رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، واصلت إسرائيل استهداف المدنيين في الضفة الغربية، وهو أمر ليس مفاجئا على الإطلاق. فإسرائيل التي تعمل مستعمرة لإنجلترا والولايات المتحدة في شرق البحر الأبيض المتوسط، تعتبر هذه الهجمات ضرورية لتحقيق أهدافها الإستراتيجية القائمة على التوسع الاستيطاني. وحتى أثناء ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في غزة، كانت التنظيمات الاستيطانية في الضفة الغربية تنظم أنشطة إرهابية وتخطط لمشاريع جديدة تستهدف غزة. وقد سلط فيلم "الخلاص المقدس" الذي أنتجته قناة "تي آر تي وورلد" الضوء على هذه التنظيمات وأهدافها. فقد كانت هذه المنظمات تناقش فيما بينها كيفية استعمار غزة، معتقدة أن أهدافها باتت قاب قوسين أو أدنى.
وعقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار يبدو أن ترامب قد أعجب بخطط المستوطنين، فقد تحدث في خطاب له عن جمال المنازل التي يمكن بناؤها على شواطئ غزة. هذه التصريحات تقدم دليلاً واضحًا على الجهات التي كانت على علم بمخططات المستوطنين الاستعمارية في الضفة الغربية. ولكن فشلت إسرائيل هذه المرة في تحقيق أهدافها؛ فرغم أن غزة تحولت إلى خراب، إلا أن سكانها تمكنوا من العودة إلى أراضيهم التي تمثل آخر ما تبقى لهم. ويبدو أن خيبة الأمل كانت أشد وقعًا على المستوطنين في الضفة الغربية الذين واجهوا فشلًا كبيرًا في تحقيق أطماعهم.
أعتقد أن خيبة أمل المستوطنين لا يمكن أن تُفهم بشكل كامل في تركيا. والتصريحات والسلوكيات التي تحمل إجابات عن تساؤل "هل انتصر الفلسطينيون أم إسرائيل؟" قد تُفسَّر في تركيا كنموذج جديد للاستقطاب الداخلي. فمن يقول: "إسرائيل دمرت غزة تمامًا، وقتلت الآلاف، وحولت المدينة إلى أنقاض، فأين هو النصر؟" هؤلاء قد يجدون صعوبة في فهم الفرحة التي تغمر الفلسطينيين. هناك الكثير ممن يميلون إلى هذا الرأي، بل إن البعض يذهب إلى القول بأن "النظام الغربي يعمل بكفاءة تامة"، ولا يشعرون بالحاجة للتفكير فيما حدث في غزة، وهؤلاء يشكلون عددًا لا يستهان به.
ولكن من الضروري التركيز على الاعتقاد السائد لدى بعض الأوساط، وخاصة بين الجماعات الدينية المحافظة، بأن الفلسطينيين لا يمكنهم تحقيق النصر على إسرائيل. وللأسف هذه الانقسامات في الرأي تعود إلى ميل البعض إلى الانطلاق من منظور ذاتي عند تحليل الأحداث بدلًا من محاولة فهمها من منظور أوسع، وهذا ينطبق أيضاً على أحداث غزة. وفي ظل غياب الفهم الأساسي لأبسط المفاهيم، فإن المقاربات الساذجة والتوجهات الاستشراقية الذاتية تصبح هي المهيمنة.
يلعب المستوطنون دورًا محوريًا وأساسياً في تحقيق أهداف أي دولة تسعى للتوسع الاستعماري. فقد بدأت إسرائيل في استعمار غزة سابقا من خلال المستوطنين. والمستوطنون بحسب التعريف الحديث هم أطراف غير حكومية. وبالتالي فهم ليسوا ملزمين بالقانون الدولي. ويمكن القول إن هذه الفئة من الناس غير معترف بها في تركيا بأي شكل من الأشكال. حتى إن المتعاطفين مع القضية الفلسطينية يتجنبون استخدام هذا المصطلح، حيث يرون أنه من الضروري وصف المستوطنين باللصوص، مؤكدين أن مفهوم "الاستيطان" يخفف من حدة المعنى الحقيقي لأفعالهم. بالطبع لست بصدد الدخول في نقاش حول المفاهيم، لكن يجب على هذه الأوساط أن تدرك الدور المحوري الذي يلعبه المستوطنون في المشاريع الاستعمارية.
والمستوطنون هم جهات فاعلة غير حكومية تقود أهداف الدولة، سواء بشكل فردي أو منظم. ولكي نفهم وضعهم، ينبغي ربطه بالمفاهيم القانونية الحديثة. صحيح أنهم يسرقون، ولكن اختزال دورهم في السرقة فقط يُعد خطأً فادحًا. حتى المفاهيم مثل "الغزو" و"الاحتلال" لا تعبّر بشكل شامل عن دورهم. فعلى سبيل المثال تأسست منظمة "الهاغاناه" لحماية المستوطنين، كما أن المؤسسات المالية والمنظمات غير الحكومية تعمل على دعم نجاح المشروع الاستيطاني. إذا لم نرَ الاستيطان كنظام متكامل، فلن نستطيع فهم الإصرار الذي انعكس على وجوه الغزيين الذين واجهوا الدمار بعزيمة لا تعرف الهزيمة. هذا الإصرار لا يمكن أن تمثله المجموعات المعارضة التي تعمل ضمن النظام القائم.
بعد وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة أطلق تصريحات توحي ببداية حقبة جديدة من التوسع الاستعماري. ورغم أهمية تحليل هذه التصريحات من الناحية الجيوسياسية، إلا أنها في النهاية تعبر عن رغبة في التوسع الاستعماري. وكان يُعتقد أن هذه السياسات التوسعية قد انتهت في القرن التاسع عشر. ولكن الواقع يكشف أنها لا تزال تُمارَس على يد الصهاينة في الأراضي الفلسطينية. لقد تمكن الفلسطينيون من التصدي للصهاينة بمفردهم لأول مرة في غزة، حيث قاوموا لمدة خمسة عشر شهرًا ولم يسمحوا بفتح المجال أمام مستوطنات جديدة. ومن المؤكد أن هذه المقاومة تعني أيضًا التصدي لسياسات الولايات المتحدة.
عندما ننظر إلى الأحداث ضمن إطار نظام متكامل يمكننا أن نفهم بشكل أفضل ما حققه الفلسطينيون، فهذا يمثل فكرة جديدة.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة