شهد الأسبوع الماضي حركة دبلوماسية مكثفة تتعلق بسوريا وتنظيم واي بي جي/بي كي كي الإرهابي. حيث قام ممثل مسعود بارزاني بزيارة إلى شمال سوريا، تبعها بعد يومين نائب وزير الخارجية الأمريكي تيلور بزيارة إلى شمال العراق. في الوقت ذاته، كان وفد سوري يجري محادثات في أنقرة. وبعد ذلك بيوم، ظهر زعيم تنظيم واي بي جي الإرهابي مظلوم عبدي في صورة تجمعه مع بارزاني في شمال العراق.
تساؤلات حول المشهد
ما الأسباب التي دفعت مسعود بارزاني لالتقاط تلك الصورة؟ وما النتائج التي أسفرت عنها القمة السورية في أنقرة؟ بات واضحًا أن تنظيم واي بي جي الإرهابي لن يلقي سلاحه. إذن، كيف سيتم القضاء على التنظيم؟ تم التعامل مع العناصر الموجودة على سطح الأرض، ولكن ماذا عن العناصر الموجودة في الأنفاق؟ طرحت هذه الأسئلة وبحثت عن إجابات، وسأقدم لكم ملخصًا لما توصلت إليه.
هناك صراع واضح بين قوتين رئيسيتين تديران المشهد السوري. القوة الأولى هي أنقرة، التي تتمثل أولوياتها في تحقيق الاستقرار والسلام في سوريا، وضمان استقرار دمشق وتنميتها ودمجها في النظام العالمي. كما تسعى أنقرة إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية والقضاء على تهديد الإرهاب. في هذه القضايا، تتقاطع أهداف أنقرة مع أهداف دمشق.
أما القوة الثانية فهي الولايات المتحدة، التي تعمل على إخراج سوريا من دائرة النفوذ الإيراني وإدخالها ضمن التأثير السعودي، مع ضمان ألا تشكل تهديدًا لإسرائيل. تسعى واشنطن إلى التوصل لاتفاق بين تنظيم واي بي جي الإرهابي والنظام السوري، بحيث يتم دمج التنظيم في الإدارة السورية دون أن يلقي السلاح. هذا التوجه المدعوم أمريكيًا هو الذي دفع لتنظيم فعاليات مثل رفع العلم السوري على مقرات تنظيم واي بي جي، وظهور مظلوم عبدي ببدلة رسمية في صورة إلى جانب مسعود بارزاني.
النقطة التي تستدعي الانتباه هنا هي مطالب إسرائيل بتقسيم سوريا إلى أربع مناطق كانتونية. وقد أفصح عن هذا المخطط وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين بشكل صريح. يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه المطالب ستتحول إلى جزء من أجندة الولايات المتحدة.
اتبعت تركيا موقفًا متزنًا بعد سقوط نظام الأسد، داعية إلى أن تسلم التنظيمات الإرهابية أسلحتها دون مواجهة. وفي هذا السياق، بدأت دمشق اتصالاتها مع تنظيم واي بي جي الإرهابي، حيث وافق زعيم التنظيم مظلوم عبدي على شروط دمشق وأنقرة، التي تضمنت انسحاب عناصر بي كي كي الإرهابي من سوريا وإعادة إدارة موارد الطاقة من قبل الدولة السورية. إلا أنه أعلن رفض التنظيم التخلي عن أسلحته، قائلًا: "نحن منفتحون على الاندماج مع الجيش السوري، لكن بشرط أن نحافظ على وجودنا ككتلة عسكرية واحدة دون تفكك."
صرّح الرئيس رجب طيب أردوغان في الخامس من يناير: "انتهى عصر الاعتماد على الإمبرياليين للعب دور الكانتونات."
بدأت بعدها تحركات عسكرية في محيط سد تشرين، حيث تدخلت القوات المسلحة التركية لأول مرة بشكل مباشر في الاشتباكات، ولا تزال مستمرة في عملياتها حتى اليوم.
بعد يومين، أدلى وزير الخارجية هاكان فيدان بتصريحات واضحة تعكس طبيعة المشهد الراهن، حيث قال:
"إذا استمرت مشكلة بي كي كي/واي بي جي الإرهابي، فالحل يكمن في عملية عسكرية. الأمريكيون يركزون على تاريخ 20 يناير، وبعد ذلك يقولون: ليحدث ما يحدث. على الإدارة الجديدة في سوريا أن تتخذ الخطوات اللازمة، ومن الواضح أن تنظيم بي كي كي يحاول كسب الوقت."
