إن أصدق وصف يمكن أن يُطلق على الأحداث التي شهدتها الثورة السورية الممتدة على مدار 12 يومًا حاسمًا، وصولاً إلى لحظة انتصارها، هو أنها تحقيق لوعد الله عز وجل. لقد منّ على المؤمنين بفتح مبين، وغفر لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر، وأتم نعمته عليهم، وهداهم إلى الصراط المستقيم، وكللهم بنصر عظيم. هذا هو وعد الله وسنته. لقد تمكن المجاهدون السوريون من إسقاط النظام الأكثر استبداداً وإجراماً في التاريخ، نظام استمر في ارتكاب جرائمه الشنيعة على مدى 61 عامًا. لقد توكلوا على الله وبذلوا أقصى جهودهم، فأطاحوا به.
ذلك النظام المتغطرس الذي سفك دماء شعبه بلا رحمة في سبيل الحفاظ على سلطته، وزجّ بهم في السجون، وفرض على من تبقى من الناس سياسات قمعية مهينة هدفها كسر إرادتهم واستعبادهم. وبهذا، أخذ مكانه بين الطغاة أمثال فرعون والنمرود وسائر الظلمة والمستبدين الذين حُفرت أسماؤهم في سجلات التاريخ المظلمة. عقودٌ مريرة عاشها الشعب في ظل ذلك الطغيان خلال الـ 61 عامًا، وكأن الزمن قد توقّف، وكأن هذا الجحيم لن ينتهي أبدًا. كان هدف الظلم النهائي هو إخضاع الناس لهذا القهر الذي لا يُحتمل، وسلبهم شخصياتهم وأموالهم وأرواحهم وكرامتهم. سعى النظام لتحويل الحياة إلى جحيمٍ على الأرض بزنزاناته ومجازره وآليات تعذيب. فمن يدّعي الألوهية ويزعم امتلاك السلطة المطلقة، مع جنون الديكتاتورية، يتوهّم دائماً أن بإمكانه أن يخلق جحيمًا خاصًا به. ولهذا كانت سياساته في ارتكاب المجازر والتعذيب والقمع والترويع تجسيدًا لغطرسته وجنونه.
أما الـ61 عامًا التي عاشها الشعب تحت وطأة هذا الظلم، فقد أورثتهم إحساسًا بأن هذا الواقع لن يتغير أبدًا، وأن هذا النظام لن يزول، وأن طاقة الظلم لن تفنى أبدًا.
ولكن عندما يتحقق وعد الله بالفتح، يتغير المشهد برمته في لحظات وجيزة وتنقلب الأوضاع رأسًا على عقب. فبعد تحرير حلب تتابعت سلسلة الانتصارات بسقوط المدن الواحدة تلو الأخرى، وصولًا إلى إسقاط نظام الأسد الذي غير المشهد تماماً، لتُشرق شمس لم تشرق منذ سنوات طويلة، وتغمر الأرض بنور طال انتظاره. ومن بين أبرز شواهد هذا التغير الجذري، مشهد أولئك الذين قضوا 42 عامًا في ظلمات السجون، وهم يخرجون مذهولين بعالم لم يعد يشبه ذلك الذي سجنوا فيه.
كل التحليلات السابقة حول العلاقات الدولية، والتي كانت تعتمد على توازن القوى وتفسير العالم من خلال منطق القوة وفرض الهيمنة سقطت في لحظة وأثبتت أنها خاطئة.
