أثارت التطورات المتسارعة في سوريا اهتماما وترصدا لدى إسرائيل التي اختلطت عليها المواقف، ما بين شعور بالارتياح جراء انشغال "حزب الله" في جبهة جديدة، وإحساس بالقلق إثر تقارير تحدثت عن وصول مليشيات مدعومة من إيران لإسناد النظام السوري.
وتخشى إسرائيل التي تربطها حدودها الشمالية مع سوريا، من سيطرة المعارضين لرئيس النظام بشار الأسد على أسلحة، تقول تل أبيب إنها قد تستخدم لاحقا ضد الجيش الإسرائيلي.
ومنذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تخوض فصائل معارضة مسلحة في سوريا اشتباكات مع قوات النظام بعدة مناطق، ودخلت حلب عصر الجمعة، وسيطرت على معظم أحياء المدينة ومواقع مهمة أبرزها مبنى المحافظة ومراكز الشرطة وقلعة حلب التاريخية.
كما بسطت سيطرتها على كامل محافظة إدلب، السبت، بعد السيطرة على مواقع عديدة في ريفها، بينها مدينتا معرة النعمان وخان شيخون، وبالإضافة إلى مدينة سراقب الاستراتيجية.
فيما سيطر الجيش الوطني السوري، مساء الأحد، على مركز مدينة تل رفعت بالكامل شمال محافظة حلب، في إطار عملية "فجر الحرية"، التي أطلقها ضد تنظيم "بي كي كي/ واي بي جي" الإرهابي.
*مخاوف من الانتشار الإيراني
وعن تلك التطورات، قال المحلل في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية جوناثان ليس، الاثنين: "تراقب إسرائيل عن كثب التطورات في سوريا، وتخشى من إرسال إيران قوات كبيرة لدعم نظام بشار الأسد".
وأضاف المحلل أن "القادة الإسرائيليين يشعرون بالقلق من أن تنتشر القوات الإيرانية على الحدود مع إسرائيل، لمحاولة تهريب الأسلحة والذخيرة إلى لبنان، كجزء من الجهود الرامية إلى إعادة تسليح حزب الله".
وأكد أن "القوات الإيرانية ستنتشر بالفعل في دمشق، فقد قال مصدر إسرائيلي مشارك في المداولات إن طهران بدأت بإرسال قواتها لمساعدة الأسد في قمع التمرد".
وعن المخاوف الأخرى، أضاف المصدر أن إسرائيل تخشى كذلك، "من سيناريو يفشل فيه الرئيس السوري في قمع التمرد، وتستولي منظمات إرهابية مثل القاعدة على الأراضي السورية بالقرب من الحدود مع إسرائيل"، وفق المحلل ليس.
كما اعتبر المصدر الإسرائيلي أن "الوضع الذي يتحول فيه بلد على حدود إسرائيل إلى حالة من عدم الاستقرار هو تطور مقلق للغاية، ونحن بحاجة إلى الاستعداد لكل الاحتمالات، بما في ذلك انهيار نظام الأسد وخطر أن تشكل المنظمات الإرهابية تهديدا جديدا لإسرائيل".
وأوضح ليس أن هناك "اعتقادا إسرائيليا بأن الاشتباكات في سوريا تزيد من فرص صمود اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان (حزب الله)".
*معضلة الأسلحة الكيميائية
بدورها، قالت القناة 12 الإسرائيلية: "تراقب المؤسسة الأمنية بقلق بالغ سيطرة المسلحين على مواقع استراتيجية في الشمال السوري، خشية وقوع القدرات الاستراتيجية وبقايا الأسلحة غير التقليدية في أيدي عناصر جهادية".
وبخصوص الأسلحة الكيميائية، أضافت القناة: "على الرغم من تعهد سوريا في 2013 بتدمير مخزوناتها من الأسلحة الكيميائية، إلا أنه يُعتقد أن النظام احتفظ بكمية متبقية واستمر في التطوير السري. ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، عادت سوريا إلى استخدام الأسلحة الكيميائية في عام 2018، وزادت منذ ذلك الحين مخزونها من الأسلحة الكيميائية".
وبحسب القناة الإسرائيلية فإن "المتمردين بقيادة هيئة تحرير الشام الجهادية السنية، سيطروا أيضا على العديد من مستودعات الذخيرة والقواعد العسكرية في المنطقة، وهو ما يثير قلق إسرائيل".
