تكايا السودان.. تكافل لمواجهة الجوع في زمن الحرب

11:309/01/2025, الخميس
تحديث: 9/01/2025, الخميس
الأناضول
تكايا السودان.. تكافل لمواجهة الجوع في زمن الحرب
تكايا السودان.. تكافل لمواجهة الجوع في زمن الحرب

- مع مفاقمة الحرب للأوضاع الإنسانية باتت المطابخ الجماعية المعروفة بـ"التكايا" أحد أدوات المجابهة التكافلية لتخفيف معاناة الجوع - إحدى تكايا مدينة أم درمان وسط البلاد تقدم وجباتها إلى نحو 10 ألف شخص وتوزع يوميا حوالي 30 ألف رغيف خبز للسكان والنازحين - أعادت الحرب التكايا للمشهد بعد أن ساهم العثمانيون قديما في انتشارها بالسودان بهدف تعزيز التعليم الديني وتحسين حياة الفقراء

على وقع حرب تقارب العامين وتتوالى معها التحذيرات الدولية من خطورة الأوضاع الإنسانية وانزلاقها إلى مجاعة، يكافح السودانيون وسط ظروف صعبة للحصول على الغذاء بشتى الطرق وأكثرها تفضيلا: تكايا الطعام في أحياء المدن.

وتتفاقم الأزمة الإنسانية وانعدام الغذاء والرعاية الصحية والعلاج وينتشر سوء التغذية بنسب عالية بين الأطفال والحوامل والمرضعات بعدة مناطق في السودان، بسبب استمرار القتال لأكثر من 21 شهرا بين الجيش وقوات الدعم السريع.

ويزداد الوضع سوءا لعدم إمكانية توصيل المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع في الخرطوم وولاية الجزيرة (وسط) وولايات دارفور الخمس (غرب).

وترفض الحكومة السودانية أي حديث عن مجاعة بالبلاد وتعتبر "الترويج لحدوث مجاعة الغرض منه سياسي".

وفي تصريح سابق للأناضول، قال وزير الخارجية السوداني علي يوسف إن "الولايات المتحدة وأوروبا تتحدث عن حقوق الإنسان السوداني والمجاعة، هناك بعض المناطق بها فقر، ولكن الفقر موجود في الولايات المتحدة نفسها".

وأضاف: "لا توجد مجاعة في السودان بالصورة التي تحاول هذه الجهات تصويرها".

وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.

** تخفيف المعاناة

مع سوء الأوضاع الإنسانية، باتت المطابخ الجماعية المعروفة بـ"التكايا"، تشكل إحدى أدوات المجابهة التكافلية التي يتخذها السودانيون لتخفيف المعاناة عن بعضهم البعض.

ويحرص السكان في المناطق التي تشهد اشتباكات مستمرة على إقامة "التكايا" ببعض المنازل لتوزيع الوجبات الغذائية اعتمادا على مساعدات الخيّرين من داخل السودان وخارجه، بجانب دعم المنظمات المحلية والدولية.

وتدير هذه المطابخ "غرف طوارئ" أنشأها ناشطون متطوعون بالأحياء السكنية في عدة مناطق بمدن الخرطوم وولايات دارفور وأجزاء أخرى من البلاد.

وتهدف التكايا إلى الحد من تصاعد الجوع وسوء التغذية وصعوبة الحصول على الطعام الأساسي.

وأعادت الحرب الحالية إحياء التكايا بشكل واسع، لتوزيع آلاف الوجبات إلى المحتاجين، وتعتبر جزءا من التراث الديني والثقافي في البلاد.

ويمتد تاريخ التكايا في السودان إلى أزمان بعيدة منذ مملكة سنار الإسلامية (1504–1821) مرورا بعهد الدولة العثمانية (1821-1885) وسلطنة دارفور (1898-1916).

وساهم العثمانيون في دعم انتشار التكايا في السودان بهدف تعزيز التعليم الديني، وجعلوها تضطلع بدور حيوي في تحسين حياة الفقراء والمحتاجين.

** آلاف المستفيدين

تعد "أم درمان" غربي العاصمة الخرطوم إحدى أهم المدن التي انتشرت فيها التكايا بعد الحرب، وهي التي استقبلت عشرات آلاف النازحين بجانب سكان المدينة الذين فضلوا البقاء، وزادت أعداد الوافدين إليها بعد إعادة الجيش سيطرته على أجزاء واسعة منها في الأشهر الأخيرة.

عبر مبادرة خيرية، تدير المحامية سوهندا عبد الوهاب إحدى التكايا في أم درمان وتقدم الطعام لآلاف السكان والنازحين.

وذكرت عبد الوهاب للأناضول أن مبادرتها المسماة "أطعم غيرك من خيرك"، كانت تقدم الدعم الغذائي للمحتاجين في 12 مستشفى بالعاصمة الخرطوم قبل الحرب في أبريل/ نيسان 2023.

وعقب اندلاع الحرب وفقدان الكثيرين في مناطق الصراع مصادر رزقهم، قالت عبد الوهاب إنه لم يكن لديهم خيار سوى نقل مبادرتهم إلى الأسر السودانية المحتاجة.

وأضافت المحامية: "في الأيام الأولى للنزاع، كنا نطبخ الطعام في منازلنا بسبب صعوبة التنقل، وكنا نجهز ونوزع 10 قدور من الطعام، ولاحقاً بعد تحديد مكان معين، بدأنا بطهي الطعام هنا في هذه التكية".

وأردفت: "يتراوح عدد المستفيدين من الطعام الذي نقدمه بين 7 إلى 10 آلاف يوميا، ونوزع يوميا حوالي 30 ألف رغيف".

** تمويل المحسنين

وبشأن مصدر تمويل تكية الطعام قالت عبد الوهاب: "أنشر على صفحتي عبر فيسبوك أننا نحن بحاجة إلى هذا القدر من المال لإطعام عدد محدد من الناس وأكتب رقم حسابي البنكي، وبفضل الشعب السوداني المتعاون، يقدم الكثيرون الدعم اللازم دون أن أعرف من هم".

وأشارت إلى أن الشعب السوداني متضامن ومتعاون بطبعه وإنها تلقى استجابة جيدة للغاية من المواطنين الذين يدعمون عمل التكايا.

بالإضافة إلى المساعدات الغذائية، قالت عبد الوهاب إنهم يقومون بتقديم دعم كسوة للأطفال في العيد وتوزيع الأضاحي على الأيتام وخلاوى القرآن الكريم والمستشفيات المحتاجة.

وأكدت المحامية وقوف الشعب السوداني إلى جانب الجيش، موضحة أنهم يدعمون أيضاً المتطوعين الذين يقاتلون في الخطوط الأمامية مع الجيش كل يوم اثنين، بتقديم الوجبات لهم.

** أمان النازحين

"وصال الحاج" إحدى النازحات من جزيرة توتي وسط الخرطوم، وصلت واستقرت في مدينة أم درمان، وقالت للأناضول: "خرجنا من جزيرة توتي بعد عذاب ومعاناة من قوات الدعم السريع".

قالت الحاج: "بعد أن وصلنا أم درمان وجدنا الأمان والطعام في التكايا، ولم نكن نجد ذلك في جزيرة توتي لأننا كنا نعتمد على التحويلات المالية من الأهل خارج السودان بعد أن نهبت الدعم السريع ممتلكاتنا وأموالنا وأصبحنا لا نجد الطعام والماء النظيف".

و زادت: "بعد أن أتينا إلى أم درمان شعرنا بالراحة، والحال أحسن، والحمد لله استطعنا أن ننام بأمان أخيرا".

ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023، حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

#إطعام
#التكافل الاجتماعي
#التكايا
#الجوع
#الحرب
#السودان
#مبادرات إنسانية
#مطابخ جماعية