قم بالتعليق
- شارك عبر بينتيريست
- شارك عبر الواتس آب
- شارك عبر الويب
لقد سُجّلت منظمة غولن الإرهابيّة بشكل رسمي على أنها "كيان إرهابي" موجود في تركيا منذ أربعة عقود؛ إذ زاولت فعالياتها مستخدمة طرقًا مختلفة في سبيل الوصول إلى أهدافها. ظهرت المنظمة كجماعة "مشروعة" منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى عام 2013، غير أنها كانت كيانًا يختلف عن سائر الجماعات الأخرى في تركيا، وبالتالي فقد تعاملت معظم هذه الجماعات بشكل حذر معها، وذلك بسبب أنشطتها والسياسات التي انتهجتها.
حافظ زعيم المنظمة فتح الله غولن على علاقته القريبة من عالم السياسية منذ سنواته الأولى، على عكس مختلف الجماعات الدينية الأخرى في تركيا. ولقد أثّرت مؤلفاته وخطاباته وتعليماته وتوجيهاته لأعضاء المنظمة في إرساء الأسس الفلسفية للمنظّمة. وفي هذا الإطار، فقد وجدت منظمة غولن الإرهابيّة لنفسها كيانًا تحت زعامة قائدها فتح الله غولن. كما لعبت أفكار غولن والأهداف التي كشف عنها دورًا حاسمًا في تحديد الخطوات التي اتبعتها المنظمة سواء داخل تركيا أو على الساحة العالمية.
لقد تحوّل غولن بين مبايعيه ومريديه إلى رمز يشبه "المسيح". (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)
برز رمز القائد والزعيم بشكل خاص منذ تأسيس المنظمة وحتى اليوم، وهذا ما أكسب غولن مكانة لا نقاش فيها، كما جعل – في الوقت نفسه – التعليمات التي يصدرها غير قابلة للجدال. وبهذه الطريقة أصبح كيان المنظمة "المكتسي بحلة الجامعة الدينية" مختزلًا في شخص غولن والوفاء له كزعيم. كما جعلت أسطورة "الوفاء للقائد" من الأهداف التي وضعها بشأن المنظمة والإطار الذي رسمه؛ أشياءَ لا غبار على صحتها. هذا فضلًا عن اختلاف المهمة الموكلة إلى غولن من جانب من تجمعوا حوله بمرور الوقت وتبنوا أفكاره. وفي هذا الإطار، تحول غولن بين مبايعيه ومريديه إلى رمز يشبه "المسيح". أي أنّ الدور الذي خصصه غولن لنفسه ساهم في قبوله بين من يؤمنون به، ما أفضى في نهاية المطاف إلى أن انتقل غولن نفسه من "الزعامة الدينية" إلى "القيادة كمسيح". كما ترسخت فكرة أن غولن هو الشخصية المعنوية / المسيح المنتظر لدى جميع الفئات التي تبنّت فكرة أنّ غولن "شخصية استثنائية".
وأما المنظمة فقد بدأت تقدّم نفسها على أنّها كيان يختلف ويتفوق على سائر الجماعات الدينية الأخرى بفضل زعامة غولن لها. كما آمن المنتسبون للمنظمة بأنّهم "جماعة خاصة" بسبب زعامة غولن الذي اعتبروه شخصية فريدة واستثنائية. ولهذا فإن الانتساب إلى الكيان أصبح بمثابة حيازة مكانة متميزة بالنسبة لأعضاء المنظمة.
تصرّفت منظمة غولن الإرهابيّة منذ تأسيسها بشكل مختلف في العديد من القضايا عن كونها "جماعة دينيّة"، كما أظهرت أنها تختلف كذلك عن الجماعات الدينية العادية من خلال الطرق التي اتبعتها في معالجة الأمور. ولقد زاولت المنظمة أنشطة ذات مظهر قانوني، ثم سرعان ما بدأت استغلال هذه المساعي في سبيل الوصول إلى مآربها، كما استفادت من الإمكانيات التي حصلت عليها من أجل تقوية دعائمها كمنظمة.
ولهذا فإذا نظرنا إلى الخلفية التاريخية للمنظمة التي تعود لأربعين عامًا مضت، سنرى أن لديها العديد من الجوانب التي تشبه إلى حد بعيد المذهب التبشيري. ولقد نشرت المنظمة فعالياتها داخل تركيا والعديد من دول العالم؛ إذ حاولت زيادة قوتها من خلال الاستراتيجيات التي انتهجتها. هذا فضلًا عن أنّ المنظمة أسست تعاونًا قريبًا في مجالات السياسة والإعلام والتعليم والأعمال على وجه الخصوص في العديد من البلدان، وسعت بشتى الطرق لتتحول إلى قوة مؤثرة.
كانت السرية هي أكثر نقطة أولت المنظمة اهتمامها بها بينما كانت تقوم بكل هذه الأعمال؛ إذ سعى أعضاؤها لتنفيذ المهام التي تمكّن المنظمة من الوصول إلى أهدافها في أقصى سرّية تامة. والذي كان يميز المنظمة من الناحية التنظيمية منذ تأسيسها هي انغلاقها على الخارج، وطرق التشفير التي تستخدمها، واستخدام معظم أعضائها بجميع درجاتهم أسماء مستعارة، واختيار الأشخاص الذين سيتوّلون إنجاز المهام الحساسة وفق المعايير التي وضعتها المنظمة.
حاول فتح الله غولن لسنوات طويلة أن يصور تعاليمه الخاصة وكأنها جزء من المصادر الإسلامية. (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)
وأما التكتيكات التي تطبقها المنظمة، والتي تشبه في هيكلها التنظيمي التنظيمات الماسونية، فهي تشبه تلك التكتيكات التي كان يطبقها حسن الصباح في قلعة الموت. ولقد استطاع زعيم المنظمة فتح الله غولن تأسيس كيان لنفسه من خلال استغلال الدين من جهة، ومن جهة ثانية أنّه حشد حوله عددًا كبيرًا من المؤيدين بفضل أنشطة الدعاية المكثفة كما كان يفعل حسن الصباح الذي أسس فريقًا فدائيًا وشنّ هجمات الاغتيالات للسيطرة على الدولة السلجوقية، كما نجح في مساعدة مؤيديه على التسلل إلى داخل المؤسسات الحساسة بالدولة ومرافقة أهم شخصياتها. وقد استطاع بفضل هذا أن يمتلك قوة مؤثرة، وبدأ يقدم نفسه إلى من أطاعه – بمرور الوقت – على أنه شخصية استثنائية أو نبي إذا جاز التعبير. وأما منظمة غولن فتشبه إلى حد كبير الحركات الماسونية وجماعة الحشاشين التي شكلها حسن الصباح، وذلك من حيث الهيكل التنظيمي والتكتيكات التي اتبعتها للتسلّل إلى مفاصل الدولة.
غير أن تشبيه منظمة غولن الإرهابيّة بمفرده بهاتين الجماعتين/المنظمتين ربما يقودنا إلى قراءة ناقصة. ذلك أنّ المنظمة حاولت تشكيل هيكل مؤثر منذ نهايات ستينيات القرن العشرين، كما انتهجت استراتيجيات يمكن اعتبارها جديدة في العديد من الأمور. فعلى سبيل المثال، اتبعت المنظمة طريق التهديد والابتزاز من خلال المعلومات التي حصلت عليها بواسطة التنصت والتتبع وإعداد التقارير بطرق غير قانونيّة من أجل الوصول إلى أهدافها داخل تركيا، كما استهدفت – في الوقت ذاته – السيطرة على جميع المؤسسات الدستورية للدولة ووحداتها الأمنية وهيكلها المدني والقضائي، وكذلك فقد سعت لأن تكوّن قوة مؤثرة على المستوى الدولي عن طريق الظهور بمظهر ممثّل "الإسلام المعتدل".
تعتبر طريقة موون التي ظهرت في كوريا الجنوبية وهرب زعيمها من كوريا الجنوبية إلى الولايات المتحدة، بالضبط كما فعل غولن، من الكيانات الأخرى التي يمكننا أن نشبّه بها منظمة غولن الإرهابيّة في عالمنا اليوم. فالمنظمتان تتشابهان كثيرًا في الاستراتيجيات التي اتبعتها فيما يتعلق على وجه الخصوص بفعالياتهما التنظيمية والمسائل المالية في العديد من دول العالم، مثل جمع المساعدات المالية من رجال الأعمال. كما تعتبر المنظّمتين من المنظمات التي تخطت حدود دولتها وخرجت من نطاق المهمة الدينية من خلال الهيكل الذي أسسته. وأما الفكرة الرئيسة التي تشكل البنية الأساسية للوسائل التي استخدمتها كلا المنظمتين فتستند إلى مساعي تأسيس المنظمة من خلال "خطاب ديني".
بدأ فتح الله غولن يجمع الناس حوله اعتبارًا من أواسط ستينيات القرن الماضي من خلال خطاب يركز على الدين، وشرع في تقديم حلم مستقبلي من خلال المراجع الإسلامية. ولقد حاول في هذا السياق توجيه الناس من خلال تعاليمه الخاصة، كما استهدف إدارة المنتسبين إلى الكيان الذي أسسه كيفما يشاء وربطهم تمامًا بتعاليمه. وفي الوقت الذي حاول فيه وضع الخطاب الإسلامي في المقام الأول، سعى لإظهار تعاليمه الخاصة وكأنها جزء من المصادر الإسلامية، بالضبط كما فعل حسن الصباح.
بدأ غولن تكييف خطابه وفق العصر والحالة السياسية، وأخذ يركّز من ناحية ثانية على المجالات التي تتمتع بأهمية استراتيجية. وأسس من خلالها طريقة تتناسب مع متطلبات العصر هيكلًا هرميًا في العديد من المجالات ومنها على وجه الخصوص التعليم والإعلام والأعمال والقضاء والأمن والجيش ومنظمات المجتمع المدني.
لقد جعلت أسطورة "الوفاء للقائد" من الأهداف التي وضعها غولن بشأن المنظمة والإطار الذي رسمه؛ مسلّمات لا غبار على صحتها. (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)
نجح غولن في تأسيس كيان معقّد متعدّد الطبقات داخل هيكل هرمي يمتد من قاعدة عريضة حتى القمة. كما تفوق على أشكال المنظمة التي استند إليها خلال هذه الوتيرة. تتمتع كل مجموعة منتمية إلى منظمة غولن الإرهابيّة بجانب خاص بها، كما تشكل نظامًا هرميًا مختلفًا عن بعضها البعض. وبهذه الطريقة استطاع تأسيس نظام هرمي داخل تلك المجموعات التي تختلف مهامها ومسؤولياتها عن بعضها البعض. ولقد جرى تقييم الأشخاص المنتمين إلى هذا الهيكل الهرمي من حيث خصائصهم وقدراتهم ووفائهم للمنظمة.
يقول فتح الله غولن إنه تابع وظيفته كواعظ ديني في الجوامع بينما كان يؤدي الخدمة العسكرية في حقبة الستينيات الشائكة في تركيا، ويشير إلى أنه عمل كواعظ في عدد من الجوامع خلال إجازاته من الجيش في أنقرة وإسكندرون في وقت كان فيها الوعظ في الجوامع محظورًا. (نقطة هيكلية)
لفهم المنظمة التي أسسها فتح الله غولن، يجب أولًا دراسة طريقة حياته والمهمة التي وضعها نصب عينيه جيدًا. وتقدم لنا تلك الفترة الممتدة حتى تلك الأيام التي أرسى فيها دعائم المنظمة منذ أن كان شابًا مساحة مهمة لفهم ما وراء الكواليس بالنسبة للمنظمة التي أسسها. ومن أبرز الأدوات فهم حياة غولن نذكر كتابه الذي يحمل عنوان "عالمي الصغير" الذي يحكي فيه قصة حياته؛ إذ يحرص غولن في فصول معينة من هذا الكتاب على إظهار نفسه وكأنه صاحب كرامة، كما يسعى لتأسيس المغامرة التي بدأت منذ أيام شبابه من خلال شخصية استثنائية.
ويحكي غولن عن نفسه داخل الكيان الذي تواجد به في إطار يتناسب مع مهمة الإمامة و"القيادة الدينية" التي كلف بها، ويلمح إلى المجتمع الذي أمامه بأنه يُعتبر شخصية استثنائية.
وبينما يفعل هذه الأمور، يحاول غولن التعبير بشكل مستتر عن أي عبارة متعلقة بشخصه عوضًا عن شرحها بشكل مباشر، كما يسعى – في الواقع – لجعل من يستمع إليه يقبل بما يقوله. وعلى سبيل المثال، يرد في كتابه سؤال وجه إليه بشأن عائلته جاء به "يقال إن كلا الأسرتين من الأشراف، فما قولكم؟"، غير أن غولن لم يعترض على هذا السؤال، كما لم يجاوب عنه. غير أنه من خلال ردّه يقنع الشخص الذي أمامه، بطريقة غير مباشرة، أنّ هناك احتمالًا أن يكون من "الأشراف".
انتقل فتح الله غولن من ولاية أرضُروم إلى العاصمة أنقرة في نهاية خمسينيات القرن العشرين، ودخل اختبار الوعظ الذي نظمته رئاسة الشؤون الدينية بدعم من النائب البرلماني السابق مصطفى زرن، ثم بدأ يعمل كإمام ثان في جامع أوتش شرفلي في أدرنة. ويقول غولن إنه كان حينها يبلغ 17 – 18 عامًا، ويضيف أنه عندما نجح في اختبار الوعظ طلب الالتحاق بدار الإفتاء في أدرنة بينما كان عمره 17 عامًا، لكن طلبه قوبل بالرفض لعدم أدائه الخدمة العسكرية.
غادر غولن أدرنة بعد العمل بها لعامين ونصف العام، بهدف الذهاب لأداء الخدمة العسكرية. قضى الفترة الأولى من فترة تجنيده في منطقة ماماك بالعاصمة أنقرة التي كان متواجدًا فيها إبان انقلاب 1960. وكانت الحكاية التي يتذكرها غولن بشأن عملية الانقلاب التي قام بها طلعت آيدمير خلال تلك الفترة عجيبة للغاية. فيقول غولن ما مفاده (بالضبط كما قصف العسكريون المنتمون لمنظمته إبان محاولة الانقلاب الفاشلة 15 يوليو/تموز مؤسّسات الدولة بالطيران الحربي)؛ أنّه جرى تنفيذ مخطط مشابه لمنع آيدمير من تنفيذ خطته في تلك الفترة، وأنه كانت هناك رغبة في قصف منطقة ماماك في أنقرة من الجو. ويضيف غولن أن القرعة سحبت لإرساله إلى مكان جديد بعد أنقرة لإكمال أداء خدمته العسكرية، مشيرًا إلى أنه عندما أشارت القرعة إلى ديار بكر أعادها قادته ثم أرسلوه في نهاية المطاف إلى إسكندرون. ويروي غولن، حسب المعلومات الواردة في الكتاب، أنه أراد البقاء في مقر قيادة أركان الجيش، إلا أنه فشل في الوصول إلى مأربه.
كان تأسيس "جمعية مكافحة الشيوعية" واحدًا من أهم الإجراءات التي قام بها غولن خلال سنوات حياته في أرضروم. (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)
تتصف كذلك أفكار غولن حول العسكريين والموظفين الرسميين بالدولة بالدهشة، فيقول إنه خلال فترة تواجده في أدرنة جمعته علاقة مقربة بالعديد من القضاة ونواب العموم العاملين بالمدينة، وفي مقدمتهم مدير الأمن هناك. وبالرغم من أن هذه العلاقات تعتبر استثنائية بالنسبة لشاب في العشرينات في ظل الظروف التي كانت تعيشها تركيا في تلك الحقبة، إلا أنه يقول إن واقعة مماثلة حدثت في ماماك في أنقرة وإسكندرون وإنه كان يلتقي دائمًا مع أصحاب الرتب والمقامات العليا. وكانت وظيفة غولن في إسكندرون خلال فترة تجنيده هي أهم مجالات الخبرة التي اكتسبها لدى تأسيس المنظمة الإرهابية خلال السنوات اللاحقة؛ إذ أدّى الفترة المتبقية من خدمته العسكرية عقب توزيعه في مركز للتنصت والأجهزة اللاسلكية. ويفيد بأن ذلك المكان يعتبر مصدر اهتمامه بالأعمال الاستخباراتية.
يشير غولن إلى أنه واصل عمل كواعظ ديني في الجوامع في الوقت الذي كان يؤدي فيه الخدمة العسكرية في ظل الظروف التي كانت تعيشها تركيا في حقبة الستينيات، ويلفت إلى أنه عمل كواعظ في عدد من الجوامع خلال إجازاته من الجيش في أنقرة وإسكندرون في وقت كان فيها الوعظ في الجوامع محظورًا. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف التي شهدتها تركيا عقب انقلاب 1960، يمكن أن نقول إن ما فعله غولن كانت أشياء لا يمكن لموظف ديني في العشرين من عمره أن يقوم بها بمفرده.
إن ما يحكيه غولن مليء بالأقوال المتضادة، فيروي أنه غادر إلى أرضروم بعدما حصل على إذن من وحدته العسكرية في إسكندرون ليواصل تقديم الوعظ الديني في الجوامع بالرغم من حمله للسلاح. ولقد مدد غولن إجازته من الجيش خلال تلك الفترة لشهرين. وقد انضم عقب وصوله إلى أرضروم إلى "بيوت الشعب"، ثم اختير بعد فترة قصيرة عضوًا بديوان بيوت الشعب. وكان تأسيس "جمعية مكافحة الشيوعية" واحدًا من أهم الإجراءات التي قام بها خلال سنوات إقامته في أرضروم.
يزعم غولن أنه عمل كواعظ ديني وكذلك كعضو في هيئات المجتمع المدني خلال فترة إجازته من الجيش، عاد بعدها إلى إسكندرون لإتمام ما تبقى له من مدة في الجيش؛ إذ انضم متأخرًا لمدة أسبوع إلى وحدته، وبدأ يلقي خطبًا دينية في جوامع المدينة. وعقب تسلميه لنفسه للوحدة تابع إلقاء الخطب الدينية في الجامع المركزي في إسكندرون بشكل متواصل، وهو ما يعتبر من الانحرافات الواردة في حكايته التي حكاها بنفسه. ويلخص غولن تلك الفترة بقوله "كان هناك من يحميني من الخلف في الكتيبة"، غير أنه لم يسرد معلومات حول الكيانات التي كانت تحميه داخل الجيش. وقد تمّ تسريحه من الجيش قبل شهر من انتهاء مدة خدمته.
انتقل غولن عقب أداء الخدمة العسكرية إلى أرضروم، ومنها عاد إلى أدرنة، ثم سرعان ما أصبح مشهورًا خلال فترة قصيرة بفضل الخطب الدينية التي ألقاها. عمل غولن كإمام فخري في جامع دار الحديث، وبدأ إلقاء الدروس على الطلبة للمرة الأولى. وبعد فترة رفعت ضده دعوى بعدما صارت أنشطته في أدرنة مجالًا للنقد، لتسحب شهادة الوعظ منه. ولقد حظر والي أدرنة آنذاك فريد كوبات أنشطة غولن بعدما أفاد بأنه يتصرف بشكل مخالف للقانون. هرب غولن من أدرنة إلى كيركلَرلي، ثم تابع مهمته كواعظ في جوامعها. وخلال تلك الفترة بدأت علاقته بجماعة النوريين أي جماعة النورسي.
تعرف غولن إلى جماعة النوريين خلال فترة تواجده في أرضروم بفضل كلّ من الشيخ محمد كيركنجي والشيخ عثمان دميرجي (النائب البرلماني السابق عن حزب العدالة) ومصطفى أصلان. ولقد أصبح أكثر ظهورًا وشخصية يحترمها الجميع بين صفوف المحافظين بفضل الخطب التي ألقاها في جوامع مدينتي أدرنة و كيركلَرلي فيما بين عامي 1963-1966. وبالرغم من ظهور غولن خلال تلك الفترة وكأنه يتحرك بالتعاون مع النوريين، إلا أنه حاول أن يضع مسافة بينه وبينهم وينشر تعاليمه الخاصة أكثر من تعاليم جماعتهم. ولقد تسبب هذا التصرف بمرور الوقت بحدوث أزمة بينه وبين جماعة النور، إلا أنه سعى كي لا يعادي أحدًا من الجماعات الدينية خلال فترة ارتقائه كواعظ ديني.
عُيّن غولن بعد ذلك كواعظ في جامع بورنوفا في إزمير بدعم من ياشار توناغور الذي كان قد عين – بشكل مثير للجدل – في منصب نائب رئيس الشؤون الدينية. (ولا شك أنه لا بد من البحث في أصل ارتقاء واعظ شاب في العشرينات من عمره كغولن بفضل دعم نائب رئيس الشؤون الدينية). تابع غولن تنفيذ أنشطته في إزمير بالتوافق مع أهدافه، وأصبح أكثر شهرة. فمن ناحية أخذ يتحرك بالتعاون مع بعض المجموعات داخل جماعة رسائل النور، ومن ناحية أخرى حاول حشد مؤيّدين له.
شرع غولن خلال فترة قصيرة في فتح بيوت بالتعاون مع مصطفى برليك ومحمد متين اللذين كانا من الأسماء المقرّبة منه، ولم يسمح بربط هذه البيوت بجماعة رسائل النور. وبهذه الطريقة يكون غولن قد وضع حجر الأساس لتأسيس "بيوت إيشيق"، كما بدأ تأسيس التيار المعروف باسم "الغولانية" وحشد الأنصار من حوله، وبدأ توزيع خطبه في العديد من المدن من خلال أشرطة الكاسيت التي بدأت تنتشر خلال تلك الحقبة. وعليه، بدأ يصل إلى الكثير من الناس، ومن ناحية ثانية نجح في تشكيل المزيد من مصادر الدخل المادي للكيان الذي أسسه. وقد أفضى تطبيقه لهذه الطريقة إلى انتقاده من قبل بعض الأوساط، فيما دعمته شخصيات مثل كمال أريمز ونور الدين فيرن ومصطفة بيرليك وإلهان إيشبلين وجاهد توزجو وبكير آكغون ومصطفة آسوتاي.
لا شك أن بيوت إيشيق كانت أكثر المراكز التي يولي غولن اهتمامه بها داخل الكيان. وكانت تلك البيوت بمثابة مراكز يلتحق بها شباب متعلمون يجري إعدادهم للانضمام إلى الكيان. وشهدت تلك البيوت بذر بذور "الجيل الذهبي" الذي حاولت -بتعبير غولن- المنظّمة تنشئته. (نقطة هيكلية)
لقد تحول فتح الله غولن خلال السنوات التي أقامها في إزمير إلى شخصية مؤثرة خصوصًا بفضل الخطابات التي ألقاها في كستانه بازاري، وبدأ يشتهر خلال فترة قصيرة في إزمير وسائر مدن منطقة بحر إيجة. وشرع في فتح بيوت تابعة له في بعض المحافظات مثل إزمير ومانيسا وباليكسير. وكان الشباب المقيمون في تلك البيوت التي أطلق عليها اسم "بيوت إيشيق" يخاطبون من خلال طريق الخطابة المختلفة والطرق الأخرى التي استخدمها غولن. ولقد شدد عضد الكيان الذي سعى غولن لتأسيسه وتحول إلى كيان مؤثر خلال فترة قصيرة، وبدأ في تلك الفترة يظهر إلى السطح مفهوم "الغولانية" الذي تجسد في شخصية غولن نفسه.
ووفق ما جاء في سلسلة المقالات التي كتبها خلوصي تورغوت وحملت عنوان "فتح الله غولن ومدارسه"، فقد قدم غولن للمقربين منه في تلك الفترة مقترحًا قال فيه "نعم لدورات حفظ القرآن الكريم ومدارس الأئمة والخطباء، لكن أفضل شيء هو أن نفتتح مدارس"، وهو المقترح الذي لقي قبولًا. وبدأ غولن بتأسيس كيان مؤثر في محيطه بمدن إزمير ومانيسا وباليكسير، وحصل خلال ذلك على الدعم المادّي من التجار وأصحاب الحرف والمصانع في تلك المنطقة.
وكان من بين من دعمه ماديًا علي نايلي أردم الذي كان من مسؤولي حزب العدالة. ولقد تحوّلت إزمير إلى مركز الكيان الذي رغب غولن بتأسيسه.
بحلول عام 1972 بدأ الكيان الذي أسسه غولن يقوى، وأسس وقف آكيازيلي. وكان هناك محاولات لاستغلال ذلك الوقف في ضم شباب الجامعات إلى "بيوت إيشيق"؛ إذ تحول الوقف خلال فترة قصيرة إلى مركز يتردد عليه طلاب المرحلتين التعليميتين الوسطى والعليا ويحصلون به على منح دراسية. ولقد نما الكيان والوقف أكثر وأكثر بفضل التبرعات التي جمعت في المنطقة. وكان أهم مصدر للدخل هو المساعدات المجموعة من التجار وأصحاب الحرف وكذلك جلود الأضاحي. وخلال تلك المرحلة افتتحت دورات حملت اسم "مراكز آوفيْ التعليمية" تحت مظلة وقف آكيازيلي. ولقد لعبت هذه المنظمة دورًا مؤثرًا في عدد من مدن تركيا خلال فترة قصيرة.
لا شك أن بيوت إيشيق كانت أكثر المراكز التي يولي غولن اهتمامه بها داخل الكيان. وكانت تلك البيوت بمثابة مراكز يلتحق بها شباب متعلمون يجري إعدادهم للانضمام إلى الكيان. وشهدت تلك البيوت بذر بذور "الجيل الذهبي" الذي حاولت المنظمة تنشئته. ولقد أُكسبت هذه البيوت معان استثنائية بزعم أن الشباب يحظون بها بإمكانية أن "يعيشوا دينهم". وبدأ القائمون على تلك البيوت بجعل الشباب المقيمين بها يستمعون إلى تسجيلات غولن ويشاهدون مقاطعه المصورة ويقرؤون مؤلفاته التي يسرد بها تعاليمه. ولقد اختير – على وجه الخصوص - الأطفال الناجحون والأذكياء من المدارس ليلتحقوا بهذه البيوت ليكون ذلك بمثابة "عمل خير". وبهذه الطريقة وضعت المنظمة في هذه البيوت مخططاتها على المدى القصير والمتوسط والبعيد؛ إذ كانت أكثر الطرق تأثيرًا لإكساب المنظمة الكوادر البشرية. وبهذه الطريقة نشأ "جيل ذهبي" يخدم أهداف المنظمة من أولئك الأطفال الذين خضعوا للتدريب منذ نعومة أظفارهم.
لا شك أن بيوت إيشيق كانت أكثر المراكز التي يولي غولن اهتمامه بها داخل الكيان لأنها كانت مصدرًا لالتحاق الشباب المتعلم والماهر بالمنظمة. (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)
وكان اتصال الطلاب المقيمين في بيوت إيشيق بوسائل الإعلام محدودًا. وبهذه الطريقة نجح القائمون على الكيان في ربط هؤلاء الطلاب بالمنظمة، ومن ناحية أخرى كانوا يضعون حجر الأساس لكيان يضع في المقام الأول الارتباط بالمنظمة والسمع والطاعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وكان يطلب من الأشخاص المنتسبين إلى هذا الكيان أن يرتبطوا ارتباطًا وثيقًا بما يسمى "الأخ الأكبر" والتصرف وفق ما يصدر منه من تعليمات. واعتبارًا منذ عام 1972 بدأت تلك البيوت تشهد منظمة "معسكرات التطبع" التي كان يشارك بها الطلاب المقيمون في تلك البيوت. كان غولن يتخيل تشكيل نظام اجتماعي جديد من خلال الكيان الذي أسسه. وكان تحقيق هذا الحلم مرتبطا بالجيل "المتعلم" الذي كان يخضع للتنشئة في تلك البيوت.
وبحلول نهايات السبعينيات أخذ الكيان يروّج بكثافة لشخصية غولن وأنشطة المنظمة بهدف تكثيف قوة المنظمة، ولم يعد الأمر متوقّفًا على تلك البيوت فقط، بل كذلك من على منابر الجوامع؛ إذ كان يلقي خطبا تضع "التعليم" في المقام الأول.
نجح غولن في منظمة أعمال الكيان الذي أسسه من خلال بيوت إيشيق ووقف آكيازيلي، وكان أول شيء همّ به بعد ذلك هو أنّه توجه نحو الإعلام. فبحلول عام 1979 أصدر مجلة سيزنتي التي كانت أهم وسائل نشر أفكار المنظمة؛ إذ سنحت لغولن من خلال هذه المجلة فرصة نشر مقالات مكنته كثيرًا من توجيه الكيان الذي أسسه وإيصال أفكاره إلى فئات عريضة. وكانت المنظمة تركّز من خلال تلك المجلة "سيزنتي" على الأعمال الدينية والمعنوية، كما كانت تتخذ تعاليم زعيم المنظمة غولن مركزًا واساسًا لها.
كانت المجلة تنشر مقالات غولن وأهم الشخصيات القريبة منه، وسرعان ما تحولت إلى مجلة معتبرة لدى الطبقة المحافظة. وكان غولن من ناحية يعمل على توسيع قاعدة الكيان الذي أسسه، ومن ناحية أخرى كان يسير في طريقه نحو فتح الباب أمام تعاليمه لتكون مؤثرة في مختلف طبقات المجتمع. وكانت مجلة سيزنتي من أهم المصادر التي يقرأها الطلاب المقيمون في بيوت إيشيق. وفي الوقت الذي تعرضت عدة صحف ومجلات للضغط والإغلاق عقب انقلاب 1980، تابعت مجلة سيزنتي النشر بلا مشاكل. ولقد دعم غولن الانقلاب في مقاليه اللذين نُشرا في المجلة بعنوان "العسكر" و"المخفر الأخير"، ودافع عن فكرة أن المؤسسة العسكرية هي طوق النجاة. ولقد مهدت الأحداث التي شهدتها تركيا عقب ذلك الانقلاب الطريق أمام غولن وكيانه ليعزز قدراته.
انفصل غولن عن وظيفته بعدما حصل على تقرير طبي يوم 5 سبتمبر/أيلول 1980، أي قبل الانقلاب بسبعة أيام. ويروي في مذكراته أنه علم من أشخاص مقربين لعسكريين رفيعي المستوى أن انقلابا سيحدث قبل أن يقع بيوم واحد. ولقد استهدف الانقلابيون عقب الانقلاب معظم نواحي الحياة دون تفرقة بين سياسة وعالم أعمال وإعلام وجماعات وأحزاب سياسية. ولقد تمّ حل البرلمان، وأغلقت جميع الأحزاب السياسية، وأسس الانقلابيون لمرحلة من الوصاية الصارمة من خلال المؤسسات التي أنشؤوها. ولقد تعرضت عدة فئات، فضلا عن الأحزاب السياسية، لأضرار كبيرة جراء هذا الانقلاب، غير أن غولن والكيان الذي أسسه بدأ يقوى ويجد لنفسه مكانا داخل مفاصل الدولة. وبالرغم من أن تلك الفترة شهدت تعليق صور غولن في كل مكان لاعتقاله، إلا أنه ظل حرًّا لمدة 6 سنوات، بل وتابع مزاولة أنشطته خلال تلك الفترة.
سرعان ما ركب غولن الموجة خلال أيام الانقلاب ونشر مقالا يمدح الانقلابيين في مجلة سيزنتي التابعة لمنظمته؛ إذ قدّس الانقلابيين في مقاله الذي حمل عنوان "العسكر والمخفر الأخير"، وأكد أنهم جاؤوا في الوقت المناسب بقوله: "... وها نحن الآن نعتبر أن هذه الصحوة الأخيرة علامة على بقاء آخر مخفر لطالما انتظرناه في أمل وفرح، فسلامنا لأبناء القوات المسلحة الذين جاؤوا لنجدتنا مثل الخضر عندما فقدنا الأمل". (1 أكتوبر/تشرين الأول 1980، مجلة سيزنتي)
ويرى غولن أنه لولا مجيء العسكر "لما كان بيد الشعب التركي شيء سوى البكاء والانكسار". ولقد اعتبر أعضاء منظمة الإرهابية البيئة الجديدة عقب الانقلاب فرصة كبيرة بالنسبة لهم. وكان هذا هو الوقت المناسب لينفذ غولن مخططه بأريحية تامة. وقد استغل غولن الظروف التي جلبها الانقلاب وأخذ ينشر أفكاره من خلال وقف آكيازيلي، وعمل على تدعيم الكيان الذي أسسه.
أسس إحسان أرسلان وعلاء الدين كايا جريدة زمان عام 1986 لتكون صوت الجبهة الإسلامية في تركيا، لكن فتح الله غولن سرعان ما سيطر على الجريدة عام 1987، فجرت تصفية العديد من الأسماء العاملة بالجريدة مثل فهمي كورو ونبي آفجي وحسن أوزتورك. وقد كانت الجريدة قد صدرت لنور الدين فرن على أمل أن يتحرك تورغوت أوزال بأريحية أكبر خلال سنوات تواجده في السلطة وتؤسس جريدة مضادة لجريدة جمهوريت بعد إلغاء المادة 163.
لقد جرى تغيير القائمون على الجريدة وتصفية مؤسسيها عام 1987، ما طرح علامات استفهام ظلت مطروحة دون إجابة، غير أنّ سياسة النشر التي اتبعتها الجريدة خلال تلك الحقبة حظيت بدعم كبير من الأوساط المحافظة. ويرى نور الدين فرن أن مبيعات جريدة زمان شهدت زيادة كبيرة بفضل دعم التجار والناس العاديين لها خلال تلك الفترة، كما ارتفعت أعداد توزيعها بسبب اهتمام الناس بها؛ إذ ساهم دعم التجار ورجال الأعمال والمواطن العادي في نمو الجريدة خلال فترة قصيرة. وكانت الجريدة، التي ظهرت إلى الساحة تحت مظلة شركة فضا للصحافة، مرتبطة بشكل مباشر بفتح الله غولن. وكانت مجلة أكسيون ووكالة جيهان للأنباء من وسائل النشر المهمة المنتمية لمنظمة غولن والمرتبطة بشركة فضا للصحافة. وكان علي آكبولوت يتولى رئاسة مجلس إدارة تلك الشركة، وأما صاحب امتياز الجريدة فهو علي غوكبولوت.
وبحلول عام 1994 بدأ توزيع جريدة زمان في الولايات المتحدة في عدة مدن مثل واشنطن العاصمة ونيو جرسي وشيكاغو. وفي عام 1995 أطلقت الجريدة موقعها على الإنترنت، كما بدأت النشر كذلك في كل من ألمانيا والنمسا وأستراليا وأذربيجان ونحجوان وجورجيا وباشكورستان وبلغاريا وبلجيكا والدنمارك وفرنسا وهولندا والمملكة المتحدة وإسبانيا وسويسرا وكازاخستان وقرغيزستان وقبرص الشمالية ومقدونيا وأوكرانيا ومولدوفا ومنغوليا وروسيا ورومانيا وتتارستان وتاجيكستان وتركمانستان. وكانت الجريدة توزع في تلك البلدان في المدارس التابعة لمنظمة غولن والمناطق التي يعيش فيها عدد كبير من الأتراك. وبهذه الطريقة فقد استغلت وسائل الإعلام كأداة لوصول المنظمة إلى القوة المؤثر في تلك الدول.
ومنذ سنوات التسعينيات بدأت أسماء كثيرة بالكتابة في الجريدة مثل أكرم دومانلي، شاهين ألباي، علي بولاتش، أحمد سليم، أحمد توران على ألكان، ممتاز أر توركونه، محمد كاميش، صلاح الدين كاراكيش، علي آكوش، أيوب جان، عبد الحميد بيجيلي، نديم هازار، حسين جولرجه، بيجان ماتورـ، حلمي ياووز، إحسان داغي، سليم إيلري، أحمد شاهين، عبد الله أيماز، فهمي كورو، حكيم أوغلو إسماعيل، نورية أكمان، علي تشولاك، إسكندر بالا، نازان بكير أوغلو، نفين هاليجي، غونسلي أوزن أوجاك أوغلو، سليم إيشيقلر.
كانت قناة سامان يولو التلفزيونية من أهم وسائل الدعاية الإعلامية الخاصة بالكيان الذي أسسه غولن؛ إذ انطلقت القناة عام 1993 تحت مظلة مجموعة سامان يولو الإعلامية التي حققت نموًا خلال فترة قصيرة، وافتتحت عام 1993 محطة دنيا الإذاعية، فيما أطلقت محطة برج الإذاعية في العام التالي. كما أطلقت المجموعة عددًا من القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية والمواقع الإلكترونية الجديدة في الفترة التي تلت عام 1998. وبدأ هدايت كاراجا يدير شؤون المجموعة كرئيس لها، تلك المجموعة التي لم يكن معروفًا من أين تحصل على تمويلها. وكان علي تشليك يتولي رئاسة مجلس إدارة سامان يولو، وأما سادات يتشكين فكان شريكا وعضوا بمجلس الإدارة. كان هدايت كاراجا من بين أكثر الشخصيات قربًا لغولن الذي قامت منظّمته بتأسيس شبكة إعلامية قوية في سنوات التسعينيات، كما واصلت المنظّمة إطلاق القنوات والأذرع الإعلامية في مختلف المجالات تحت مظلة شركة فضا للصحافة ومجموعة سامان يولو الإعلامية.
كانت مراكز الدروس الخصوصية تتمتع بمكانة خاصة بالنسبة للكيان الذي كان يتستر تحت اسم الجماعة الدينية، وذلك لما كانت تمثله من مصدر لكسب الكوادر الجديدة والموارد المالية. افتتحت 20 – 30 مدرسة تابعة لغولن بين عامي 1980 – 1990. وبحلول أوائل الألفية الثالثة وصل عدد مراكز الدروس الخصوصية التابعة لغولن في تركيا إلى آلاف المراكز. (نقطة هيكلية)
افتتحت أولى مراكز التقوية في تركيا في ستينيات القرن الماضي. وأما مراكز التقوية الخاصة فقد بدأ تأسيسها للمرة الأولى بقانون حمل رقم 625 وتاريخ 08/06/1965. ومع ارتفاع عدد الامتحانات المركزية عقب ذلك التاريخ زاد انتشار مراكز التقوية الخاصة. وبحلول السبعينيات افتتح عدد من مراكز التقوية في عدة مدن تركية. وقبيل انقلاب 1980 كان هناك نحو 200 مركز تقوية في عموم تركيا. وعقب الانقلاب حدث تطور سريع فيما يتعلق بمسألة افتتاح مراكز التقوية. وقد أولى أعضاء منظمة غولن هم أيضا اهتماما بافتتاح مراكز التقوية في ظل ذلك المناخ. كان غولن يرغب في افتتاح مراكز تعليمية خاصة منذ أواسط الستينيات، وكان يخطط للقيام بهذه المهمة من خلال منطق المدارس التحضيرية. وكان غولن يهتم عن كثب بتعليم الطلاب في إزمير في سنوات كستانه بازاري، وأراد إطلاق دورات تعليمية خاصة. ولقد بدأت المنظمة تنشر الدورات التعليمية تحت مظلة وقف آكيازيلي، وكانت هناك رغبة في تأسيس علاقة قوية مع الطلبة. وعقب انقلاب 1980 شهد مجال إنشاء مراكز التقوية تطورات جديدة، فقد كانت هناك خطة لإغلاق تلك المراكز بقانون عرض على البرلمان عام 1983. غير أن الحكومة الجديدة التي شكلت قبل الإغلاق الفعلي للمراكز ألغت حكم الإغلاق. ولقد حفزت الإجراءات التشجيعية التي وجهتها حكومة تورغوت أوزال إلى القطاع الخاصة في تلك الفترة غولن ومن كان حوله، فافتتح أول مركز تقوية تابع للجماعة عام 1985؛ إذ أسست مراكز FEM للدروس الخصوصية بدعم مادي من رجل الأعمال مصطفى فرات أحد الأسماء المقربة من غولن. وقد زاولت تلك المراكز أنشطتها بشكل مرتبط باتحاد مراكز جوفن التعليمية. وبحلول عام 1989 افتتحت مراكز كورفز للدروس الخصوصية بدعم من الجماعة. وأما عام 1994 فقد افتتحت مراكز أنافن للدروس الخصوصية الموجهة للطلاب في مرحلة التعليم المتوسط.
ركزت مراكز FEM وكورفز على الطلاب الذي يستعدون لامتحان دخول الجامعة، فيما اهتمت فيه مراكز أنافن بالطلاب الذين يستعدون لدخول المرحلة الثانوية. وكان أهم جانب للمراكز التعليمية بالنسبة للمنظمة التي أسسها غولن هو أنها تستخدم كمصدر للموارد البشرية التي يجري تلقينها والاستحواذ على عقولها. ولقد حظي الطلاب المتفوقون باهتمام خاص في تلك المؤسسات التي يتردد عليها طلاب المرحلتين الثانوية والجامعية بهدف الإعداد للاختبارات. كان الطلاب الدارسون في تلك المراكز يدعون إلى النزل الطلابية التابعة لتلك المراكز حيث كان القائمون على تلك النزل يبذلون جهودا حثيثة لزيادة اهتمام أولئك الطلاب بجماعة غولن. وبالطريقة نفسها كان الطلاب الدارسون في مراكز التقوية يدعون إلى بيوت إيشيق للتعرف على تلك الأوساط لتزداد ثقتهم بالجماعة والمؤسسة ويصبحون جزء منها على المدى القصير والمتوسط.
كانت مراكز الدروس الخصوصية التي أسستها المنظمة تقوم بعدة مهام، أولها أن تلك المراكز كانت تستغل لتأسيس علاقات قوية مع المجتمع من خلال إظهار الجانب "العلمي" لمنظمة غولن في الواجهة، ومن ثم إيهام الناس بأن الجماعة تقوم بأعمال "حميدة". فبهذه الطريقة سعت المنظمة لإقناع الناس بأنّها تقوم بأعمال مشروعة وأنها حركة لخدمتهم، ومن ناحية أخرى نجحت في الدعاية للمنظمة ومراكز الدروس الخصوصية من خلال الطلاب المتفوقين. وهو ما زاد من اهتمام الناس بتلك المراكز. وأما المهمة الثانية فكانت تلك المراكز تستغل لضم عدد كبير من الأشخاص للمنظمة وتوجيههم وفق خريطة الطريق التي وضعتها الجماعة. وكان هؤلاء الأشخاص الذين انضمّوا إلى الجماعة يلعبون دورا محوريا في أعمال التسلل إلى مفاصل الدولة في الفترة اللاحقة.
وأما المهمة الثالثة أن تلك المراكز كانت تساهم في تأسيس كيان شاب وديناميكي ومرتبط بتعاليم الغولانية التي كانت تتشكل من نظام هرمي بين القاعدة والقمة. فيما كانت المهمة الرابعة لتلك المراكز فهي توفير مصادر تمويل كبيرة تساهم في تعزيز قدرات المنظمة. ولهذا فقد كانت تلك المراكز تتمتع بمكانة خاصة بالنسبة للكيان الذي كان يتستر بستار الجماعة الدينية، وذلك لما كانت تمثله من مصدر لكسب الكوادر الجديدة والموارد المالية. ولقد افتتحت 20 – 30 مدرسة تابعة لغولن بين عامي 1980 – 1990.
لقد استغلوا مراكز الدروس الخصوصية كأداة لإضفاء الصبغة الشرعية على المنظمة من خلال إظهار التعليم في المقام الأول، وكوسيلة لضم أجيال جديدة من الشباب للمنظمة. (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)
أصدرت الحكومة التركية قرارًا بعد عام 1983 بإمكانية افتتاح المدارس الخاصة، وهو ما كان فرصة لا يمكن تفويتها بالنسبة لغولن الذي كان يرى أن تلك المدارس ستساهم في تنشئة "معماري الفكر"، على أن يقدم نفسه إليهم على أنه شخص "مشجع" فقط. لم يقبل غولن أبدا بأن هذه المدارس تابعة له. ولم يتغير رده على السؤال الذي كان يطرح بشأن مصدر تمويل تلك المدارس؛ إذ كان يقول "لا أفعل شيئا سوى التشجيع، ولا أعرف من افتتح تلك المدارس. وبحلول أولى سنوات الألفية الثالثة وصل عدد مراكز الدروس الخصوصية التابعة لغولن إلى آلاف المراكز.
وفي تلك الفترة افتتحت مدارس "يامانلر" في إزمير و"فاتح" في إسطنبول و"سامان يولو" في أنقرة و"عزيزية" في أرزروم و"سرهات" في وان. وعندما سأله البعض عن تلك الأنشطة بعد سنوات قال غولن "ما أنا إلا واعظ بسيط، شجعت البعض من أجل افتتاح المدارس التي كانت تحتاج إلى تمويل، ولم أكن أعرف أحدا، وعدد من أعرفهم لا يتخطى العشرة أشخاص". ودافع عن أن الدعوات التي أطلقها من منابر الجوامع لعبت دورا مهما في افتتاح تلك المدارس.
لقد أطلق أعضاء منظمة غولن حملة كبيرة من أجل استمالة الشباب الدارسين في تلك المدارس والمراكز والبيوت في تلك السنوات، وكانت تقع مسوؤلية كبيرة على الأشخاص الذين يحملون لقب "الأخ الأكبر" داخل ذلك الكيان. فالذين نشؤوا في تلك المدارس جرى ضمهم إلى المنظمة حيث صدرت إليهم توجيهات لتنفيذها في إطار مخططات المنظمة على المدى القصير والمتوسط والطويل. (نقطة هيكلية)
إن عبارة "ما أنا إلا واعظ بسيط" التي ابتدعها غولن بدأت في إعلاء شأنه في أعين أنصاره. وبهذه الطريقة كان يسعى لإخراج نفسه خارج الكيان الذي أسسه. وكان يرى أنّ تلك المدارس "كفاح لنيل الاستقلال". وقد طلب غولن من الناس أن يدعموا تلك المدارس في جامع السليمانية وسائر الجوامع الأخرى التي كان يلقي فيها خطبه خلال سنوات إقامته في إسطنبول، كما كان يدعوهم لافتتاح مدارس جديدة. ولقد أضاف قوة كبيرة إلى الكيان الذي أسسه بفضل الدعوات التي كان يطلقها من منبره. وكان غولن قد وصف اهتمام الناس بعد سنوات بقوله "لقد استغللت هذا الاستحسان كبطاقة ائتمان"، ليكشف عن نيته الحقيقية. وفي الحقيقة لقد حدث بالفعل كما قال غولن؛ إذ فتح بعض رجال الأعمال والحرفيين قرضًا كبيرًا لغولن بعدما صاروا جزءً من كيانه. ولقد استغل غولن ذلك أفضل استغلال، وزاد من قوته بشكل يتناسب مع الاستراتيجية التي أقامها على "دعم التعليم". وبينما كان يقوم بذلك، كان غولن يضع "التعليم" و"الدين" و"الدعم" في المقام الأول ويجعله أداة توصله إلى مآربه. هذا فضلا عن أن المكانة التي كان غولن يرغب في الوصول إليها من خلال تلك المدارس والمؤسسات التي أنشأها كانت مختلفة للغاية. ويلخص غولن هذا بتلك الكلمات "لدي ملاحظات مختلفة، لكن تركيا حاليًّا ليست مستعدة لرحلة كهذه".
لقد أطلق أعضاء منظمة غولن حملة كبيرة من أجل استمالة الشباب الدارسين في تلك المدارس والمراكز والبيوت في تلك السنوات، وكانت تقع مسوؤلية كبيرة على الأشخاص الذين يحملون لقب "الأخ الأكبر" داخل ذلك الكيان. فمن نشؤوا في تلك المدارس جرى ضمهم إلى المنظمة حيث صدرت إليهم توجيهات لتنفيذها في إطار مخططات المنظمة على المدى القصير والمتوسط والطويل. ولقد بدأ الدارسون الذين يتخرجون من المنتسبين للمنظّمة بالوصول إلى أهم الوظائف بالدولة. وبهذه الطريقة تكون قد بدأت فعاليات تأسيس كيان مجتمعيّ يؤمن بغولن ويبايعه.
"سافر غولن إلى الولايات المتحدة عام 1992 واستغرقت جولته التي شملت أستراليا كذلك 55 يومًا التقى خلالها بالكثير من الأطياف، وبدأت محاولات لتأسيس فعاليات الجماعة في الولايات المتحدة". (نقطة جانبية – الطرف الأيسر)
وأما الجانب الآخر المهم لتلك المدارس هي توفير مصدر دخل كبير لكيان غولن؛ إذ كان الطلاب الدارسون في تلك المدارس يدفعون نفقات عالية. وكان "نظام المدارس الفاخرة"، الذي كان يقدم إلى الناس على أنه مركز للتعليم عالي الجودة، يحمل أهمية كبيرة بالنسبة للكيان الذي افتتح العديد من المدارس الخاصة، لكنه تجنب فتح مدارس للأئمة والخطباءـ غير أنه كان يعمل على استمالة الشباب الدارسين في تلك المدارس الدينية؛ إذ سعى القائمون على الكيان لضم الطلاب الدارسين في مدارس الأئمة والخطباء إلى المنظمة من خلال المعلمين والنُّزل الطلابية التي كانوا يفتتحونها بالقرب من تلك المدارس. غير أنهم فشلوا في الوصول إلى هذا الهدف، لأن طلاب مدارس الأئمة والخطباء، الذين كانوا يتلقون تعليما دينيا، كانوا يشكون في التعاليم والمفاهيم الدينية التي كان ينشرها غولن. وكانت مدارس الأئمة والخطباء بالنسبة لأعضاء منظمة غولن بمثابة كيانات تضرّ بمهمة الحركة عند المجتمع أكثر من كونها أماكن لتحقيق المصالح بالنسبة للمنظّمة.
عقب انهيار الاتحاد السوفيتي ومعه نظام القطبين الذين كان مسيطرا على العالم عام 1989، ظهر إلى السطح فراغ للقوة في قارة آسيا التي شهدت تأسيس نظام جديد خصوصا في جمهوريات وسط آسيا التركية التي انتزعت استقلالها. وخلال تلك المرحلة أمر غولن عناصر تنظيمه ببدء الفعاليات خارج تركيا. وكانت منظمة قد بدأت تؤسس لنفسها كيانات في عدة دول أوروبية مثل ألمانيا وهولندا، والآن حان الدور على تطبيق الاستراتيجية الكبرى في آسيا الوسطى. وكان يريد من رجال الأعمال أن يفتتحوا مدارس كذلك خارج تركيا، وكان يعرب عن رغبته تلك في خطبه في جامع السليمانية إلى أن لقي استجابة عام 1989 حينما بدأ أعضاء منظمة غولن طرق أبواب آسيا. ولقد وصف غولن هذا التطور بعبارة "الارتقاء من جديد"، مشددا على أهمية آسيا.
قال غولن في لقاء له عام 1998 حول هذا الموضوع "لقد تطور الإسلام في الأساس في آسيا، ولهذا علينا الذهاب إلى هناك. لا يجب أن تدخل إيران والسعودية في تلك المنطقة. لقد ضمنا وجود هذه الحاجة". كما عرّف دوره في هذه الوتيرة بقوله "أرى نفسي كأحد ورثة الأرض". لقد اعتبر غولن مسألة الانفتاح على آسيا من أساسيات المهمة الاستثنائية التي أخذها على عاتقه، وبهذه الطريقة بدأ البحث عن دعم دولي من خلال معاداة إيران، آخذا بعين الاعتبار المسائل السياسية. ويرى غولن أن الحكومة التركية دعمت مشروعه الرامي للانفتاح على العالم: "وقّع سليمان ديميرل على بعض الأوراق لتسليمها إلى بعض المسؤولين الحكوميين من أجل المدارس التركية في الخارج، وقال لهم "خذوا هذه الأوراق واكتبوا عليها ما تشاؤون". كما عبر تورغوت أوزال هو الآخر عن دعمه بقوله "أنا ضامن لقضية المدارس هذه". حتى أن العسكريين كانوا يطلَعون على أمر تلك المدارس المفتتحة شمال العراق وأفغانستان وكانوا يقدرونها".
سافرت مجموعة مكونة من 11 شخصية تابعة لغولن إلى جورجيا بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني 1990. قاموا بجولة في باتومي، ثم انتقلوا منها إلى أذربيجان التي جالوا بها بفضل دعم السكان المحليين، ثم عادوا إلى تركيا وأطلعوا غولن على التطورات في بلاد القوقاز. وكان أول هدف سعى أعضاء منظمة غولن لتحقيقه هو نقل أبناء الفقراء في تلك البلدان إلى تركيا لينشؤوا بها. انطلق فريق من منظمة غولن من 37 شخصا في مايو/أيار 1990 وطافوا في أذربيجان وأوزبكستان وكازاخستان وتاجيكستان، وبدؤوا يستغلون الفراغ الذي خلفه انهيار الاتحاد السوفيتي، وشجعوا رجال الأعمال المقربين من الجماعة للانتقال إلى تلك البلدان وضخ استثمارات بها في إطار فعاليات الضغط التي أطلقوها هناك. وبهذه الطريقة نجحت المنظمة في دخول آسيا للمرة الأولى كما أشار غولن. ولقد لعب المستثمرون العاملون في تلك البلدان دورا مهما في افتتاح المدارس المقربة من منظمة غولن.
كان غولن يرى أن من بين أهم أنشطة تلك المدارس هو "التبشير"، وكان يقول إنهم يزاولون أنشطة التبشير من خلال المدارس الخاصة والكليات والجامعات والنزل الطلابية ومراكز الدروس الخصوصية وبيوت الطلبة التي يفتتحونها خارج تركيا. وكان يزعم أن هذا التبشير يصب في مصلحة تركيا، غير أن ما كشف لاحقا كان مختلفا. كان الاهتمام الذي يحظى به غولن يزداد كلما زادت قوته. سافر غولن إلى الولايات المتحدة خلال الفترة التي بدأت فيها فعاليات افتتاح المدارس خارج تركيا، واستغرقت تلك الرحلة 55 يوما عام 1992 شملت كذلك أستراليا، والتقى خلالها عددا كبيرا من الأشخاص من مختلف الطبقات، وبدأت محاولاته لنشر أنشطة الجماعة كذلك في الولايات المتحدة. ولم يعرف أحد ممن التقى غولن خلال تلك الرحلة، غير أن هناك معلومات حول افتتاحه دورات تعليمية في مدن وولايات أمريكية مثل بنسلفانيا ونيويورك. وبحلول عام 1994 بدأت جريدة زمان، إحدى وسائل إعلام كيان غولن، بالنشر والتوزيع في عدة ولايات أمريكية، وكان مركزها في نيويورك.
وعقب تلك التطورات تسارعت وتيرة فتح أعضاء منظّمته للمدارس خارج تركيا. وقد حظي غولن باهتمام بالغ داخل تركيا وخارجها خلال فترة افتتاحه للمدارس في عدة دول حول العالم. عمل غولن على تطوير علاقته بالدول الغربية أواسط التسعينيات، وزار الولايات المتحدة عدة مرات قبل أن يستقر بها. كما اختار أعضاء منظمة غولن بوليفيا والأرجنتين على وجه الخصوص لفتح مدارسهم في أمريكا اللاتينية؛ إذ افتتحوا مدرسة حملت اسم "نور" في بوليفيا، كما ساهموا في تدريب ألفي معلم في الريف لصالح وكالات تنمية المجتمع. كما دربوا 300 معلم في منطقة لا ريوجا في الأرجنتين. وكانت الولايات المتحدة تدعم أنشطة غولن في المنطقة. ومنحت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام 2002 المراكز التعليمية التابعة لغولن التي تعمل في بوليفيا لقب "مراكز التعليم المتميز". وعقب ذلك تاريخ وصل عدد المدارس التابعة لغولن خارج تركيا إلى آلاف المدارس؛ إذ كانت المدارس ومراكز الدروس الخصوصية والنزل الطلابية والجمعيات التابعة للكيان تعمل في أكثر من 100 دولة.
كان غولن يوجه الحرفيين ورجال الأعمال الذي يجمع منهم التبرعات من أجل التعاون بقوله: لا يمكن فتح محال بقالة، كان يجب أن يفتح مكانه سوبر ماركت. ولهذا فقد اجتمع الأشخاص الذين يطيعون توجيهاتي ووحدوا قواهم". (نقطة جانبية – الطرف الأيمن)
كان غولن يكرر دعواته للناس من أجل تقديم التبرعات خلال الخطب التي ألقاها منذ سنوات السبعينيات. ولقد لعب وقف آكيازيلي دورا محوريا في هذا الأمر؛ إذ كان غولن يطلب الدعم من الحرفيين والتجار الذين ارتبط بهم من خلال ذلك الوقف، كما بدأ الحصول على الدعم المادي من عدة أشخاص في بعض مناطق تركيا بما في ذلك منطقتي مرمرة وإيجة. ولقد تمكن غولن من الوصول إلى العديد من الشخصيات المهمة بفضل الدعم الذي حصل عليه من الأشخاص المهمين الذين كان يعرفهم في تلك الفترة، وكذلك من خلال تأثير الخطب الدينية التي كان يلقيها في الجوامع. وحاز غولن على الدعم المادي كذلك من رجال الأعمال بعدما وسع نطاق أعمال جمع التبرعات والمساعدات التي بدأت في منطقة كستانه بازاري، وكما قال بنفسه "لقد باع الناس ما يمتلكونه لتقديمه لنا". وبهذه الطريقة انتشرت مجموعة من الحرفيين ورجال الأعمال الداعمين لهذا الكيان في كل ولاية أُسّست فيها المدارس وبيوت الطلبة. وبعد أن نجح غولن في توفير الدعم المادي، بدأ كيانه يكبر ويوسّع نطاقه بسرعة أكبر.
كان غولن يحث الناس على تقديم التبرعات خلال الخطب التي ألقاها في تلك الفترة، ما جعل من "تقديم التبرعات" مسؤولية تقع على عاتق الحرفيين ورجال الأعمال من أعضاء الجماعة. وكانت الاجتماعات التي كانت تستضيفها بعض البيوت تحت ستار الجلسات الدينية تشهد عرض دروس غولن المصورة وقراءة مؤلفاته، كما كانوا المشاركون في تلك الجلسات يحصلون على معلومات حول الأنشطة التي تزاولها الجماعة. وعقب تلك الجلسات، كان المنظمون يطلبون من الحاضرين تقديم الدعم المادي للجماعة تحت اسم التبرعات. ولقد استطاع أعضاء منظمة غولن تحقيق مبالغ طائلة خلال فترة قصيرة من وراء هذه التبرعات. لقد عرّف غولن فعاليات افتتاح المدارس بمصطلح "كفاح من أجل الاستقلال"، وذلك في لقاء جمعه بيالتشين دوغان، وكان يجيب على الأسئلة المتعلقة بتمويل تلك المدارس بقوله إنهم "يجمعون الأموال من الأغنياء وأصحاب الشركات بواسطة الجلسات البديلة للم التبرعات لاستخدامها في تمويل المدارس".
كان غولن يجمع التبرعات من الحرفيين ورجال الأعمال من جهة، ومن جهة أخرى كان يوجههم من أجل التعاون. ويقول غولن في لقاء مع يالتشين دوغان حول هذا الموضوع: "لا يمكن فتح محال بقالة، كان يجب أن يفتح مكانه سوبر ماركت. ولهذا فقد اجتمع الأشخاص الذين يطيعون توجيهاتي ووحدوا قواهم". وعقب صدور تعليمات غولن بـ"التعاون" إلى الحرفيين ورجال الأعمال، بدأ أصحاب الأعمال من منظمة غولن بالتحرك سويا والتعاون لتأسيس الجمعيات في مختلف الولايات التركية اعتبارًا من مطلع التسعينيات. وعقب تلك الخطوة التي كانت مهمة لتعزيز قدرات منظمة، بدأ العديد من الشركات والمصانع الصغيرة والمتوسطة في العمل على تنفيذ هذا الهدف؛ إذ بدأت تلك الشركات بالعمل بشكل مؤثر في السوق الداخلي، وسرعان ما أصبحت قادرة على الانفتاح كذلك على الأسواق العالمية. ولقد وجدت العديد من الشركات لنفسها مكانا في الأسواق الخارجية بفضل اللوبي الذي شكلته المدارس "الغولانية" الموجودة خارج تركيا. وبفضل هذه التطورات نجحت الشركات المنتسبة إلى منظمة في زيادة قدراتها، وبدأت مزاولة عدة أنشطة جديدة في مدن الأناضول. وبحلول عام 1996 تعاون رجال الأعمال أعضاء منظمة غولن وأسسوا مؤسسة آسيا للتمويل. ويأتي علي كيرفانجي في مقدمة الأشخاص الذين يصفهم غولن بعبارة "الأشخاص الذين يطيعون أمري". وكما قال نور الدين فرن، فإنه عقب إصدار غولن تعليمات بالموافقة على تأسيس مؤسسة آسيا للتمويل، اجتمع كل من نور الدين فرن وسلجوق بركسان وتحسين تك أوغلو ومحمد هاصيرجيلر ومصطفى أوزجان في مصنع دورو أفياب في إسطنبول. وكان رجال الأعمال هؤلاء هم من قدموا الدعم الأكبر لإنشاء مؤسسة آسيا للتمويل التي أسست بواسطة تحسين تك أوغلو، وتلقت أكبر دعم خلال مرحلة التأسيس من رئيسة الوزراء آنذاك تانسو تشيللر. وعقب تأسيسها، تلقت مؤسسة آسيا للتمويل جميع الأموال المحصلة من الدورات التحضيرية لامتحانات الجامعة والنزل الطلابية والكليات الخاصة التابعة لجماعة غولن في تركيا، وكذلك الأموال المكتسبة من المؤسسات التابعة للجماعة مثل الصحف والقنوات التلفزيونية.
