رحال عماري، مهاجر مغربي مقيم في إيطاليا منذ سنوات، أصبح حديث وسائل الإعلام في البلد الأوروبي بعد إقدامه على عمل بطولي لإنقاذ طفلين من موت محقق في عرض البحر.
عملية الإنقاذ التي أفرحت الجميع تحولت إلى حزن عندما لقي عماري (42 سنة) حتفه في ضواحي مدينة كازيرتا جنوبي إيطاليا، نتيجة ابتلاعه كمية كبيرة من مياه البحر.
ما قام به عماري قبل أسبوعين، أوصل رسالة إلى البلدان المضيفة، مفادها أن المهاجرين يدفعون الغالي والنفيس في سبيل قيم التضامن، وذلك رغم ارتفاع مؤشرات العنصرية و"الإسلاموفوبيا".
الحادث
وبحسب تقارير إعلامية في المغرب وإيطاليا، فإن عماري كان يشتغل منذ حوالي 20 سنة منقذا في الشاطئ ذاته، قبل أن يتحول إلى أحد المشرفين على إدارته.
ووفق التقارير ذاتها، فقد سمع عماري أن أبوين يستغيثان بسبب غرق ابنيهما، ليتدخل وينقذ الطفل الأول بسرعة، ويعود للثاني وينجح في العملية.
وبمجرد وصوله إلى الشاطئ، وقع المهاجر المغربي مغمياً عليه، ليرحل تاركا وراءه زوجة وطفلين صغيرين.
حس تضامني
تعليقا على ذلك، وصف محمد الزواق، مدير موقع "يا بلادي" المغربي (المتخصص في قضايا الهجرة والمغتربين) الحادث بـ"البطولي".
وقال في حديث للأناضول، إن "الحادث يبرز مدى ارتباط المغتربين بقضايا بلدان الاستقبال، ومحاولاتهم المتكررة في إثبات إنسانيتهم وتضامنهم، رغم ما يتم الترويج له ضدهم".
واعتبر أن "قصة عماري مماثلة لقصص أخرى أدى فيها المهاجرون دورا بطوليا سواء في إنقاذ الأرواح أو مد يد المساعدة".
وأشار الزواق أنه "خلال فترة كورونا برز تضامن المغتربين المغاربة ومن باقي الجنسيات".
وأوضح أن "الحس التضامني للمغتربين، يأتي في الوقت ترتفع موجة العنصرية وترويج رسائل سلبية حولهم، من عدد من وسائل الإعلام وبعض المنتمين إلى اليمين المتطرف".
ولفت إلى أن "ما فعله عماري، وقبله عدد من المغتربين، يكسر الصورة النمطية التي تريد بعض الجهات ترويجها ضد المهاجرين".
إشادة بالمهاجر الراحل
من جانبها، تقدمت السفارة الإيطالية في الرباط، بالتعزية في رحيل عماري، في حين أطلق نشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي وسم (هاشتاغ) "وداعاً رحال"، عرفانا بتضحية المهاجر المغربي.
وتحت هذا الوسم، وصف المواطن المغربي تاج الدين الشريف الحادث بالفاجعة، مشيدا عبر فيسبوك، بما قام به المهاجر الراحل، "حيث قدم حياته ثمناً لإنقاذ طفلين".
وأفاد الشريف، بأن "عماري لقي حتفه بعد سلوكٍ بطولي بإنقاذه طفلين من الغرق بعدما جرفتهما أمواج البحر".
وتابع: "ما تزال تتردد العديد من التصريحات المواسية في فقدان البطل رحال، مشيدةً بسلوكه البطولي ومتأسفةً لما حدث له".
بدورها، أشادت المغربية أم دحدوج المدني، بعمل عماري البطولي، وقالت عبر فيسبوك، إن "عماري مهاجر مغربي ينحدر من قلعة السراغنة (شمال)".
قيم المهاجرين
بدوره، قال عبد الفتاح الزين، الخبير المغربي المتخصص في قضايا الهجرة للأناضول، إن ما قام به عماري "ينم عن تشبعه بعدد من القيم والأخلاق".
وأضاف أن "المهاجرين المغاربة أو من دول أخرى لهم قيم مثل فعل الخير والإيثار ومساعدة الغير، عكس عدد من المجتمعات الأخرى التي تطغى عليها الرأسمالية، وتحكمها الأوراق السياسية".
وأشار إلى أن المهاجرين عندما ينتقلون إلى دول أخرى، لا يأتون من فراغ، بل من بيئة تحكمها الأخلاق والتضامن.
وانتقد الزين عددا من الدول الغربية التي تضع حواجز أمام المهاجرين ولا تعالج قضية الهجرة في شموليتها، "حيث تعمل هذه الدول مثلا على منع المهاجرين من الوصول إليها حتى لا يستفيدون من الحقوق بموجب الاتفاقيات الدولية".
ولفت الانتباه إلى "خطورة استخدام ورقة المهاجرين في رسم الخريطة السياسية لعدد من بلدان أوروبا، وعدم إيلائهم الاهتمام رغم ما يقدمونه من تضحيات".
مهاجرون أبطال
تضحية عماري لم تكن الأولى من نوعها، فكثيرة هي المواقف التي أثبت فيها المهاجرون إيثاراً وروحاً قل نظيرها في بلدان الاستقبال.
ففي مايو/ أيار 2022، أنقذ الشاب المغربي صلاح الدين الخراز (25 سنة)، طفلاً إيطالياً (13 سنة) من موتٍ محقق، بعدما كان عالقاً في شقة اندلعت فيها النيران.
وبحسب الصحف الإيطالية، وقع الحادث في إحدى شقق "أندورنو ميكا" الواقعة في منطقة "بييلا"، حيث تدخل الشاب المغربي بعدما سمع استغاثة أم الطفل التي ألقت بنفسها من على ارتفاع 3 أمتار.
وتمكن الخراز من إنقاذ الطفل قبل وصول رجال الإطفاء لإخماد النيران التي التهمت الشقة بكاملها.
وفي مايو 2021، أنقذ المهاجر المغربي عصام بنعباد (39 سنة)، مسناً فرنسيا من موتٍ محقق في البحر.
وبعد عملية الإنقاذ توفي بنعباد على شاطئ "هيروا"، حيث كان يعمل سائق شاحنة للنقل.
وفي مايو 2018، أنقذ المهاجر المالي مامادو قاساما، طفلاً من السقوط من شرفة في الطابق الرابع لمبنى في باريس.
وتناقلت وسائل إعلام دولية مقطع فيديو لعملية الإنقاذ، حيث تمكن من تسلق عمارة من 4 طوابق لينقذ الطفل.