النهايات العصبية

08:403/11/2024, الأحد
تحديث: 3/11/2024, الأحد
طه كلينتش

"لقد قضينا يومًا مثيرًا للغاية مع عبد العزيز آل سعود. إنه من أبرز الشخصيات التي التقيتها، يمتلك مظهرًا رائعًا، وطوله يزيد عن مترين. ويمتاز بالنبل والهدوء. لقد أثبت شجاعته كقائد لكتائب غير منتظمة، وجمع في شخصه صفات القائد العسكري والدبلوماسي." بهذه الكلمات، وصفت الباحثة والمستكشفة والعميلة البريطانية الشهيرة غيرترود بيل، أولَ لقاء لها مع الملك المستقبلي للمملكة العربية السعودية عبد العزيز آل سعود، في 27 نوفمبر 1916 في منطقة البصرة بالعراق. وكان هذا اللقاء واحدًا من أهم المشاهد في التاريخ الحديث للشرق

"لقد قضينا يومًا مثيرًا للغاية مع عبد العزيز آل سعود. إنه من أبرز الشخصيات التي التقيتها، يمتلك مظهرًا رائعًا، وطوله يزيد عن مترين. ويمتاز بالنبل والهدوء. لقد أثبت شجاعته كقائد لكتائب غير منتظمة، وجمع في شخصه صفات القائد العسكري والدبلوماسي."

بهذه الكلمات، وصفت الباحثة والمستكشفة والعميلة البريطانية الشهيرة غيرترود بيل، أولَ لقاء لها مع الملك المستقبلي للمملكة العربية السعودية عبد العزيز آل سعود، في 27 نوفمبر 1916 في منطقة البصرة بالعراق. وكان هذا اللقاء واحدًا من أهم المشاهد في التاريخ الحديث للشرق الأوسط.

عندما ثار الشريف حسين وحلفاؤه في الحجاز ضد الدولة العثمانية في يونيو 1916، أراد البريطانيون الحفاظ على السيطرة في مناطق أخرى من شبه الجزيرة العربية. ولذلك،دعا السير بيرسي كوكس، المفوض السامي البريطاني في بغداد، عبد العزيز إلى اجتماع في العقير على ساحل الخليج العربي بناءً على تعليمات تلقاها من لندن. كان اختيار العقير الواقعة على بعد حوالي 70 كيلومترًا جنوب زهران، بسبب موقعها الذي يسهل وصول الدبلوماسيين والعملاء البريطانيين إليها. وبعد لقائه مع السير بيرسي كوكس والوفد المرافق له في 11-12 نوفمبر 1916، تلقى عبد العزيز دعوة من البريطانيين لحضور اجتماع إقليمي يُعقد في الكويت في 23 نوفمبر. وحضر جميع شيوخ القبائل المهمين في الخليج الاجتماع الذي تم تحت رعاية البريطانيين واستضافه أمير الكويت جابر بن مبارك الصباح. كان الهدف من جمع السير بيرسي كوكس لقادة العرب في الكويت هو ضمان دعمهم لثورة الشريف حسين. وأعلن ابن سعود -على الرغم من بعض التردد- دعمه للثورة، ولكن هدفه الحقيقي كان ضمان رسم حدود الكويت والسعودية بالطريقة التي يرغب بها مقابل هذه الخطوة الصغيرة.

وبعد مغادرته الكويت، توجه عبد العزيز آل سعود إلى البصرة وحضر اجتماعًا في 27 نوفمبر بمشاركة غيرترود بيل، حيث كان ينتظر مناقشة قضايا الحدود، غير أن البريطانيين كانوا يسعون من خلال استعراض قواتهم العسكرية أمام الحضور العرب، إلى إجباره على قبول الهيمنة البريطانية. وقد أعدّ بيرسي كوكس برنامج زيارة لعبد العزيز يشمل جبهات القتال ومناطق المناورات العسكرية للجيش. وبرهنت المداولات على أن عبد العزيز كان قائدًا أذكى بكثير مما توقعه البريطانيون؛ ففي حديثه مع المسؤولين البريطانيين، طالب بضم منطقة واسعة كان قد سمع أنها ستُعطى للكويت إلى دولته، فجاءه الرد: "نعتقد أن هناك نفطًا في تلك المنطقة." كانت الخطة البريطانية واضحة؛ إذ كانوا يعتزمون تجاوز ميناء البصرة العريق وتوسيع نفوذ الكويت لتشمل مصب شط العرب عند ملتقى نهري دجلة والفرات، تمامًا كفخ كبير يُحكم إغلاقه. إن وجود الكويت في تلك المنطقة، إلى جانب حقول النفط الهائلة التي تمتلكها، كان مقدرًا له أن يكون سببًا لاستمرار الأزمات في المنطقة لعقود قادمة.

تعتبر الحدود بمثابة نهايات عصبية؛ لقد حرصت الإمبراطورية البريطانية، في كل منطقة هيمنت عليها أو كان لها نفوذ فيها، على رسم حدود تضمن بقاء هذه النهايات العصبية محفزة باستمرار، وجروحها لا تندمل أبدًا. فأينما وجدتم نزاعًا حدوديًا في جغرافيا العالم الإسلامي، من الشرق الأوسط إلى آسيا، ستجدون هناك بصمة بريطانية واضحة.

والسبب وراء عدم احترام الحدود الحقيقية لتركيا، كما هو منصوص عليه فيما نسميه "الميثاق الوطني"، عند تأسيس الجمهورية التركية ورسم خرائطها، هو الضغط البريطاني. ففشل الجمهورية التركية والمملكة الهاشمية العراقية الناشئة في التوصل إلى اتفاق لضم كركوك والموصل إلى الأراضي التركية يعود إلى تدخل لندن.

لقد كان واضحًا أن الحدود الشرقية والجنوبية الشرقية لتركيا وُضعت بطريقة تُمهد لنشوء صراعات مستقبلية في تلك المناطق. ومن السذاجة الاعتقاد بأن منطقة تضم أهم مصادر المياه والثروات الباطنية في الشرق الأوسط ستُهمل من قِبَل القوى الإمبريالية. وفي هذه الفترة العصيبة التي نمر بها، علينا أن نتوقع تصاعد المخططات الموجهة ضد تركيا، وأن نكون على يقظة تامة ونعد العدة ونتخذ كافة التدابير لحماية أنفسنا من تكرار التجارب التاريخية المريرة.


#عبد العزيز آل سعود
#السعودية
#الكويت
#الحدود
#بريطانيا
#الجمهورية التركية