كانت شركة إيشيق للتأمين من الشركات الأخرى التي أسست بتعليمات من غولن ودعمه عام 1995؛ إذ أسست الشركة برأس مال بلغ 200 ألف ليرة تركية، وحققت خلال فترة قصيرة نموا مع مؤسسة آسيا للتمويل التي كانت أهم الشركاء بالشركة. وكان من بين أعضاء مجلس إدارة الشركة شخصيات مقربة من غولن مثل إحسان كالكافان ومحمد أمين هاصيرجيلر وأحمد كوروجان وفاضل كارامان.
التشغيل 00:02:59 اعترافات غولن حول بنك آسيا شارك فتح الله غولن قائد منظمة غولن في برنامج "حديث الساعة" الذي كان يُذاع على قناة دي في عام 1997. واعترف أنّه قد قام بتوجيه رجال الأعمال المقربين منه أثناء عملية تأسيس بنك آسيا قائلًا "وحّدوا هممكم والعبوا بشكل أكبر".
كشف غولن عن نواياه الحقيقة عندما وصف اهتمام الناس في برنامج تلفزيوني شارك به عام 1997 بقوله " لقد استغللت هذا الاستحسان كبطاقة ائتمان". (نقطة جانبية – الجانب الأيسر)
عقب تلقيهم تعليمات بالاتحاد من غولن، بادر رجال الأعمال أعضاء منظمة غولن بتأسيس عدة شركات كان من بينها: شركة تشاغ للخدمات التعليمية، شركة فضا للصحافة، شركة أفلاك، الإدارة العامة للمدارس الثانوية التركية – الكازاخية، شركة ثبات، شركة سليم، شركة باشكنت للخدمات التعليمية، شركة سرهات للخدمات التعليمية والصحية، وقف توليرنس، وقف أفق التعليمي، شركة طوروس للخدمات التعليمية والسياحية والتجارية، شركة أرطغرول غازي للخدمات التعليمية، شركة كاراتشاي تشركش طوروس للخدمات التعليمية، شركة دوانا 94، شركة برج الخاصة، جمعية بيت الصداقة، شركة إنترناشول هوب، شركة فضالر للخدمات التعليمية والتجارية، وقف البلقان للتعليم والثقافة، شركة S.C. Lumina SA، شركة غلستان لخدمات التعليم والنشر والتجارة، شركة سما للخدمات التعليمية، شركة سامان يولو، وقف تركيا للصحة والعلاج، وقف ياياسان أندونيسيا. ولقد عملت تلك الشركات وفق أهداف غولن وتعليماته، كما حققت ثروات طائلة. لقد واصل أعضاء منظمة غولن نموهم الاقتصادي من خلال مؤسسة آسيا للتمويل وسائل الشركات الأخرى التابعة لهم، هذا فضلا عن أنهم زادوا من ثقلهم داخل تركيا وخارجها.
يرجع تعرف غولن إلى عالم السياسة للمرة الأولى إلى سنوات شبابه. ولقد عاش غولن لمدة في أنقرة قبل أن ينتقل وعمره 17 عاما من أرضروم إلى أدرنة، وأقام إلى جوار النائب البرلماني عن أرضروم مصطفى زرن الذي كان يصفه بـ"الصديق المقرب لوالدي". وكان زرن هو من ساعد غولن في دخول اختبار رئاسة الشؤون الدينية، وهو كذلك من أبلغه بنتيجة الاختبار الذي دخله عندما كان في أنقرة. ويزعم غولن في كتابه "عالمي الصغير" أنه كانت تجمعه علاقة وثيقة بالمسؤولين الأمنيين والقضاة ومدعي العموم بينما كان موظفا في أدرنة بعمر 18 عاما.
Galeri: تعليقات السياسيين في سنوات التسيعينيات حول غولن
بحلول سنوات الستينيات تعرف غولن إلى الأمين العام لحزب الشعب الجمهوري خلال حقبة إينونو قاسم غولك الذي كان غولن ينعته بوصف "صديقنا". وكان غولك من الشخصيات التي قادت حركة تأسيس "جمعيات مكافحة الشيوعية" في تركيا. وكان غولن قد أسس جمعية مكافحة الشيوعية في أرضروم في الستينيات، ورأسها لفترة. وكانت تلك الجمعية هي النقطة المشترك بين غولن وغولك؛ إذ صارت تجمعهما علاقة وثيقة منذ سنوات الستينيات، وبفضل هذه العلاقة بدأ غولن يتقرب من عالم السياسة. وكان غولك هو من عرّف غولن إلى السفير الأمريكي في أنقرة مورتون أبرامويتز. وثمة ادعاءات ترددت حول دور غولك في تأسيس غولن علاقة مع جهاز سي آي ايه الأمريكي.
مدح غولن صديقة القديم غولك في مقال له نشرته صحيفة زمان بتاريخ 1 سبتمبر/أيلول 1997 جاء فيه "كان أبرامويتز من الأسماء التي التقيتها في الولايات المتحدة. وكان قد عمل كسفير للولايات المتحدة في أنقرة لفترة، وكان صديقنا المشترك هو السيد قاسم غولك؛ إذ كان بفضله نعرفه غيابيا. لقد تعرفت تركيا على مدار تاريخها على العديد من الأزمات الكبرى، وإذا أردتم يمكنكم أن تعتبروا هذه الوضع أزمة، لكن قلت إن هذا الشعب سيتخطى تلك المحنة، وقلت يجب أن يصل هذا النداء، إن أمكن، إلى البيت الأبيض والكونغرس وحتى البنتاغون". لقد قويت العلاقة التي جمعت غولن وغولك في الستينيات خلال السنوات اللاحقة. وعندما توفي غولك عام 1996، كان صديقه المقرب غولن هو من أمّ الناس في صلاة جنازته.
كان رجال الأعمال الغني والمعروف علي رضا غوفن هو من قدّم أكبر الدعم لغولن خلال سنوات إقامته في كستانه بازاي بإزمير. وكان غوفن تجمعه علاقة وطيدة بموظفي الدولة والقضاة ومدعي العموم في إزمير، ولهذا فقد ساهم في تأسيس غولن كيان قوي، ووضعته تحت حمايته. وكانت قناة تي ري تي 1 التلفزيونية الرسمية قد نشرت مقطعًا مصوّرًا لأوزير شنلر أحد طلبة بديع الزمان سعيد النورسي، الأمر الذي طرح علامات استفهام حول هوية غوفن. فيقول شنلر إن غولن عرض عليه أن يتحول إلى الماسونية في إزمير، لكنه رفض ذلك العرض، مشيرا إلى أن غوفن قدم العرض نفسه إلى غولن الذي وافق عليه. ولقد استمرت علاقة الصداقة الوطيدة بين غولن وغوفن منذ عام 1964. وكانت قناة سامان يولو المملوكة لمنظمة غولن قد نشرت فيلما وثائقيا خاصا عن حياة غوفن عندما توفي عام 2006.
افتتح أعضاء منظمة غولن العديد من المدارس والنزل الطلابية ومراكز الدروس الخصوصية والجامعات في آسيا الوسطى والبلقان، وتحولوا خلال فترة قصيرة إلى قوة و"لوبي" ذي تأثير في بلدان هذين الإقليمين، كما ساهموا في تسهيل استثمارات رجال الأعمال التابعين لهم خارج تركيا وأصبحوا عنصرًا مهمًّا في جعل رجال الأعمال هؤلاء يلتقون رؤساء الدول والمسؤولين الرسميين. (نقطة هيكلية)
زاد اتصال غولن بعالم السياسة في سنوات السبعينيات عندما بدأ يظهر كواعظ ديني مشهور؛ إذ خرج على الناس حينها بتحد كبير حينما دافع عن فكرة أنه ليس أي محظور في أن يوطد علاقته بعالم السياسة. وقد أدى هذا التصرف إلى ردود أفعال غاضبة بين أعضاء حركة رسائل النور. وكان غولن قد حث الناس في خطبه على ضرورة دعم حزب الحركة القومية في الانتخابات. وقد حاول غولن التقرب إلى حزب السلامة الوطني بعد تقربه إلى حزب الحركة القومية، وسعى من خلال الجناح الشبابي في حزب السلامة الوطني إلى نشر أفكاره في عموم تركيا وفتح البيوت التابعة لها في جميع مدنها. وخلال تلك الفترة قطع علاقته بجماعة رسائل النور. وكان غولن يعمل بشكل مستقل تماما ويسرع من وتيرة نشر تعاليمه الخاصة، كما استهدف التقرب إلى حزب السلامة الوطني. غير أن محاولاته لنشر أفكاره وتعاليمه بين الناس قوبلت بردود أفعال غاضبة، كما اختلف مع زعيم الإسلام السياسي في تركيا البروفيسور نجم الدين أربكان، وبعدها بفترة قطع غولن علاقته بحزب السلامة الوطني.
شهدت تركيا عدة تجديدات عقب عودة الحياة السياسية وتولي تورغوت أوزال الحكم بعد انتخابات عام 1983 التي أجريت عقب انقلاب 1980. ولقد ظهرت فرص جديدة بفضل سياسات أوزال الليبرالية وتشجيع للقطاع الخاص. وكانت المدارس ومراكز الدروس الخصوصية من المؤسسات التي استفادت من تشجيع القطاع الخاص في تلك الفترة. وفي هذا الإطار، بدأ أعضاء منظمة غولن فتح المدارس ومراكز الدروس الخصوصية الجديدة في مختلف أنحاء تركيا خلال فترة قصيرة، كما جعل غولن من التعليم أداة للوصول إلى أهدافه، وتبنى خطابا يركز على الجانب التعليمي. كان هذا التوجه متوافقا مع سياسة أوزال الذي بدأ بعد توليه السلطة تشجيع القطاع الخاص داخل تركيا، وأخذ يسعى لتحقيق انفتاح كبير خارج تركيا من خلال تيار "العثمانيين الجدد". كان هدف أوزال هو تحويل تركيا إلى قوة إقليمية، ولهذا كان يهدف إلى تأسيس علاقات وطيدة مع دول المنطقة. كما أولى اهتماما كبيرا بتطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية مع الخارج. وكان غولن قد أصدر تعليمات لأنصاره بالانفتاح خارج تركيا خلال تلك الفترة، وكانت الأنشطة التي ترتكز على الأسس التعليمية فرصة جيدة لأعضاء منظّمته للانفتاح على الخارج.
بدأ أعضاء منظمة غولن بتأسيس كيانات لهم في أوروبا كذلك اعتبارا من أواسط الثمانينيات، وكان هدفهم الجديد هو افتتاح المزيد من المدارس خارج تركيا والانفتاح على العالم. ولى أعضاء منظمة غولن وجوههم نحو آسيا الوسطى عام 1989، فبدؤوا يفتتحون المدارس والنزال الطلابية خلال فترة قصيرة. وكان انفتاحهم على الخارج تحت ستار التعليم يتناسب مع إستراتيجية تركيا القوية التي انتهجها أوزال في المنطقة. ولهذا فقد دعم أوزال فعاليات افتتاح المدارس في آسيا الوسطى والبلقان، وأخذ يزور تلك المدارس خلال زياراته الخارجية، كما شجع رجال الأعمال على الاستثمار بالخارج. ولقد افتتح أعضاء منظمة غولن العديد من المدارس والنزل الطلابية ومراكز الدروس الخصوصية والجامعات في آسيا الوسطى والبلقان، وتحولوا خلال فترة قصيرة إلى قوة و "لوبي" ذي تأثير في بلدان هذين الإقليمين، كما ساهموا في تسهيل استثمارات رجال الأعمال التابعين لهم خارج تركيا وأصبحوا عنصرا مهما في جعل رجال الأعمال هؤلاء يلتقون رؤساء الدول والمسؤولين الرسميين. كانت العلاقة بين غولن وأوزال على هذا النحو في الظاهر، غير أن الحسابات الأخرى التي كان يضعها غولن خلف الكواليس ظهرت عقب تولي أوزال منصب رئيس الجمهورية وتنازله عن رئاسة حزب الوطن الأم ورئاسة الوزراء إلى مسعود يلماز.
نشرت مجلة سيزنتي عام 1991 مقالا حمل توقيع غولن تضمن عبارات استهدفت أوزال بشكل مباشر، بل دعا غولن عليه صراحة، ما كشف عن الحسابات السياسية التي كان يعملها غولن في تلك المرحلة. وقال غولن في المقال الذي نشر قبل وفاة أوزال بعامين "نم الآن إن أردت، لأن القيامة التي ستقوم لاحقا ستكون قيامتك! نعم، إنك عندما تفنى عما قريب وأنت تحمل تلك المسؤوليات على ظهرك ستندم أشد الندم على من أهملت في حقهم وتعرضوا للخيانة بسببك، وحينها ستنادي وتقول يا ليتني كنت ترابا". ويكشف الكاتب فاروق مرجان، أحد أنصار منظمة غولن، السر وراء حكاية ذلك المقال الذي يقطر حقدا وكراهية، وذلك في فصل حمل عنوان "المقال الذي دوى في جنبات قصر تشانقايا" في كتاب له باسم "فتح الله غولن".
قال مرجان أنه عقب انتخاب أوزال رئيسا للجمهورية سلّم حزب الوطن الأم الحاكم إلى مسعود يلماز الذي يعتبر شخصية ليبرالية، وأن بعض الكوادر المحافظة والمتدينة في الدولة جرى تصفيتها بعد هذه الخطوة. وسرد مرجان أسباب غضب غولن، غير أنه كشف عن بعض الأسرار بينما شرح تلك الأسباب؛ إذ قال "كانت لهجته في المقال الذي نشرته مجلة سيزنتي نابعة من عزل بعض الموظفين الرسميين في مؤسسات مثل وزارة الداخلية ومديرية الأمن بسبب كونهم متدينين. وكان غولن يرى أن على أوزال دعم هؤلاء البيروقراطيين الذين خدموا الحكومة بكل ولاء". ولقد أطلقت عبارة "حملة في سبيل التكتل من خلال السياسة" لتقييم الوضع عقب 25 عامًا من غضب غولن بهذه الطريقة عام 1991 على اختيار رجال الدولة وتغيير وظائف بعضهم في السلم البيروقراطي.
تناول الكاتب نوح آلبيراق في مقال له بصحيفة ستار بعد سنوات ما كان يفكر فيه الرئيس أوزال بشأن ما كتب عنه وعلاقته بغولن.
وما قاله أوزال عن غولن في تصريح أدلى به إلى صحفي كان يحبه ويثق به كثيرا كان كالتالي: "أعرفه منذ سنوات طويلة، التقينا عند التخطيط الأول. طلب مقابلتي بعدها كثيرا، لكني لم ألتقيه إلا في بعض اللقاءات الضرورية. جاء لزيارتي في هوستون للاطمئنان على صحتي، والتقينا هناك. وما تركه لدي من انطباع جعلني أشعر ببرود نحوه، بل جعلني أتجنبه. ذلك أنه يبدو أن رغبته لا حدود لها، فتركيا لا تكفيه، إنه يريد العالم. ولقد دعمت أفكاري تلك المعلومات التي تلقيتها لاحقا. لاحظت أنه يكذب بكل أريحية. وعندما حكيت هذا الأمر إلى أحد أنصاره الذين أثق بهم وطرحت عليه مثالا قال لي "حتى كذبه جميل"، ما أفزعني أكثر. لأن هذا الشخص يسيطر على من حوله، بل يأسرهم إذا صح التعبير. أمطرني بالمجاملات والمدح في آخر لقاء لنا، ثم سمعت أنه قال في حقي من ورائي أشياء مفتراة. وما أعرفه أن علماء الإسلام لا يتصرفون على هذا النحو. فهو يتبنى مفهوم السيطرة على العالم لإصلاحه، وهو ما يذكرني بهتلر الذي كان لا يمتلك سوى الشهادة الابتدائية، لكنه كان من أهم الخطباء حول العالم، واستطاع بفضل قدرته الفائقة على الإقناع أن يسوق الألمان خلفه. وأنا أشبّه ذلك الشيخ بهتلر من ناحية قدرته الفائقة على الإقناع وإلقاء الخطب بالرغم من ضعف تحصيله الدراسي. كان هتلر يتبنى موقفا قوميا، أما صاحبنا هذا فهو يستغل الدين من أجل تشجيع الناس. أتمنى أن تكون ملاحظاتي هذه خاطئة".
أجرى أوزال قبل وفاته بفترة قصيرة جولة شملت 5 دول في آسيا الوسطى في الفترة ما بين 4 – 15 يناير/كانون الثاني 1993، وزار خلال تلك الجولة المدارس التي افتتحتها الشخصيات المقربة من غولن الذي قال عن أنصاره في تصريح أدلى به عام 1998 بشأن تلك الزيارة "تردد أصدقاؤنا من الانضمام إلى جولة أوزال، فلم يرغبوا في الذهاب، لكنهم ذهبوا بعد ذلك. ذهب أوزال ثم عاد، وبعدها مات". تلك العبارة التي ظلت عالقة في الأذهان كعلامة استفهام.
تطور تواصل غولن مع السياسيين أكثر في الفترة التي تلت عهد أوزال؛ إذ التقى عددا منهم، وفي مقدمتهم سليمان ديميريل وتانسو تشيللر، خلال سنوات التسعينيات المضطربة. وعندما سئل عن سبب لقاءاته المتكررة مع السياسيين، كان يبرر ذلك من خلال سرد أمثلة من الماضي. وقال إنه كان تجمعه علاقة جيدة بالعاملين في المحكمة خلال سنوات إقامته في أدرنة، وإنه يرغب في إقامة علاقة جيدة مع الشخصيات رفيعة المستوى، وكان يضيف "واليوم علاقتي جيدة بالزعماء السياسيين".
عقب وفاة أوزال، أولى رئيس الجمهورية سليمان ديميريل دعما كبيرا بأنشطة منظمة غولن خارج تركيا. وقال غولن عن علاقته بديميريل الذي التقاه عدة مرات "علاقتنا جيدة، التقينا عدة مرات، ولو أنها قليلة. اتصل بي عندما كنت أتلقى العلاج في الولايات المتحدة. هذا الرجل فرصة جيدة بالنسبة لتركيا".
يبرر غولن لقاءاته المتكررة بالسياسيين برغبته في "تأسيس لوبي". ويقول إنه التقى تانسر تشيللر 3 – 4 مرات، ومسعود يلماز 3 – 4 مرات، وبولنت أجاويد 3 مرات، ودنيز بايكال 2 – 3 مرات، ونجم الدين أربكان 2 – 3 مرات، ويؤكد على وجه الخصوص أنه تجمعه علاقة وطيدة بتشيللر التي حضرت مراسم افتتاح مؤسسة آسيا للتمويل.
تحدث نور الدين فرن عن علاقة تانسو تشيللر بغولن، وقال إن تشيللر قدمت إلهيم دعما كبيرا خلال مرحلة تأسيس مؤسسة آسيا للتمويل على وجه الخصوص. ويسوق فرن الادعاءات التالية بشأن علاقتهم بتشيللر "بعدما جمع لقاء سري تانسو وأوزر تشيللر بفتح الله غولن في مقر رئاسة الوزراء، قالا له "كيف يمكن أن نساعدكم؟ هل لديكم طلب تعتقدون أننا كحكومة يمكن أن نساعدكم في تنفيذه؟" حتى أنهما اقترحا أن ننضم كجماعة لحزبهما. حتى إن تانسر تشيللر قالت "يمكنكم أن تملؤوا 33 مقاطعة، يمكنكم أن تنقذوا تلك المناطق من أيدي تلك المافيا وعديمي الأخلاق بفضل كوادركم". وبعدها اتخذت قرارا لإلغاء جميع المقاطعات في إسطنبول، وطلبت مني أن أقدم لها قائمة بالأسماء المقترحة خلال أسبوع".
كان أجاويد قد أعرب عن غضبه بسبب تحذيرات المؤسسة العسكرية بشأن غولن خلال اجتماع مجلس الأمن القومي عام 1998. (نقطة جانبية – الجانب الأيسر)
يقول نور الدين فرن إن تانسو وأوزر تشيللر التقيا غولن مرات عديدة خلال مرحلة تأسيس مؤسسة آسيا للتمويل في مراكز FEM التعليمية في آلتوني زاده وبوزياكا. ويشير إلى أن أوزر تشيللر قال لغولن خلال أحد اللقاءات "أريد أن أنشئ مؤسسة مالية لكم يا أستاذ، فمؤسسة كهذه ستفيدكم كثيرا. لأن الدولة لو دققت بشأن الأموال غير المسجلة هذه ستكون خسارتكم كبيرة، بل تكون أكبر عملية وأكبر خسارة لكم بسبب تلك الأموال "، مضيفا أن غولن قبل ذلك العرض. ويقول فرن إن أوزر تشيللر أضاف "أسرعوا بإصدار قراركم لأساعدكم ونؤسس تلك المؤسسة المالية"، مشيرا إلى أن غولن هو من اختار اسم مؤسسة آسيا للتمويل خلال تلك اللقاءات. ويفيد فرن بأن رجل الأعمال تحسين تك أوغلو نقل تشيللر بطائرته الخاصة إلى أوزبكستان لتأسيس مؤسسة آسيا للتمويل التي أسست بفضل الدعم الكبير من تشيللر التي شاركت هو وزوجته مع غولن في مراسم الافتتاح.
كانت هناك علاقة غريبة تجمع غولن بأجاويد أحد أبرز شخصيات التيار اليساري في تركيا. وكانت ثمة علاقة وطيدة تجمع غولن بأجاويد مثل علاقته بعدد كبير من السياسيين في تركيا خلال سنوات التسعينيات. وكان أجاويد قد قدم دعما كبيرا للمدارس التي يفتتحها أعضاء منظمة غولن في الخارج، كما لم يبخل بالدعم المعنوي لغولن عن طريق الدفاع عنه وعن تنظيمه في أي نقاش يدور حوله مستشهدا دوما بمدارسه. كما أجرى أجاويد وهو رئيس للوزراء زيارة لإحدى مدارس منظمة غولن في بلجيكا خلال جولة له، وبذلك أوصل رسالة واضحة لتركيا يوجه عام ومؤيديه من اليساريين بوجه خاص. ولقد دارت نقاشات كثيرة حول غولن وأنشطته خلال تلك الفترة، لكن غولن لم يكن يمثل خطرا بالنسبة لأجاويد الذي كان يرى أن غولن كان يولي اهتماما بألا يصدر منه أي تعليق معاد للعلمانية، وأنه لم يكن يحمل انطباعا بأنه يمكن أن يمثل تيارا غير عصري. ويقول جودت صارال، المدير العام السابق لأمن أنقرة، إنه عندما أطلع نائب رئيس الوزراء وقتها مسعود يلماز عام 1998 على التقرير الذي أعده بشأن محاولات أعضاء منظمة غولن للتسلل إلى مفاصل مديرية الأمن، حذره يلماز بقوله "أجاويد حساس بشأن هذا الأمر، ولهذا فإن تحقيقا كهذا لن يجري بشكل صحيح".
قال جودت صارال، المدير العام السابق لأمن أنقرة، الذي قدّم معلومات إلى لجنة التحقيق بالانقلابات عقب محاولة الانقلاب الفاشلة 15 يوليو/تموز، إنه كُلّف بإعداد تقرير عن فتح الله غولن عام 1999، وإنه فحص جميع الكتب وأشرطة الكاسيت التي نشرت عن غولن حتى اليوم.
لفت صارال إلى أن غولن والجماعة التابعة له حاولوا السيطرة على الدولة من قمتها في سنوات الألفينات، وأضاف "أبلغني الفريق رشاد تورغوت، رئيس دائرة مبادئ التخطيط برئاسة أركان الجيش آنذاك، خلال لقاء معه بأن التقرير الذي أعددناه نفعه كثيرا. وعندما سألته بأن التقرير لم ينفعنا، فكيف نفعه؟ فأجاب "لو لم يكن هذا التقرير بين أيدينا لكان أجاويد فرض علينا غولن كرئيس للجمهورية". وعندما سألته بقولي "لكن كيف كان أجاويد سيقدمه كرئيس للجمهورية وهو حتى لا يملك الشهادة الابتدائية؟"، رد بقوله "هذه أمور من السهل حلها".
كان أجاويد قد أعرب عن غضبه بسبب تحذيرات المؤسسة العسكرية بشأن غولن خلال اجتماع مجلس الأمن القومي عام 1998. قال أجاويد معارضا لأراء قادة الجيش ومشيرا إلى صداقته بغولن "إنكم تطلقون هذه الأحكام من منطلق ماضي غولن، لكن الناس يمكن أن يتغيروا ويتطوروا". كان غولن يرى أجاويد مقربا إليه لدرجة أنه زاره في بيته. وتقول راهشان زوجة بولنت أجاويد، في لقاء لها مع قناة خبر تورك، إن غولن زارهم في بيتهم، وإنه وزوجها تناقشا حول الشأن التعليمي. وقد تعرض أجاويد وحزب اليسار الديمقراطي لنقد بسبب العلاقة مع غولن، لكن أجاويد كان يرد قائلا "غولن لا يعطي انطباعا بأنه يمثل تيارا غير عصري".
كان أجاويد هو أكبر داعم لزيارة غولن إلى الفاتيكان؛ إذ اتصل بالسفير التركي في إيطاليا وطلب منه تقديم كل أنواع الدعم لغولن. كما تناولت وسائل الإعلام بالتفصيل كيف أن أجاويد هو من أوصى غولن بالانتقال إلى الولايات المتحدة عقب رفع دعوى ضده عام 1999.
لقد عبر غولن كذلك بكل صراحة عن وجهة نظره بينما كان يحكي موقف أجاويد منه ومن تنظيمه؛ إذ قال "لم يصم أو يصلي أجاويد طيلة حياته، لكن إيمانه كان راسخا. ولد في بيئة ديمقراطية اجتماعية، وفرض عصمت إينونو تيار يسار الوسط. دعم مدارسنا كثيرا، وكان قد شعر بحجم المسؤولية. وعندما وضعوا ملفا أمامه دفعه ولم يطالعه. فلو وهبني الله إمكانية الشفاعة في الآخرة فسيكون أجاويد هو أول من أستخدمها من أجله".
كان النقاش حول العلمانية والخوف من الرجعية هو أكثر المواضيع الحساسة التي كانت تشغل أجندة الدولة في تركيا طيلة سنوات التسعينيات. وكانت هناك مساع لإعادة تشكيل الحياة السياسية من خلال ذلك الخطاب الذي مهد الطريق أمام التطورات التي أفضت في النهاية إلى انقلاب ما بعد الحداثة عام 1997. فمن ناحية كان ثمة قلق من إرساء دعائم نظام ديني كالذي في إيران، ومن ناحية أخرى التهب النقاش حول العلمانية من خلال مسألة حظر الحجاب. كما تسبب البعد الذي وصل إليه الخطاب حول الرجعية إلى اعتبار عدد كبير من الجماعات والتوجهات الدينية تهديدا قوميا. وكانت الرجعية تشكل ثاني أكبر قلق للأمن القومي في تلك الحقبة بعد الإرهاب. حتى أن الرجعية تحولت بالنسبة للجيش والكتلة الكمالية إلى أهم مشكلة تهدد الأمن القومي.
كان ثمة عنصران أساسيان ركزت عليهما النقاشات الدائرة حول الرجعية في تلك البيئة. أول هذين العنصرين وأهمهما هو حزب الرفاه الذي نجح في دخول البرلمان بعد انتخابات عام 1991 وحصد المركز الأول في انتخابات عام 1995، وثانيهما هو فتح الله غولن وجماعته وسائر الجماعات الأخرى. وكان مما أثار قلق الكماليين هو أن رجب طيب أردوغان المنتسب إلى حزب الرفاه انتخب كرئيس لبلدية إسطنبول في الانتخابات المحلية عام 1994. وكانت أكثر المواضيع المثيرة التي تشغل الرأي العام في تركيا هي أنه في حالة زيادة قوة حزب الرفاه، الذي يواصل صعوده بزعامة أربكان، وتوليه السلطة فإنه سيرغب في توطيد علاقات تركيا السياسية مع دول الشرق الأسوط وفي مقدمتها إيران. ولقد تسبب الخطاب الذي تبناه حزب الرفاه والصعود الذي حققه في إثارة القلق الشديد لدى بعض الأوساط. كما تحولت مخاوف الرجعية التي زادت مع هذه الأوضاع مع الوقت إلى ما يشبه "مطاردة الساحرات".
في الوقت الذي كانت فيه المناقشات تدور دوما في تلك الفترة حول حزب الرفاه، كان الوضع مختلفا بالنسبة لأعضاء منظمة غولن الذين كانوا مصدر إزعاج بالنسبة للمؤسسة العسكرية وبعض الأوساط الكمالية، إلا أنهم كانوا بمثابة شريك معتدل يمكن التفاوض معه. وكان السياسيون يدعمون أنشطة أعضاء منظمة غولن داخل تركيا وخارجها باستمرار. لقد واصل غولن لقاء العديد من السياسيين وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية ديميريل، كما تطورت العلاقة بين غولن وتشيللر ويلماز وأجاويد بمرور الأيام. وفي الوقت الذي كانت المؤسسة العسكرية تعارض بشراسة أربكان بدعم من القائد الأعلى ديميريل، كانت تقف على الحياد تجاه غولن وحركته التي لم يكن ديميريل يسمح لأحد بانتقادها.
كان حزب الرفاه بالنسبة للسياسيين الأتراك منافسا سياسيا في الوقت الذي كان فيه غولن بالنسبة لهم شخصا مؤثرا يمكن التعاون معه في الداخل والخارج. ولقد أفضت هذه الوضعية إلى تركيز خطاب الرجعية على حزب الرفاه ونجاة أعضاء منظمة غولن منه. (نقطة هيكلية)
كان السياسيون يعتبرون أن أعضاء منظمة غولن – في الواقع – ليس لديهم أي موقف يعادي العلمانية؛ إذ كانوا ينظرون إليهم على أنهم جماعة معتدلة. وكان أجاويد يرد بحزم على النقاشات التي تدور حول غولن، ويقول إن مدارس الحركة خارج تركيا تعلق صور أتاتورك على جدرانها، وطلابها يتلون النشيد الوطني التركي، وكان يساءل "أين الرجعية في ذلك؟" وكان أجاويد يؤكد أنه يؤمن بشرعية مدارس غولن، ويقول "هل يرغب ذلك الرجل في نقل الرجعية إلى تلك البلدان من خلال هذه المؤسسات المحترمة؟ لولا هذه الجهود لكانت الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى وخاصة أذربيجان قد دخلت تحت سيطرة النظام الأصولي في إيران وتأثير السعوديين. من الطبيعي أن يشعر البعض بالقلق من مصادر التمويل الاستثنائية، لكن أحدا لا يستطيع أن يدعي أن هذا التمويل يأتي من مصادر مشبوهة أو دول أخرى. إن الشك يقود إلى تقدم العلم، لكنه خطير أن يتحوّل إلى أحكام مسبقة. هم يقولون إن الحكومة يمكنها إرسال مراقبين إلى مدارسهم الموجودة داخل تركيا. كما أن لديهم نظرة معتدلة للغاية بالنسبة لمسألة الحجاب، يقولون إن هذه مسألة فرعية لا داعي لتضخيمها. وما بقي هو أن غولن لا يرتدي رابطة العنق، لكن كل من حوله يرتدونها".
بينما كان عدد كبير من السياسيين الأتراك، وفي مقدمتهم أجاويد، يرون أن أعضاء منظمة غولن يُعتبر تيارا مشروعا يجب دعمه، كان حزب الرفاه بالنسبة إليهم تيار يمكن أن يشكل تهديدا بصفته منافسا سياسيا والسياسات التي سينتهجها إذا ما تمكن من الوصول إلى السلطة. وفي الوقت الذي كانت فيه المؤسسة العسكرية والسياسيون تتفقان بشأن حزب الرفاه، كانتا تختلفان بشأن أعضاء منظمة غولن. ولقد ظهر هذا الأمر جليا أكثر عندما وصل حزب الرفاه إلى السلطة عام 1997. وبينما كانت النقاشات تركز على حزب الرفاه وبعض الجماعات الدينية، استطاع غولن أن ينأى بنفسه عن تلك النقاشات بفضل موقفه الحذر من أربكان.
كان غولن قد استهدف رئيس الوزراء أربكان في لقاء تلفزيوني خلال فترة انقلاب 28 فبراير/شباط قائلا "لقد فشلتم، فاتركوا الحكم!" (نقطة جانبية – الجانب الأيسر)
وصل النقاش حول مسائل كالرجعية والحجاب إلى الذروة عقب تولي أربكان رئاسة الوزراء وتشيللر وزارة الخارجية عام 1997. وأما غولن فقد وجه رسائل معتدلة إلى الأوسط العلمانية بشأن مسألة الحجاب بقوله "الحجاب مسألة فرعية". وأما الجيش فكان يسعى خلال تلك الفترة لتوجيه دفة السياسة من خلال قرارات مجلس الأمن القومي وتأسيس نظام وصاية على المؤسسات السياسية. تابع أعضاء منظمة غولن تنظيم أنفسهم وفعالياتهم داخل تركيا وخارجها في هذه الأوضاع الفوضوية التي كان تعيشها السياسة التركية. غير أن زيادة حدة خطاب الرجعية بدأ يؤثر كذلك في أعضاء منظمة غولن منذ نهاية عام 1998.
استغرق اجتماع مجلس الأمن القومي يوم 28 فبراير/شباط 1997 تسع ساعات، وأكد المشاركون في القرارات التي اتخذوها أن العلمانية هي ضمان الديمقراطية وسيادة القانون في تركيا. أبلغ المجلس الحكومة بقرارات التوصية التي اتخذها، لكن أربكان لم يوقع على تلك القرارات التي استهدفت الوسط المتدين في تركيا. وكان موقف أربكان هذا سببا في تحرك الجيش والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والحكومة وعلى رأسها رئيس الجمهورية سليمان ديميريل. ولقد بدأ الجيش محاولة الانقلاب ما بعد الحداثي بعدما سلم الحكومة إنذارا بشأن خطاب الرجعية بتأثير من الرأي العام. ولقد رفع النائب العام بالمحكمة العليا فورال صاواش دعوى لإغلاق حزب الرفاه بتاريخ 21 مايو/أيار 1997 متحججا بأن "تركيا تمشي إلى حرب أهلية". وقد استدعي رؤساء وأعضاء المحكمة الدستورية والمحكمة العليا ومجلس الدولة يوم 10 يونيو/حزيران إلى رئاسة هيئة أركان الجيش، وتسلموا بيانا موجزا بشأن مسألة الرجعية. بالرغم من الإسهامات التي قدمها أربكان لخروج تركيا من أزمتها خلال فترة قصيرة لم تتعد 6 أشهر، خصوصا في مجال الاقتصاد، فقد قرر تقديم استقالته بعدما رأي أن شريكته في الحكومة تشيللر لن تستطيع مقاومة ضغوط الجيش والإعلام. ولقد قدم أربكان استقالته يوم 18 يونيو/حزيران 1997 عقب ملاحظته أن الضغوط الممارسة على الحكومة بدأت تنساق نحو تطورات خارجة عن إطار السياسة. من جانبه كلف رئيس الجمهورية ديميريل مسعود يلماز بتشكيل حكومة جديدة بدلا من تشيللر بالرغم من الاتفاق المتفق عليه قبل استقالة أربكان.
العبارة الحاسمة لانقلاب ما بعد الحداثة: "لقد فشلتم، فاتركوا الحكم!"
كان فتح الله غولن هو العنصر الآخر الذي دعم الانقلاب الذي أسقط حزب الرفاه عن السلطة بفضل تفوق خطاب الأوساط العلمانية – الكمالية؛ إذ اعتبر غولن الانقلاب حدثا شرعيا. كان غولن قد مدح الجيش في مقال له بمجلة سيزنتي إبان انقلاب 1980، وها هو هذه المرة كذلك يؤيد الجيش في انقلابه ضد حكومة أربكان. وكان غولن قد استهدف أربكان في برنامج تلفزيوني شارك به إبان أحداث انقلاب 1997 وطالبه بالاستقالة بعدما خاطبه قائلا "لقد فشلتم، فاتركوا الحكم!" وفي اليوم التالي أوردت الصحف المؤيدة للانقلاب على صدر صفحاتها تصريحات غولن الذي كشف تأييده للجيش من خلال دعوته للحكومة؛ إذ أفاد بأنه إما ستكون هناك انتخابات جديدة أو يمكن أن تستقيل الحكومة. ووصف غولن قرارات مجلس الأمن القومي يوم 28 فبراير/ِشباط بقوله "لو أخطأ مجلس الأمن القومي فهو خطأ اجتهاد. لو أخطأ فله ثواب، ولو أصاب فله ثوابان". وكان يرى أن أربكان الذي "لم يكن يتفق معه أبدا" كان يمارس أعمالا تضر بالإسلام. كما كان غولن يرى أن هناك جماعات أخرى تضر بالإسلام مثل حركة حماس التي تعتبر رمز المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، وجماعة الإخوان المسلمين التي تتمتع بتأييد عريض في العالم الإسلامي.
Video: فتح الله غولن زعيم تنظيم غولن: أتفاهم مع الجيش بشكل جيد منذ القدم
انحازت جريدة زمان التابعة لغولن للجيش عندما نشرت عنوانا رئيسا حمل عبارة "نهنئكم" في إشارة إلى الحكومة الجديدة التي شكلت عقب انقلاب 28 فبراير/شباط الذي أسفر عن استقالة أربكان. كما أرسل غولن خطاب احترام إلى الرئيس الثاني لهيئة الأركان تشفيك بير الذي يعتبر من أبرز كوادر الانقلاب، والذي نسق المحتوى الذي استخدمته وسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب، وأشار غولن في ذلك الخطاب إلى وضعية المدارس وقال إنها تقرن باسمه "بالخطأ". وأضاف "إن هذه المدارس تقدم خدمات تعليمية متوافقة تماما مع النظام التعليمي التركي، ولو مورست فيها أنشطة تتعارض مع خصائص دولة القانون التركية العلمانية والمستقلة، فإنني سأكون، قبل الحكومة، من يشجع على إغلاقها بصفتي أحد الذين شجعوا على تأسيسها".
التقى غولن البابا جان بول الثاني بتاريخ 9 فبراير/ِشباط 1999، حيث استقبله البابا وكأنه شخصية مهمة. فيما وصف غولن الزيارة بأنها خطوة كبيرة من أجل الحوار بين الأديان. وخلال ذلك اللقاء الذي استغرق 30 دقيقة، أقدم علاء الدين كايا، أحد الأسماء المقربة من غولن، على تقبيل يد البابا، ما تسبب في إثارة النقاشات في الرأي العام التركي لسنوات طويلة. (نقطة هيكلية)
سافر غولن إلى نيويورك في سبتمبر/أيلول 1997 حيث التقى كاردينال نيويورك جون أوكونر الذي يعتبر من أهم كاردينالات العالم الكاثوليكي. ويقال إن أوكونر، المعروف بأنه اليد اليمنى للبابا، مدح خلال اللقاء أفكار غولن بشأن الحوار بين الأديان. وأما كواليس ذلك اللقاء فكانت مثيرة للغاية.
حظي ذلك اللقاء الذي أجراه غولن قبيل زيارة الفاتيكان بأهمية كبيرة. وكان غولن قد صرح بشأن هذا اللقاء "نتافهم بشكل جيد مع جماعة اليهود، كما عقدنا لقاء مع بارثولماوس الذي سافر إلى الولايات المتحدة عقب اللقاء، كما سنحت لنا فرصة مقابلة الكاردينال أوكونر". وأشار غولن إلى أنه عقد لقاء مع جماعة اليهود في الولايات المتحدة، مضيفا أنهم قالوا له "نريد دعم المدارس التي ستفتتحونها في الولايات المتحدة".
قال غولن في لقاء تلفزيوني اسمه "النقطة الأساسية" قدمه طه آكيول وجنكيز تشندار على قناة إن تي في عام 1998 إنه تلقى خطابا من هيلاري كلينتون زوجة الرئيس الأمريكي حينها بيل كلينتون والتي ترشحت بعد ذلك في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وأضاف أنه رد على ذلك الخطاب بخطاب، كما أرسل لها مجموعة من الهدايا.
التقى غولن البابا جان بول الثاني بتاريخ 9 فبراير/ِشباط 1999، حيث استقبله البابا وكأنه شخصية رفيعة المستوى. فيما وصف غولن الزيارة بأنها خطوة كبيرة من أجل الحوار بين الأديان. وخلال ذلك اللقاء الذي استغرق 30 دقيقة، أقدم علاء الدين كايا، أحد الأسماء المقربة من غولن، على تقبيل يد البابا.
قال غولن إنه قدّم إلى البابا جيان بول الثاني ثلاثة مقترحات خلال اللقاء، وكان الأول هو تذكيره بدعوة الرئيس التركي ديميريل لزيارة تركيا، والثاني هو مقترح تأسيس جامعة مستقلة تلبي احتياجات الديانات السماوية الثلاث في حران، وأما الثالث فكان مقترحا متعلقا بالقدس. كما أفاد غولن بأنه إذا أراد البابا زيارة القدس فإنه سيبذل قصارى جهده لتحقيق هذه الرغبة من خلال لقاء الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ومسؤولي رئاسة الشؤون الدينية في تركيا. وقال غولن في تصريح لاحقا "تمنيت الموت على أراضي الفاتيكان المقدسة". ويضيف أن جميع تلك الأفكار أوصلت إلى البابا وكذلك القنصل. تسبب لقاء غولن مع بابا الفاتيكان في نزع فتيل نقاشات مطولة في تركيا، كما تطور حوار غولن مع الغرب أكثر بعد ذلك اللقاء. ولقد واصل غولن توطيد علاقته مع الغرب كذلك عقب هروبه إلى الولايات المتحدة عام 1999.
لا شك، كما جاء في التقارير، أن المؤسسة الأمنية كانت أكثر من مؤسسة حكومية ركز عليها أعضاء منظمة غولن للنفوذ إليها. كما اعتبروا الجيش كقوة بديلة، ولهذا فقد نظموا أنفسهم داخلها، ما كان سيمهد الطريق أمامهم لاختراق سائر مؤسسات الدولة الأخرى. (نقطة أساسية)
أطلق أنصار غولن أنشطة الهيكلة داخل المؤسسة الأمنية في سبيل الوصول إلى أهدافهم الإستراتيجية التي وضعوها خلال سنوات الثمانينيات، وحتى عام 1986 كان هناك عدد كبير منهم قد نجح في دخول المؤسسة. ولقد نظم غولن بنفسه تلك الاختراقات للمؤسسة الأمنينة في اجتماعات عقدت في منطقة آلتوني زاده بإسطنبول، كما شهد ذلك المركز عقد عدة لقاءات واجتماعات مهمة قبل هروبه إلى الولايات المتحدة. ويشير لطيف أردوغان إلى أن من بين الشخصيات التي التقاها غولن في تلك الفترة كان هناك كوادر عسكرية وضباط، موضحا أن مركز FEM للدروس الخصوصية الكائن في منطقة آلتونيزاده صمم بشكل يتناسب مع استقبال تلك اللقاءات، ويضيف أن غولن أمر ببناء طابق خاص (الطابق الخامس) خصيصا للقاء الشخصيات التي كان يرغب بلقائها. ويلفت لطيف أردوغان إلى أن الأشخاص الذين أتوا للقاء غولن استخدموا أسماء رمزية بشكل عام، وأن غولن هو فقط من كان يعلم أسماءهم الحقيقية.
ومن ناحية أخرى أعد عدد من الهيئات الحكومية والبيروقراطيين تقارير حول أنشطة اختراق أعضاء منظمة غولن لمؤسسات الدولة. غير أن تلك التقارير كانت، لسبب ما، إما لا تأخذها النخب السياسية بعين الاعتبار، أو يجري تعطيل فعاليتها. وكانت تلك التقارير تفيد صراحة بأن أعضاء منظمة غولن بدؤوا يتمركزون داخل مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الأمن والجيش والقضاء والدرجات الإدارية، اعتبارا من مطلع الثمانينيات. وكان الموضوع الأساسي في تلك التقارير هو اختراقات المؤسسة الأمنية والهيكل الهرمي للتنظيم.
كان خبر رئيسي نشرته صحيفة صباح في شهر ديسمبر/كانون الأول 1986 قد لفت الانتباه مرة أخرى إلى هذه المنظمة؛ إذ أشارت الجريدة إلى أن غولن، الذي نعتته بوصف "خميني تركيا"، استطاع إقحام طلابه إلى الثانويات العسكرية والمدارس الحربية، وأنه نجح في استمالة بعض الضباط. ولقد كشف هذا الخبر أن أعضاء منظمة غولن بدؤوا منذ مطلع الثمانينيات محاولاتهم لاختراق عدد من المؤسسات الحكومية في تركيا وفي مقدمتها القوات المسلحة. غير أن أحدا لم يلق بالًا لهذا النوع من الأخبار حتى كشفت المنظمة نفسها بنفسها بشكل كبير. كما أن الحديث عن محاولات أعضاء منظمة غولن لاختراق المؤسسات الأمنية بدأ يزيد بشكل كبير منذ مطلع التسعينيات.
لقد عزل أونال أركان الذي فك شفرة منظمة غولن الإرهابية. وكان عام 1991 قد شهد أول تطور ملفت بشأن الكيان الذي شكله أعضاء منظمة غولن داخل المؤسسة الأمنية؛ إذ تلقى أونال أركان، مدير الأمن العام الذي عينه وزير الداخلية آنذاك مصطفى قلملي، شكاوى بشأن أكاديمية الشرطة التي كانت قد فتحت أبوابها لاستقبال طلاب في الصفين الأول والنهائي من الخارج بعد تعديل في اللوائح أجري عام 1991. وكانت الشكاوى التي تلقاها أركان تفيد بأن التعديل المذكور سهل محاولات اختراق أعضاء منظمة غولن للمؤسسة الأمنية، وأن أعضاء منظمة غولن أصبحت أبرز مرشح في تعيينات إدارات الاستخبارات والموظفين والاتصالات بمديرية الأمن على وجه الخصوص.
ولقد لاحظ أركان من خلال التحريات التي أجراها أن أعضاء منظمة غولن عملوا على ضمان تعيين رجالاهم في الوحدات الإستراتيجية المهمة خلال القرعات التي أجريت في مديرية الأمن. فأصدر أركان تعليماته ببدأ تحقيق حول الواقعة وإطلاق عملية واسعة النطاق، لكنه عزل بعد تسعة أشهر فقط من توليه منصبه خلال فترة كانت العمليات فيها مستمرة، وعين في حاكمية حالة الطوارئ. وعقب عزل أركان، أعيد إلى وظيفته كل من عزل من منصبه بسبب ارتباطه بغولن. وأما ملفات التحقيق التي فتحها أركان فقد اختفت تماما.
لا شك، كما جاء في التقارير، أن المؤسسة الأمنية كانت أكثر مؤسسة حكومية ركز عليها أعضاء منظمة غولن للنفوذ إليها. كما اعتبروا الجيش كقوة بديلة، ولهذا فقد نظموا أنفسهم داخلها، ما كان سيمهد الطريق أمامهم لاختراق سائر مؤسسات الدولة الأخرى. ورد التشديد على اختراق أعضاء منظمة غولن للمؤسسة الأمنية للمرة الأولى في تقرير حمل عنوان "الأنشطة غير المشروعة لبعض العناصر الأمنية" الذي أرسله تونجر مريتش، رئيس دائرة الاستخبارات بمديرية الأمن العام، إلى رئاسة لجنة التفتيش عام 1992. وأفاد التقرير بأن أعضاء منظمة غولن يزاولون أنشطتهم خصوصا في المدارس والكليات الشرطية وأكاديمية الشرطة، ولفت إلى أن نصف طلاب كلية الشرطة في أنقرة تربطهم علاقة بجماعة غولن. وأشار مريتش في تقريره إلى مخطط اختراق الأماكن المهمة في الدوائر الحكومية وما بدأ منظمة بتطبيقه اعتبارا من قاعدته في إطار الإستراتيجية الأساسية التي انتهجها خلال عملية التمركز داخل مؤسسات الدول، وقال إن كمال الدين أوزدمير يواصل عملية منظمة في إطار توجيهات غولن. وكان ذلك التقرير قد أرسل إلى نائب محاكم أمن الدولة، لكنه منع من التنفيذ طيلة 6 سنوات. وعقب مرور تلك الفترة، أزيلت الادعاءات الواردة في التقرير من سياق الجرائم مع إلغاء المادة 163. ولقد أصدر نائب محاكم أمن الدولة طلعت شالك قرارا بعدم الملاحقة بحق التقرير بموجب التعديل الذي أدخل على المادة 163 عام 1997.
أعد جودت صارال وعثمان آق بتاريخ 16 أبريل/نيسان 1999 أكثر التقارير المثيرة بشأن اختراق أعضاء منظمة غولن للمؤسسة الأمنية. حمل التقرير اسم "فتح الله غولن وطريقة إيشيق" ليكشف للعيان محاولات أعضاء منظمة غولن للنفوذ إلى المؤسسة الأمنية، وكان التقرير يشير إلى أن عصرا جديدا على وشك البدء. ولقد جرت تصفية صارال وفريقه عقب هذا التقرير نتيجة مكيدة كبيرة أعدت لهم. وقد كشف في مقدمة ذلك التقرير بشكل مفصل أهداف أعضاء منظمة غولن ومحاولاتهم لاختراق الجهاز الأمني.
ورد في تقرير حمل اسم "حركة الخروج"، أعد عام 2000، أن أعضاء منظمة غولن بدؤوا محاولتهم للنفوذ إلى مفاصل الدولة. (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)
وأفاد صارال في تقريره بأن غولن استخدم في مقالاته كثيرا من المصطلحات العسكرية، وبأنه – أي غولن – أخذ يعرّف من بايعوه من خلال كلمات مثل "الفارس، الجندي، الجبهة، الجيش". ويشير صارال إلى أن غولن قال في كتابه "لقد مر 40 – 45 عاما من سنوات الخمسينيات، ومن كان عمره 10 سنوات حينها لو كان درس المرحلة الجامعية في وقته لكانوا اليوم في القمة أو في تخصصات تصل إلى القمة. ولكان من كان عمره 20 عاما وقتها قد أصبح في عمر 60 – 65 عاما، وهذا يعني أنهم يعيشون أكثر فترات حياتهم نضجا في مستوى رؤساء الوزراء والجمهورية". ولفت صارال إلى نقطة مهمة بشأن غولن قال فيها "نفهم من ذلك أنه يسعى للسيطرة على الدولة على أعلى المستويات من خلال كوادره التي تتمتع بأهمية أخرى".
ورد في ختام الفصل الثاني من التقرير معلومات مفزعة تشير إلى ما حدث في هذه الأيام؛ إذ جاء في تقرير صارال وفريقه "إذا تأخر اتخاذ التدابير اللازمة، فلن يكون من الخطأ الإشارة إلى أننا احتمال أن نشهد أكثر التمردات المتسترة بستار الدين جدية وخبثا وشمولا وخطورة، تلك التمردات التي شهدها التاريخ بدءا من تمرد البابائيين وحتى ثورات الشيخ بدر الدين والشيخ سعيد".
ولقد رفعت أول دعوى حول أعضاء منظمة غولن في تاريخ 21 أبريل/نيسان 1999 من قبل النائب العام نوح مته يوكسل في إطار تقرير صارال وفريقه. كما أعد صبري أوزون تقريرا بتاريخ 5 مايو/أيار 1999 حمل عنوان "جماعة فتح الله غولن". وتضمن هذا التقرير التقييمات الواردة في كتاب "المذاهب والطرق والتيارات الدينية في الإسلام" الذي أعدته رئاسة دائرة الاستخبارات عام 1996، وكذلك نشرة الاستخبارات التي أعدت في يوليو/تموز 1998 في ضوء تلك التقييمات. وشدد التقرير على أن أعضاء منظمة غولن يُعتبرون من حيث أنشطتهم هم أكبر "جماعة" دينية في تركيا، كما تضمن هذا التقرير معلومات تتعلق بالمدارس ووسائل الإعلام والهيكل الهرمي الخاص بالجماعة والجهات الداعمة لها.
وأما التقارير الأخرى المعدة عن أعضاء منظمة غولن فتعرف بالدراسات التي أعدها مصطفى آيدن، رئيس دائرة الاستخبارات بالمديرية العامة للأمن، بتاريخ 12 يوليو/تموز 1999 و16 أغسطس/آب 1999. وقد أورد آيدن في التقارير الذي أرسلها إلى النيابة العامة لمحاكم أمن الدولة في أنقرة معلومات حول أنشطة أعضاء منظمة غولن و"أئمتهم". وأفاد آيدن في التقرير الذي كتبه بتاريخ 12 يوليو/تموز 1999 بأن غولن شجع أنصاره للتكتل داخل مؤسسات الدولة وعلى رأسها القضاء والمؤسسات المدنية من أجل الوصول إلى أهدافه. وأما في التقرير الثاني الذي أعده بتاريخ 16 أغسطس/آب 1999 أورد آيدن معلومات حول أنشطة أعضاء منظمة غولن في مختلف مدن تركيا، كما كتب بالتفصيل أسماء الأشخاص الواردة في مجلس التشاور الذي أسسه أعضاء منظمة غولن. وكان من بين هذه الأسماء: معمر إحسان كالكافان، لطيف أردوغان، علي رضا تانريسفر، أورهان أوز أوكور، ناجي طوسون، نوزاد آيفاجي، شعبان غلبهار، محمد دنيز كاتيرجي، إسماعيل بويوك شلبي، إحسان إيشبيلن، محمد أردوغان توزون، محمد تشليكال، أحمد آك. كما تضمن التقرير الأنشطة السرية التي يزاولها أعضاء منظمة غولن في عدة محافظات تركية. ولقد أرسل هذا التقرير إلى النائب العام بمحاكم أمن الدولة في أنقرة نوح مته يوكسل.
وبحلول شهر أكتوبر/تشرين الأول 2000 أرسل رئيس دائرة الاستخبارات بالمديرية العامة للأمن مظفر أركان مذكرة إلى محكمة العقوبات الحادية عشر في أنقرة حملت عنوان "أنشطة جماعة فتح الله غولن في عموم تركيا"؛ إذ شدد أركان على الجانب التمويلي للكيان الذي أسسه أعضاء منظمة غولن في عموم البلاد. كما تضمنت المذكرة، التي أرسلت إلى النيابة العامة لمحاكم أمن الدولة، معلومات واسعة حول الشركات والمؤسسات الوقفية ومراكز الدروس الخصوصية والنزل الطلابية المقربة من أعضاء منظمة غولن، فضلا عن معلومات حول مسؤولي تلك الشركات والمدارس، كما اهتمت تلك المذكرة بالتركيز على الهيكل المالي للغولانيين المستند إلى التعليم.
أعد مساعد مدير الأمن العام رمضان أر تقريرا آخر بتاريخ 12 أكتوبر/تشرين الأول 2000. وجاء في التقرير الذي أرسل إلى النيابة العامة لمحاكم أمن الدولة معلومات حول هيكل أعضاء منظمة غولن منظمةي داخل تركيا وخارجها وتأسيس حركتهم وأهدافهم وإستراتيجيتهم وصفاتهم. وأضاف التقرير أن أعضاء منظمة غولن بدأوا محاولة التغلغل إلى مفاصل الدولة مطلع الثمانينيات تحت اسم "حركة الخروج". كما أشير في التقرير إلى أن الحركة استهدفت الشباب في إطار الإستراتيجية التي رسمها غولن، ولهذا فقد سعى القائمون على الحركة إلى استمالة الشباب، وأضاف التقرير أن الحركة تمارس أنشطتها من خلال مؤسسات وهيئات ذات مظهر قانوني، مشددا على أن غولن يريد الوصول إلى السلطة من خلال هؤلاء الشباب الذين أطلق عليهم لقب "الجيل الذهبي".
كان غولن قد أدلى بمعلومات مثيرة للغاية بشأن تغلغل أنصاره داخل الجيش والجهاز الأمني في سلسلة مقالات بعنوان "11 يوما مع فتح الله غولن" نشرتها صحيفة مليت من حوار لغولن مع الصحفي بالجريدة محمد غوندم عام 2005. وقد أجاب غولن على سؤال "هل يوجد من يحبكم داخل الجيش" بقوله "يمكن لبعض الأوساط أن تحبني، لا أستطيع قول شيء عن ذلك. حكى لي أحدهم مرة أنه تقاعد، التقينا في أحد الأماكن، إذ قال لي "أستمع إلى خطبكم، كما أسمعتها إلى عدد من رؤسائي ومرؤوسي".
وكان رئيس دائرة الاستخبارات صبري أوزون قد صرح عام 2005 بأنه فطن إلى أن فريقا بدأ يتوطن داخل الدولة للمرة الأولى. كما أرسل أوزون خطابا عام 2009 إلى فاتح آلتايلي الكاتب بجريدة خبر تورك أشار فيه إلى تغلغل أعضاء منظمة غولن داخل الدولة، وتحدث عن وجود كادر من أعضاء منظمة غولن واسع داخل الجهاز الأمني، وأورد معلومات تتعلق بالخطابات التي تحمل اسم "أرغينيكون" وتلك الخطابات المجهولة.
رفعت أول دعوى ضد غولن والكيان الذي أسسه يوم 21 أبريل/نيسان 1999 على ضوء التقرير الذي أعده جودت صارال وعثمان آك بتاريخ 16أبريل/نيسان من العام نفسه وحمل عنوان "فتح الله غولن وطريقة إيشيق". وكان من رفع الدعوى هو النائب العام بمحاكم أمن الدولة في أنقرة نوح مته يوكسل؛ إذ أراد رافعوها التحقيق بشأن الكيان غير القانوني لأعضاء منظمة غولن داخل الدولة. وقد شبه آك كيان أعضاء منظمة غولن للمرة الأولى بـ"الحشاشين". ولقد بدأت الفعاليات التي تستهدف الفريق الذي أعد التقرير والنائب يوكسل على الفور عقب رفع الدعوى. كما اندلعت "فضيحة تنصت" التي هزت الرأي العام عقب ظهور التقرير يوم 16 أبريل/نيسان بفترة قصيرة.
نشرت الصحف التركية أخبارا عن "عصابة التنصت" في الأيام الأخيرة من شهر أبريل/نيسان عام 1999. وأشارت تلك الأخبار إلى أن الطابق الثامن من مديرية الأمن في أنقرة كان يتنصت على القصر الجمهوري ورئاسة الأركان ورئاسة الوزراء والوزارات والمقرات العامة للأحزاب السياسية والسياسيين والصحفيين. كما لفتت تلك الأخبار إلى أن من كان على رأس "عصابة الدور الثامن" هو مدير أمن أنقرة جودت صارال ونائب مدير الاستخبارات عثمان آك.
وعقب تلك الأخبار التي تناقلتها الصحف، تمّ عزل 34 موظفا أمنيا وعلى رأسهم جودت صارال ومساعده عثمان آك ومدير شعبة الاستخبارات في أنقرة أرسان دالمان ومساعده ظفر آكتاش، ولم يعين هؤلاء الأشخاص مرة ثانية في أي وظيفة رفيعة. عوقب صارال و38 موظفا أمنيا بعدة عقوبات انضباطية. وكان النائب العام بمحاكم أمن الدولة في أنقرة نوح مته يوكسل كذلك من بين الشخصيات المستهدفة. وكان يوكسل يشرح إستراتيجية أعضاء منظمة غولن في لائحة الاتهام التي أعدها بعنوان "تنظيم فتح الله غولن" على النحو التالي: "ترتكز إستراتيجية على استغلال المؤسسات الوقفية والمدارس ومراكز الدروس الخصوصية التابعة لهم وتشكيل قاعدة من الشباب المتعلمين والتغلغل داخل جميع مفاصل الدولة وكوادرها ومؤسساتها البيروقراطية ووزارة التربية والتعليم والجهاز الأمني". وأضاف يوكسل أن أعضاء منظمة غولن تكتلوا داخل الأجهزة الأمنية والقضائية والإدارية للدولة، مشيرا إلى أن هدفهم التالي هو زيادة قوتهم داخل الجيش.
أفاد يوكسل في لائحة الاتهام التي أعدها عام 2000 بأن فتح الله غولن هو زعيم تنظيم إرهابي، ووصف أتباعه بقولهم "يهدفون للوصول إلى مكانة مرموقة داخل الجيش في غضون 10 سنوات من خلال هذه الإستراتيجية التي ينتهجونها من أجل التغلغل". (نقطة هيكلية)
في الوقت الذي هرب فيه غولن إلى الولايات المتحدة واستقر بها عام 1999، ظهرت في تركيا تسجيلات خاصة بالنائب العام يوكسل الذي ترك منصبه بعد فترة قصيرة، ليجري تعطيل الدعوى كذلك. ولقد أنكر غولن جميع الاتهامات الموجهة إليه في أقواله التي أدلى بها في الولايات المتحدة. كما برأت محكمة الجنايات الحادية عشر في أنقرة غولن من التهم المنسوبة إليه بعدما توصلت إلى حكم بعدم تشكل جريمة بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب.
وكان غولن قد تقدّم خلال تلك الفترة بطلب للحصول على إقامة دائمة في الولايات المتحدة. وعقب رفض طلباته التي تقدم بها في التصنيفات المختلفة للتأشيرة الأمريكية، تقدم بطلب في نوفمبر/تشرين الثاني 2006 للحصول على تأشيرة "عامل أجنبي/موظف" التي تمنح لمن يعمل بشكل دائم تحت مسمى "I-140". وكان يجب أن يكون أستاذا فائق النجاح أو باحثا أو عاملا محترفا ليتقدم بطلب كهذا. ولقد رفضت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية هذا الطلب بتاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2007. وبتاريخ 4 يونيو/حزيران 2008 تقدم غولن بطلب جديد إلى المحكمة للحصول على إذن إقامة مستندا إلى 30 خطاب توصية كان من بين من كتبها له مسؤولون بوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) وأكاديميون أمريكيون ومجموعة من أبرز المدافعين عن الحوار بين الأديان.
وكان من بين أبرز تلك الأسماء وأكثرها لفتا للانتباه مدير قسم التحليل بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية جورج فيدس، ومسؤول السي آي ايه وعضو مجلس الاستخبارات الأمريكية غراهام فولر، والسفير الأمريكي السابق في أنقرة مورتون أبرامويتز الذي كان يعرف غولن عن قرب. وقد مدح هؤلاء الأشخاص في خطابات التوصية مدارس غولن وأعماله في مجال الحوار بين الأديان. كما دافع محامي غولن في دعواه عن أن حصول موكله على تصريح الإقامة "سيصب في مصلحة الولايات المتحدة". وفي نهاية المطاف رفضت محكمة الاستئناف اعتراض وزارة الأمن الداخلي بتاريخ 16 يوليو/تموز 2008، ومهدت الطريق لحصول غولن على الإقامة الدائمة بحجة أن "له الحق في ذلك بصفته عالم دين وسياسة".
استطاع أعضاء منظمة غولن تأسيس كادر قويّ داخل الدولة بحلول مطلع الألفية الثالثة. وكان غولن قد بدأ منذ نهاية السبعينيات في تحقيق الحلم الذي حلم به في الستينيات. ولقد بدأت تلك الكوادر تظهر بشكل كبير في سنوات الألفية الجديدة؛ إذ ضمنت كوادر غولن في التغلغل في الأماكن الإستراتيجية مثل أجهزة القوات المسلحة والقضاء والأمن والمؤسسات التعليمية وعالم الأعمال ومنظمات المجتمع المدني.
اكتسب غولن مزيدا من الأهمية برسائل الحوار التي كان يطلقها خلال الفترة التي تلت أحداث 11 سبتمبر/أيلول وزيادة النقاش حول الإسلاموفوبيا والإسلام الراديكالي في الغرب، وصار يتمتع بهوية "الواعظ المعتدل" صاحب التسامح الكبير. (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)
لقد حقق غولن نجاحا كبيرا في طريقه هذا الذي بناه مستندا إلى جيل متعلم، كما وصل في سنوات الألفية الجديدة إلى الهدف الذي كان يسعى إليه بفضل الكيان القوي الذي أسسه ووسائل الإعلام والمصادر المالية التي يسيطر عليها. وبالرغم من ذلك لم يستطع حتى الآن امتلاك القوة المطلقة. لكنه واصل الارتقاء داخل تركيا وعلى المستوى الدولي، حتى وإن كان يقيم بعيدا عن تركيا في الولايات المتحدة، كما زاد من مساحة تأثيره خارج تركيا بفضل المدارس والجمعيات والمؤسسات الوقفية التي افتتحها. ولقد صارت الرسائل التي يبعثها عن السلام والحوار بين الأديان تصل إلى العديد من النقاط حول العالم. وأصبحت صورة غولن في تلك الفترة كالتالي "واعظ تعرض للظلم واضطر لمغادرة بلده بعدما تعرض لضغوط بالرغم من كونه شخصية معتدلة". ولقد أثرت تلك الصورة أنصار غولن وكذلك من يتابعونه على المستوى الدولي.
اكتسب غولن مزيدا من الأهمية برسائل الحوار التي كان يطلقها خلال الفترة التي تلت أحداث 11 سبتمبر/أيلول وزيادة النقاش حول الإسلاموفوبيا والإسلام الراديكالي في الغرب، وصار يتمتع بهوية "الواعظ المعتدل" صاحب التسامح الكبير. وصار يقدم رسائل الإسلام المعتدل، التي يرغب الغرب في سماعها، من مقره في بنسلفانيا التي استقر بها "دون رغبة منه" بعدما "تعرض للظلم". كما بدأت الدول الغربية تقدر أفكار غولن، وشرع هو من جانبه في تقديم نفسه في رسائله إلى الغرب بصفته ممثلا للمجتمع الإسلامي و"شريكا متوافقا". وقد ساهمت تلك الحالة في الارتقاء بمكانة غولن ومدارسه على الساحة الدولية.
كان أهم جانب في الأولمبياد بالنسبة لأعضاء منظمة غولن هو تقديمها إمكانية التعريف بأنشطتهم. وبهذه الطريقة كانوا يقدمون رسائل عالمية من خلال "الأغاني والأشعار" داخل تركيا وخارجها، ويستغلون هذا الأمر في الحصول على دعم قوي على المستوى الدولي. وكانت النقطة الأخرى التي ميزت تلك الفعالية هي حصول أعضاء منظمة غولن على إمكانية التواصل مع عدة أوساط من عالم السياسة والأعمال والرياضة والإعلام ومنظمات المجتمع المدني والمشاهير من خلال الطلاب الذين كانوا يجلبونهم إلى تركيا. ولقد حصلوا على دعم كبير ممن تواصلوا معهم في إطار الأولمبياد، لا سيما من عالم السياسة والأعمال والبيروقراطية. كما انضم العديد من السياسيين والبيروقراطيين في تلك الأولمبياد وصار شاهدا على أنشطة أعضاء منظمة غولن.
كان أعضاء منظمة غولن يسمحون بتجول الطلاب الذين يجلبونهم من خارج تركيا في عدة مدن تركية ليتلقوا العديد من الأسماء المهمة في عالم الأعمال. وبهذه الطريقة نجحوا في توفير المزيد من الدعم المادي لمدارسهم ومؤسساتهم داخل تركيا وخارجها، كما استطاعوا الوصول إلى المزيد من الموارد البشرية والدعم بفضل أنشطة التعريف والدعاية التي كانت تستمر عبر وسائل الإعلام لأسابيع. وكان تلك الأولمبياد، التي كانت شخصيات من عالم الفن والإعلام والرياضة تشارك بها كلجان تحكيم، تولي اهتماما خاصا بتعاليم غولن ورسائله، كما كان المنظمون يقيمون عروض احترام وحب لغولن. وبهذه الطريقة كان القائمون على هذه الفعالية ينظمون دعاية لمدارس غولن وأنشطته من خلال الأسماء المعروفة المشاركة في فعاليات الأولمبياد التي كانت تستضيفها تركيا حتى عام 2013. ومنذ عام 2014 وهذه الأولمبياد تقام في الخارج في دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة تحت مسمى المهرجان الدولي للغة والثقافة.
شهدت تركيا أزمة كبيرة بسبب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية مطلع الألفية الجديدة، وتسببت السياسات الفاشلة للحكومة الائتلافية في غرق تركيا في بحر من المشاكل. ولقد حصل حزب العدالة والتنمية على دعم شعبي كبير بعدما وصل إلى السلطة بفوزه في الانتخابات العامة في نوفمبر/تشرين الثاني 2002، ليبدأ عصر جديد مع رجب طيب أردوغان وعبد الله غُل وبولنت آرينتش ورفاقهم المنحدرين من حركة مللي غوروش (الرؤية الوطنية). وقد أطلق حزب العدالة والتنمية عقب وصوله إلى السلطة، من خلال السياسات التي انتهجها، سلسلة من الإصلاحات الجذرية للتغلب تركيا على مشاكلها. ونجحت تركيا بالفعل في التعافي شيئا فشيئا خلال فترة قصيرة، كما بدأت التقارب مع الاتحاد الأوروبي على مستوى السياسة الخارجية. كما حققت تركيا إصلاحات جدية في طريقها نحو بدء مفاوضات عضوية الاتحاد الأوروبي. وبهذه الطريقة نجح حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان في الإقدام على خطوات جادة في سبيل التخلص من الآثار السلبية التي خلفتها الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد.
غير أن التطورات السياسية التي شهدتها تركيا واستمرار آثار انقلاب 1997 والنقاشات حول الرجعية والوصاية التي فرضها الجيش والقضاء وكذلك النقاش حول العلمانية، كل ذلك كان يجر تركيا إلى نقاشات عقيمة. وفي الوقت الذي فرض فيه على أردوغان حظر سياسي قبل إجراء انتخابات عام 2002، رفع النائب العام بالمحكمة العليا صبيح كاناد أوغلو دعوى يطلب فيها إغلاق حزب العدالة والتنمية قبل 10 أيام من الانتخابات بحجة انتهاكه لقانون الأحزاب السياسية. وكانت الأوساط العلمانية في تركيا تشهر بالانزعاج بسبب انحدار حزب العدالة والتنمية الذي ربح انتخابات عام 2002 من تيار مللي غوروش وكونه حزبا محافظا، إذ كان الحزب يقدم نفسه على أنه حزب ديمقراطي محافظ. وكان القضاء والجيش يصفان نفسيهما بأنها حماة العلمانية في تركيا، كما كانا يران نفسيهما على أنهما الجهة المنوط بها تحديد من هو علماني ومن يعادي العلمانية أو ينتمي إلى الطرف المقابل. ولقد تسببت هذا الوضعية في تشكيل وصاية مباشرة على المؤسسة السياسية في البلاد. ومع انحياز الإعلام خلال تلك التطورات للوسط الذي أراد فرض وصايته، ظهر أمامنا فريقان مختلفان بشأن النقاش حول العلمانية في تركيا: الفريق الأول هو الحزب الحاكم المتهم بارتكاب أفعال منافية للعلمانية والمنتقد باستمرار، والفريق الثاني هو الأوساط الواصية التي كانت ترى العلمانية كخط أحمر. وقد أفضت النقاشات الحادة التي دارت بين الفريقين إلى ظهور أزمات جديدة في الفترة التي تلت انتخابات عام 2002.
أقر حزب العدالة والتنمية العديد من التعديلات الكبيرة في السياسة الداخلية والخارجية. أقدم الحزب على تنفيذ حزمة من الإصلاحات في الداخل، وفي الخارج وضع لنفسه هدفا بإتباع سياسة متعددة الجوانب. ولقد أثرت مفاوضات عضوية الاتحاد الأوروبية التي بدأت في تلك الفترة في الخطاب السياسي في الداخل والخارج. وقد فتحت هذه الوضعية مساحة جديدة لمكافحة بؤر الوصاية في الداخل. ولقد ساهمت الخطوات التي أقدمت عليها الحكومة والإصلاحات التي أقرتها في سبيل التحول الديمقراطي في حدوث تحول مهم في مواجهة مؤسسات الوصاية. كما حاولت الحكومة، بتأثير بدء مفاوضات عضوية الاتحاد الأوروبي، تنفيذ عدة إصلاحات في مجالات علاقة العسكر والمدنيين في الداخل والقضاء وحرية الإعلام. غير أن موقف الجيش والقضاء والإعلام خلال تلك المرحلة ألهب النقاشات الدائرة في البلاد. ولقد استغل أعضاء منظمة غولن مجددا النقاش الدائر حول العلمانية بين الحكومة والكتلة الكمالية العلمانية. كما اتسع مجال المناورة أمام أعضاء منظمة غولن بفضل عدم الثقة التي كان يشعر بها الحزب الحاكم تجاه الوسط العلماني؛ إذ بدأ أعضاء منظمة غولن زيادة تكتلهم القائم بالفعل داخل الدولة.
سعى حزب العدالة والتنمية خلال تلك المرحلة كسر حاجز الوصاية التي أسسها الجيش والقضاء والإعلام. وقد أدى التقارب مع الاتحاد الأوروبي إلى دعم الاتحاد للإصلاحات التي تشهدها تركيا. وبهذه الطريقة نجح الحزب الحاكم في تركيا في الحصول على دعم قوي من الخارج لمواجهة نظام الوصاية في الداخل. كما شهدت تركيا تنفيذ إصلاحات من شأنها أن تصلح الجهاز القضائي وتعيد تنظيم علاقة المدنيين بالمؤسسة العسكرية. وقد استغلت كوادر أعضاء منظمة غولن داخل الدولة والجهاز البيروقراطي حركة الكفاح والإصلاح هذه. وبحلول عام 2007 على وجه التحديد ظهرت مشاكل جديدة في الداخل بسبب عدة تطورات منها التهديدات الجديدة الموجهة نحو الحكومة ومذكرة 27 أبريل/نيسان الإلكترونية ودعاية الانتخابات الرئاسية. ولقد أفضت تلك الوضعية إلى تقارب الفريقين.
شهدت تركيا جريمة مدوية في الفترة التي كانت تدور فيها نقاشات حول العلمانية؛ إذ أقدم شخص يدعى ألب أرسلان أرسلان على قتل عضو الدائرة الثانية بمجلس الدولة مصطفى بوجل بتاريخ 17 مايو/أيار 2006 بعدما دخل مكتبه بصفته محاميا، كما جرح أربعة أشخاص آخرين كان من بينهم رئيس الدائرة مصطفى بيردن. وهناك مزاعم تقول إن الجاني الذي هرب بعد الواقعة ردد عبارة "أنا من جند الله، الله أكبر!" وقد أدت تلك الجريمة والعبارة التي رددها الجاني بعدها إلى زيادة التوتر في تركيا؛ إذ كانت هناك رغبة لإضافة صبغة دينية على الهجوم.
كما قتل الصحفي هرانت دينك، رئيس تحرير مجلس آغوس، بتاريخ 19 يناير/كانون الثاني 2007. وقد أظهرت أولى المشاهد للجريمة التي ارتكبها شاب يدعى أوغون سامست أنها ارتكتب بدافع قومي. وكانت صور سامست الذي ألقي القبض عليه بمدينة سامسمون التركية قد أضفت صبغة قومية على الجريمة. لكن التحقيق في تلك الجريمة لم يتقدم كثيرا، ولم يجر التوصل إلى من ارتبط بهم الجاني سوى شخص يدعى أرهان تونجل. ألقي القبض على الجاني، لكن لم يكشف النقاب عن من خطط للجريمة. وفي الوقت الذي كان فيه مجلس الدولة يحقق للوصول إلى أسباب الجريمة والقوى الداعمة للجاني، ظهرت إلى السطح نقاشات حول الدولة العميقة.
كانت الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2007 من التطورات المهمة الأخرى التي أشعلت تلك الفترة؛ إذ زادت النقاشات حول العلمانية في تركيا قبيل الانتخابات. وشهدت تلك الأجواء استقطابات سياسية بمرور الوقت، كما زادت التهديدات التي تتلقاها الحكومة. وفي الوقت الذي تواصلت فيه النقاشات حول مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات الرئاسية، نظم حزب العدالة والتنمية لقاءات جماهيرية ترويجية تحسبا لترشيح رئيس الوزراء آنذاك أردوغان أو أحد آخر في شهري أبريل/نيسان ومايو/أيّار. وكان من شارك في تلك اللقاءات الشعبية قد رفعوا شعارات "ندعو لتدخل الجيش" ودعوا الجيش صراحة لتنفيذ انقلاب عسكري.
وخلال تلك الفترة زعم حزب الشعب الجمهوري أن البرلمان لن يتمكن من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتقدم بطلب لإجراء انتخابات مبكرة، فيما أدلى رئيس هيئة أركان الجيش ياشار بويوك كانيت بتصريح حول انتخابات الرئاسة قال فيه "أتمنى انتخاب رئيس للجمهورية يلتزم بالقيم الأساسية للجمهورية وكيان الدولة العلمانية الديمقراطية حقا وليس كلاما". وكان ذلك التصريح تهديدا صريحا للحزب الحاكم. وكان أكثر المواضيع التي ركزت عليها النقاشات هي الادّعاء بشأن أن زوجة رئيس الجمهورية لا يمكن أن تكون محجبة. وقد نزلت إلى الشوارع بعض المجموعات تحت شعار الدفاع عن العلمانية في شهر أبريل/نيسان بينما كانت اللقاءات الشعبية للدعاية للانتخابات الرئاسية متواصلة. وبحلول يوم 27 أبريل زادت جرعة التهديدات أكثر. وجاء في البيان المنشور على الموقع الرسمي لرئاسة هيئة الأركان أن بعض التطورات التي حدثت قبيل فترة الترشح للانتخابات الرئاسية تعتبر تهديدات، وأشار التصريح إلى أنه يجب التعامل مع هذه الأمور على أنها تحدّ للنظام. وأضاف البيان أن القوات المسلحة لن تتوانى عن استخدام صلاحياتها وتنفيذ المهام الواقعة على عاتقها من خلال القوانين.
رد الحزب الحاكم بصرامة على ذلك البيان، وذكّر رئيس الأركان حلمي أوزكوك أنه تابع لرئيس الوزراء. وبعد فترة قصيرة من نشر البيان، أعلن حزب العدالة والتنمية أن عبد الله غول هو مرشحه في الانتخابات الرئاسية. أجريت الانتخابات بتاريخ 27 أبريل/نيسان 2007، غير أن حزب الشعب الجمهوري تقدم باعتراض إلى المحكمة الدستورية بحجة أن الجولة الأولى من الانتخابات لم تشهد وصول عدد الأصوات إلى العدد الكافي البالغ 367 صوتا، لتصدر المحكمة الدستورية حكما بإلغاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بتاريخ الأول من مايو/أيّار بعدما قبلت اعتراض أكبر أحزاب المعارضة. وعقب هذه التطورات أعلن رئيس الوزراء أردوغان إجراء انتخابات مبكرة. أجرى الانتخابات المبكرة بتاريخ 22 يوليو 2007 وحصد حزب العدالة والتنمية 46% من الأصوات. ولقد أجريت الانتخابات الرئاسية يوم 29 أغسطس/آب بعدما تخلص حزب العدالة والتنمية من ردود الأفعال والتهديدات المتزايدة من الجيش والأوساط العلمانية بإجرائه انتخابات مبكرة. واختير عبد الله غُل ليكون الرئيس الحادي عشر لتركيا عقب التصويت الذي أجري في البرلمان. وبهذه الطريقة تكون تركيا قد تخلصت من الأجواء المتوترة ونظام الوصاية الذي زادت حدته بسبب النقاش حول العلمانية والحجاب والتهديدات التي تضمنتها المذكرة الإلكترونية من الجيش.
كان هدف حزب العدالة والتنمية في تلك الفترة هو إعادة تنظيم علاقة العسكر بالمدنيين وإرسائها على أرضية ديمقراطية. ولهذا أراد تنفيذ عدة إصلاحات لرغبته في التخلص من تأثير المؤسسة العسكرية على السياسة. ولقد واجه الحزب العديد من المشاكل في طريقه نحو تطبيع العلاقات داخل تركيا. وقد أقدم على خطوات من أجل إباحة ارتداء الحجاب في الجامعات في إطار إصلاحاته، غير أن حزب الشعب الجمهوري انتقد القرار بشدة في تلك الفترة التي كانت فيها النقاشات حول العلمانية والحجاب في ذروتها، غير أن البرلمان صادق على الحزمة الدستورية بفضل أصوات حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية. وعقب صدور هذا القرار، نشرت صحيفة حريت عنوانا رئيسا جاء فيه "411 صوتًا يدعون للفوضى"، زاعمة أن الحجاب تسبب في انتشار الاستقطاب والنفاق.
نشرت وسائل الإعلام المملوكة لتنظيم غولن معلومات ووثائق خاصة بالتحقيق الذي بدأه أوز بشأن محاولة الانقلاب. (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)
تعالت أصوات الوسط العلماني معارضةً قرار حزب العدالة والتنمية بشأن الحجاب، وعقب ذلك بفترة قصيرة طالب النائب العام بالمحكمة العليا عبد الرحمن يالتشين كايا بإغلاق حزب العدالة والتنمية بتهمة "التركيز على الأفعال المنافية للعلمانية"، كما طلب إبعاد 71 شخصية سياسية، كان من بينها رئيس الوزراء أردوغان والرئيس غول، عن الحياة السياسية لخمس سنوات. وصدر بتاريخ 30 يوليو 2008 قرارًا بخصوص لائحة الاتهام المقدمة إلى المحكمة الدستورية يوم 14 مارس من العام نفسه. ونص القرار على عدم إغلاق حزب العدالة والتنمية، لكن أقر تخفيض المساعدات التي يحصل عليها الحزب من خزينة الدولة بنسبة معينة.
شهدت تلك المرحلة تهديد الحكومة بالمذكرات بعد الادعاء بأنها تمارس أفعالا تعادي العلمانية، كما تعالت دعوات تدعو الجيش للتدخل، ورفعت دعاوى لإغلاق حزب العدالة والتنمية. وخلال تلك المرحلة كشف أعضاء منظمة غولن عن مواقفهم المعهودة وتجنبوا أن يكونوا طرفا في النقاشات الدائرة حول الحجاب والعلمانية. وقد نشرت صحيفة زمان خبرا حول دعوى إغلاق حزب العدالة والتنمية وحمل عنوان "دعوى مفاجئة لحزب العدالة والتنمية"، لتتبنى سياسة لا تدعم طرفا من طرفي الصراع. ولم يلتفت خبر الجريدة سوى لردود الأفعال الأمريكية والأوروبية بشأن الدعوى، مرسلة رسالة مفادها أنها تنأى بنفسها عن النقاش حول العلمانية. كما قدم أعضاء منظمة غولن الدعم في إطار مصالحهم إلى مساعي حزب العدالة والتنمية لإرساء علاقة الجيش والمدنيين على أرضية ديمقراطية وإصلاح الجهاز القضائي. وفي الوقت الذي حاولت فيه الحكومة التخلص من الوصاية وتأسيس نظام جديد مبني على أرضية ديمقراطية، بذل أعضاء منظمة غولن جهدهم لاستغلال تلك الإصلاحات. لقد أسس أعضاء منظمة غولن لأنفسهم كوادر بديلة في مواجهة الكادر الكمالي في عدة مؤسسات حكومية وفي مقدمتها الجهازين الأمني والقضائي منذ سنوات التسعينيات، كما سنحت لهم خلال تلك المرحلة فرصة تدعيم هذه الكوادر وتوسيع نطاقها، ليحققوا طفرة كبيرة في الفترة التي تلت عام 2008.
لقد حوّل مدعو العموم وأعضاء منظمة غولن الذين ينظرون الدعوى أرغينيكون إلى أداة لتصفية الحسابات مع من وقف أمامهم. (نقطة هيكلية)
تورط الجيش التركي، الذي يرى نفسه حاميا للجمهورية، في إسقاط الحكومات المنتخبة منذ عام 1960 بحجج مثل "العلمانية، النظام، المشاكل الداخلية، الرجعية". ولقد رأت المؤسسة العسكرية طيلة سنوات طويلة أن من حقها "إعادة تأسيس النظام الذي فسد". وكان الجيش قد عزل الحكومة من خلال الانقلاب ما بعد الحداثي عام 1997، كما لم يخف وجوده في الصفوف الأولى خلال النقاشات الداخلية التي شهدتها تركيا في الفترة التي تلت عام 2002.
زادت سريعا التهديدات بتنفيذ انقلاب ضد الديمقراطية والحكومة في وقت كانت فيه عدة أزمات مستمرة في الداخل مثل لقاءات الحملة الانتخابية لاختيار رئيس الجمهورية، والانتخابات الرئاسية، ووتيرة إغلاق حزب العدالة والتنمية. يحكي عمر دينتشر، الذي تولى منصب مستشار رئيس الوزراء خلال الفترة الأولى من حكم حزب العدالة والتنمية، هذا التهديد بقوله "لقد عشنا تلك الفترة ونحن نتلقى معلومات أو تهديدات بانعقاد مؤتمر هنا أو هناك أو الإعداد لتنفيذ انقلاب"، مشيرًا إلى أنّ أعوام 2004 و2007 و2008 كانت شاهدة على وجود أدلة دامغة على أن انقلابا سيحدث. وكانت الأدلة التي ظهرت مع التحقيق في قضية أرغينيكون في تلك الفترة تؤكد هذا الاحتمال. ولا شك أن أهم تلك الأدلة كانت مخططات الانقلاب التي حملت أسماء رمزية Sarıkız – Ayışığı – Yakamoz التي ظهرت في إطار التحقيق في قضية أرغينيكون. ولقد كشفت تلك المخططات، التي ظهرت في مذكرات أوزدن أورنك، كيان أرغينيكون الذي أسسته مجموعة كان أغلبها من العسكريين المتقاعدين؛ إذ خططت تلك المجموعة لإسقاط الحكومة من خلال مخططات انقلابية أعدتها في أعوام 2003 و2004 و2007 و2008. كما تؤكد تقارير جهاز الاستخبارات التركية صحة هذا الإدعاء. وكان أبرز أسماء تنظيم أرغينيكون أوزدن أورنك، مظفر تكين، ولي كوتشوك، خورشيد تولون، شنر أر أويغور.
ولقد اعتقل عدة أشخاص عقب العمليات التي أطلقتها قوات الأمن بعد العثور على أسلحة في منطقة عمرانيه في إسطنبول في يونيو 2007. وجرى التوصل إلى وثائق ومعلومات حول تنظيم أرغينيكون في هذه العمليات التي استمرت حتى عام 2009. وكشفت تلك المعلومات أن أرغينيكون هو اسم تنظيم سري داخل الدولة، وأن ذلك منظمة سعى لقلب نظام الحكم. ولقد رفعت دعوى عام 2008 بحجة أن منظمة خطط لعدة هجمات مثل واقعة الاغتيال التي شهدها مجلس الدولة ومجزرة دار ذروة للنشر.
كانت التفاصيل التي ظهرت مع "يوميات الانقلاب" على وجه الخصوص تكشف أهداف التنظيف المذكور وأغراضه. كان حزب العدالة والتنمية، الذي يواجه مخططات قلب نظام الحكم، يصارع من جهة التهديدات الموجهة نحو الديمقراطية والسلطة، ومن جهة أخرى كان يحاول كسر نظام الوصاية القائم في النظام الموجود. وكان القضاء من أهم الأجهزة اللازمة من أجل إنجاح هذا الكفاح بالنسبة لحكومة منتخبة. وانتظر حكومة العدالة والتنمية أن يبدأ القضاء التحقيق في مزاعم الانقلاب في ضوء الأدلة المذكورة. ولقد بدأت دعاوى النظر في أنشطة تنظيم أرغينيكون بقبول لوائح الاتهام التي أعدها كل من زكريا أوز ومحمد علي بكغوزل ونهاد تاشكين بتاريخ 25 يوليو 2008.
ولقد وسع زكريا أوز وبقية الأسماء التي كانت تدير التحقيق الخاص بالدعاوى التي كانت تنظر في المحاكم الخاصة، وسعوا نطاق الدعوى بمرور الأيام. واعتقل أشخاص جدد في إطار مزاعم الانقلاب الواردة في الدعوى. ولقد أولى وسائل الإعلام المقربة من غولن اهتماما كبير بنشر الوثائق والمعلومات الخاصة بالتحقيق الذي يديره أوز بشأن مخطط الانقلاب. وكان من بين أبرز وسائل الإعلام تلك نذكر مجلتي أكسيون ونقطة وجريدتي زمان وطرف وقناة سامان يولو التلفزيونية.
جرى توسيع نطاق دعاوى أرغينيكون بمرور الوقت، كما احتجز واعتقل عدد كبير من الأشخاص كمشتبه بهم بشكل متعلق بتلك الدعاوي. ولقد دعمت الحكومة العمليات التي نفذت في إطار دعوى أرغينيكون، كما استهدفت الكشف عن هذا الكيان غير الشرعي داخل الدولة. غير أن مدعي العموم وأعضاء منظمة غولن حوّلوا الذين ينظرون الدعوى أرغينيكون إلى أداة لتصفية الحسابات مع من وقف أمامهم. وجرت تصفية من اقترنت أسماؤهم بدعوى أرغينيكون إلى جانب عدة أشخاص يعملون في الجيش بعدما ربطت أسماؤهم بهذا منظمة. وبهذه الطريقة مهد الطريق أمام بعض العسكريين المنتسبين إلى تنظيم غولن الإرهابي داخل الجيش.
لقد وسع أعضاء منظمة غولن نطاق العمليات في إطار التعاون القائم بين جهازي الأمن والقضاء، وآثروا منذ عام 2010 تصفية الحسابات مع كل من لم يكن معهم أو عارضهم بشكل من الأشكال. (نقطة جانبية – الجانب الأيسر)
وكانت العملية المهمة الأخرى تستهدف تنظيم اتحاد الجماعات الكردية (KCK) خلال تلك الفترة التي كانت دعوى أرغينيكون فيها مستمرة. ولقد احتجر عدة أشخاص مقربة من منظمة بي كا كا الإرهابية في إطار العمليات التي تستهدف تنظيم اتحاد الجماعات الكردية التي أطلقت بتاريخ 14 أبريل/نيسان 2009. وفي الوقت الذي احتجز فيه 562 شخصا في إطار العمليات، اعتقل 403 أشخاص. وكان من بين المحتجزين في إطار التحقيق الخاص بتنظيم اتحاد الجماعات الكردية الذي أسس بتعليمات من عبد الله أوجلان زعيم منظّمة بي كا كا الإرهابية (حزب العمال الكردستاني)، رؤساء بلديات وسياسيون وأسماء مرتبطة بشكل مباشر بمنظمة بي كا كا الإرهابية. وأما ما أضفى أهمية على توقيت العمليات الموجهة ضد تنظيم اتحاد الجماعات الكردية فهو تدخل جهاز المخابرات التركي من أجل حل المشكلة الكردية وحث منظمة بي كا كا الإرهابية على ترك السلاح، وكذلك تزامن ذلك التوقيت مع بدء التفاوض مع مسؤول منظمة في أوروبا صبري أوك. ولقد حافظت وسائل الإعلام التابعة لغولن خلال تلك الفترة على الاهتمام بتناول دعاوى أرغينيكون و تنظيم اتحاد الجماعات الكردية، كما واصلت استهداف عدد من الأوساط، وتابعت تقديم أسماء الأشخاص الواردة أسماؤهم في دعوى أرغينيكون وكذلك أشخاص أخرى مختلفة وردت في الصحف والمواقع الإلكتروني خلال تلك الفترة. ولقد جرى تكوين أدلة جديدة من خلال خطابات البلاغ المجهولة والملفات والأسطوانات، كما كلف مدعو العموم بتولي مهامهم في هذا الشأن. ولقد استهدف الصحف في أخبارها جنرالات وضباط بالجيش واتهمتهم بدعم مخطط الانقلاب.
