لماذا تسعى تركيا وراء جميع ممرات الطاقة؟

08:305/01/2025, الأحد
تحديث: 5/01/2025, الأحد
نيدرت إيرسانال

إن السياق الجيوسياسي الجديد الناشئ عن الأحداث في سوريا وأوكرانيا يحمل العديد من النتائج المفاجئة التي قد تبدو معقدة في البداية، ولكن عندما تُصنف بشكل صحيح قد تدهش المرء، وقد تبدو غير مرتبطة بالموضوع، لكنها تلتقي في النهاية بشكل غريب ومتناسق. فعلى سبيل المثال، في اليوم الأول من العام الجديد، توقفت إمدادات الغاز القادمة من روسيا عبر أوكرانيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد قرار كييف عدم تجديد الاتفاق. ورغم أن لهذا القرار تأثيرات قصيرة المدى على الأسعار، إلا أنه من غير المتوقع أن تتجمد أوروبا هذا

إن السياق الجيوسياسي الجديد الناشئ عن الأحداث في سوريا وأوكرانيا يحمل العديد من النتائج المفاجئة التي قد تبدو معقدة في البداية، ولكن عندما تُصنف بشكل صحيح قد تدهش المرء، وقد تبدو غير مرتبطة بالموضوع، لكنها تلتقي في النهاية بشكل غريب ومتناسق.

فعلى سبيل المثال، في اليوم الأول من العام الجديد، توقفت إمدادات الغاز القادمة من روسيا عبر أوكرانيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد قرار كييف عدم تجديد الاتفاق.

ورغم أن لهذا القرار تأثيرات قصيرة المدى على الأسعار، إلا أنه من غير المتوقع أن تتجمد أوروبا هذا الشتاء، فمخزونات الغاز ممتلئة وهناك دعم قادم من الولايات المتحدة.

لكن الأهم من ذلك هو أن قطع الطريق على إمدادات الطاقة قد فتح الطريق أمام تركيا. إنها مسألة مثيرة للجدل وتحتاج إلى مزيد من الدراسة.

كما أن الفرصة التي ظهرت لتركيا، كدولة تشتري كميات كبيرة من الطاقة من روسيا، تشكل معادلة مختلفة. فقد بلغ نصيب روسيا من واردات تركيا من الغاز الطبيعي 43.5%، في أكتوبر وفي النفط تجاوز نسبة 50%.

إن سلسلة الطاقة التي تبدأ من أوكرانيا، من جهة تقدم فرصًا غير اعتيادية لتركيا، وفي الوقت نفسه، فإن ضغط أنقرة على موسكو في سوريا يجعل البلدين ينظران بدهشة إلى خريطة طاولة المفاوضات.

ووجود مسارات ومشاريع طاقة منفصلة في العراق وشمال العراق وسوريا وأذربيجان ضمن السلسلة القادمة من أوكرانيا، يضع خريطة روسيا وأوكرانيا وتركيا والقوقاز والخليج والعراق وسوريا والبحر الأبيض المتوسط تحت مظلة واحدة في هذا السياق.

إن إمدادات الغاز من روسيا إلى أوروبا تسير عبر عدة ممرات ـ وهو ما كان يحدث سابقًا ـ ولكن يبدو أن معظمها قد توقفت. فمثلاً، خط نورد ستريم أصبح ميتًا بالفعل، وخط النقل عبر أوكرانيا أيضًا منخفض جدًا، وخط يامال متوقف أيضًا. ولكن يبقى خط ترك ستريم في القمة، حيث يتدفق الغاز الروسي عبر هذا الطريق بكميات كبيرة. (وفقًا لتقرير Bruegel بتاريخ 2 يناير عن واردات الغاز الطبيعي الأوروبية).

ونتيجة لذلك، أصبح لتركيا دور جديد في ضمان أمن إمدادات الطاقة لأوروبا، وهي لا ترى الوضع الجديد فقط من زاوية العلاقة بين روسيا وأوروبا، بل تسعى إلى نقل الطاقة التي تخرج من المنطقة عبر "بوتقة" تتشابك فيها مصالح عدة دول.

أما بالنسبة للتأثير السياسي الثاني، فقد فقدت برلين توازنها السياسي الداخلي، وتستعد البلاد لخوض انتخابات جديدة. وكما هو الحال في جميع أنحاء أوروبا، فإن الرأي العام الألماني يشعر بالاستياء بسبب تدهور العلاقات مع روسيا، مما يعزز احتمال صعود حزب "البديل من أجل ألمانيا" إلى السلطة، أو على الأقل مشاركته في الحكومة.

وعندما يُضاف إلى هذا الاستياءِ الاعتقادُ الشائع في أوروبا وألمانيا أيضاً بأن "الولايات المتحدة وشركات الطاقة تحقق مكاسب كبيرة من هذه الأزمة"، فإن ذلك يزيد من مخاوف ارتفاع شعبية حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليمين المتطرف الشعبوي البعيد عن الاتحاد الأوروبي.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فلا يزال مقال إيلون ماسك الداعم لحزب "AfD" عالقا في الأذهان، وكذلك تصريح نائب الرئيس السابق دونالد ترامب، جي دي فنس، الذي قال: "لا أود التدخل في شؤون دول أخرى، ولكن المقال مثير للاهتمام."

وعند العودة إلى أنقرة؛ فإن صفحة الطاقة في أجندة تركيا وأوروبا وترامب وروسيا وسوريا قد خلقت أجندة جديدة تتطلب تفكيرًا عميقًا وحسابات معقدة نظرًا لكثرة المتغيرات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان.

وكما ذكرنا في مقال سابق، يجب أن نفهم أن جميع جهود تركيا في مجال الصناعات الدفاعية تهدف إلى الاستفادة من الفرص المتاحة في النظام العالمي الجديد والتحضير لمواجهة التحديات. وهذا ينطبق أيضًا على مجال الطاقة.

نحن نعمل حاليًا على تطوير نوع من "التقويم العالمي الجديد التوضيحي" لتركيا، ومن جهة أخرى نسعى إلى مواكبة التطورات الداخلية في سوريا دون الإضرار بها، وفي الوقت نفسه، نسعى إلى دمج هذه التطورات في السياق الإقليمي والعالمي.

ويعود السبب في ذلك إلى استمرار وجود مخاطر محتملة في سوريا. وقد عبّر وزير الخارجية هاكان فيدان عن هذا بوضوح حين قال: "إذا كانت هناك أغلبية أو أقلية تشعر بأنها في مشكلة خلال المرحلة الجديدة (في سوريا) فإن تركيا حامية لها بغض النظر عمن تكون". قد يبدو أن العبارة تركز على "الأقليات"، ولكن المعنى الضمني يشير أيضًا إلى أن "النظام الحالي في دمشق أيضًا يقع تحت مظلة الحماية التركية." ولمن يهمهم الأمر، فإن الرسالة قد وصلت بلا شك.

وبينما تسعى تركيا إلى "إدارة" المخاطر المتعلقة بسوريا والمنطقة، يجب عليها أن تراجع وتتابع سياساتها بعناية على الساحة الدولية أيضًا.

ويمكن توضيح ذلك بمثال: بينما تجري تركيا معاملات دفاعية وتجارية مع الولايات المتحدة وأوروبا، لا يمكنها حصر علاقاتها ضمن حدود المتغيرات الثنائية فحسب؛ بل يجب أخذ المتغيرات الكبرى بعين الاعتبار.

مؤخرًا، بدأت الصين بفرض عقوبات على شركات الدفاع الكبرى مثل "رايثيون" و"بوينغ" و"لوكهيد مارتن" الأمريكية. وقد يتبادر إلى الذهن سؤال: "ما الذي يمكن أن تفعله الصين في هذا الصدد؟" إلا أن المطلعين على التفاصيل قد ينظرون إلى هذا الطرح بسخرية، نظرًا لأن العقوبات تتعلق بالمعادن النادرة ورقائق أشباه الموصلات. وهذا القرار قد يكون مؤثرًا إلى درجة دفعت المحللين صحيفة نيويورك تايمز إلى التساؤل: "هل هذه هي نهاية المجمع الصناعي العسكري الأمريكي؟" (الصين تفرض قيودًا تجارية على عشرات الشركات الأمريكية،02/01، نيويورك تايمز).

ما الذي تشتريه تركيا، سواء من القطاع المدني أو العسكري، من هذه الشركات وغيرها المذكورة في الخبر؟ هذه عمليات شراء طويلة الأمد، مرهقة وملزمة. وكذلك الحال في قطاع الطاقة؛ هل يمكن المضي قدمًا في هذه الصفقات دون التعامل مع شركات النفط الكبرى وشركائها ؟

لا يمكن مناقشة هذه القضايا الحساسة مع التركيز على ربطة عنق أحمد الشرع أو طول لحيته.

وبينما كنت أكتب هذه السطور كانت طائرتا وزيري خارجية ألمانيا وفرنسا قد هبطتا في دمشق. إنه الاتحاد الأوروبي، ولكن لماذا؟ كلا البلدين ليسا من القوى الرئيسية الفاعلة في سوريا، إلا أنهما يدركان تمامًا إمكانيات سوريا والشراكة الاستراتيجية بين تركيا وسوريا، في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط ​​والطاقة وجيوسياسية إفريقيا وألعاب الطاقة، ويقدرون هذه الإمكانيات تماما.

وقد صرح وزير الخارجية الفرنسي فور وصوله بأن هناك "هناك أمل ولكنه هش". كما زار وزير الخارجية الألماني تركيا مؤخرًا وأعرب عن دعمه للتغيير في سوريا. ولكن ما هو نوع التغيير الذي يدعمونه؟ من الواضح أنهم يسعون لتشكيله..

إذا نظرنا إلى كل حركة دبلوماسية على حدة، نجد أن الشيطان يكمن في التفاصيل. ولكن الأولوية مختلفة؛ اليوم يجب على تركيا أن تواجه إسرائيل وإيران في الشرق الأوسط. ولا يمكننا تجاهل حقيقة أن لدينا موقفًا متفوقًا في صراع مع كلا البلدين. فهل نحن بحاجة إلى الإصلاح أم الاختيار بينهما؟


#تركيا
#ممرات الطاقة
#روسيا
#أوكرانيا
#الغاز
#النفط
#سوريا