ونقلت عن يهوشوا كاليسكي، الباحث في معهد الدراسات السياسية في إسرائيل، قوله إن "هذا التنظيم ليس له حدود أخلاقية أو التزام سياسي، وقد يستخدم الأسلحة كما يراه مناسبا، بما في ذلك ضدنا".
في المقابل اعتبرت القناة أن "خسارة حلب والمنطقة المحيطة بها تشكل ضربة للمحور الإيراني الشيعي. وهي مرتكز أساسي يستخدم لترسيخ إيران في سوريا".
في السياق، اعتبر الجنرال المتقاعد بالجيش الإسرائيلي يسرائيل زيف، أن "انهيار الأسد نبأ سيئ بالنسبة لأمن إسرائيل".
وأضاف في مقال نشره بموقع القناة 12 الإسرائيلية، أن "إضعاف المحور الإيراني صار فرصة للمتمردين في سوريا الذين شنوا هذا الأسبوع هجومًا مفاجئًا واسع النطاق على نظام الأسد".
وتابع: "لقد استولوا على مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، واستولوا على منشآت عسكرية والعديد من البلدات الأخرى".
وبشأن التواجد الروسي في سوريا، قال الجنرال المتقاعد إن موسكو خفضت ظهورها العسكري هناك منذ بداية الحرب مع أوكرانيا (فبراير/ شباط 2022)، لكنهم عادوا إلى القصف وأعلنوا أن الحفاظ على نظام الأسد رصيد استراتيجي".
أما إيران، وفق الجنرال، فهي "لا تستطيع تحمل خسارة سوريا، وسوف تضطر قريبا إلى التدخل بميليشياتها الخاصة".
واعتبر زيف أن "احتمال سقوط نظام الأسد يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لاستقرار المنطقة بأكملها. وسيؤدي ذلك إلى هروب أعداد كبيرة من اللاجئين إلى البلدان المجاورة وأوروبا".
ورجح أن "يؤدي الوضع إلى جلب تنظيمات إرهابية إلى حدود إسرائيل".
*مخاوف انهيار النظام السوري
صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، عقبت على التطورات في سوريا أيضا، وقالت إن "انهيارا محتملا لنظام الأسد يثير مخاوف أمنية جديدة بالنسبة لإسرائيل".
وأشارت إلى أن "المسؤولين الإسرائيليين يقدرون أن بشار الأسد يسمح للقوات الإيرانية بدخول البلاد لحماية نظامه، وهي الخطوة التي قد تؤثر بشكل مباشر على الجبهة الشمالية".
وتابعت: "أدى استيلاء المتمردين على شمال سوريا إلى إلحاق الضرر بالبنية التحتية الإيرانية وحزب الله، ما قد يعيق جهود إعادة تأهيل حزب الله، وهو تطور يُنظر إليه على أنه إيجابي لإسرائيل".
كما أوضحت أن "التقييمات تشير إلى أن الأسد قد يصبح أكثر ضعفًا وأقل تركيزًا على المصالح الإقليمية الإيرانية".
وأكدت أن "هناك مخاوف من خلق مساحة لتهديدات عسكرية جديدة ضد إسرائيل في حال انهيار نظام الأسد، والمسؤولون الإسرائيليون يقولون باستمرار أن الجيش سيحافظ على الحرية العملياتية في لبنان وسوريا لمنع حزب الله من تعزيز قوته مجددا".
ووفق الصحيفة، فإنه "في حين يُنظر إلى إضعاف نفوذ إيران في سوريا على أنه أمر إيجابي في الأمد القريب، فإن العواقب طويلة الأجل تظل غير مؤكدة".
وعن تأثيرات ذلك على روسيا، أشارت الصحيفة إلى وجود "تقديرات بأن سقوط حلب في أيدي قوات ميليشيا هيئة تحرير الشام يحرج موسكو، وقد يؤثر على أهميتها في استقرار لبنان".
وفي وقت سابق الاثنين، قالت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية)، إن "حزب الله" نقل بعض قواته إلى سوريا لحماية منشآته في البلد المجاور، فيما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد، أن حكومته تتابع ما يحدث من تطورات في سوريا ومصممة على حماية ما أسماها "مصالحنا الحيوية".
ويسود وقف هش لإطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" منذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أنهى قصفا متبادلا عبر الحدود بدأ في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ثم تحول إلى حرب واسعة في الشهرين الأخيرين.