اكتسبت جريدة طرف شهرة عقب نشرها وثائق عسكرية اعتبارا من عام 2007، وظهرت إلى مسرح الأحداث من خلال ملف انقلاب جديد في تلك الفترة. ولقد ورد ادعاء في عدد الجريدة بتاريخ 20 يناير/كانون الثاني 2010 بشأن وجود مخطط جديد لتنفيذ انقلاب حمل اسم "مخطط المطرقة الانقلابي". وجاء في الخبر الذي نشرته الجريدة "لقد حصلت جريدة طرف على مخططات الانقلاب التي وضعتها مجموعة قائد الجيش الأول تشتين دوغان عام 2003، كما نشرت الجريدة عنوانا رئيسا جاء فيه "كانوا سيفجرون جامع فاتح في إسطنبول". وذكر الخبر أنه "بحسب مخططات العمليتين اللتين حملتا عنواني تشارشف وساكال عام 2003، فإن جامعي فاتح وبايزيد كانا سيشهدا تفجيرين بالقنابل يوم الجمعة لإيجاد مناخ يهيئ لتنفيذ الانقلاب".
حمل الخبر توقيع كل من محمد بارانسو ويلدراي أوغور وياسمين تشونغار، وتضمن تفاصيل حول مخطط عملية المطرقة. وقد مهد هذا الملف الطريق أمام دعوى المطرقة. حمل الصحفي بارانسو الوثائق التي معه في حقيبة وسلمها إلى النيابة. ولقد لعبت جريدة طرف دورا كبيرا في ظهور قضية المطرقة، لتكون بهذه الطريقة قد لعبت دورا حاسما في بدء تلك الدعوى التي ستؤثر على سير دعوى أرغينيكون. وقد عرض بارانسو صوره وهو يضع تلك الوثائق في الحقيبة، غير أنه لم يفصح عن الجهة التي حصل منها على الوثائق. لكن زوجته السابقة أوضحت لاحقا أن زوجها قد حصل على تلك الوثائق من تونجاي أوبتشين الذي يعد من رجال غولن. وقد هرب أوبتشين إلى الولايات المتحدة بعد ذلك التصريح. وأما القادة العسكريون المحاكمون في إطار قضية المطرقة فقد ادعوا أن بارانسو حصل على تلك الوثائق من النائب العام العسكري بولنت مونغر الذي أمر بتفتيش "الغرفة الكونية".
سلم بارانسو إلى النيابة الوثائق التي معه بتاريخ 30 يناير/كانون الثاني 2010 عقب الخبر الذي نشرته صحيفة طرف، لتبدأ دعوى المطرقة. كلف للنظر في هذا الملف نواب العموم محمد برك وبلال بيراكتار وعلي حيدر. بدأ الدعوى يوم 19 يونيو/حزيران 2010 في محكمة الجنايات العاشرة في إسطنبول التي حكمت بتاريخ 12 سبتمبر/أيلول 2012 بالأشغال الشاقة المؤبدة على 325 من أصل 365 متهما بتهمة "استخدام القوة لإسقاط هيئة النواب التنفيذيين لجمهورية تركيا أو إجبارها على عدم مزاولة مهامها". لكن الدعوى أعيد النظر فيها بعدما أصدرت المحكمة الدستورية حكما عام 2014 بحدوث انتهاك للحقوق.
ألقي القبض على شخصين في عملية شهدتها منطقة تشكورامبر بالعاصمة أنقرة بتاريخ 21 ديسمبر/كانون الأول 2009. وهناك مزاعم مفادها أن هذين الشخصين ينتميان إلى الجيش، وأنه عثر معهما على ورقة مرسوم بها رسم بياني لمنزل نائب رئيس الوزراء وقتها بولنت آرينتش، وأنهما حاولا ابتلاع تلك الورقة بعد القبض عليهما. وعقب هذه الواقعة تداولت وسائل الإعلام أخبارا حول أن آرينتش كان سيتعرض لمحاولة اغتيال. بدأ النائب العام مصطفى بيلغيلي بالتحقيق في القضية عقب تلقيه بلاغا قيل إنه أجري بالهاتف، ورغب في إجراء تفتيش في الغرفتين رقم 11 و16 بمبنى رئاسة منطقة التعبئة التابعة لهيئة أركان الجيش في أنقرة.
بدأ القاضي قادر كايان يوم 26 ديسمبر/كانون الأول بعملية التفتيش في رئاسة منطقة التعبئة التابعة لهيئة أركان الجيش في أنقرة. استمرت عملية التفتيش تلك حتى 20 يناير وعثر على عدة صور خاصة بالحكومة وملخصات وصور ضوئية لعدة وثائق سرية. وكانت تلك المعلومات والوثائق والتسجيلات الأرشيفية المحفوظة في تلك الغرف المعروفة باسم "الغرف الكونية" بمثابة أسرار الدولة. ولقد عثر القاضي كايان على مجموعة من الوثائق السرية بحجم 1.5 تيرابايت. وعقب عملية التفتيش التي استغرقت 20 يوما، جرى إخراج "وثائق سرية" مكونة من أسطوانات وملفات وأقراص صلبة تحتوي على معلومات منذ عام 1970. حفظت تلك الوثائق لمدة عامين في النيابة، وبعدها أرسلت إلى هيئة الأبحاث العلمية والتكنولوجية التركية (توبيتاك) لتحليلها بقرار من المحكمة. وبعد تحليل الوثائق والصور حفظت لثلاث سنوات، ثم سلمت بتاريخ 16 مارس/آذار 2013 إلى النائب العام لوضعها في مكان معد لهذا الغرض في المبنى العدلي في أنقرة. لم تضح الجهات التي أرسلت إليها تلك المعلومات والوثائق خلال تلك الفترة، وظهر أن أدلة التحقيق الخاصة بمخطط الانقلاب مزيفة. وأطلق سراح 8 عسكريين كانوا قد اعتقلوا على ذمة التحقيق.
في الوقت الذي سعت فيه الحكومة مكافحة مؤسسات الوصاية من خلال الوسائل المشروعة، بدأت المنظّمات المتكتلة داخل جهازي القضاء والأمن بتشكيل أنظمة الوصاية الخاصة بها لتحل محلّ الوصاية التي تهدمها الحكومة. ولقد عزل عدة أشخاص من الجيش على خلفية دعاوى أرغينيكون والمطرقة بدعم من ضباط آخرين، وعين أشخاص جدد مكانهم. ولقد ساهمت هذه الوضعية في زيادة قوة أعضاء منظمة غولن. (نقطة هيكلية)
زادت حدة النقاشات التي كانت تشهدها تركيا في تلك الفترة مع ظهور دعاوى أرغينيكون والمطرقة واتحاد المجتمعات الكردية. وبينما الأمر كذلك قرر حزب العدالة والتنمية إدخال بعض التعديلات على دستور عام 1982؛ إذ استهدف إجراء عدة تعديلات من خلال حزمة دستورية مصغرة معدة من 26 مادة أقرت إعادة هيكلة المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء، كما أدخلت تعديلات جذرية في العديد من المجالات بدءً من التعديل لعرض العسكريين على المحاكم المدنية وحتى تمهيد الطريق أمام عرض قرارات مجلس الشورى الأعلى العسكري على القضاء. عارضت أحزاب المعارضة تلك الحزمة، غير أن الحزب الحاكم عرضها في استفتاء شعبي يوم 12 سبتمبر/أيلول بعد تمريرها من البرلمان.
أعلنت الكثير من الأوساط دعمها للتصويت بنعم في ذلك الاستفتاء الذي أجري يوم 12 سبتمبر/أيلول 2010 مستجيبة للدعوات المطالبة بذلك، غير أن تلك الأوساط اعتبرت أن تلك التعديلات ليست كافية. غير أن أحزاب المعارضة رفضت تلك التعديلات التي كانت تتضمن تعديلات جذرية فيما يتعلق بجهاز القضاء على وجه الخصوص، ما قوبل بشكل إيجابي لا سيما وأنها استهدفت استقلال القضاء. ونص التعديل الخاص بهيكلة المجلس الأعلى للقضاء على أن القضاة ومدعي العموم هم الذين يختارون أعضاء المجلس الأعلى للقضاء. واعتبر الاتحاد الأوروبي هذه التعديلات تغييرا مهما. ولقد جرى قبول التعديلات في الاستفتاء الشعبي بنسبة بلغت 57.88%.
Galeri: الهيكل القضائي لمنظمة غولن
كان أعضاء منظمة غولن من بين أكثر الأوساط دعما للاستفتاء في تلك المرحلة. وقال فتح الله غولن، في تصريح له قبل الاستفتاء، إن الاستفتاء يعتبر خطوة مهمة على طريق الديمقراطية. وأضاف "لا يجب علينا دعوة الجميع من رجال ونساء وشباب وأطفال من كل مكان، بل إن أمكن علينا دعوة حتى الأموات من قبورهم للتصويت بـ نعم على هذه التعديلات. وأعتقد أنه حتى الأموات سيقومون من قبورهم، وستهرع أرواحهم إلى الصناديق". وأفاد غولن أنّه طلب من أنصاره كذلك التصويت بنعم في الاستفتاء.
ساهمت التعديلات التي أدخلت على الدستور عقب الاستفتاء في إدخال عدة تجديدات في العديد من المواضيع. ولا شك أن أهم تلك التعديلات كانت في مجال القضاء؛ إذ نصت تلك التعديلات على أن يكون القضاء مستقلًا وتعدّديًّا، كما كانت التعديلات على أدخلت على بنية المجلس الأعلى للقضاء من النوع الذي يدعم التعددية. هذا فضلا عن انخفاض عدد العوائق التي كانت تقف أمام القضاء، كما هدفت التعديلات إلى تقليل الدعاوى المرفوعة من تركيا أم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من خلال الطلبات الفردية وإصدار أحكام سريعة في الدعاوى التي كانت تنظر لسنوات. وبهذه الطريقة أدخلت إصلاحات بناءة على الجهاز القضائي الذي كان يتصرف بين الحين والآخر بصفته مؤسسة صاحبة وصاية.
كانت التعديلات التي أدخلت على هيكل المجلس الأعلى للقضاء ستحول دون سيطرة مجموعة/أيديولوجية معينة على الجهاز القضائي. وكان من بين الإصلاحات التي مهدت الطريق نحو هذا الهدف نذكر تعيين أعضاء مؤسسات مثل المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا ومجلس الدولة عن طريق الانتخاب وتعديل عدد أعضاء المحكمة الدستورية. غير أن التطورات التي شهدتها تركيا عقب تعديل الدستور تسببت في حدوث عكس ما كان مخططا له؛ إذ أصبح أعضاء منظمة غولن هم أكثر فئة استفادت من هذه التعديلات التي اعتبروها فرصة جديدة، فزادوا من قوة تنظيمهم داخل الجهاز القضائي، ونجحوا في التكتل بشكل أكثر داخل المجلس الأعلى للقضاء، وأسسوا كيانا قويا بعدما عين القضاة ومدعي العموم المقربون إليهم في المناصب المهمة بالدولة.
لقد وسع أعضاء منظمة غولن نطاق العمليات في إطار التعاون القائم بين جهازي الأمن والقضاء، وآثروا منذ عام 2010 تصفية الحسابات مع كل من لم يكن معهم أو عارضهم بشكل من الأشكال. واستغلوا في هذا السبيل المؤسسات القضائية والأمنية. كما زادوا من قوتهم بمرور الأيام داخل مؤسسات مثل أجهزة الأمن والقضاء والجيش والمؤسسات البيروقراطية، وبدؤوا يتصرفون وكأنهم شركاء في السلطة، بل وكأنهم هم أصحاب السلطة. ولقد أثبتت هذه التطورات أن المخاوف التي كان يحملها البعض بشأن هذا منظمة كانت في محلها. لقد بدأ أعضاء منظمة غولن بعد تلك المرحلة بتأسيس نظام جديد داخل الدولة. وحاول هذا الكيان الذي تكتل داخل عدة مؤسسات حكومية تأسيس نظام وصاية جديد بالقوة التي حصل عليها. كما أظهروا أولى إشارات الطريق الموصل إلى تشكيل الكيان الموازي من خلال عملية الغرفة الكونية والتحقيق بقضيتي المطرقة والتلاعب بنتائج المباريات. وبحلول عام 2012 بدأوا تنفيذ العمليات التي تستهدف الحكومة وسائر مؤسسات الدولة.
اكتسبت موجة العمليات التي شهدتها تركيا بعدا جديدا بحلول عام 2010. ولقد نشر على موقع Metacafe المخصص لمشاركة المقاطع المصورة مقطع يدعى أنه خاص بدنيز بايكال بتاريخ 6 مايو/أيّار 2010. وقد شهد عالم السياسة في تركيا زلزالا كبيرا بعد نشر المقطع الذي أصبح حديث الساعة في البلاد بعدما نشره موقع habervaktim.com الإخباري. غير أن حظرا فرض على هذا المقطع الذي انتشر على الإنترنت ورفع من على الشبكة العنكبوتية، فيما صرح بايكال بأن هذا المقطع مفبرك وأنه يستهدف شخصه، مشيرا إلى أن الواقعة تعتبر مؤامرة وعملية ابتزاز، وأضاف "من فعل تلك المؤامرة لم يقدموا عليها لأنهم منحرفون أو للابتزاز أو لتحقيق ربح تجاري، بل من أجل مكاسب سياسية تتوافق مع أخلاقهم وضمائرهم".
استقال بايكال بعد فترة قصيرة من مؤامرة المقطع المصور الذي استهدفه. وخلال المؤتمر الذي أعلن فيه استقالته، أشار بايكال إلى النقاشات الدائرة حول أنه من المحتمل أن يكون من أعضاء منظمة غولن هم وراء ما حدث، وقال "أريد أن أقول لمن سيساعدون في عملية البحث عن مسؤول آخر عما حدث إنني أؤمن بإخلاص رسائل الحزن والدعم التي تلقيتها من بنسلفانيا".
بدأ الجميع يتحقق من نية غولن الحقيقية وعلاقته بالدول الخارجية وخصوصا إسرائيل عقب الهجوم على سفينة مافي مرمرة. (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)
شهدت الفترة التي سبقت الانتخابات العامة عام 2011 عملية شريط مصور جديدة. وكان الهدف الأساسي للعملية هذه المرة هو شخصيات رفيعة المستوى من حزب الحركة القومية. كانت أسماء من الحزب ومقربون من زعيمه دولت باهتشلي واردة في المقاطع التي نشرت بشكل متزامن مع الانتخابات. بدأ موقع farkliulkuculuk بنشر المقاطع المصورة بتاريخ 26 أبريل 2011 واستمر حتى يوم 21 مايو. وعقب نشر تلك المقاطع، استقال مساعدان لرئيس الحزب و7 أسماء ومسؤولون بالحزب من المقربين من رئيس الحزب من الحزب وكذلك عضوية البرلمان. وثبت أن 25 موقعا من المواقع التي نشرت المقاطع تبث من خارج تركيا، وموقع واحد يبث من داخلها. وبهذه الطريقة استهدفت مؤامرة المقاطع المصورة هذه المرة حزب الحركة القومية بعدما كانت مؤامرة مشابهة قد استهدفت حزب الشعب الجمهوري قبل ذلك بعام. وقد بدأت التحقيقات بشأن هاتين المؤامرتين، غير أنها لم تصل إلى أي نتيجة بالرغم من استمرارها لسنوات؛ إذ لم يستطع المحققونن التعمق أكثر بشأن تلك المقاطع المصورة. ثم اتضح بعد ذلك أن المحققين الذين كانوا ينظرون في تلك الدعاوي ينتمون إلى منظمة غولن، فجرى تبديلهم. ولقد اكتسبت الدعوى بعدًا جديدًا بعد تعيين محققين جدد.
وقع هجوم من جيش الاحتلال الإسرائيلي في المياه الدولية بتاريخ 31 مايو/أيار 2010 على سفينة مافي مرمرة التي انطلقت من إسطنبول بمشاركة نشطاء من عدة دول لمواجهة الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة. استشهد في الهجوم 9 مواطنون أتراك، فيما اقتادت قوات الاحتلال سفن أسطول المساعدات الإنسانية ومتطوعين كانوا على متنها إلى ميناء أشدود. عقب الهجوم دعت تركيا مجلس الأمن بالأمم المتحدة لعقد اجتماع، وخفضت علاقاتها مع إسرائيل إلى مستوى قائم بالأعمال، واستدعت سفيرها في تل أبيب أوغوز تشليكاول. وبعد هذه الواقعة تأثرت العلاقات التركية-الإسرائيلية بشكل كبير. انتفضت عدة أوساط في تركيا منددة بالهجوم الإسرائيلي، كما اتخذت الحكومة قرارا بفرض عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية على إسرائيل.
نشرت عدة أوساط في تركيا، وفي مقدمتها عالم السياسة والإعلام ومنظمات المجتمع المدني، رسائل إدانة لما فعلته إسرائيل، غير أن تصريحات فتح الله غولن كانت مثيرة للغاية؛ إذ قال في تصريح أدلى به لصحيفة وول ستريت الأمريكية يوم 3 يونيو/حزيران 2010 "التحرّك دون موافقة إسرائيل يعتبر تمرّدًا على السلطة". وأضاف غولن أن اختيار طريق غير طريق التصالح مع إسرائيل لن يسفر عن نتائج مفيدة، مشيرًا إلى أنّ جمعية تابعة له أرادت إيصال مساعدات إلى غزة، لكن يجب أن تحصل أولا على إذن من السلطات الإسرائيلية. كما أفاد غولن في تصريح لاحق أدلى به إلى مجموعة من الصحفيين بأن المواطنين الأتراك الذين قتلوا في الهجوم الإسرائيلي "ليسوا شهداء". تعرض غولن للانتقاد من عدة أوساط في تركيا بسبب تصريحاته التي حاول من خلالها إعطاء الحق لإسرائيل فيما فعلت. كما بدأ الجميع يتحقق من نية غولن الحقيقية وعلاقته بالدول الخارجية وخصوصا إسرائيل عقب الهجوم على سفينة مافي مرمرة. واعتبر كثيرون أن تصريحات غولن بعد هجوم مافي مرمرة كانت الخطوة الأولى للكشف عن الوجه القذر لغولن والكيان الذي أسسه.
كان اعتقال إيلكر باشبوغ يعتبر اعتقال أعلى رتبة بين الأشخاص الذين اعتقلوا على ذمة دعاوى أرغينيكون والمطرقة ومذكرات الإنترنت، كما تسبب – في الوقت نفسه – في تعبير حتى أعلى المسؤولين عن شكوكهم بشأن جبهة القضاء. (نقطة هيكلية)
بدأت عملية جديدة ستهز الرأي العام في تركيا عقب عمليات أرغينيكون والمطرقة واتحاد المجتمعات الكردية؛ إذ بدأت عمليات التحقيق بالتلاعب بنتائج المباريات بتاريخ 3 يوليو/تموز 2011 باتهام عدة أندية كان منها فنربخشة وسيواس سبور وبشيكتاش وطرابزون سبور وبلدية إسطنبول. بدأ العملية الأولى المحقق زكريا أوز الذي كان مسؤولا كذلك عن دعاوى أرغينيكون والمطرقة، ثم انتقلت مسؤولية الدعوى إلى المحقق المسؤول الخاص محمد برك.
ألقي القبض في إطار العمليات على مسؤولين بالأندية مثل عزيز يلدريم ومحمد شكيب موستور أوغلو ومجنون أودياكماز وألغون بكر، ومديرين فنيين مثل بولنت أويغون وتيفور هافوشتشو، واللاعب سرهات آكين. اتهم عزيز يلدريم بـ"تشكيل منظمة إرهابي والتلاعب بنتائج المباريات". وفي الوقت الذي استمر فيه التحقيق في هذه القضية التي هزت عالم الكرة التركية، وقع رؤساء الكتل البرلمانية لأحزاب العدالة والتنمية والشعب الجمهوري والحركة القومية والسلام والديمقراطية على مشروع قانون لتعديل قانون منع العنف والفوضى في الرياضة، وقدموا هذا المشروع إلى رئاسة البرلمان. وتضمن المشروع إنزال عقوبات تتعلق بالتلاعب بنتائج المباريات والتشجيع على ذلك. شددت الحكومة في تصريح بشأن قضية التلاعب بنتائج المباريات على مبدأ "شخصية التهم"، مشيرة إلى أن الأندية لا بد ألا يلحق بها أضرار بسبب هذه الأحداث. وقال رئيس الوزراء آنذاك أردوغان "يجب القيام بالتقييم الجيد على مستوى الشخصية الحقيقية والاعتبارية. وانطلاقا من مبدأ شخصية التهم، فبغض النظر عن مرتكبي هذه الجريمة، فإن معاقبتهم بأشد العقوبات هو أهم خطوة انطلاقا من كون العقوبات رادعة. ويجب القيام بذلك". كان مشروع القانون المقدم إلى البرلمان ينص على ذلك. غير أن القانون تسبب في نزع فتيل المناقشات حوله.
كانت وسائل الإعلام التابعة لغولن هي أكثر الجهات التي انتقدت القانون. وأما وسائل الإعلام التي دافعت عن القضية ودعمت التحقيق الذي بدأه المحققون فقد اتخذت موقفا حاسما. غير أن أعضاء منظمة غولن بدؤوا بانتقاد مشروع القانون الذي أرادت الحكومة وأحزاب المعارضة عرضه على البرلمان، كما شرعوا في الدعاية لتبرئة المتهمين. وتناولت صحيفة زمان وقناة سامان يولو كثيرا الادعاءات ذات الصلة بالتحقيق، وشددتا على أهمية الوثائق التي حصلت عليها الشرطة بعد ملاحقة استمرت لثمانية أشهر. كما تغافلت وسائل الإعلام التابعة لغولن عن تحذيرات الحكومة ورئيسها أردوغان بشأن شهصية التهم، كما انتقدت مشروع القانون المعروض على البرلمان.
انتشرت مزاعم مفادها أن مشروع القانون هذا سيضر بدعوى التلاعب بنتائج المباريات، وأن هذا القانون سيهدف لتبرئة المتهمين وفي مقدمتهم عزيز يلدريم رئيس نادي فنربهتشة. ولوحظ للمرة الأولى بشكل واضح حجم المشكلة الكبرى التي يعاني منها الجهاز القضائي بعد إضافة دعوى التلاعب بنتائج المباريات إلى النقاشات التي كانت دائرة حول الأدلة وعمليات الاعتقال الطويلة الخاصة بدعاوى مثل أرغينيكون والمطرقة. ولقد دعمت الحكومة عملية تطهير المجالات التي تحمل الكثير من المشاكل ووتيرة محاكمة المتهمين في عدة قضايا مثل أرغينيكون والمطرقة، كما أرادت الانتباه إلى التطورات المتعلقة بالاعتقالات الطويلة. بدأت الحكومة عقب دعوى التلاعب بنتائج المباريات ترى المشاكل القانونية وتتساءل حول تكتل أعضاء منظمة غولن داخل الدولة وأغراضهم من وراء ذلك. ولقد زاد من اعتقال باشبوغ من علامات الاستفهام التي كانت تطرحها الحكومة بشأن أعضاء منظمة غولن.
استدعى النائب العام في إسطنبول جيهان كانسيز الرئيس السابق لأركان الجيش إيلكر باشبوغ للإدلاء بأقواله بصفته "المشتبه به" في إطار التحقيق في قضية مذكرات الإنترنت. ولقد أصدرت المحكمة التي عرض عليها باشبوغ بتاير 6 يناير/كانون الثاني 2012 قرارا باعتقاله بتهمة "إدارة منظمة إرهابية ومحاولة تنفيذ انقلاب". وكان هذه أول واقعة اعتقال رئيس أركان للجيش في تركيا بتهمة تشكيل منظمة إرهابيّة. ووردت ادعاءات مفادها أن المتهمين في قضية مذكرات الإنترنت أدلوا بأقواله أفادوا فيها بأن المواقع الإلكترونية موضوع الدعوى تدار بعلم باشبوغ الذي أدلى بأقواله على مدار 7 ساعات إلى النائب العام كانسيز، وبعدها اعتقل بقرار المحكمة ونقل إلى السجن.
تسببت واقعة اعتقال باشبوغ في حدوث موجة كبيرة من النقاشات، فيما قال رئيس الوزراء آنذاك أردوغان "كان صديقا عملت معه بصفتي رئيس وزراء. ونتمنى أن يحاكم بدون اعتقال، كما قلت دائما. وآمل أنا وحزبي أن تصل التحقيقات إلى نتيجة في أسرع وقت، لأننا نرى أن هذه الطريقة ليست طريقة مناسبة".
كان اعتقال إيلكر باشبوغ يعتبر اعتقال أعلى رتبة بين الأشخاص الذين اعتقلوا على ذمة دعاوى أرغينيكون والمطرقة ومذكرات الإنترنت، كما تسبب – في الوقت نفسه – في تعبير حتى أعلى المسؤولين عن شكوكهم بشأن جبهة القضاء. كانت الحكومة، بسبب المشاكل التي ظهرت مع بدء المحاكمات، تريد منذ فترة طويلة محاكمة الأشخاص في تلك الدعاوى دون اعتقال. وكانت المعارضة وبعض الأوساط الأخرى توجه انتقادها كثيرا بشأن هذا الموضوع. وكانت هذه الانتقادات على حق بسبب أن لوائح الاتهام الخاصة بدعاوى أرغينيكون والمطرقة استغرقت سنوات. غير أن القضاء كان يرفض طلب محاكمة المتهمين دون اعتقال بزعم أن "المشتبه بهم ربما يهربون" و"وجود أدلة قوية تدينهم".
وعقب هذه التطورات بدأ موقف الحكومة بشأن جهاز القضاء يتغير؛ إذ زادت جرعة الانتقادات التي يوجهها الجناح الحكومي للقضاء. وأما وسائل إعلام منظمة غولن فقد واصلت موقفها الداعم لمدعي العموم. وإذا ما أضفنا إلى هذه التطورات الكيان الذي أسسه أعضاء منظمة غولن داخل الدولة، سنرى زيادة التوتر بمرور الوقت بين الحكومة المنتخبة وأعضاء منظمة غولن الذين أسسوا كيانا موازيا داخل مفاصل الدولة. وخلال تلك الفترة التي استمر فيها التوتر، ظهرت مسألتان مهمتان خلال فترة اعتقال الكيان الموازي لباشبوغ. تعرض منزل رئيس الوزراء آنذاك أردوغان ومكتبه لعملية تنصت. كما استدعاه رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان بتاريخ 7 فبراير/شباط 2012 بعد 7 أشهر من اعتقال باشبوغ للإدلاء بأقواله بشأن دعوى اتحاد المجتمعات الكردية ومفاوضات أوسلو. ولقد كشف هذان الموقفان النية الحقيقية لأعضاء منظمة غولن.
كشفت عملية بحث فنية أجريت في مكتب أردوغان في منطقة صوباي إيفلر بتاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول 2011 وجود جهاز تنصت. كما عثرت فرق جهاز الاستخبارات على جهاز تنصت آخر في عملية تفتيش في مكتب رئاسة الوزراء بمكان آخر يوم 30 ديسمبر/كانون الأول. وكشف النقاب عن أنه قبل العثور على أجهزة التنصت هذه بفترة قصيرة أجرى فريق يقوده كل من سرهات دمير وسادات زاوار، وهما اثنان من الموظفين السابقين برئاسة دائرة حماية رئاسة الوزراء، عملية تفتيش عن أجهزة تنصت في منزل أردوغان في صوباي إيفلر ومكتبه الرسمي في مقر رئاسة الوزراء، غير أن ذلك الفريق قدم تقريرا أفاد فيه بأنه لم يكتشف أي جهاز تنصت.
غير أنه عقب شعور مستشار رئاسة الوزراء آنذاك أفكان آلا بالشك بشأن عملية التفتيش تلك، جرى التوصل إلى أجهزة تنصت في كلا المقرين المذكورين بفضل عملية تفتيش ثانية أجرتها فرق من جهاز الاستخبارات. ولقد اكتشفت فرق الاستخبارات إشارة لاسلكية مقابلة خلال تفقدهم للغرف وإجراء عملية البحث الترددية باستخدام جهاز تحليل الطيف. وجرى التوصل إلى جهاز لاسلكي يتغذى من شبكة الكهرباء الموجودة داخل مقبس ذي 6 مداخل موجود في الغرفة التي يستخدمها أردوغان. كما عثر على جهاز تنصت داخل مقبس ذي 3 مداخل في المقر الرسمي لرئاسة الوزراء. وكشفت تقارير أن الفريق الذي أداره كل من سرهات دمير وسادات زاوار أجرى عملية بحث/تفتيش واختبار لأجهزة التشويش في مكتب منزل أردوغان يومي 7 – 18 ديسمبر/كانون الأول ومكتبه في المقر الرسمي لرئاسة الوزراء يومي 14 – 20 ديسمبر، غير أن الفريق أفاد في تقريره بأنه لم يتوصل إلى أي دليل خلال عملية البحث. كان الفريق يضم كل من سرهات دمير وسادات زاوار وأنس تيشجي وعلي أوزدوغان وأحمد تورر وإيلكر أسطى وسيد صايدام وحسن بالاز وذكي بولوط وشرطي آخر. نقلت أجهزة التنصت التي عثرت عليها فرق الاستخبارات إلى المعمل لفحصها. وعقب تواصل التحقيق حول الموضوع لعام تقريبا جرى الكشف عن أن عملية التنصت بدأت منذ مطلع شهر ديسمبر. وصوقالح أردوغان بعد عام من واقعة التنصت بتاريخ 22 ديسمبر 2012 في تصريح له لقناة إن تي في إنه تعرض للتنصت وإنه عثر على أجهزة تنصت في مكتبه، ولفت إلى أنه لم تتم عملية تطهير كاملة للدولة الموازية. ولقد بدأت رئاسة لجنة التفتيش برئاسة الوزراء تحقيقا حول الموضوع بتاريخ 2 يناير/كانون الثاني 2013. وعند تحليل علاقات الفريق المذكور في الواقع وجهت أصابع الاتهام إلى منظمة غولن. وقد كشفت النيابة عقب العمليات التي أطلقتها أن 11 موظفا أمنيا وضعوا أجهزة تنصت في مكتب أردوغان ونائب رئيس هيئة الأبحاث العلمية والتكنولوجية التركية آنذاك حسن بالاز قاموا بعملية "تجسس".
واصلت فرق الاستخبارات التحقيقات بشأن واقعة العثور على أجهزة تنصت خلال عمليات التفتيش في منزل أردوغان بمنطقة صوباي إيفلر والمقر الرسمي لرئاسة الوزراء في ديسمبر 2011، وخلال تلك الفترة حدث تطور آخر بعد الواقعة بفترة قصيرة هز الرأي العام التركي. استدعى النائب العام المختص آنذاك بلال بيراقتار رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان للإدلاء بأقواله. كما استدعي فيدان مرة أخرى من قبل المدعي صدر الدين صاريكايا، الذي أعلن لاحقا أنه سينظر الملف، بتاريخ 7 فبراير/شباط 2012، للإدلاء بأقواله بصفته "مشبته به" بسبب مفاوضات أوسلو المسربة إلى الصحافة. وقد أفرد صاريكايا مساحة كذلك للادعاءات الخاصة بعمليات اتحاد المجتمعات الكردية التي جرت عام 2010، كما استدعى كلا من الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات إمره تانير ونائب الرئيس الأسبق للجهاز آفت غونيش للإدلاء بأقوالهما بصفتهما "مشتبه به". كان الكيان الموازي يخطط لتنفيذ أول عملية جادة ضم الدولة من خلال القضاء. ولقد أوضح النائب العام في إسطنبول توران تشولاك كادي أن تلك العملية أجريت دون علمه بقوله "لو شيء كهذا حدث كان يجب أن يكون لدي علم. لكني لا أستطيع أن أعرف إذا استدعي من محافظة أخرى. ولو كان هذا الخبر صحيحا، فهذا يعني أن العملية أجريت دون تزويدنا بمعلومات عنها". غير أن المدعي صاريكايا استدعى فيدان باتصال هاتفي لتنفيذ عملية جهاز الاستخبارات.