تدرك الولايات المتحدة أن التنظيم الإرهابي بات معزولًا على طاولة المفاوضات مع دمشق. ولهذا، تحاول جمع الأكراد المعارضين لتنظيم واي بي جي/بي كي كي الإرهابي للحوار معه. لقد كانت المحاولة الأولى في 9 ديسمبر، لكنها باءت بالفشل، مما دفعهم لتجربة ثانية عبر مسعود بارزاني. وعليه أرسل مسعود بارزان، يفي 13 يناير/كانون الثاني الجاري، ممثلين له إلى شمال سوريا.
في 15 يناير/كانون الثاتي، اجتمع نائب وزير الخارجية الأمريكي تيلور مع مسعود بارزاني، حيث أكد دعم الولايات المتحدة لأي جهود تهدف إلى تحقيق التقارب والاستقرار بين الأحزاب الكردية في سوريا والمنطقة. وفي اليوم التالي، نقلت طائرة عسكرية أمريكية مظلوم عبدي إلى شمال العراق، حيث عُقد اجتماع بين بارزاني وعبدي أُعلن عنه بشعار: "إذا اتحدنا، سنبقى صامدين، وإذا انقسمنا، سنتهاوى."
ما الذي تسعى إليه الولايات المتحدة من جمع بارزاني وعبدي في صورة واحدة؟ يمكن تلخيص الهدف على النحو التالي:
"تسعى الولايات المتحدة إلى توحيد الفصائل القريبة من بارزاني مع عناصر بي كي كي الإرهابي في شمال سوريا لتعزيز موقف التنظيم على طاولة المفاوضات مع دمشق. ومع ذلك، ترفض الفصائل الكردية الأخرى هذا التوجه. الأمريكيون يحاولون، لكنهم يفشلون في تحقيق ذلك."
بينما كانت التحركات السياسية والعسكرية جارية في شمال العراق، انعقدت في 15 يناير/كانون الثاني قمة مهمة في أنقرة. زار وزير الخارجية السوري أسعد شيباني تركيا برفقة وزير الدفاع ورئيس المخابرات السوريين. خلال اللقاءات مع الرئيس رجب طيب أردوغان والمسؤولين الأتراك، وجه الجانب التركي رسالة واضحة إلى دمشق: "يجب أن تكون دمشق هي المبادرة الأولى في مواجهة تنظيم واي بي جي الإرهابي ."
بعد هذه القمة، شهدت الساحة السورية تطورين بارزين: صرّح وزير الدفاع السوري أبو قصرة في 19 يناير/كانون الثاني قائلاً: "نرفض أن يظل تنظيم واي بي جي كيانًا مستقلاً ضمن الجيش السوري."
وكشفت وسائل الإعلام المقربة من الحكومة السورية عن أن المهلة الممنوحة للتنظيم قد انتهت، وأن قرارًا قد اتُّخذ لشن عملية عسكرية ضد التنظيم.
تُشير المعلومات إلى أن العملية المحتملة لن تقتصر على منطقة عين العرب (كوباني) فحسب، بل تهدف إلى إزالة وجود التنظيم الإرهابي من كامل شرق الفرات.
لكن العقبات كبيرة. فقد فشل تنظيم بي كي كي في الصمود في منبج، واضطروا للجوء إلى الأنفاق تحت الأرض. في كوباني وحدها، تشير التقديرات إلى وجود حوالي 70 كيلومترًا من الأنفاق. التنظيم يرفض التخلي عن أسلحته، ورغم القضاء على العناصر فوق الأرض، تواصل العناصر الموجودة في الأنفاق تنفيذ الهجمات.
تشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة تمتلك خرائط تفصيلية لأنفاق التنظيم، لكنها ترفض مشاركتها. فما الحل للقضاء التام على التنظيم؟، يجب التوغل داخل الأنفاق وتطهيرها. الوضع الحالي جعل التنظيم فوق الأرض وتحته أهدافًا واضحة. من المتوقع أن نشهد قريبًا أولى العمليات في التاريخ لمكافحة الإرهاب تحت الأرض.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة