العلاقات التركية-القطرية أو جيوسياسية الشمال-الجنوب مجدّدًا

14:4230/11/2020, الإثنين
تحديث: 30/11/2020, الإثنين
زكريا كورشون

لقد جعلت زيارة أمير قطر الشيخ تميم إلى تركيا ومن ثمّ النقاشات التي بدأت بعدها، النظرَ إلى العلاقات التركية-القطرية مرة أخرى شيئًا لازمًا. تتم اليوم مناقشة هذه العلاقات من خلال الحديث عن شراء قطر 10 بالمئة من بورصة إسطنبول. طبعًا أنا لست رجل اقتصاد، ولن أناقش حول النتائج الاقتصادية لهذه الاستثمارات، مع احترامي للنقاشات حول هذا الموضوع.لكن على صعيد آخر لدي رأي وأعلم أنه سيواجه اعتراضًا من قبل البعض، هو أنّ حجم الاستثمارات القطرية في تركيا ليس بالمستوى المفترض. لأننا حينما ننظر إلى ثراء صندوق قطر السيادي

لقد جعلت زيارة أمير قطر الشيخ تميم إلى تركيا ومن ثمّ النقاشات التي بدأت بعدها، النظرَ إلى العلاقات التركية-القطرية مرة أخرى شيئًا لازمًا. تتم اليوم مناقشة هذه العلاقات من خلال الحديث عن شراء قطر 10 بالمئة من بورصة إسطنبول. طبعًا أنا لست رجل اقتصاد، ولن أناقش حول النتائج الاقتصادية لهذه الاستثمارات، مع احترامي للنقاشات حول هذا الموضوع.

لكن على صعيد آخر لدي رأي وأعلم أنه سيواجه اعتراضًا من قبل البعض، هو أنّ حجم الاستثمارات القطرية في تركيا ليس بالمستوى المفترض. لأننا حينما ننظر إلى ثراء صندوق قطر السيادي وامتلاكها أقوى البورصات على مستوى العالم، والشراكات التي تملكها مع أكبر شركات العالم، نجد أنّ حجم استثماراتها في تركيا يعتبر حلقة صغيرة ضمن دائرة كبيرة.

على الرغم من المخاطر التي وضعتها تركيا أمامها منذ العام 2017، فإنّ هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نعتقد أنّ حجم الاستثمارات القطرية ليس كافيًا، ولا يمكن عدّ تلك الأسباب كلها، إلا أنني أعتقد أنّ من أبرز تلك الأسباب هو أنّ من يديرون صندوق السيادة القطري يقفون على مسافة من الاقتصاد التركي، على الرغم من العلاقات القوية بين البلدين.

على الرغم من الأوضاع القاسية التي يمرّ بها العالم، وتراجع درجة الاستثمارات والإنتاج في كل مكان تقريبًا، والحديث عن أزمة حادة خلال العام 2021 أيضًا؛ على الرغم من كل ذلك ألا يعتبر توجّه صندوق قطر السيادي نحو تركيا أمرًا ذا مغزى؟ بالطبع لا يكفي القول بأن المؤشرات الاقتصادية الحالية ساهمت في ذلك. لا أعلم كيف أو إلى أي مدى سينعكس ذلك على اقتصادنا من حيث الكم والرقم، إلا أنه من الممكن القول بأنّ شراء قطر الأخير في بورصة إسطنبول، سيخلق ثقة سياسية، ويعزز من مكانة تركيا على صعيد رأس المال العالمي.

يجب العمل على فهم العلاقات التركية-القطرية في ضوء المرحلة التي وصلت إلها اليوم.

ولقد شرحت في العديد من المقالات أو المحاضرات أو الكلمات السابقة على الدوام، أن العمق التاريخي لتركيا يعتمد على 3 ركائز أساسية. وأكدت أنّ على تركيا الحفاظ على وجودها ضمن تلك الركائز، أيًّا كانت الظروف.

هذه الركائز الثلاثة التي أتحدث عنها، هي الخليج العربي، وليبيا، واليمن. وإنّ العلاقات التي انشأتها تركيا مع قطر منذ العام 2017 والتي بدأت مرحلة مختلفة، لهي إحدى الركائز الثلاثة تلك، سواء أسميتم تلك العلاقات بأنها نابعة عن علاقات تاريخية، أو نتيجة التهديدات التي شعرت بها تركيا ممّا حولها.

وإن ذلك في الحقيقية إلى جانب التطورات التي سيشهدها المستقبل القريب، سيعزز من وجودها بشكل أكبر، وستُصبح الدولة التي لا يمكن الاسنغناء عنها على صعيد أمن المنطقة.