كان مدعو الكيان الموازي يخططون لتوجيه ضربة قاصمة إلى الدولة والحكومة من خلال الوصول إلى أردوغان عن طريق رئيس جهاز الاستخبارات فيدان. (نقطة جانبية – الجانب الأيمن)
كشف النقاب عن أن مدعي الكيان الموازي، الذين أردوا توجيه ضربة قاصمة إلى الدولة، سعوا لتمهيد الأرضية للوصول إلى أردوغان عن طريق فيدان. وبهذه الطريقة خططوا لتوجيه أعنف ضربة للحكومة والدولة. وكان التاريخ المختار لتلك العملية مهما للغاية. كما كانت العملية السرية التي تستهدف أردوغان كذلك في ذلك التاريخ. وبعدما تواصل فيدان مع أردوغان لم يذهب للإدلاء بأقواله بحجة أن النيابة ليست مخولة بذلك. ولقد بدأت الحكومة تفهم بشكل أوضح هدف تلك العملية، وتحركت لمواجهة الانقلاب الذي حاولت الدولة الموازية تنفيذه عن طريق جهاز القضاء، فأدخلت تعديلات مهمة على قانون الاستخبارات؛ إذ ربطت استدعاء الأشخاص المكلفين بمهام "خاصة" من جانب رئيس جهاز الاستخبارات ورئيس الوزراء للإدلاء بأقوالهم بإذن من رئيس الوزراء. وبهذه الطريقة فشلت محاولة الانقلاب التي حاول الكيان الموازي تنفيذه عبر جهاز الاستخبارات. ولقد نقل ملف التحقيق من المدعي صاريكايا إلى مدع آخر. فيما شهد شهر يوليو 2012 إعداد قانون ينص على إلغاء محاكم السلطات الخاصة التي ألغيت تماما في مارس/آذار 2014.
بدأ الحكومة باتخاذ خطوات أكثر حيطة عقب أزمة جهاز الاستخبارات. فخلال تلك الفترة جرى إفشال مكيدة أعدها الكيان الموازي من خلال جهاز الاستخبارات من جهة، ومن جهة ثانية حدثت تطورات مهمة على المستويين الاقتصادي والسياسي. نجحت تركيا في سداد كافية ديونها إلى صندوق النقد الدولي، كما لم تجدد اتفاقية Stand-by المطبقة منذ سنوات طويلة. وكانت هذه الوضعية هي أبرز دليل على نمو الاقتصاد التركي. كان هناك أحاديث عن بدء عهد جديد بالنسبة لتركيا، وكان الشعب التركي يتناقش بشأن هدف جعل الاقتصاد التركي ضمن أكبر 10 اقتصادات في العالم. غير أن البلاد بدأ تشهد موجة كبيرة من العنف من خلال أحداث متنزه غيزي بتاريخ 28 مايو/أيّار 2013. وقد بدأت تلك الأحداث من خلال النقاش حول نقل عدة أشجار من مكانها إلى مكان آخر، لكنها تحولت بعد ذلك إلى أعمال عنف واسعة النطاق باحتشاد أشخاص ينتمون إلى أيديولوجيات مختلفة، ما أدى إلى نشوب أزمة كبيرة. ولقد تحولت تلك الأحداث، التي أراد البعض تصويرها بأنها "رد فعل على قطع الأشجار"، فجأة إلى أحداث إرهاب شوارع معاد للحكومة.
استمرت الأحداث التي وقعت بعد تدخل الشرطة كذلك في شهر يونيو/حزيران. ولقد استهدفت مظاهرات العنف، التي حولت أحداث متنزه غيزي إلى محاولة ضد الدولة، الحكومة ورئيسها أردوغان بشكل مباشر. وكان من بين أسباب طول تلك الأحداث دعم الإعلامي الأجنبي وبعض الأوساط داخل تركيا لهذه المحاولة التي سعت للنيل من مستقبل البلاد.
حظيت الأوساط التي أطلقت أعمال العنف باهتمام كبير داخل تركيا وخارجها. وكانت بعض وسائل الإعلام تصور المخربين الذين يرهبون الشوارع على أنهم متظاهرين أبرياء، وتضفي صبغة الشرعية على أعمال العنف أو تتغاضى عن تناولها. تعرضت الشوارع والمكاتب وعدة مؤسسات للنهب. ولقد حاولت الحكومة اتخاذ تدابير لمواجهة أعمال العنف، لكن المعارضة انتقدتها في ذلك. وتعرض أردوغان للانتقاد بعدما صرح مهاجمًا المتورطين في مخطط إحداث الفوضى الذي وضعه هذا الكيان غير الشرعي للنيل من الديمقراطية؛ إذ قال "لن نتغاضى عن تحريض قلة من قطاع الطرق لشعبنا بنزولهم إلى الميدان والترويج لشائعات لا أساس لها من الصحة". ولقد جاء غولن في مقدمة الأشخاص الذين انتقدوا التدابير التي اتخذتها الحكومة خلال تلك الفترة. واستهدف تصريحات أردوغان، وبدأ يزيد من انتقاده بسبب استخدام أردوغان كلمات مثل "قلة" و"قطاع طرق"، وأخذ يدلي بتصريحات معادية لأردوغان. وفي الوقت الذي زادت فيه الانتقادات الموجهة لأردوغان، بدأت الأوساط التي دعمت الأحداث واستهدفت أردوغان من خلال وصفه بالطاغية تروج لأن أحداث متنزه غيزي تعتبر "مقاومة" ضد الطغيان.
لقد رددت الأوساط اليسارية والليبرالية التي دعمت الأحداث العبارات التي تتحدث عن الطغيان، الأمر نفسه تكرر في وسائل الإعلام التابعة لغولن. وبدأ صحفيون محسوبون على الكيان الموازي مثل محمد بارانسو وإمره أوسلو وأوندر آيتاتش يروجون لأفكار ضد الحكومة داخل تركيا وخارجها. وقد أعلن غولن دعمه للمشاركين في أحداث متنزه غيزي في تصريحات له يومي 6 و24 يونيو/حزيران 2013، ووصفهم بقوله "لا تنعتوهم بقطاع الطرق". وعقب أحداث 17 – 25 ديسمبر/كانون الأول 2013 المشهورة بدأ أنصار الكيان الموازي يستخدمون بكثرة عبارة "الدكتاتورية" التي استخدمتها الأوساط اليسارية والعلمانية، كما شرعوا في تشكيل أجندات زائفة من خلال هذا الخطاب.
بدأت صحيفة زمان انتقاد ما يحدث من المتظاهرين في متنزه غيزي في بداية الأحداث، وأفردت مساحة للأخبار التي تنتقد أحداث العنف، لكنها بدأ بتغيير موقفها بعد فترة قصيرة. وقد انزعج هذا الوسط بسبب انتشار ادعاءات تفيد بأن الشرطيين الذين استخدموا العنف المفرط خلال أحداث متنزه غيزي ينتمون إلى الكيان الموازي. وقد نشر وقف الكتاب والصحفيين الذي يرأسه غولن شريفا ويعتبر من أبرز منظمات المجتمع المدني في المجال الإعلامي تصريحا بتاريخ 13 أغسطس/آب 2013 انتقد فيه الادعاءات التي تفيد بأن أعضاء منظمة غولن على صلة بأحداث متنزه غيزي. وبدأ الوقف يستهدف الحكومة عقب انتشار تلك المزاعم، وحاول تكذيب المعلومات التي تشير إلى أن أعضاء منظمة غولن أسسوا كيانا لهم داخل أجهزة الأمن والقضاء والمؤسسات البيروقراطية.
أظهر أعضاء منظمة غولن أولى علامات الانكسار الحاد من خلال هذا التصريح، وبدأوا بنشوب النقاشات حول مسألة إغلاق مراكز الدروس الخصوصية إصدار تصريحات معادية للحكومة وانتقادها متهمين إياها بالدكتاتورية. بدأت جريدة زمان تنشر أخبارا معارضة للحكومة خلال الفترة التي تلت النقاش حول إغلاق مراكز الدروس الخصوصية وقبيل الكشف عن مكيدة 17 – 25 ديسمبر/كانون الأول 2013، وأشارت بشكل مستتر إلى أحداث متنزه غيزي في عدد لها صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2013. وقد أفردت الجريدة التي ترفع شعار "الزمان هو زمن الأخوة" مساحة على ملصقاتها لصور تمثل متظاهر يرتدي قناع غاز من الذين شاركوا في الأحداث. ولقد بدأ أعضاء منظمة غولن بذل جهودا حثيثة للحصول على الدعم من الأوساط اليسارية والليبرالية وتوسيع نطاق الجبهة المعادية للحكومة في فترة كانت تركيا فيها تشهد نقاشات حول إغلاق مراكز الدروس الخصوصية.
أطلقت الحكومة فعالية جديدة تهدف لتقليل مراكز الدروس الخصوصية في إطار برنامج تعليمي جديد عام 2013. واعتبرت الحكومة تلك المراكز، التي يذهب إليها الطلاب للاستعداد للامتحانات، حملا كبيرا على النظام التعليمي وكذلك أهالي الطلاب، فأعدت حزمة تعليمية جديدة تتضمن دورات لدعم الطلاب بدلا من تلك المراكز.
لقد أسس أعضاء منظمة غولن سلسلة قوية من مراكز الدروس الخصوصية منذ منتصف الثمانينيات وحتى سنوات الألفية الثالثة، وكانوا يحوزون على إمكانية الوصول إلى موارد بشرية كثيرة بفضل تلك المراكز والمدارس التي افتتحونها، وبذلك استطاعوا إكساب الكيان الذي أسسوه عناصر بشرية جديدة. وللكشف عن الوجه الحقيقي لأعذاء المنظمة كان كافيا أن تطرح الحكومة فكرة إغلاق تلك المراكز؛ إذ بدأوا يهاجمون المسؤولين بعدما أدركوا أن الإصلاحات التي أقدمت عليها الحكومة في المجال التعليمي ستوجه ضربة قاصمة إلى مصالحهم. وقد أعلنت جريدة زمان، إحدى المؤسسات الإعلامية التابعة للكيان الموازي، أن الحكومة تستعد لإغلاق مراكز الدروس الخصوصية في خبر نشرته بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2013.
عنونت الجريدة ذلك الخبر كالتالي "ضربة كبيرة للتعليم"، وأطلقت من خلاله حملة شرسة ضد حكومة حزب العدالة والتنمية. كما شبهت الجريدة في اليوم التالي التعديل الذي رغبت الحكومة في إجرائه بما كان يجري أيام الانقلابات العسكرية، ونشرت خبرا جاء فيه "لم نشهد تطبيق قانون كهذا حتى في حقبة الانقلابات". ولفتت الجريدة يوم 16 نوفمبر إلى أن مراكز الدروس الخصوصية تعتبر حاجة لا غنى عنها بالنسبة للشعب التركي، وأضافت "يجب القضاء أولا على الأسباب التي تمخضت عنها تلك المراكز". كما نشرت يوم 17 نوفمبر خبرا ورد فيه "عالم الأعمال كذلك يعارض إغلاق مراكز الدروس الخصوصية بقوة القانون"، وفي اليوم التالي كتبت "تركيا في صوت واحد: نعارض قطع الطريق أمام التعليم والمؤسسات التي تنشئ الكوادر البشرية". واعتبرت تحويل تلك المراكز تهديدا يحدق بأغراضها.
أطلقت جريدة زمان حملة مكثفة لمواجهة إجراء إغلاق مراكز الدروس الخصوصية التي تعتبر العنصر الأكبر لتوفير الموارد المادية والبشرية لأعضاء منظمة غولن، وفي هذا الإطار أصدرت ملحقا للجريدة حمل اسم "مركز الدروس الخصوصية" يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وطبعت منه ووزعت 1.5 مليون نسخة. أما صحيفة طرف فقد نشرت خبرا بتاريخ 28 نوفمبر 2013 كتبت فيه "قرار القضاء على غولن اتخذ في مجلس الأمن القومي عام 2004"؛ إذ زعمت الصحيفة أن السبب الأساسي وراء إجراء تحويل مراكز الدروس الخصوصية هو القضاء على فتح الله غولن، وأن هذا القرار صدر في مجلس الأمن القومي عام 2004. ولقد كشف هذا الخبر النقاب عن المهمة الحقيقية لصحيفة طرف التي زاولت مهنة الصحافة عن طريق نشر الوثائق في دعاوى مثل أرغينيكون والمطرقة والتلاعب بنتائج المباريات والفنار. واتضح أن هذه الصحيفة من وسائل الإعلام المملوكة لأعضاء منظمة بعدما نسقت المخطط الإعلامي لكل هذه العمليات من خلال "مفهومها الصحفي".
أطلق أعضاء منظمة غولن/الكيان الموازي عقب تلك التطورات حملة هجوم شرسة ضد الحكومة لحماية مصالحهم. ولقد عارضت عدة أسماء داخل المعارضة وحتى حزب العدالة والتنمية، من الشخصيات المقربة من أعضاء منظمة غولن، إجراء إغلاق مراكز الدروس الخصوصية. واستقال عدة أشخاص محسوبين على منظمة غولن من حزب العدالة والتنمية بعدما أيدوا المنظمة في النقاشات الدائرة حول مراكز الدروس الخصوصية، وكان في مقدمة هؤلاء كل من نواب البرلمان هاكان شوكور وإدريس نعيم شاهين وإدريس بال. غير أن هذه الاستقالات لم تؤثر سلبا على الحزب كما كان مخططا له، بل فقد من استقالوا قاعدتهم السياسية. وكشف إدريس نعيم شاهين وإدريس بال، اللذان يحصلان على دعم سياسي من منظمة غولن، عن نيتهما لتأسيس حزب جديد، فيما تابع هاكان شوكور ممارسة حياته السياسية الملقنة مستقلا.
أطلق زكريا أوز وجلال كارا عملية كبرى يوم 17 ديسمبر/كانون الأول خلال فترة كان فيها النقاش حول مسألة إغلاق مراكز الدروس الخصوصية مستمرا. كانت حجة تلك العملية هي مزاعم الفساد، لكن هدفها كان مختلفا تماما: استهدف أعضاء منظمة غولن داخل جهازي الأمن والقضاء إضعاف الحكومة الحادية والستين والقضاء عليها، إذ أطلقوا سلسلة من العمليات التي تهدف لإقالة الحكومة وإيقاف المشاريع العملاقة. وألقي القبض على أسماء مثل أبناء وزير الداخلية معمر غولر ووزير الاقتصاد ظفر تشاغلايان ووزير البيئة والتنمية العمرانية أردوغان بيراقتار ورجلي الأعمال علي أغا أوغلو ورضا صراف. ولقد أصدر مدعو العموم أعضاء منظمة غولن تعليمات إلى كوادر المنظمة داخل جهاز الأمن لتنفيذ عملية في إطار الأوامر الصادرة لهم. وكان المدعون الذين أداروا محاولة الانقلاب قد أطلقوا تلك العملية دون إعلام النائب العام في إسطنبول.
إن عدم تسجيل تفاصيل التحقيق في النظام القومي لمعلومات شبكة القضاء يعتبر انتهاكا للقانون. لقد نفذت قوات الأمن عدة حملات متزامنة على عشرات المنازل في ساعات الليل المتأخرة للقبض على أبناء الوزراء ورئيس البلدية ومدير عام المصرف وعدد كبير من رجال الأعمال، غير أن تلك القوات أخفت تلك التعليمات عن رؤسائها. وكان وزير الداخلية معمر غولر قد علم بالحملات عندما ألقي القبض على نجله. كما زعم مدير أمن إسطنبول حسين تشابكين ووالي إسطنبول عوني موتلو أنهما لم يطلعا على تلك التطورات. أصدرت المحكمة التي عرض عليها 71 مشتبها به بعد إلقاء القبض عليهم قرارا باعتقال 24 شخصا منهم، فيما أطلقت سراح 38 آخرين بشرط الرقابة القضائية.
كان الصحفيون أعضاء منظمة غولن يديرون الجانب الإعلامي للكيان. الخلاصات المعدة مسبقا، تسجيلات المراقبة المسجلة بطرق غير رسمية، مشاهد عمليات التفتيش في المنازل... واعتبارا من صباح يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2013 بدأ صحف زمان وبوغون وطرف المملوكة لأعضاء منظمة غولن بنشر تلك المعلومات، كما بدأ صحف مثل حريت وراديكال وخبر تورك هي الأخرى بنشرها على مواقعها الإلكترونية. لقد وحد أعضاء منظمة غولن، الذين لعبوا أدوارا قوية ومؤثرة تقريبا في كل المؤسسات الإعلامية، خطاباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية، وأخذوا يرددون أمام الرأي العام أن حملات الشرطة "عملية لكشف الفساد"، وأنه "ليس من الصحيح تفسيرها على أنها تصفية حسابات سياسية".
كان العيون قد توجهت نحو رئيس الوزراء أردوغان الذي كان حاضرا في قونيا للمشاركة ذلك اليوم في برنامج "شب عروس". ولقد رفعت كلمات أردوغان التي ألقاها على هامش البرنامج بعد الظهر التوتر عن جناح حزب العدالة والتنمية؛ إذ قال: "لن يستطيع من احتموا ببؤر الظلام داخل تركيا وخارجها أن يلعبوا بوجهة البلاد، ولن ينجحوا في تبديل أمورها. تركيا ليست دولة يمكن تنفيذ عملية بها، لن يسمح الشعب بذلك، كما لن تسمح حكومة حزب العدالة والتنمية بذلك بصفتها حكومة هذا الشعب. من كان لديه تصفية حساب ويثق في قدراته فأمامنا انتخابات يوم م30 مارس/آذار، ليشاركوا في تلك الانتخابات ويصفوا حسابهم هناك مع الشعب. لن نسمح نحن ولا شعبنا بتصفية الحسابات خارق صناديق الانتخابات. تركيا ليست جمهورية موز، وليست جمهورية قبلية من الدرجة الثالثة تنتهك فيها حقوق الشعب ولا يعتبر بها بقراراته. لن يستطع أحد من الداخل أو الخارج التحريض على إثارة الفوضى في بلدي وتنفيذ المكائد القذرة". كانت العبارات التي استخدمها أردوغان بإشارته إلى صناديق الانتخابات وتشديده على أن "تركيا ليست جمهورية موز" وأنها "ليست جمهورية قبلية من الدرجة الثالثة تنتهك فيها حقوق الشعب ولا يعتبر بها بقراراته" تفيد بأن الحملة التي انطلقت في الصباح هي محاولة انقلابية. وكان الرأي العام سيدرك ويعتبر بعد سنوات أن ما حدث يوم 17 ديسمبر/كانون الأول كان محاولة انقلاب.
استقال يوم 22 ديسمبر 4 وزراء وردت أسماؤهم في التحقيق، وأظهرت الحكومة ردة فعل صارمة إزاء محاولة التآمر هذه. عزل مدير أمن إسطنبول حسين تشابكين وعين مكانه سلامي آلتناوك. كما أبطل مفعول كوادر الكيان الموازي داخل الجهاز الأمني، فيما نقل ملف القضية من جلال كايا إلى مدعي آخر.
غير أن أعضاء منظمة غولن كانوا يخططون لتوجيه ضربة قاصمة إلى الحكومة من خلال محاولة الانقلاب التي بدأوها في إطار مكيدتهم بواسطة مزاعم الفساد. ولقد ظهرت حملاتهم الأساسية يوم 25 ديسمبر؛ إذ أعد المدعي معمر آكاش وثيقة لاستدعاء بلال نجل رئيس الوزراء أردوغان للإدلاء بأقواله بصفته مشتبها به في إطار التحقيق الذي بدأه بزعم الفساد والرشوة. وعقب العملية بفترة قصيرة انتشر على الإنترنت تسجيل صوتي مفبرك يزعم أنه لحوار جرى بين أردوغان وابنه بلال. وبهذه الطريقة فهم الجميع أن أردوغان هو الهدف الأساسي لمكيدة الفساد التي دبرها الكيان الموازي. ولقد أصدر المدعي الخاص معمر آكاش قرارا صباح يوم 25 ديسمبر بإلقاء القبض على 96 شخصا كان من بينهم مسؤولون إعلاميون ورجال أعمال مسؤولون عن مشاريع كبرى مثل الجسر الثالث والمطار الثالث في إسطنبول وبلال أردوغان والفنان أورهان غنجاباي. إلا قرارات المدعي آكاش بإلقاء القبض على هؤلاء الأشخاص لم ينفذها المسؤولون الشرطيون الذين عينوا مكان الشرطيين المنتمين إلى الكيان الموازي عقب تصفيتهم بعد تاريخ 25 ديسمبر. كتبت الصحف في اليوم التالي أن كفاحا مستميتا يجري داخل مديرية أمن إسطنبول للتغلب على رجال الأمن أعضاء منظمة غولن. كان مئات قرارات التنصت في إطار تحقيق 25 ديسمبر قد صدرت بتوقيع قاضيين يدعيان سليمان كاراتشول ومنكشه أويار. وكان كل من رئيس الوزراء أردوغان والوزراء بن علي يلدريم وعمر تشليك ومعمر غولر قد جرى التنصت عليهم لفترة طويلة دون صدور أي قرار بحقهم، وذلك بعد تحديد اتصالاتهم بشكل غير قانوني بصفتهم طرفا ثالثا. ولقد سجلت هذه المكالمات على أشرطة وجرى تخزينها.
استمر أعضاء منظمة غولن في نشر التسجيلات الصوتية عبر الإنترنت، ليشيعوا بهذه الطريقة أن فضيحة فساد كبرى تشهدها تركيا. كما بدأوا يروجون لفكرة أن الحكومة تحاول التستر على الفساد باستخدام عبارات من قبيل "الحكومة تتسر على الفساد"، "الحكومة تهاجم الجماعة بعد ظهور الفساد"، "عزل المدعين الذين كشفوا الفساد" وذلك تفسيرا للتصرف الذي أقدمت عليه الحكومة لمواجهة محاولة التآمر التي أقدم عليها الكيان الموازي تحت ستار مكافحة الفساد. كما انتقد الإعلام الغولاني عزل المدعي بشدة، وبدأ يدافع عنهم ويدعمهم. ومن ناحية أخرى، استقال من حزب العدالة والتنمية نواب برلمانيون معروفون بقربهم للكيان الموازي وهم إدريس نعيم شاهين وأرطغرول غوناي وخلوق أوزدلجا وأحمد أوكسوز كايا وأردال كالكان، وذلك بهدف وضع الحزب في موقف لا يحسد عليه.
كان أردوغان هو من وضع تعريفا لمن استهدفوا حزب العدالة والتنمية وحكومته والدولة؛ إذ قال على هامش مراسم افتتاح عدة مؤسسات بمدينة مانيسا يوم 27 ديسمبر/كانون الأول واصفا أعضاء منظمة غولن داخل الدولة "هناك كيان مواز داخل الدولة"، ليشير بذلك إلى الأشخاص التي ستحاول الدولة التغلب عليهم.
كانت الحكومة من ناحية تسعى لمنع محاولة الكيان الموازي الانقلاب ضدها، ومن ناحية ثانية بدأت تتخذ تدابير لمواجهة ذلك الكيان داخل جهازي الأمن والقضاء. وعقب هذه العملية فطن الجميع إلى خطر تكتل أعضاء منظمة غولن داخل مفاصل الدولة. ولمواجهة تكتلهم داخل جهاز القضاء، غيرت الحكومة مناصب 166 قاضيا ومدعيا كان من بينهم مدعي التحقيق جلال كارا بتاريخ 29 يناير/كانون الثاني 2014 والنائب العام بإسطنبول زكريا أوز الذي أصدر إذن التحقيق، وذلك بمرسوم المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 11 فبراير/تشرين الثاني 2014. وكذلك أطلقت الحكومة حملة داخل جهاز الأمن عزلت خلالها عدة أشخاص منتمين إلى الكيان الموازي مثل يعقوب صايغيلي وكاظم آكصوي وإبراهيم شنر ومصطفى دميرهان وعارف إيبيش وماهر تشكالي، كما جرى تغيير أماكن وظائف أكثر من ألف شرطي يتنسبون إلى الكيان الموازي كانوا قد تكتلوا داخل الجهاز الأمني.
أراد الكيان الموازي إسقاط الحكومة من خلال مكيدة الفساد، لكنه فشل في الوصول إلى مبتغاه، ولهذا أسس إستراتيجية التالية على حملة تضليل وتشويه واسعة النطاق. لقد زعم أعضاء منظمة غولن أنهم "أبرياء" عقب حملة 17 – 25 ديسمبر/كانون الأول 2013، وأن الحكومة بدأت تستهدفهم بعدما "كشف أن أردوغان متورط في فضيحة فساد". وبدأ الكيان الموازي تصوير أردوغان في الداخل والخارج على أنه "زعيم متورط في الفساد". وشرعوا باستخدام النقاشات التي دارت حول هذا الشأن خلال أحداث متنزه غيزي؛ إذ قالوا إن أردوغان بدأ يسير في طريق الدكتاتورية في الآونة الأخيرة، ودافعوا عن فكرة أنهم الحاجز الأخير أمام النظام الدكتاتوري الذي يريد تأسيسه. وبهذه الطريقة بدأ أفراد الكيان الموازي يشيرون إلى أردوغان على أنه "الآخر" من خلال عبارة "الدكتاتور"، وصوروا الجبهة التي أسسوها على أنه "جبهة شرعية" وأنها "القلعة الأخيرة التي يجب دعمها لمواجهة أردوغان". تمكن الكيان الموازي، الذي بدأ يكرر تلك الأفكار بصوت عال، في التأثير في الخارج، خصوصا الغرب، بفضل شبكة العلاقات التي يتمتع بها، وحاول نشر فكرة أن أردوغان يسعى لإبعاد تركيا عن الغرب من خلال السياسات التي ينتهجها، وهي الفكرة التي دعمتها عدة جهات غربية. وبدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يستهدفان تركيا من خلال مصطلحات "الديمقراطية، حقوق الإنسان، حرية الصحافة" التي بدأ الكيان الموازي يرددها عقب المؤامرة التي دبرها للحكومة.
أقدم الكيان الموازي على تنفيذ هجوم جديد يوم 19 يناير/كانون الثاني 2014 بعدما فشل في الوصول إلى غرضه يومي 17 – 25 ديسمبر/كانون الأول 2013. أصدر النائب العام في أضنة سليمان باغريانيك أمرا بإيقاف شاحنات تابعة لجهاز الاستخبارات كانت تنقل مساعدات من تركيا إلى تركمان بايربوجاك في سوريا. طلبت فرق الدرك المؤلفة من 125 شخصا تفتيش الشاحنات بأمر من نيابة كيريكهان. غير أن والي هاتاي أصدر تعليمات بعدم تفتيش الشاحنات بعدما أبلغ في تعليماته أن من كانوا على متن الشاحنات هو موظفون بجهاز الاستخبارات وأن الشاحنات تابعة للجهاز. غير أنه عقب وصول مدعي القانون المدني التركي في أضنة أوزجان شيشمان إلى كيريكهان قطعت الشرطة الطريق أمام الشاحنات التي واصلت طريقها بتدخل جهاز الاستخبارات بعدما أراد البعض تفتيشها بالقوة بزعم أنها تحمل أسلحة. وبدأت وسائل إعلامية، كان من بينها إعلام الكيان الموازي، تنقل الصور الخاصة بالواقعة مصورة أن "تركيا تدعم المنظمات الإرهابية بالسلاح". وقد دافع من نشر هذه الأخبار عن فكرة أن تركيا تدعم بالسلاح عدة منظمات إرهابية في سوريا وعلى رأسها داعش، وأن هذه الشاحنات كانت تنقل أسلحة إلى تلك المنظمات.
نشرت وسائل الإعلام المملوكة للكيان الموازي، وفي مقدمتها جريدة زمان، المعلومات التي ساقها المنتمون إلى الكيان الموازي داخل جهازي الأمن والقضاء. لقد حاول الكيان الموازي على المستوى الدولي ربط تركيا بالإرهاب عبر نشر الادعاء الذي يقول إنها تدعم منظمة القاعدة وسائر المنظمات الإرهابية الأخرى.
أقدم الكيان الموازي على زيادة جرعة محاولة الخيانة عبر تقديم معلومات ووثائق حول الواقعة إلى جان دوندار رئيس تحرير جريدة جمهوريت، ليضيفوا بعدا جديدا إلى الحادث. نشرت جريدة جمهوريت يوم 29 مايو/أيار 2015 خبرا عن شاحنات جهاز الاستخبارات كان عنوانه "ها هي الأسلحة التي أنكر أردوغان وجودها". وبالرغم من تأكيد تركمان بايربوجاك صحة نقل تلك الشاحنات مساعدات لأهلهم، نشرت جريدة جمهوريت وثائق "ألتجسس" التي حصلت عليها من الكيان الموازي، وقالت إن تركيا تدعم الإرهاب.
بحلول تاريخ 14 مارس/آذار 2014 انتشر على الإنترنت تسجيل صوتي يستهدف الحكومة؛ إذ نشر بشكل متزامن مع اقتراب الانتخابات المحلية يوم 30 مارس. نشر الكيان الموازي تسجيلات صوتية خاصة بالاجتماع الذي عقد في وزارة الخارجية بمشاركة وزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان ومستشار وزارة الخارجية فريدون سينيرلي أوغلو والرئيس الثاني لهيئة الأركان الجنرال ياشار غولر، واستهدف الكيان من وراء ذلك النيل من سياسة تركيا في سوريا. بدأ الكيان الموازي، الذي نشر ذلك التسجيل الصوتي الخاص بالاجتماع الذي نوقشت فيه الأزمة السورية والتطورات المتعلقة بضريح سليمان شاه، بقيادة حملة تضليلية تروج لفكرة أن "الحكومة تخطط لخوض حرب من أجل الفوز في الانتخابات". وبهذه الطريقة سعى الكيان الموازي توجيه ضربة لسياسة تركيا في سوريا، كما أقدم على مهاجمة الأمن القومي بشكل خطير. فهذا الكيان الذي نشر تسجيلا صوتيا خاصا بأكثر اجتماعات الدولة حساسية أخذ يروج على المستوى الدولي لفكرة أن تركيا "يمكن أن تشن هجوما على سوريا".
