السفير الأمريكي السابق لجرائم الحرب والعدالة الدولية ستيفن راب: - نظام الأسد رد على المظاهرات السلمية بأساليب قمع تشبه تلك التي اتبعها النازيون - قيصر في مكان آمن هو وأسرته التي تمكنت أيضا من مغادرة سوريا والتقيت به في تركيا - الصور التي التقطها قيصر تُعد دليلا دامغا على وحشية النظام، وتوثق آثار التعذيب والانتهاكات المروعة -طال الزمن أو قصر سوف تتحقق العدالة وينال المسؤولون عن جرائم التعذيب جزاءهم
قال السفير الأمريكي السابق لجرائم الحرب والعدالة الدولية ستيفن راب، إن الصور التي كشف عنها "قيصر" في معتقلات نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، ستؤدي "دورا محوريا" في تحقيق العدالة، بعدما وثقت معتقلين بجماجم مهشّمة وعيون مفقوءة.
جاء ذلك في مقابلة أجرتها الأناضول مع راب الذي شغل منصبه السابق بين عامي 2009 و2015، والتقى "قيصر"، فيما كشفت صور ومقاطع فيديو وحشية النظام السوري المنهار في معاملته المعتقلين، بعد سقوطه ووصول الفصائل السورية إلى معظم السجون وتوثيقها تلك الجرائم.
ويذكر أن موظفا منشقا عن النظام ملقب بـ "قيصر"، نشر صورا لنحو 11 ألف جثة لأشخاص قُتلوا تحت التعذيب في الفترة بين مايو/ أيار 2011 وأغسطس/ آب 2013، وقد كشفت الصور عن أساليب التعذيب التي تعرض لها المعتقلون في معتقلات النظام.
** مشاركة في التوثيق
وقال راب، إنه تابع عن كثب تطورات الأحداث في سوريا منذ مارس/ آذار 2011 (بداية الثورة) ، مشيرًا إلى مشاركته في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها نظام الأسد، من خلال عمله في كل من اللجنة الدولية للعدالة والمساءلة (CIJA) والمنظمة السورية للطوارئ (SETF).
وأوضح أن نظام البعث "استمد بقاءه عبر الخوف والقمع، بما في ذلك أحداث حماة عام 1982 (في عهد حافظ الأسد)، التي شهدت قمع انتفاضة شعبية بمجزرة راح ضحيتها عشرات الآلاف".
وفيما يخص قمع نظام بشار الأسد للاحتجاجات، قال راب: "رأينا كيف رد النظام على المظاهرات السلمية بأساليب قمع تشبه تلك التي اتبعها النازيون".
وأشار إلى أن "مئات الآلاف من السوريين أصبحوا هدفا للنظام مع تصاعد الاحتجاجات وتحولها إلى صراع مسلح"، مؤكدا أن "معظم هؤلاء كانوا من المتظاهرين السلميين الذين اعتقلوا وتعرضوا للتعذيب في أقبية السجون".
وتطرق راب إلى استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية، موضحا أن "النظام التزم تحت ضغط المجتمع الدولي، بتفكيك ترسانته الكيميائية بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، ومع ذلك، استمر في شن هجمات باستخدام غازات سامة مثل الكلور والسارين".
وأضاف: "علينا أن نمنع ارتكاب مثل هذه الجرائم مستقبلاً، والطريقة الأمثل لتحقيق ذلك هي محاسبة المسؤولين عنها".
ووقعت مجزرة الكيماوي الكبرى في سوريا بمنطقة الغوطة الشرقية ومعضمية الشام (جنوب)، في 21 أغسطس/ آب 2013، في هجوم دام أسفر عن مقتل أكثر من 1400 مدني بينهم مئات الأطفال والنساء.
**لقاء مع قيصر
وفيما يتعلق بـ "قيصر"، قال السفير الأمريكي السابق إنه التقى به قبل عام تقريبا، واعتبر دوره "محوريا في توثيق جرائم نظام الأسد داخل السجون".
وأعرب عن ارتياحه "لأن قيصر في مكان آمن هو وأسرته التي تمكنت أيضا من مغادرة سوريا".
وأضاف راب، أن "قيصر يظل شاهدا مؤثرا للغاية، لكنه لا يزال يخشى بعض الأمور، ما يفسر أهمية الحفاظ على سرية هويته وموقعه حاليا، إذ لم يكن شخصية سياسية، بل كان عضوا في الشرطة العسكرية، وهو ما يظهر من خلال الصور التي التقطها".
وأكد أن قيصر "كان يعمل ضمن هذا السلك قبل اندلاع الثورة في سوريا، لكن الوضع تغيّر بشكل جذري عندما بدأ يشاهد جثث المعتقلين الذين لقوا حتفهم تحت التعذيب ونقلوا إلى المستشفيات".
وبشأن توثيق الانتهاكات، قال راب: "تلقى قيصر مقترحات بتوثيق جميع الجثث القادمة من السجون عبر تصويرها، ولكنه لم يُكلف بتحديد هوياتها، إذ كان النظام قد طور نظاما لترقيم الجثث القادمة من السجون، ما يجعل من الصعب معرفة أسماء أصحابها".
وشرح راب أسلوب العمل الذي اتبعه قيصر وفريقه في توثيق الجثث، قائلًا: "في بعض الأحيان كانت الجثث تُترك في كل مكان، وكان الفريق يلتقط صورا من عدة زوايا بهدف تسجيل كل تفاصيل الإصابات".
السفير الأمريكي السابق أكد أن "الصور التي التقطها قيصر تُعد دليلا دامغا على وحشية النظام، حيث توثق بشكل منهجي آثار التعذيب والانتهاكات المروعة التي تعرض لها المعتقلون حتى لحظة وفاتهم".
وأعرب عن اعتقاده أن "هذه الصور ترجع لآلاف الأشخاص الذين تم قتلهم باستخدام أساليب التعذيب والقتل الوحشية من قبل النظام، وأن أعمارهم تتراوح ما بين 20 و40 عاما".
وفيما يتعلق بالتنكيل، قال راب، إن "التعذيب الذي تعرض له المحتجزون كان مروعا، حيث تُظهر صور قيصر أعينهم مفقوءة، وجماجمهم مهشمة، وأجسادهم مليئة بالجروح، فضلاً عن آثار المرض والجوع".
وبشأن الخطوة الأخرى بعد التوثيق، قال راب إن "قيصر وبعد أن وثق تلك الفظائع بدأ يفكر في مغادرة سوريا، وعشرة أعضاء من فريقه اختاروا أيضا الهروب".
وأوضح أن "قيصر شارك حوالي 55 ألف صورة كدليل على الجرائم التي ارتكبها النظام، بتشجيع من صديقه الذي كان يُعرف بلقب سامي".
ومتحدثا عن بعض أساليب قيصر للتحايل على النظام، قال راب، إن "قيصر وخوفا من أن يكشف أمره، توقف عن الذهاب إلى عمله وأشاع أنه توفي، وتمكن بذلك من مغادرة البلاد".
وقال راب: "التقى قيصر بفريق من زملائه في الدوحة. ثم ذهب إلى تركيا، حيث قابلته للمرة الأولى هناك، ولم نغادر تركيا إلى أوروبا حتى تأكدنا من أن عائلته قد غادرت سوريا".
بعد ذلك، لجأ قيصر إلى إحدى الدول الأوروبية، وفق راب الذي أضاف: "أكثر الأشياء التي فاجأتني بشأن ملف قيصر، هي أن هذه الأدلة لم تُحدث أي تغيير في العالم، لقد جلبنا أدلة على تعذيب الرجال والنساء والأطفال حتى الموت على يد حكومة الأسد، لكن العالم لم يُبدِ أي رد فعل يتناسب مع الجريمة".
*العدالة قادمة
وأضاف راب أن "الخطوات المتعلقة بسوريا واجهت اعتراضًا من قبل روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي، رغم أن المؤسسات في الولايات المتحدة وأوروبا أكدت صحة صور قيصر الأصلية".
وبشأن مصداقية قيصر، قال راب، إن "مواقع الصور تم التحقق منها، وهي تمثل أدلة هامة"، مشيرًا إلى وجود صعوبات حاليا في محاكمة المسؤولين، "لكن، طال الزمان أم قصر، سيأتي اليوم الذي يتم فيه محاسبة المسؤولين عن جرائم التعذيب".
وفي هذا السياق، طالب بـ"أن تكون العملية القضائية ضد بشار الأسد والمسؤولين في النظام السابق في سوريا شفافة"، معربًا عن أمله "في أن تعطي الإدارة المؤقتة في سوريا الأولوية لقضية تحقيق العدالة".
وفي ختام حديثه، أعرب راب عن تفاؤله "بإماطة اللثام عن السجلات المتعلقة بالقتلى والناجين من معتقلات النظام بعد سقوطه، والشعب السوري هو من يقرر مستقبله".
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري سيطرت فصائل سورية على العاصمة دمشق وسبقها مدن أخرى، مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكام نظام حزب البعث و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
ويقول السوريون إن زوال نظام الأسد يمثل نهاية حقبة من الرعب الذي عايشوه على مدار عقود، إذ شكلت سجونه كوابيس لهم جراء عمليات التعذيب الممنهج، والتنكيل، والإخفاء القسري.