شاركت في اجتماع بأنقرة قبل عام بالضبط، وتزامن ذلك مع وقوع هجمات حماس في 7 أكتوبر، مما جعل القضية الفلسطينية محور النقاش. واتضح حينها أن إسرائيل تواجه ثغرة أمنية كبيرة، وتركز النقاش حول توقيت الخطوة التي اتخذتها حماس. كان هناك شبه إجماع على أن رد فعل إسرائيل سيكون غير متناسب، وأن الصراع بين إسرائيل وحماس سيتخذ منحى جديدًا. كما تمت مناقشة ما يجب فعله لتحقيق حل سياسي بعد انتهاء المواجهات. ومع ذلك، بعد مرور عام، لم يكن أحد يتوقع أن تتجاوز إسرائيل نطاق الاشتباكات مع حماس، لتدخل في "حرب مستمرة" تهدف إلى جعل غزة غير صالحة للسكن ونقل الصراع إلى دول أخرى.
قبل عام، في 7 أكتوبر، كان الوضع مختلفًا؛ إذ لم تعد القضية الفلسطينية تحتل مكانة بارزة في الأجندات العالمية. فقد تمكنت إسرائيل، بدعم سياسي من إدارة ترامب، من تطبيع علاقاتها مع العديد من الدول العربية عبر اتفاقيات إبراهيم. وفي الوقت نفسه، كانت إدارة بايدن تتفاوض مع المملكة العربية السعودية لتحقيق تطبيع إضافي. كانت إسرائيل ترى أن القضية الفلسطينية باتت مسألة "إدارة نزاع" فقط، وأنه في حال نجاحها في إبرام اتفاق مع السعودية، ستتلاشى هذه القضية تمامًا. كما تمكنت من إقناع العديد من الدول الغربية والولايات المتحدة بأن فكرة إقامة دولة فلسطينية لم تعد واقعية.
بينما كانت غزة تخضع لحصار مستمر، كانت إسرائيل تعمل على بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، مما أدى إلى تعميق الاحتلال. ومع استمرار الحصار، تُركت ملايين الفلسطينيين في غزة تحت رحمة إسرائيل. من جهتها، واصلت تركيا رفع صوتها ضد المستوطنات والحصار المفروض على غزة. وبفضل الاتصالات الدبلوماسية التي أجرتها تركيا مع الرئيس الإسرائيلي، تمكنت من تخفيف الضغط الإسرائيلي المتزايد خلال شهر رمضان وإيقاف العنف. ورغم أن تركيا حققت تطبيعًا كاملاً مع إسرائيل بعد سنوات من التوتر، إلا أنها اعتبرت القدس "خطًا أحمر"، وعلقت مصير هذا التطبيع بحل القضية الفلسطينية.
أما الولايات المتحدة، التي تتحمل ربما أكبر قدر من المسؤولية عن عدم إنهاء القضية الفلسطينية عبر حل الدولتين، فقد بدت وكأنها ترغب في تجاهل هذه القضية بدلاً من حلها. كانت إدارة بايدن تسعى إلى إبرام اتفاق نووي مع إيران، ولكن دون ممارسة ضغوط كافية. وكانت تهدف إلى تحقيق نوع من الاستقرار مع إيران لتجنب الانخراط في قضايا الشرق الأوسط والتركيز على مواجهة الصين. وفي مقال نشره مستشار الأمن القومي لبايدن، سوليفان، قبل 7 أكتوبر بمدة قصيرة، أشار إلى أن الشرق الأوسط يشهد حالة من الهدوء غير المسبوق، واعتبر ذلك نجاحًا لإدارة بايدن.
اتضح لنا أن الهدوء الذي تحدث عنه سوليفان كان مجرد هدوء يسبق العاصفة. فقد نفذت حماس، بدعم من إيران، هجوم 7 أكتوبر لإثبات بطلان ادعاءات إسرائيل بشأن "انتهاء القضية الفلسطينية". هذا الهجوم، الذي ربما تجاوز تأثيره ما توقعته حماس، اعتبره نتنياهو فرصة تاريخية في وقت كان يمر فيه بأزمة داخلية. وصف نتنياهو الهجوم بأنه "11 سبتمبر لإسرائيل"، في إشارة إلى الحالة التي دخلت فيها الولايات المتحدة في "حرب مستمرة" بعد 11 سبتمبر. وبالإضافة إلى الدعم الكامل الذي قدمه بايدن لإسرائيل في ردها على حماس، سهلت الإدارة الأمريكية المهمة على نتنياهو بشكل كبير.
على مدار العام الماضي، لم تكتفِ الحكومة الإسرائيلية بتدمير غزة بالكامل، بل انتهجت أيضًا سياسة تطهير عرقي بدعم أمريكي، ما حال دون محاكمة إسرائيل دوليًا بتهمة الإبادة الجماعية. كما سعى نتنياهو إلى توسيع نطاق "الحرب المستمرة" ليشمل سوريا ولبنان وإيران، في محاولة لإنقاذ مسيرته السياسية وإجبار واشنطن على التماشي مع توجهاته. وبينما كانت إدارة بايدن تشير إلى ضرورة أن تعيد إسرائيل النظر في استراتيجيتها تجاه غزة قبل الانتخابات المقبلة، أمر نتنياهو بشن هجوم على القنصلية الإيرانية في سوريا.
لقد بعث نتنياهو برسالة واضحة مفادها أن القضية ليست غزة، بل هي حرب إقليمية مع إيران. وردَّ الكونغرس الأمريكي على هذه الرسالة بتخصيص مليارات الدولارات كمساعدات، بالإضافة إلى تصفيق حار ومتكرر. وعلى الرغم من الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها الولايات المتحدة، بما في ذلك المظاهرات الطلابية في الجامعات، واصلت إدارة بايدن التأكيد على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وقد نجح نتنياهو، الذي يُعد من أكثر السياسيين فهمًا لتوازنات السياسة الداخلية الأمريكية، والذي لا يتردد في استغلال نفوذ اللوبي الإسرائيلي، في التغلب على ضغط المعارضة الأمريكية على أعضاء الكونغرس.
في الوقت الحالي، تعمل حكومة نتنياهو على التحضير لهجوم كبير ضد إيران، مستغلة الفراغ السياسي الذي يسبق الانتخابات الأمريكية، وتسعى إلى جر المنطقة إلى صراع أوسع نطاقًا. وبتحركه في هذه اللحظة الحرجة، يحاول نتنياهو تحييد حزب الله وإجبار الولايات المتحدة على القضاء على البرنامج النووي الإيراني. ورغم أن واشنطن وطهران لا ترغبان في الدخول في حرب مباشرة، وأن تصعيد نتنياهو قد يبقى ضمن نطاق التهديدات، إلا أن النظر إلى استراتيجيته المستمرة خلال العام الماضي يجعل من الخطأ استبعاد احتمالية تحول الصراع الطويل والمستتر مع إيران إلى مواجهة شاملة ومفتوحة.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة