جمال حسن نبعة، ابن بلدة شبعا جنوب لبنان : - تعرضت لشتى أنواع التعذيب وتنقلت بين عدة سجون بسبب تهمة ملفقة لم أرتكبها - عايشت في فرع فلسطين الأمني أشياءً لا يمكن تخيلها فالوضع هناك أشبه بالجحيم - قضيت في "المنفردة" بفرع فلسطين 97 يوما من العذاب الذي لا يوصف - شعرت أنني سأُعدم في سجن صيدنايا فقد عايشت أشكالا أخرى من العذاب مثل الصعق والجلد - في الأيام الأخيرة كنا 124 شخصا محشورين في غرفة واحدة بسجن عدرا المركزي في ريف دمشق - عندما وصل الثوار إلينا قالوا لنا اخرجوا لم يعد هناك نظام لكننا ترددنا خائفين من أن يكون الأمر خدعة - عندما عدت لمنزلي الثلاثاء لم أتعرف على أولادي وأبناء إخوتي فقد قُطعت عني الزيارات منذ 12 عاما
قضى اللبناني جمال حسن نبعة 18 عاما و4 أشهر متنقلا بين معتقلات النظام السوري الزائل، شاهدا على أقسى أشكال التعذيب وانتهاك الكرامة الإنسانية.
اليوم، وبعد تحريره على يد الفصائل السورية مع سقوط حكم عائلة الأسد، ينقل نبعة صورة مأساوية عن تلك المعتقلات التي اختُطفت فيها أرواح وكرامة عشرات الآلاف من السوريين واللبنانيين وغيرهم.
عاد نبعة البالغ من العمر 63 عاما، إلى بلدته شبعا، الثلاثاء، بعد تحريره برفقة لبنانيين آخرين (لم يُحدد عددهم).
وعن تجربته المريرة من الألم والمعاناة، قال نبعة للأناضول: "تعرضت لشتى أنواع التعذيب، ونُقلت بين عدة سجون بسبب تهمة ملفقة لم أرتكبها".
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري سيطرت الفصائل السورية على العاصمة دمشق وقبلها مدن أخرى، مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكام نظام حزب البعث و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
تعذيب لا يخطر على بال
بدأت مأساة جمال عام 2006، عندما اعتقلته استخبارات الجيش السوري بتهمة "التواصل مع العدو الإسرائيلي"، لينضم إلى مئات اللبنانيين في المعتقلات السورية.
وعن لحظة اعتقاله، أوضح نبعة: "لم تكن هناك أي تهمة حقيقية، كنت أرعى الغنم في بلدة بيت جن السورية قرب الحدود اللبنانية، تواصل معي رجل مخابرات سوري واستدعاني إلى فرع فلسطين في دمشق بتهمة التواصل مع إسرائيل عبر هاتفي اللبناني".
و"فرع فلسطين" المعروف أيضا بالفرع 235، هو أحد المراكز الأمنية التابعة للاستخبارات العسكرية السورية، ويشتهر بسمعته السيئة نتيجة التعذيب الوحشي وظروف الاحتجاز غير الإنسانية.
في هذا المركز تعرض نبعة لتحقيق قاس بدأ باتهامه بالتواصل مع العدو الإسرائيلي، وهو ما نفاه بشدة.
وأضاف جمال: "كنت فقط أتوجه يوميا من بلدة شبعا اللبنانية إلى بلدة بيت جن السورية، لم ألتقِ بأي عدو أو أي جهة أخرى".
رغم ذلك، أصر المحققون على إجباره على الاعتراف بتهمة ملفقة، وأردف موضحا: "المخابرات السورية كتبت تقريرا عني، وأرادت مني التوقيع عليه والاعتراف بشيء لم أرتكبه".
وتابع: "بعد محاولات الضغط والتعذيب قلت لهم ساخرا: نعم، خطئي الكبير أنني جئت إلى هذا البلد. حينها تلقيت تعذيبا أشد قسوة، حيث لم يسمحوا لي بالنوم، وكانوا يرمونني بمياه مثلجة، بالإضافة إلى تعريضي لأساليب تعذيب أخرى".