كانت هناك مساع من خلال هذه الهجمات التي استهدفت سياسة تركيا في سوريا لتشكيل جبهة معادية لتركيا على المستوى العالمي، ومن ناحية أخرى حاول الكيان الموازي تضليل الرأي العام التركي من خلال الترويج لفكرة أن أردوغان والحكومة سيجعلون تركيا تخوض حربا من أجل الفوز بالانتخابات. ولمواجهة هذه المحاولات الخائنة، عقد مجلس الأمن القومي اجتماعا بتاريخ 30 أبريل/نيسان 2014 أقر فيه أن كيان الدولة الموازية يشكل تهديدا كبيرا على الأمن القومي لتركيا. وبهذه الطريقة أضيف هذا الكيان إلى قائمة "المنظمات الإرهابية" التي تهدد أمن الدولة، كما أكد قرار مجلس الأمن القومي أن "الكفاح سيستمر بكل حزم لمواجهة الكيانات الموازية والمنظمات غير الشرعية التي تهدد أمننا القومي وتفسد النظام العام وتزاول أنشطة غير قانونية تحت ستار شرعي في الداخل والخارج".
عاشت تركيا إحدى أكثر فترات تاريخها حساسية بينما كانت تستعد لإجراء الانتخابات المحلية في 30 مارس/آذار 2014، إذ كانت تواجه الأزمة السورية من ناحية، والكيان الموازي من ناحية ثانية. فالتوتر الذي بدأ بوتيرة 17 – 25 ديسمبر/كانون الأول 2013 ووصل إلى ذروته مع محاولة تفتيش شاحنات جهاز الاستخبارات تسبب في حدوث حالة استقطاب كبيرة في الداخل. واصل كيان الدولة الموازية تشكيل جبهة عريضة معادية لرئيس الوزراء أردوغان وحكومته والإقدام على خطوات من شأنها وضع تركيا في أزمة على المستويين الداخلي والخارجي. زاد الكيان الموازي من حملات التضليل مع اقتراب الانتخابات المحلية، وشن هجمات واسعة النطاق من خلال وسائل الإعلام. وكان هدفه توجيه ضربة قاصمة لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات خصوصا في أكبر مدينتين إسطنبول وأنقرة، وإضعاف الحكومة قبل الانتخابات الرئاسية. وفي هذا الإطار مارس الكيان الموازي دعاية عريضة معادية لحزب العدالة والتنمية، وكان يبحث عن طريقة للتحالف مع أحزاب المعارضة. تابع الكيان محاولاته لإضعاف حزب العدالة والتنمية من خلال تكرار مواضيع مثل مزاعم الفساد وشاحنات جهاز الاستخبارات وحرية الصحافة وسياسة تركيا في سوريا من خلال وسائل الإعلام والمنشورات والكتيبات التي كان يطبعها. ومن ناحية أخرى بدأ الكيان نشر مزاعم جديدة بشأن حزب العدالة والتنمية وأردوغان عبر وسائل الإعلام.
لجأ الكيان الموازي خلال تلك الفترة إلى طريقة أخرى للدعاية، ألا وهي نشر مزاعم تفيد بأن نسبة تصويت أنصاره في الانتخابات تصل إلى 15%، ولهذا فإن حزب العدالة والتنمية سيفقد نسبة أصوات كبيرة في هذه الانتخابات. وكان الكيان الموازي يزعم بشأن الاستفتاء على التعديلات الدستورية عام 2010 أن الصناديق أفرزت "نعم" بفضل أصوات أنصاره في تلك الفترة. وكان الكيان يرى أن حزب العدالة والتنمية سيفقد أصوات كثيرة خصوصا في إسطنبول وأنقرة. ولتحقيق هذا الغرض، سعى الكيان للتحالف مع الأحزاب السياسية، وحصلوا أحيانا على الدعم الذي كانوا يرغبونه. غير أن نتائج الانتخابات المحلية أثبتت أن نسبة أصوات المنتمين إلى الكيان الموازي ليست كبيرة كما يدعون، وأن حزب العدالة والتنمية وحكومته لم يتأثرا بسبب حملات التضليل، وأن الحزب لا يزال يتمتع بدعم شعبي كبير.
كانت أكبر إستراتيجية للكيان الموازي قبيل الانتخابات الرئاسية موجهة نحو اتفاق أحزاب الشعب الجمهوري والحركة القومية والسلام والديمقراطية على مرشح واحد في مواجهة أردوغان. ولقد سعى الكيان من لفترة طويلة حتى تتفق هذه الأحزاب الثلاث على مرشح واحد، وروجت لهذه الفكرة من خلال وسائل الإعلام. كما استغل الكيان وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال في سعيه لتشكيل جبهة مضادة لأردوغان.
انطلقت حملة دعاية ضد أردوغان والحكومة من حساب على موقع تويتر حمل اسم فؤاد عوني، واتضح لاحقا أن هذا الشخص ينتمي إلى الكيان الموازي الذي سعى من خلال هذه المحاولة إضعاف أردوغان قبيل الانتخابات الرئاسية. قال عوني إنه شخص من الداخل وشارك معلومات زعم أنها تحققت، وكان يصف أردوغان بلقب "يزيد"، ويزعم أنه يحاول جر تركيا نحو الفوضى من خلال الخطط الجديد التي يعمل عليها دائما. كانت هذه المعلومات تلقى اهتماما كبيرا من وسائل الإعلام، ما كان يؤجج معاداة أردوغان. كما بدأ الكيان الموازي، الذي أشار إلى النقاشات الدائرة حول النظام الرئاسية على وجه الخصوص، تعريف أردوغان على أنه "ديكتاتور"، وأنه عنصر يجب إيقافه. ودعا الكيان المعارضة والرأي العام التركي لدعم مرشح مختلف يمكنه إيقاف تقدم أردوغان. ولقد نفذ الكيان حملة دعائية لفترة طويلة من أجل ضم حزب الشعوب الديمقراطية لحزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية للاتفاق على مرشح مشترك. غير أن الكيان لم يحصل على الدعم الذي كان يأمله بخصوص "المرشح المشترك" بعدما توافق حزبا الشعب الجمهوري والحركة القومية على ترشيح أكمل الدين إحسان أوغلو، فيما آثر حزب الشعوب الديمقراطية ترشيح صلاح الدين دميرطاش.
اعتبر الكيان الموازي ترشح إحسان أوغلو أمرا إيجابيا في اعتقاد أن بإمكانه حصد أصوات اليمين المحافظ، فيما رأى دميرطاش على أنه أهم سلاح لإضعاف فرصة انتخاب أردوغان. ولقد قدم الكيان في هذا الإطار دعما ضمنيا لإحسان أوغلو، كما أدار حملة دعائية كبيرة من خلال دميرطاش. وبدأ الكيان تخصيص مساحة أكبر لدميرطاش في وسائل الإعلام، وحاول الحيلولة دون انتخاب أردوغان في الجولة الأولى، ولعب ورقته الأخيرة قبيل الانتخابات الرئاسية.
بعدما فشل الكيان الموازي في توجيه الضربة التي أرادها إلى حزب العدالة والتنمية وأردوغان في الانتخابات المحلية والرئاسية، تابع هجماته من خلال خطاب جديد عقب فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية بنسبة أصوات بلغت 52%. وكان أكثر مسألة طرحها الكيان على الرأي العام عقب الانتخابات هي مسألة المجمّع الرئاسيّ (القصر الجمهوريّ). فبدأ يصف الكلية عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بـ"القصر غير الشرعي" و"قصر يزيد"، وادعى أن أردوغان "أنشأ القصر لنفسه"، وسعى لتوسيع نطاق الجبهة المعادية لأردوغان.
اعتمد الكيان الموازي في إستراتيجياته الأساسية للمرحلة الجديدة على فكرة أن "أردوغان يريد تأسيس نظام الرجل الأوحد"، وبدأ يروج لفكرة أنه يريد النظام الرئاسي من أجل نفسه. وأخذ يقول إنه في حالة إقرار النظام الرئاسي فإن أردوغان سيؤسس النظام الدكتاتوري، وأنه سيجر تركيا نحو حالة عارمة من الفوضى، وأنه سيقطع أواصر تركيا مع الغرب.
بدأ مرحلة حساسة من مكافحة كيان الدولة الموازية عقب الانتخابات الرئاسية في تركيا. وبعد أن اعتبر مجلس الأمن القومي الكيان تهديدا للأمن القومي التركي، أدرج الكيان في الكتاب الأحمر في يناير/كانون الثاني 2015. وعليه، فقد أدرج الكيان كعنصر يهدد الأمن القومي في الوثيقة السياسية للأمن القومي في تركيا.
شهدت المرحلة التالية بداية مواجهة مؤثرة للمؤسسات والهيئات التابعة لمنظمة الدولة الموازي، فألغيت المحاكم ذات الصلاحيات الخاصة بتعديلات أدخلت على جهاز القضاء. وكانت هذه خطوة هامة لإضعاف تأثير الكيان الموازي داخل جهازي القضاء والأمن. جرى تغيير أماكن توظيف عدد من المنتسبين إلى الكيان الموازي من الذين تغلغلوا داخل الجهاز الأمني، فيما نقل عدد آخر منهم إلى وظائف سلبية. غير أن نقل عدد من المنتسبين للكيان من العاملين بالجهاز الأمني إلى وظائف جديدة في الولايات الشرقية والجنوبية الشرقية بدأ يؤثر سلبا على عملية السلام مع الأكراد؛ إذ أقدم هؤلاء المنتمون إلى الكيان الموازي على تنفيذ إجراءات من شأنها الإضرار بعملية السلام في المناطق التي عينوا بها. وزاد تأثير هذا الأمر خلال الفترة التي سبقت انتخابات 7 يونيو/حزيران في وقت أثرت فيه التطورات السياسية بشكل مباشر على عملية السلام التي تحولت إلى أداء يستغلها الكيان الموازي لمعاداة حزب العدالة والتنمية الذي كان الكيان يريد إضعافه في الانتخابات؛ إذ تحالف مع حزب الشعوب الديمقراطية من ناحية، ومن ناحية أخرى بدأ استغلال الاشتباكات التي اندلعت بسبب هجمات حزب العمال الكردستاني الإرهابي.
كان أهم الأهداف الإستراتيجية للكيان الدولة الموازي يهدف في الفترة التي سبقت انتخابات 7 يونيو/حزيران إلى تأسيس نظام جديد لا يحكم فيه حزب العدالة والتنمية تركيا. ولهذا قدم الكيان دعما كبيرا لأحزاب المعارضة، كما زاد من أنشطته المعادية لحزب العدالة والتنمية، واتجه للتحالف مع عدة أوساط جاء في طليعتها حزب الشعوب الديمقراطية الذي أصبح أهم شركاء الكيان لأنه كان فيه حالة تخطيه العتبة البرلمانية ودخوله البرلمان فإن حزب العدالة والتنمية لن يتمكن من تشكيل الحكومة بمفرده. وإذا أخذنا بعين الاعتبار التأثير الذي أحدثته تصريحات حزب الشعوب الديمقراطية التي استهدفت أردوغان بمقولة "لن نجعلك رئيسا للجمهورية!" بين صفوف الجبهة المعادية لحزب العدالة والتنمية، سنرى أن حزب الشعوب الديمقراطية أصبح بالنسبة للكيان الموازي لاعبا يمكن دعمه. بدأ الكيان الموازي الترويج لحزب الشعوب الديمقراطية من خلال وسائل الإعلام في المرحلة التالية، وكثفت فعاليات الدعاية للحزب من خلال استضافة عدد من كوادره على شاشات قنواته الخاصة. كما سافر أكرم دومانلي، رئيس التحرير السابق لجريدة زمان إحدى أهم مؤسسات الكيان الموازي الإعلامية، إلى ديار بكر وعقد اجتماعات مع عدة شخصيات من حزبي الشعوب الديمقراطية/المناطق الديمقراطية. وخلال الفترة التي سبقت موعد الانتخابات في 7 يونيو/حزيران قدمت عدة وسائل إعلامية وكذلك الكيان الموازي حزب الشعوب الديمقراطية من خلال زعيمه دميرطاش على أنه عنصر مؤثر، كما زاد الاهتمام الذي حظي به الحزب وزعيمه على المستوى الدولي، ما أدى إلى زيادة نسبة أصوات الحزب في الانتخابات. وبتخطي الحزب العتبة البرلمانية في انتخابات 7 يونيو وصل الكيان الموازي إلى أهم أهدافه، وكان الكيان هو أكبر المستفيدين من فشل حزب العدالة والتنمية في تشكيل الحكومة بالرغم من حصوله على 256 مقعدا في البرلمان، ما يعني احتمال تشكيل حكومة ائتلافية.
عقب فشل حزب العدالة والتنمية في تشكيل حكومة بمفرده، بدأ لقاءات مع أحزاب المعارضة لتشكيل حكومة ائتلافية. وخلال تلك الفترة عمل الكيان الموازي على إيجاد صيغة تجمع حزبي الحركة القومية والشعوب الديمقراطية اللذين يمثلان تيارين مختلفين. ضغط الكيان ليشكل أحزاب الشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطية الائتلاف، وأخذ يروج لأن هذه الأحزاب الثلاث تشكل كتلة قوامها 60% من الأصوات. صرح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو بأن كتلة 60% من الأصوات يمكن أن تتفق في هذه المرحلة، فيما أعلن حزب الحركة القومية اليميني أنه لن يكون جزء من ائتلاف يضم حزب الشعوب الديمقراطية. أدى فشل مفاوضات تشكيل الائتلاف بين حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري وفشل أحزاب المعارضة الثلاث في تشكيل ائتلاف فيما بينها، وهو أكثر ما كان يريده الكيان الموازي، إلى إجراء انتخابات مبكرة. أجريت الانتخابات يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني، ونجح حزب العدالة والتنمية في تشكيل الحكومة منفردا من جديد، لتبدأ مرحلة جديدة من مكافحة الكيان الموازي. شهدت تلك المرحلة اتخاذ تدابير أكثر فعالية ضد المؤسسات والهيئات التابعة للكيان الموازي الذي أدرج كمنظمة إرهابي في الوثيقة السياسية للأمن القومي.
بحلول مطلع الألفية الثالثة أصبح الكيان الموازي يمتلك عدة مؤسسات إعلامية مثل تلفزيون سامان يولو وجريدة زمان ومجلتي سينزنتي وأكسيون، وزادت قواته في المجال الإعلامي في السنوات التالية. وخلال تلك الفترة افتتح الكيان داخل بنية تلفزيون سامان يولو قنوات جديدة مثل إس تي في أوروبا، إس تي في أمريكا، إس خبر، مهتاب تي في، إبرو تي في، يومورجاك تي في، كوره تي في، هازار تي في، دنيا تي في باللغة الكردية، إم سي تي في. كما حقق الكيان نموا مهما في مجال الصحافة المكتوبة، وكان هناك ادعاء يقول إن جريدة زمان توزع أكثر من مليون نسخة يوميا في السنوات التي تلت عام 2010. ولقد ساهمت جريدة Today’s Zaman النسخة الإنجليزية من جريدة زمان في انفتاح الكيان الموازي على العالم وجمع متابعين على المستوى الدولي. وبحلول عام 2005 اشترت مجموعة كوزا القابضة، المملوكة لأكين إيبك أحد أهم شخصيات الكيان الموازي، جريدة بوغون لتضيف قوة جديدة إلى الجناح الإعلامي للجماعة. كما استحوذ إيبك عام 2008 على قناة كانال تورك محققا نموا كبيرا في قطاع الإعلام. أما في عام 2009 فقد أطلقت مجموعة كوزا قناة بوغون تي في. وبهذه الطريقة حاول الكيان الموازي حجز مكان بين أهم وسائل الإعلام بفضل مجموعة سامان يولو الإعلامية وفضا الصحفية إلى جانب مجموعة كوزا القابضة وما تمتلكه من قنوات.
بدأ الكيان الموازي – في الوقت نفسه – ينشر جريدة زمان في دول أوروبا؛ إذ نشرت الجريدة في عدة دول مثل ألمانيا وفرنسا وبلجيكا بشكل أسبوعي. وبهذه الطريقة أسس الكيان شبكة إعلامية قوية داخل تركيا وخارجها. لقد أدار الكيان الأنشطة الدعائية الخاصة بأنشطة المنظمة من خلال وسائل الإعلام، ونجح في الوصول إلى قطاعات عريضة. كانت صحيفة طرف، التي أسست عام 2007، من أهم الصحف المملوكة للمنظمة. لفتت الجريدة الانتباه منذ تأسيسها من خلال الوثئق العسكرية التي كانت تنشرها. كما غطت الصحيفة بشكل متزامن الادعاءات الخاصة بقضايا مثل المطرقة واتحاد المجتمعات الكردية ومذكرات الإنترنت خلال تلك الفترة التي بدأت بظهور دعوى أرغينيكون. كما ظهرت الجريدة على الساحة خصوصا عندما كان الصحفي محمد بارانسو ينشر الأخبار وصور حقيبة ادعى أن بداخلها وثائق مهمة قبيل الكشف عن قضية المطرقة. وكانت الجريدة تزاول عملها الصحفية بصفتها مؤسسة إعلامية تمارس مهنة صحافة الحملات. كما أسست جريدتا كارشي وميدان في الفترة التي تلت عام 2014.
لعبت وسائل الإعلام المملوكة للكيان الموازي دورا مهما في الفترة التي شهدت مناقشة دعاوى مثل المطرقة واتحاد المجتمعات الكردية ومذكرات الإنترنت والتلاعب بنتائج المباريات. ولقد أثرت وسائل الإعلام تلك على سير هذه القضايا بعدما أخذت تناقش المزاعم الخاص بها بتفاصيل مثيرة على صفحات جرائدها وشاشات قنواتها. كما شكلت هذه الصحف والمجلات الجناح الإعلامي للحملة التي أطلقها من تغلغلوا إلى أجهزة الدولة من المنتمين إلى الكيان الموازي، ومارست أعمالا دعائية مكثفة خلال أحداث 17 – 25 ديسمبر/كانون الأول وما تلاها. وقد اتخذت الدولة تدابير شديدة لمواجهة هذه المؤسسات الإعلامية مع إدراج هذا الكيان على لائحة المنظمةات الإرهابية بقرار مجلس الأمن القومي.
أخرجت قنوات مملوكة للكيان الموازي مثل سامان يولو تي في وإس خبر ومهتاب تي في يومورجاك تي في وكانال تورك وبوغون تي في من قائمة القنوات التركية بتاريخ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2015. كما عينت الحكومة وصيا على قناتي كانال تورك وبوغون تي في المملوكة لآكين إيبك بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الأول 2015. وهكذا أقدمت الحكومة على أولى الخطوات المؤثرة تجاه وسائل إعلام الكيان الموازي. وقد قطع بثت تلك القناتين بعد ذلك بفترة. وعقب ذلك بفترة قصيرة أخرجت 13 قناة تابعة لمجموعة سامان يولو الإعلامية من القمر التركي توركسات بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. وبحلول تاريخ 7 مارس/آذار 2016 صدر حكم قضائي بتعيين أوصياء على جريدة زمان ووكالة جيهان للأنباء اللتين تعتبران أهم مؤسستين إعلاميتين للكيان الموازي. وهكذا جرت السيطرة على المؤسسات الإعلامية لمنظمة غولن الإرهابي وتضييق نطاق دعاياتها داخل تركيا. ولقد تجمع عدد من المنتمين للمنظمة أمام جريدة زمان عقب تعيين وصي عليها ورددوا هتافات مناهضة للحكومة، وجرى تصوير بعض الصور والمقاطع وإرسالها إلى الإعلام الغربي. وقد اشتكى الصحفيون المنتمون للمنظمة تركيا إلى الإعلام الغربي ومؤسسات الاتحاد الأوروبي من خلال خطابات كتبوها إليها. سعت منظمة غولن الإرهابية، الذي اعتبرت منظمة إرهابيّة منذ عام 2015 بعد أن حاول قلب نظام الحكم في تركيا، لعزل تركيا دوليا من خلال مزاعم تضرر حرية الإعلام بعد تعيين أوصياء على وسائل الإعلام المملوكة له. ولقد أدلت عدة دول غربية بتصريحات ضد تركيا نتيجة الدعاية التي قادها المنظمة في الغرب، كما حظي المنظمة بالدعم هناك. وعقب محاولة المنظمة تنفيذ انقلاب في 15 تموز/يوليو 2016 أغلقت سائر المؤسسات والهيئات ووسائل الإعلام التابعة للمنظمة من خلال المراسيم في حكم القانون.
قاد العسكريون الخونة من أعضاء منظمة غولن الإرهابية ليلة 15 يوليو 2016 محاولة انقلاب للإطاحة بالحكومة. أغلق الانقلابيون جسري السلطان محمد الفاتح والبوسفور في إسطنبول، كما قصفوا كلية رئاسة الجمهورية ومقرات جهاز الاستخبارات والبرلمان ومدرسة غولباشي للشرطة والقمر الصناعي التركي توركسات في أنقرة. كما سيطروا على مقرات التلفزيون والإذاعة الرسمية تي آر تي، وأوضحوا من خلال بيان مزيف أنهم سيطروا على مقاليد البلاد وأعلنوا الأحكام العرفية. من جانبه قال رئيس الوزراء بن علي يلدريم في تصريح أدلى به مباشرة عقب محاولة الانقلاب إن تلك المحاولة نفذتها "قلة من العسكريين".
دعا الرئيس أردوغان، في تصريح له في الساعة 12:26 بعد منتصف الليل، الشعب للنزول إلى الميادين لمواجهة محاولة الانقلاب التي ينفذها منظمة غولن الإرهابية. ولقد تدفق الناس إلى الشوارع تلبية لدعوة أردوغان، وأظهروا مقاومة مشرفة في مواجهة الانقلابيين الذين وجهوا نحو المدنيين الأسلحة التي جرى شراؤها بضرائب الشعب. استشهد 241 شخصا وأصيب ألفان آخرون بسبب الهجمات التي شنها الخونة من أعضاء منظمة غولن الإرهابية ليلة محاولة الانقلاب. ولقد عززت مقاومة المنظمة التي بدأت عام 2013 بشكل أكبر بفضل الموقف الحازم للحكومة والرئيس أردوغان في مواجهة المنظمة. أعلنت الحكومة حالة الطوارئ بتنفيذ عملية شاملة ضد المنظمة، واتخذت حزمة من التدابير الصارمة ضد عدد من المؤسسات والهيئات التابعة للمنظمة داخل تركيا، كما ضربت بيد من حديد على من ينتمي إلى المنظمة من أولئك الذين تغلغلوا داخل مفاصل الدولة. صادرت وزارة التربية والتعليم ملكية جميع المدارس التابعة للمنظمة عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، كما ألغت تصاريح العمل الخاصة بالمدرسين المنتمين للمنظمة من الذين يعملون في تلك المدارس.
بدأت الحكومة كفاحا ضد الانقلابيين المنتمين لمنظمة غولن الإرهابية والمؤسسات والهيئات التابعة للمنظمة عقب محاولة الانقلاب الفاشلة. وكانت المنظمة تتمتع بدخل بلغ 11 مليار دولار بفضل تلك المؤسسات بعدما أصبح لاعبا مؤثرا خلال الأربعة عقود المنصرمة في عدة مجالات في تركيا في مقدمتها المدارس ومراكز الدروس الخصوصية والكليات والإعلام وشركات التمويل والمصارف. وكانت المنظمة التي تنشط بشكل فعال خصوصًا في مجال التعليم، تمتلك آلاف المدارس داخل تركيا. ولقد بدأت وزارة التربية والتعليم اتخاذ تدابير صارمة ضد هذه المؤسسات عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، فصادرت ملكية جميع المدارس التابعة للمنظمة، كما ألغت تصاريح العمل الخاصة بالمدرسين المنتمين للمنظمة من الذين يعملون في تلك المدارس.
سعت المنظمة لتكون لاعبا مؤثرا في المجال التمويلي منذ سبعينيات القرن الماضي، وبحلول سنوات الألفية الثالثة كان قد شكل لنفسه بنية تحتية مالية قوية. كما حقق المنظمة دخلا ضخما من خلال المؤسسات الصحافية والشركات الإعلامية التي أسسها منذ سنوات الثمانينيات. وخلال سنوات التسعينيات بدأت الشركات المتوسطة تتحول إلى شركات قابضة مع زيادة أرباحها، وبدأ الكيان المعروف بأنه جماعة دينية يتحول إلى كيان يمتلك مجموعة ضخمة من الشركات. وبمرور الوقت ظهرت شركات كبرى مثل كايناك القابضة، كوزا القابضة، فضا للصحافة، أكفا القابضة، في للبناء، مجموعة آيدنلي، إروغلو القابضة، غوللو أوغلو للحلويات، سيد أوغلو للحلويات، بويداك القابضة. كما أسس رجال الأعمال المنتمين لمنظمة غولن الإرهابية جمعية باسم توسكون عام 2005.
كانت جمعية توسكون تمثل 150 جمعية لرجال الأعمال و1200 رجل أعمال. ولقد بدأ رجال الأعمال المعروفون بقربهم من منظمة غولن الإرهابية بالاتحاد فيما بينهم في البداية، ثم بعد ذلك شكلوا اتحادات تجمعهم تحت أسماء مثل MARIFED – ESIDEF – KASIF – ANSIDFED – DASIDEF – GÜNSİAF في مختلف مناطق وأقاليم تركيا. وبانفتاح المنظمة على العالم الخارجي بدأ يضخ استثمارات في الخارج بفضل أنشطة اللوبي التي كان يقوم بها في المناطق التي تنشط بها المدارس التابعة له حيث زاد المنتمون للمنظمة من فعالياتهم على المستوى الدولي. واستقبلت عدة دول تضم مدارس تابعة للمنظمة استثمارات رجال أعمال مقربين للمنظمة. ولقد لعبت المؤسسات وشبكة الضغط التي أسسها المنظمة في تلك البلدان دورا حاسما في ظهور تلك الإمكانيات. ومع تمتع المنظمة بالقوة على المستوى الخارجي، بدأ رجال الأعمال الراغبين في الاستثمار خارج تركيا في إدارة علاقاتهم من خلال المنظمة. وهكذا أصبح رجال الأعمال الأتراك الراغبون في الاستثمار بالخارج غير قادرين على ضح استثماراتهم دون التواصل مع جماعات الضغط التي شكلها المنظمة في تلك الدول. ولقد ساهمت تلك القوة بمرور الوقت في تأسيس علاقة وثيقة بين المنظمة وعدد من رجال الأعمال، ما أفضى إلى حصول المنظمة على الدعم المادي من رجال الأعمال هؤلاء.
سنحت لرجال الأعمال الأعضاء في جمعية توسكون للأعمال فرصة الاستثمار بسهولة على المستوى الدولي عن طريق المنتمين إلى منظمة غولن الإرهابية. ولقد حققت رجال الأعمال المنتمون للمنظمة خلال سنوات الألفية الجديدة إنجازات كبيرة في عدة مناطق كان في طليعتها أفريقيا وآسيا الوسطى. وكان من بين الأمور التي سهلت مهمة توسكون تشجيع الحكومة رجال الأعمال ودعمها لهم للاستثمار في الخارج. وبهذه الطريقة تحولت جمعية توسكون إلى قوة مؤثرة بفضل استثماراتها داخل تركيا وخارجها، ليزيد – بطبيعة الحال – الدعم المادي الذي تقدمه للمنظمة الذي تلقى الدعم الأكبر من رجال الأعمال هؤلاء ليقدم على الهجمات التي بدأها ضد الحكومة عام 2013 وأفضت في النهاية إلى محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016. اتقدت توسكون التدابير التي اتخذتها الحكومة لمواجهة منظمة غولن الإرهابية، كما انتقدت الحكومة وأردوغان وسعت لتبرئة المنظمة. كما انتقد رئيس الجمعية المنتمي إلى المنظمة رضا نور مرال التصريح الذي أدلى به أردوغان بشأن المنظمة عندما قال "سنطاردهم حتى جحورهم!"، وقال قاصدا أردوغان "سيرى قريبا من ذا الذي يعيش في الجحور". هذا فضلا عن أن مرال أعلن دعمه للمنظمة في اجتماع لجمعية توسكون بثته مباشرة قناة سامان يولو تي في، وصفق له الحاضرون من رجال الأعمال المنتمون للمنظمة وهم واقفون في صالة الاجتماع. وقد أدى هذا الأمر إلى ردود أفعال غاضبة، كما كشف النقاب عن الأبعاد التي وصل إليها تهديد منظمة غولن الإرهابية. لقد أطلقت الحكومة حملة لمواجهة رجال الأعمال المنتمين والمرتبطين بالمنظمة من أعضاء جمعية توكسون وغيرهم عقب إعلان حالة الطوارئ بعد محاولة الانقلاب الفاشلة يوم 15 تموز/يوليو. وفي هذا الإطار، صودرت ممتلكات رجال الأعمال الذين ثبت دعمهم للمنظمة، لتوجه الحكومة ضربة قاصمة للجناح المالي للمنظمة.
كانت أقوى الحملات التي قادتها الحكومة للتغلب على خطر منظمة غولن الإرهابية داخل المؤسسة البيروقراطية جهازي الأمن والقضاء والقوات المسلحة. وكان أكبر هدف بالنسبة للحكومة بعد 15 تموز/يوليو هو تصفية المنتمين إلى منظمة غولن الإرهابية الذين وصلت أعدادهم إلى مئات الآلاف تغلغلت داخل مفاصل الدولة نتيجة أنشطة تغلغل استمرت لأربعة عقود. وقادت الحكومة في هذا السياق حملة تطهير كبيرة داخل جهازي الأمن والقضاء والقوات المسلحة والوزارات وسائل مؤسسات الدولة الأخرى. كما اتخذت تدابير فعالة لمواجهة الأشخاص الذين ثبت أنهم يستخدمون تطبيق ByLock الذي يعتبر شبكة تواصل سرية يستخدمها المنتمون للمنظمة. ولقد حققت الدولة تقدما كبير في طريقها نحو تصفية الكيان الخائن الذي تغلغل داخل مفاصل الدولة بفضل الكشف عن الأشخاص الذين ثبت انتمائهم لمنظمة غولن الإرهابية. كما بدأت الحكومة تطوير إستراتيجية جديدة لمواجهة كيان المنظمة في الخارج في ضوء المعلومات التي حصلت عليها، فبدأت تتواصل مع حكومات مختلف الدول لمواجهة مؤسسات المنظمة وهيئاته التي تنتشر في 170 بلدا، وأطلعت عدة دول على معلومات ووثائق تسرد بالتفاصيل دور المنظمة في محاولة الانقلاب الفاشلة. وهكذا بدأ تركيا مكافحة منظمة غولن الإرهابية في الداخل بعد 15 تموز/يوليو من ناحية، ومن ناحية أخرى شرعت في مطاردة المنظمة خارج تركيا.