بدأت بمطالب اقتصادية.. محتجون من كل الطوائف ينددون بالمحاصصة الطائفية في السلطة.. رفض شعبي لـ"إصلاحات" حكومية.. قمع رسمي وحزبي للاحتجاجات.. إصرار على إسقاط النظامين الحاكمين
تجمع بين المشهدين العراقي واللبناني أوجه تشابه عديدة، منذ أن انطلقت في البلدين العربيين احتجاجات شعبية، بدأت بمطالب اقتصادية، ثم باتت تطالب بإسقاط النظامين الحاكمين، في ظل محاولات قمع مستمرة، سواء كانت رسمية أو حزبية.
منذ سنوات، يعاني البلدان من أوضاع اقتصادية متردية، مع اتهامات للطبقة السياسية بالفساد المالي، فضلًا عن حضور لافت للمحاصصة الطائفية في أجهزة السلطة، واتهامات بعدم الاعتماد على أصحاب الكفاءات.
** مطالب اقتصادية
في مطلع أكتوبر/ تشرين أول الجاري، اندلعت احتجاجات في العاصمة العراقية بغداد ومدن أخرى، خاصة في محافظات الوسط والجنوب؛ للمطالبة بتحسين الخدمات، وتوفير فرص عمل، ومكافحة الفساد المستشري، وفق منظمة الشفافية الدولية.
وفي 17 من الشهر نفسه، انطلقت في العاصمة بيروت ومدن أخرى احتجاجات رافضة لمشروع حكومي لفرض ضرائب جديدة على المواطنين في موازنة 2020، خاصة على المحادثات عبر تطبيق "واتساب".
** "إصلاحات" حكومية
بعد أيام من بدء الاحتجاجات، أيقنت الحكومة العراقية، برئاسة عادل عبد المهدي، أنها ليست أمام موجة احتجاجية عابرة، فبدأت بإقرار حزم إجراءات "إصلاحية" على دفعات، وكأنها تختبر مقياس الرضا لدى المحتجين.
من بين تلك الإجراءات، حصر السلاح بيد الدولة، العمل على دمج فصائل الحشد الشعبي الشيعية بأجهزة الدولة، العمل على تعديل وزاري بعيدًا عن المحاصصة وتقليص رواتب المسؤولين حتى الدرجة الرابعة إلى النصف.
كما شملت: تقدم معونات مالية للأسر الفقيرة، وتشكيل مجلس الخدمة الاتحادي لمنع التلاعب بالوظائف، وتشكيل لجنة خبراء من مستقلين لتحديد مشاكل العراق واقتراح الحلول لها، وإعادة النظر في قانون مجالس المحافظات ومفوضية الانتخابات وتشكيل أخرى مستقلة.
على المنوال نفسه، أقرت الحكومة اللبنانية، برئاسة سعد الحريري، في 21 أكتوبر/ تشرين أول الجاري، ورقة إصلاحية تتضمن: إقرار مجلس الوزراء لموازنة 2020 من دون ضرائب جديدة على المواطنين، وخفض رواتب الوزراء والنواب الحاليين والسابقين إلى النصف، وإلغاء وزارة الإعلام ومؤسسات أخرى وصفت بغير الضرورية.
** رفض شعبي
لكن المحتجين في البلدين رفضوا خطط الإصلاح الحكومية، معتبرين إياها "مسكنات" لا توفر علاجًا جذرياً لمشاكل مزمنة، ولا تلبي جوهر مطالبهم.
وتحت وطأة قمع للاحتجاجات من جانب قوات الجيش وأجهزة الأمن، بات المحتجون في العراق يطالبون بإسقاط حكومة عبد المهدي، الذي تولى السلطة في 25 أكتوبر/ تشرين أول 2018.
في الشارع اللبناني أيضًا ارتفعت الأصوات رافضة للورقة الإصلاحية، ومطالبة برحيل حكومة الحريري، التي نالت ثقة البرلمان في 15 فبراير/ شباط الماضي، واستعادة الأموال المنهوبة، ومحاسبة الفاسدين.
** قمع رسمي وحزبي
في العراق، يبدو المشهد دمويًا للغاية، إذ قُتل السبت والجمعة 63 محتجًا، بجانب إصابة ألفين و592 آخرين من المتظاهرين وأفراد الأمن، بحسب مفوضية حقوق الإنسان (رسمية تابعة للبرلمان).
يضاف هؤلاء إلى ضحايا موجة احتجاجية أولى قبل أسبوعين، حيث قُتل آنذاك 149 محتجًا و8 من أفراد أجهزة الأمن، فضلًا عن إصابة ما يزيد عن 6 آلاف آخرين.
وتكرر سقوط ضحايا خلال الموجة الاحتجاجية الراهنة، رغم أن حكومة عبد المهدي أقرت باستخدام الجيش وقوات الأمن العنف المفرط بحق المحتجين، خلال الموجة الأولى، ووعدت بمحاسبة المسؤولين عن ذلك.
كذلك في لبنان يواجه المحتجون محاولات قمع، وإن كانت لا تقارن بما يجري في العراق، البلد الغني بالنفط.
ففي مدينة طرابلس شمالي لبنان، أصيب 7 أشخاص، أحدهم بطلق ناري، خلال محاولة الجيش، السبت، فتح طريق أغلقه محتجون في منطقة البداوي، بحسب وسائل إعلام محلية.
كما حاول العشرات من مؤيدي كل من "حزب الله" و"حركة أمل"، المشاركين في الحكومة، اقتحام ساحة "رياض الصلح" وسط بيروت، حيث يتجمع المحتجون، إلا أن قوات الجيش منعتهم.
** بعيدًا عن الطائفية
بصورة واضحة، انصهر المحتجون في العراق ولبنان في بوتقة واحدة، متوحدين خلف مطالبهم، بعيدًا عن أية انتماءات طائفية أو شعارات حزبية.
ويحمل المحتجون المحاصصة، سواء كانت طائفية أو عرقية، جانبًا كبيرًا من المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في البلدين، ويطالبون باعتماد الكفاءة، وإنهاء كل مظاهر الطائفية المترسخة في أجهزة السلطة.
ففي العراق، يتولى رئاسة الجمهورية كردي، ويتولى رئاسة الحكومة مسلم شيعي، بينما يتولى رئاسة البرلمان مسلم سُني.
كذلك توجد في لبنان ثلاث رئاسات هي رئاسة الجمهورية ويتولاها مسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة ويتولاها مسلم سُني، ورئاسة البرلمان ويتولاها مسلم شيعي.
** معركة عض أصابع
يعتبر مراقبون أن ما يشهده العراق ولبنان هو جزء من موجة ثانية من "الربيع العربي"، بدأت في السودان والجزائر، وأطاحت بالرئيسين عمر البشير (1989: 2019)، في 11 أبريل/ نيسان الماضي، وعبد العزيز بوتفليقة (1999: 2019)، في الرابع من الشهر نفسه.
ورغم استمرار القمع، يتمسك المحتجون العراقيون واللبنانيون في بمطالبهم، وفي مقدمتها رحيل النظامين الحاكمين.
ويبدو أن المحتجين والنظامين الحاكمين في البلدين يخوضون معركة "عض أصابع" لا يعلم أحد متى تنتهي ولصالح من، خاصة وأن محددات كلمة النهاية لا تقتصر على الداخل فحسب، إذ تمتلك دول إقليمية وغربية نفوذًا في البلدين.