لقد برزت صورة جديدة واضحة ومختلفة تمامًا. ففي غضون 12 يومًا، تغيرت كل موازين القوى في الشرق الأوسط، بل وفي العالم بأسره. وقبل ذلك كانت السيناريوهات الأكثر تفاؤلًا تتحدث عن تقسيم سوريا إلى ثلاثة أجزاء على الأقل لكنها أصبحت بلا قيمة الآن. وها نحن اليوم لأول مرة نرى سوريا موحدة تحفظ فيها وحدة أراضيها، وهو أمر لم يعد مجرد احتمال بل تحول إلى حقيقة وواقع ملموس. ومع سقوط دمشق، التي كانت تعتبر المعقل الأخير للنظام، باتت مناطق مثل اللاذقية وطرطوس ـ التي كان يتوقع أن تصبح مراكز لإدارة منفصلة ـ في طريقها للعودة إلى وحدة الدولة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى منبج والرقة ودير الزور، التي كانت تحت سيطرة تنظيم " بي كي كي/ واي بي جي" الإرهابي المدعوم من الولايات المتحدة. ومع تصاعد زخم هذا الفتح الواضح الذي ظهر في دمشق، لن تتمكن أي قوة من عرقلة التحول نحو الوحدة الشاملة لسوريا. وحتى الولايات المتحدة لن تجد عذرًا للبقاء، ولن تتمكن من خداع أي طرف بمبرراتها الواهية التي اعتادت استخدامها. كل هذا هو من بركات الفتح المبين.
لقد عانى الشعب السوري كثيراً، وعمل أبناؤه المجاهدون وبذلوا قصارى جهدهم وتحلوا بالصبر والتوكل على الله، فأنعم الله عليهم بنصر كبير بعد كل تلك المحن والاختبارات. لقد اختبرهم الله خلال هذه الفترة الطويلة، وعلمهم وقوَّى عزيمتهم حتى أصبحت كالفولاذ وأعدهم لمهمة عظيمة. إن النموذج الذي سيقدمه هذا الشعب المنتصر في إعادة بناء وطنه سيكون مثالًا يُحتذى به في تاريخ الثورات على مستوى العالم. إن نضجهم الرائع وعقلهم وشهامتهم التي أظهروها خلال هذه المرحلة، وخصوصًا في فترة الفتح، تضم في طياتها أهم العناصر اللازمة لبناء حضارة جديدة.
لقد قاموا بثورة لم تقتصر على تحرير أنفسهم ولم تكن لصالحهم وحدهم، بل منحوالأمل لكل البشرية مجدداً، كما فعل أبناء غزة الأبطال. فقد أظهروا بكل وضوح أن الظلم لا يمكن أن يدوم، وأن الباطل لا يمكن أن يظل متسربلاً بزي الحق إلى الأبد.
مبارك لهم نصرهم وفتحهم. وبعد هذا النصر العظيم، أصبح هناك الآن عالم جديد وتوازنات جديدة، وفي هذه التوازنات تضيء تركيا كالشمس. لا شك أن الثورة هي ثورة الشعب السوري. وقد كشفت هذه الثورة بوضوح موقف كل شخص تجاهها. سيتم تقييم الناس بناءً على مواقفهم من هذه الثورة، كما جاء في سورة الفتح.
لقد وقفت تركيا إلى جانب الشعب السوري منذ بداية الثورة، ودعمته في نضاله من أجل استعادة كرامته. وبالطبع لم تتحقق الثورة خلال 12 يومًا فقط، بل كانت ثمرة جهود امتدت لأكثر من ثلاثة عشر عاماً، وكانت تركيا خلال هذه الفترة الداعم الأكبر للثوار السوريين بعد الله. ولا يمكن لأحد أن ينكر الدور المحوري الذي لعبته تركيا في التخطيط والتحضير العسكري والتكتيكات والاستراتيجية لهذه العملية التي استمرت 12 يومًا. إن هذا الموقف يعد مثالاً بارزاً للموقف الذي تتبناه تركيا في تعاملها مع القضايا الإنسانية. وبفضل تحرير سوريا الذي غير وجه العالم، ازداد نجم تركيا سطوعًا.
لا شك أن هناك بعض الأطراف التي ستشعر بالاستياء من هذا بسبب مواقفها التقليدية التي اعتادت عليها من البداية. ولكن حتى هؤلاء لن يكونوا قادرين على تكرار أفكارهم القديمة. إن هذا النجاح الواضح سيجبرهم على إيجاد لغة جديدة في حديثهم. وهذا لن يكون أمرًا هينًا بالنسبة لهم.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة