- هاجر إسماعيل أردوغدو كعامل إلى بلجيكا آخذا معه آلته الموسيقية الـشعبية "ساز" عام 1964 - يُعرف بأنه "أول تركي جاء إلى بلجيكا ومعه الساز" ونال في عام 2017 لقب "مواطن مثالي" - منذ 25 عاما يواصل أردوغدو في حياة الاغتراب العمل كمعلم لأصول العزف على الساز
يُعد إسماعيل أردوغدو من الشخصيات البارزة في الجالية التركية ببلجيكا، حيث يمثل الجيل الأول من المهاجرين، حاملا ذكرياتهم الحلوة والمرة، وعمل على مدى 60 عاما، ولا يزال، على بناء جسور ثقافية بين تركيا وبلجيكا.
وفي إطار سلسلة تقارير "الأتراك في بلجيكا جيلٌ بعد جيل"، أجرت وكالة الأناضول مقابلة مع إسماعيل أردوغدو، أحد أبناء الجيل الأول من المهاجرين الأتراك الذين جاءوا إلى بلجيكا بموجب اتفاقية تبادل القوى العاملة بين أنقرة وبروكسل.
ويُعرف أردوغدو بأنه "أول تركي جاء إلى بلجيكا ومعه ساز" (آلة موسيقية شعبية تركية)، وقد وصل إلى مدينة غنك (شمال شرق بلجيكا) بعد شهر واحد فقط من توقيع الاتفاقية، في 16 يوليو/تموز 1964، ليبدأ العمل بعدها في مناجم الفحم.
وقال أردوغدو للأناضول: "وصلت إلى بلجيكا في 16 أغسطس/آب 1964. لن أنسى أبدًا ذلك اليوم. كان عمي قد سبقني إليها وسهّل سفري لمواصلة تعليمي".
"الساز في يد وحقيبتي في الأخرى"
وذكر أردوغدو أنه كان طالبا في السنة الأولى بالمرحلة الثانوية بمدينة أسكي شهر التركية عندما وصل إلى بلجيكا.
وأضاف أنه كان شغوفًا بالعزف على الساز لدرجة أنه رسب في سنته الدراسية، فقرر أخذ آلته الموسيقية معه في رحلة الهجرة التي بدأها عندما كان عمره 17 عامًا.
وتابع: "منذ اللحظة الأولى لوصولي إلى بلجيكا، عُرفت بولعي بالساز الذي لم يفارقني أبدًا. جئت حاملاً الساز في يد وحقيبتي في اليد الأخرى، ووصلت إلى المنطقة التي كان يسكن فيها عمي".
وأضاف: "تعرفت عليّ أبناء الجالية التركية في المنطقة بسهولة عندما رأوا الساز معلقا على كتفي، فقد كان عمي قد حدثهم عني وعن ولعي بالساز".
وأوضح أردوغدو أنه بسبب حاجز اللغة لم يتمكن من مواصلة دراسته، فبدأ العمل في منجم للفحم مثل العديد من الأتراك الوافدين، واستمر في العزف والغناء أثناء عمله تحت الأرض على عمق مئات الأمتار.
أغنية "شاربوناز"
وأوضح أردوغدو أنه في تلك الأيام لم يكن هناك تجمع للعائلات، وكان الرجال يعيشون في مساكن العمال، قال: "كانوا يقولون لي 'إسماعيل! تعال، واعزف لنا بعض الأغاني".
وأشار إلى أن أغنيته الشهيرة "شاربوناز" (Charbonnage)، التي تعني بالفرنسية منجم الفحم، انتشرت بسرعة بين أفراد المجتمع التركي في بلجيكا، وأن كلمات تلك الأغنية كانت وليدة اللحظة.
وتحدث عن صعوبة ظروف العمل آنذاك، مشيرًا إلى أنه تعرض هو وزملاؤه لمشاكل صحية مثل أمراض الرئة وفقدان الأطراف نتيجة طبيعة العمل في المناجم.
وأضاف أردوغدو: "كان هناك طبيب قال لي: يوجد غبار في رئتيك، قدم طلبًا لبروكسل. كان ذلك بمثابة حادث عمل، لكننا لم نأخذ الأمر بجدية. كانت المهام التي نقوم بها صعبة للغاية".
واستذكر أحد زملائه البلجيكيين قائلاً: "كانوا في الغالب أشخاصًا طيبين. عندما كان يغضب لا يناديني باسمي إسماعيل، بل يقول 'أيها التركي!'. كنت أفهم أنه غاضب، فأحاول التأقلم ولا أرد عليه".
"علمت بوفاة والدي بعد 40 يوما"
مستعيدا ذكرياته حول التواصل عبر الرسائل في تلك الأيام، أوضح أردوغدو أن الرسائل كانت تصل أحيانا، ولا تصل في أحيان أخرى.
وقال: "كان عمي جالسًا يبكي في المنزل، سألته عن السبب فقال إن جدتي قد توفيت. ذهبت إلى مقهى تركي قبل الذهاب إلى العمل، وكان الجميع يعزوني بوالدي. أصبت بالصدمة. عندما عدت إلى عمي أعطاني الرسالة. كانوا قد أرسلوا الرسالة بعد أيام قليلة من وفاته، لكنها وصلت متأخرة. علمت بوفاة والدي بعد 40 يومًا".
"سازي وزوجتي لا أتخلى عنهما"
وعن تعلقه بآلته الموسيقية وخديجة زوجته التي تزوجها قبل 52 عاما، عن طريق خطبة تقليدية، قال: "لم أستطع التخلي عن سازي ولا عن يد زوجتي"، معربا عن حبه العميق لها.
وقال: "إذا لم يكن هناك طعام في المنزل، فهذا يعني أن اليوم هو ذكرى زواجنا"، لتقاطع حديثه ضاحكة: "إنه دائمًا ينسى".
ولفت أردوغدو إلى أنه عمل لمدة 6 سنوات في منجم الفحم، و25 سنة في مصنع للسيارات، بعدها تقاعد ليؤسس ناديًا موسيقيًا.
وتابع: "كان الجميع ينادونني أستاذ بسبب مهارتي في العزف على الساز. دارت الأيام وأصبحت أستاذا".
وأضاف: "في عام 2017 اختاروني في بلجيكا 'مواطنًا مثاليًا'. قلت وقتها للسفير التركي في بروكسل، محمد هاكان أولجاي، لم يعثروا على أحد غيري؟ أنا مجرد عازف ساز. فقال لي السفير وقتها، إذا كنت أنا سفيرًا بالمعنى السياسي، فأنت أيضًا سفير ثقافي لبلدنا".
يعلم الأجيال الجديدة اللغة عبر الأغاني
وقال أردوغدو، الذي يعمل كمدرس للعزف على آلة الساز منذ 25 عاما، إنه ما زال يقدم دروسا لمختلف الفئات العمرية في ناديه الموسيقي، ولا يقتصر دوره على تعليم العزف فحسب، بل يستخدم الأغاني أيضا لتعليم الأطفال اللغة التركية.
وفي نهاية حديثه، أشار أردوغدو إلى أنه يواصل حتى اليوم تقديم دروس في العزف على الساز للأطفال والبالغين والنساء، في نادي الموسيقا في مدينة بيرينغن، شمال شرق بلجيكا.