيا، يجدون أنفسهم يتراجعون إلى الداخل لتجنب مواجهتها.


قريبًا، عندما تُبنى قواعد عسكرية في طرطوس، وجنوب لبنان، والجولان، والمناطق المحيطة بإسرائيل، لن تجرؤ على مهاجمة غزة أبدًا. منذ عام 1948، كانت إسرائيل دائمًا في موقف المهاجم، لكنها الآن مجبرة على الدفاع. إذا اقتربت من حدود تركيا، سيتم حصارك داخل حدودك! وستلقى مصيرك في البحر المتوسط. هذه هي قواعد اللعبة الجديدة!


تنظيم "بي كي كي" الإرهابي سينتهي!

سيتم تطهير شرق الفرات. لن يُسمح لأي تنظيم إرهابي أو أي "عنصر أجنبي" يهدد وحدة سوريا أو أمن تركيا بالبقاء. والآن، الدور في خريطة القوى الجديدة للمنطقة قد وصل إلى تنظيم "بي كي كي/واي بي جي".


هذا لأنهم آخر ما تبقى من "المعادلة القديمة". لقد كانوا الذراع المسلحة لإسرائيل والغزو الغربي في المنطقة. وبعد خمسين عامًا من استمرارهم، سينتهون مع انهيار هذه المعادلة. وكما انتهى "بعث سوريا"، سينتهي "بعث الأكراد" أيضًا ولن يكون له مكان في خريطة الجغرافيا الجديدة.


عاصفة تمتد إلى المحيطات تكبر يومًا بعد يوم!


تشهد تركيا حركة عسكرية استثنائية تمتد عبر المنطقة بأكملها. من سوريا إلى ليبيا، ومن لبنان إلى كوسوفو، ومن البوسنة إلى قطر، ومن الصومال إلى المحيطات، نرى عاصفة تزداد قوة وتأثيرًا.


لأول مرة منذ الحرب العالمية الأولى، تعمل تركيا على بناء شراكات واسعة تمتد عبر جغرافيا شاسعة، بهدف تحقيق السلام والازدهار. نحن نؤسس لنهضة جديدة في المنطقة. وسيأتي اليوم الذي تلعب فيه تركيا دور الحماية في غزة أيضًا. لأننا كنا هناك عام 1917 ندافع عن غزة، وسندافع عنها مرة أخرى.


لن يجرؤ أي بلد على مواجهة تركيا..

لن يتمكن وجود تنظيم "بي كي كي/الإرهابي" شرق الفرات من عرقلة هذه القفزة الكبرى التي تمثل قوى القرن الحادي والعشرين. جميع الدول التي تدعمه ستضطر عاجلًا أم آجلًا إلى التوصل إلى تفاهم مع تركيا. لن يجرؤ أحد على مواجهة هذه القوة الهائلة.

لا تنظروا فقط إلى النشاط العسكري لتركيا، بل تأملوا في خارطة الصداقة التي ترسمها. فهي تمتد من أمريكا اللاتينية إلى جنوب آسيا، ومن إندونيسيا إلى أعماق إفريقيا، ومن آسيا الوسطى إلى البحر الأسود، وكل شبر من أراضي الشرق الأوسط.


لم تعد سيناريوهات الصراع الإيراني الإسرائيلي تتحكم بالجغرافيا. لقد بدأ "سلام تركيا" في تشكيل المنطقة، ليحل محل الصراعات القديمة. هذا التأثير، الذي لم يحدث منذ قرن من الزمن، قد بدأ بالفعل. وها نحن الآن نشهد بداية هذا التاريخ الجديد.

#سلام تركيا
#تركيا
#إسرائيل
#غزة
#سوريا