وأضاف: "في فرع فلسطين عايشت أشياءً لا يمكن أن يتخيلها أحد، لم يكن هناك مكان للجلوس أو النوم. الوضع كان أشبه بالجحيم".
وأشار المواطن اللبناني إلى أن الطعام الذي يُقدم لمئات السجناء كان قليلا للغاية، مما زاد من معاناتهم، واستطرد: "لم أواجه في حياتي أسوأ مما عشته هناك".
جحيم "المنفردة"
أما أصعب التجارب التي قضاها في فرع فلسطين فكانت خلال احتجازه بـ"المنفردة"، وهي زنزانة حبس انفرادي تُعرف بظروفها القاسية وغير الإنسانية.
وقال عن ذلك: "قضيت في المنفردة 97 يوما، كانت تجربة لا يتحملها أحد. كان الضرب مستمرا، والطعام الذي يُقدم لنا سيئا لدرجة أننا لم نستطع التعرف عليه".
وأضاف: "كانت المنفردة عذابا لا يوصف؛ لم يُسمح لنا ببطانية أو أي شيء. وإذا طلبنا شيئا بسيطا، كان الرد دائما بمزيد من التعذيب والضرب".
وأشار جمال إلى أنه بعد هذه الفترة القاسية، بدأ بالتنقل بين فروع أمنية أخرى لم يكن يعرف أسماءها أو مواقعها، حتى انتهى به الأمر في سجن صيدنايا بريف دمشق المعروف باسم "المسلخ البشري"، لكونه شهد عمليات تعذيب وإعدام ممنهجة لأعداد كبيرة من المعتقلين.
وعن تجربته في سجن صيدنايا، قال: "شعرت أنني سأُعدم هناك، فقد عايشت أشكالا أخرى من العذاب، مثل الصعق بالكهرباء، والجلد، والرمي بالماء المثلج، والزحف على الأرض مثل الدجاج".
الخروج الأخير
جمال روي تفاصيل انعتاقه بعد سنوات من العذاب، قائلا: "في الأيام الأخيرة كنا 124 شخصًا محشورين في غرفة واحدة" وذلك في سجن عدرا المركزي بريف دمشق.
وأضاف: "عندما وصل الثوار إلينا قالوا لنا: اخرجوا، لم يعد هناك نظام. لكننا ترددنا، خائفين من أن يكون الأمر خدعة. حتى خرج أحد المعتقلين وتحقق من الأمر، ثم عاد ليخبرنا: صدقوا، لقد انتهى كل شيء. أنا الآن خارج السجن".
وتابع: "في تلك اللحظات الأخيرة، تشجعت وخرجت برفقة شاب أردني. وعندما وصلنا إلى خارج السجن، كان شعوري أشبه بمعجزة. حمدنا الله على نجاتنا من العذاب الذي لا يمكن وصفه. كنت أشعر أنني على فراش الموت".
وعن لقائه المؤثر مع عائلته بعد سنوات طويلة من الفراق، قال بأسى: "عندما عدت إلى المنزل الثلاثاء، لم أتعرف على أولادي وأبناء إخوتي. فقد قُطعت عني الزيارات منذ 12 عاما".
وتابع بحسرة: "زرعوا الألم في أعماقنا، شهدت في السجن أشياء لا يمكن أن تخطر على بال أحد. حتى لو تحدثت عنها، لا أعتقد أن أحدا يمكنه تصديقها".
واختتم نبعة حديثه قائلا: "السجون في سوريا أكثر من المدارس"، في إشارة إلى حجم القمع والاعتقالات التي طالت الآلاف.
ووفقا لجمعية "المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية" (غير حكومية)، لا يزال 622 لبنانيا في عداد "المختفين قسرا" داخل السجون السورية.