أما توقيع تركيا مع ليبيا على اتفاقية تحديد المنطقة الخالصة، ووقوف تركيا إلى جانب الشعب الليبي ضدّ حفتر، يعتبر الركيزة الثانية من تلك الركائز الثلاث. أما الركيزة الثالثة فإنها تكمن في العلاقات التي ستعمل السعودية على تقويتها مع تركيا، مما يساهم في تحوّل مهم في المسألة اليمنية.

يمكن أن تروا ذلك كحلم أحلم به. إلا أنني في أول مقال كتبته في صحيفة يني شفق، قدّمت اقتراحًا يعتمد على حقيقة أنّ الجيوسياسية الشمالية-الجنوبية التي استمرت لعصور، اختفت تمامًا خلال بضعة القرون الأخيرة، على حساب تأسيس الجيوسياسية الشرقية-الغربية.

لقد ذكرت في ذلك المقال الذي نُشر بتاريخ 31 أغسطس/آب 2017:

"بعد فتح منطقة الأناضول، كان المحور السياسي للعالم الإسلامي هو طريق نهرَي دجلة والفرات، وأنّ هذا المحور كان بمثابة غطاء آمن لجميع المسلمين. وحينما تعرض هذا المحور لهزة وبات مفتوحًا على التهديدات الخارجية، بات من الواضح ملاحظة أنّ وحدة العالم الإسلامي تعطلت، وأنّ المدن الإسلامية الثلاثة المقدّسة باتت تحت الخطر.

لقد كان العثمانيون من خلال توسعهم نحو الغرب خلال أولى سنوات تأسيس الدولة، وتشكيل دولة قوية وصلوا بها إلى القمة، يركزون في الوقت ذاته على ضمان سلامة المحور الشمالي-الجنوبي الذي ورثوه عن السلاجقة. ولقد اكتملت هذه المهمة على يد السلطان ياووز سليم، وسليمان القانوني، من خلال إعادة نهري دجلة والفرات إلى المركز من جديد، وتأسيس السلام العثماني الذي امتد على مدى قرون".

وحينما دخلت الإمبراطورية العثمانية التاريخ، بدأت النقاشات حول المحور الأسياسي لجيوسياسية العالم الإسلامي. ولقد ذكرت في هذا السياق:

"إن السبب الرئيسي للصراعات التي ساهمت في تقسيم العالم الإسلامي وتأليبه ضد بعضه البعض، هو أنّ هذا المحور الذي فقد وحدته خلال القرن الماضي، تمّ تدميره اليوم. لكننا نلاحظ اليوم أنّ تركيا مع سياساتها المستقلة يومًا بعد يوم، تعيد الاعتبار لهذا المحور وتعزّز من وجوده، مما يجعل الأنظار تتوجه مرة أخرى نحو هذه الجغرافيا، كونها باتت احتمالًا لاستعادة جيوسياسية العالم الإسلامي. ولذلك السبب، يجب على تركيا في المقام الأول إلى جانب العناصر الأخرى للمنطقة، تطوير استراتيجية جديدة، تساهم لهذا الهيكل في التحرك معًا، أو بالتنسيق فيما بينه على أقلّ تقدير.

آمل أن لا تكون تلك الأيام التي حلمت بها بعيدة. ودعوني أذكر ذلك مرة أخرى للفائدة؛ أنّ هذا الأمل لا يعني بأيّ حال استعادة الأراضي القديمة، بل إنه طموح إنسانيّ يتناسب مع شروط العصر الحالي ومصالح الجميع. ولذلك السبب فإنّ العلاقات الموجودة اليوم مع قطر، والتي يمكن أن تنشأ غدًا مع دول أخرى في المنطقة والعالم الإسلامي كله، على أساس العقل والمنطق والعلم والسياسة الواقعية، ستخدم بدورها جيوسياسية الشمال-الجنوب التي يحتاجها العالم. إلا أنه يجب أن يكون الشمال الذي يمثل النقطة الثابتة للبوصلة خاليًا من جميع أنواع التهديدات والمخاطر والخلافات التي تلتهم الداخل.

وداعًا..

أود أن أخبركم أنني سآخذ قسطًا من الراحة، إنها استراحة القلم بعد الشوط الطويل الذي قطعته هنا ضمن مقالاتي في يني شفق. وفي هذه المناسبة أريد أن أغتنم الفرصة لأشكر صحيفة يني شفق، ورئيس التحرير، ومدير التحرير، وجميع الموظفين الذين عملوا لأجل تلك المقالات. كما أودّ أن أعبّر عن امتناني لكلّ من يقرأ ويقيّم ويعبّر برأيه حول مقالاتي حتى من ينتقدها.


#تركيا
#قطر
#الدولة العثمانية
#زكريا كورشون