الفلسطينيون يعيدون إحياء قضيتهم

08:4823/01/2025, Perşembe
تحديث: 23/01/2025, Perşembe
سلجوك توركيلماز

بعد اتفاق وقف إطلاق النار، كان مشهد الحشود الغفيرة من أهالي غزة وهم يتجهون نحو منازلهم التي تحولت إلى ركام، مفعمًا بروح الانتصار، مما أثار انطباعًا لدى الكثيرين بأنهم خرجوا منتصرين من حرب طويلة الأمد. ويبدو أن الإسرائيليين لاحظوا هذا الشعور وذهلوا منه. فقد أمطرت قنابل الاحتلال سماء غزة بلا هوادة لأيام وأسابيع وأشهر متواصلة، ولم يبقَ بناءٌ إلا وسوّي بالأرض، إن المشاهد التي خلفتها الحرب ستبقى محفورة في الذاكرة لمئات السنين. ولكن رغم ذلك اختار الفلسطينيون السير نحو هذه الأنقاض بإيمان راسخ. ولم يكن

بعد اتفاق وقف إطلاق النار، كان مشهد الحشود الغفيرة من أهالي غزة وهم يتجهون نحو منازلهم التي تحولت إلى ركام، مفعمًا بروح الانتصار، مما أثار انطباعًا لدى الكثيرين بأنهم خرجوا منتصرين من حرب طويلة الأمد. ويبدو أن الإسرائيليين لاحظوا هذا الشعور وذهلوا منه. فقد أمطرت قنابل الاحتلال سماء غزة بلا هوادة لأيام وأسابيع وأشهر متواصلة، ولم يبقَ بناءٌ إلا وسوّي بالأرض، إن المشاهد التي خلفتها الحرب ستبقى محفورة في الذاكرة لمئات السنين. ولكن رغم ذلك اختار الفلسطينيون السير نحو هذه الأنقاض بإيمان راسخ.

ولم يكن هذا الشعور بالنصر بلا مبرر، فقد حقق الفلسطينيون النصر منذ السابع من أكتوبر لأنهم قاوموا كشعب واحد. وربما كانت المقاومة الجماعية السبب في أن القضية الفلسطينية حظيت باهتمام عالمي واسع منذ الأيام الأولى. ولكن مشهد وقوف الفلسطينيين فوق أنقاض بيوتهم، بعد اتفاق وقف إطلاق النار وكأنهم قادة منتصرون، تعبر عن شيء يتجاوز مفهوم "النصر". بالطبع حين نستمع إلى حديث هؤلاء الأشخاص الذين يظهرون في هيئة القادة المنتصرين، نجدهم لا يخفون الألم الكبير لفقدان أحبائهم. ولكن إيمانهم بأن قضيّتهم الرابحة ستدفعهم نحو مستقبل أفضل يضفي إشراقًا على وجوههم. ومن خلال صورهم فوق الأنقاض، أعلنوا أنهم نجحوا في وقف عملية استيلاء جديدة على أراضيهم، وأنهم عادوا إلى ما تبقّى لهم من وطن.

في الواقع، كان ينبغي أن أضع عبارة "القضية الرابحة" بين علامتي اقتباس، فالعبارة مستوحاة من مقال إدوارد سعيد بعنوان "حول القضايا الخاسرة". لقد قمت فقط بتعديل العنوان ليُناسب الواقع الحالي. لقد رأى سعيد أن اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993 كان بمثابة اتفاق استسلام. وعندما أعيد قراءة مقاله اليوم، في ضوء الزمن والأحداث التي مرت منذ ذلك الحين، لا يسعني إلا أن أتفق مع سعيد. ولكن مثل هذا الرأي لا يعدو كونه دليلًا على أننا قمنا بتقييم ناقص وخاطئ.

فبينما كنت أحاول فهم ما يجري في فلسطين اليوم، صادفت مقالا لـ "ريتشارد فالك" نُشر في مجلة "ذا نيشن" عام 2014 بعنوان "القضايا الخاسرة ومستقبل فلسطين". وتحت العنوان مباشرةً، لفتت انتباهي عبارة لفالك تقول: "إن مشهد هزيمة الفلسطينيين هو مجرد وهم بصري يخفي إمكانية الهزيمة النهائية لإسرائيل". كان فولك يقيم الأحداث التي جرت حتى عام 2014 بناءً على مقال سعيد. كانت جملة فالك لافتة للغاية، ولكن الفكرة الأساسية للمقال كانت أكثر إلهامًا.

وهناك عبارة أخرى قوية بما يكفي لجعلنا نعيد النظر في مقال إدوارد سعيد وهي: "القضايا الخاسرة هي وحدها التي تمتلك القدرة على التغلب على التحديات التي تواجه البشرية." وفي سياق هذه الجملة، ربط فالك بين "التخلي عن ميراث التنوير الذي يعتمد على توجيهات العقل الأداتي" وبين كسب القضايا الخاسرة. واستخدم فالك مصطلح "القفزة الإيمانية" في هذه الفقرة، حيث قال: "المشكلة بالطبع هي أنه في وقت الأزمات والانهيارات، لا تستطيع الحكمة التجريبية المشككة، التي تحدها آفاق الحس السليم السائد أن تقدم الإجابات، لذلك يجب المخاطرة باتخاذ قفزة الإيمان."

من الصعب على عقل يتجاهل الصالح العام والمصلحة العامة أن يفهم هذا الإيمان، فقد تخلى عنهم جميع جيرانهم العرب تقريبًا. لقد وقعوا اتفاقيات إبراهيم بعقل استراتيجي وتحليلي، واعتبروا الفلسطينيين عبئًا مزعجًا. كانت جميع الظروف تسير ضد الفلسطينيين. وكانت أوروبا وأمريكا تقدمان دعمًا غير مشروط لإسرائيل. وبدا أن التهجير الجديد أمر لا مفر منه، وكانت خسارة القضية نتيجة حتمية. وكان من الممكن أن يتسلل اليأس والإحباط إلى نفوسهم بعد سنوات. وكان لدى الصهاينة كل الوسائل والإمكانيات اللازمة للقضاء على أهل غزة. لذلك فإن العامل الوحيد الذي كان قادرا على تغيير الوضع، هو ما عبر عنه فولك بقوله "القفزة الإيمانية".

يجب أن نحاول فهم فرحة الفلسطينيين بالنصر. وعند النظر إلى كتابات إدوارد سعيد وريتشارد فولك، يمكننا أن نستنتج أن الفلسطينيين قد استعادوا القضية الفلسطينية وأعادوا إحياءها. وأعتقد أن ما انعكس على وجوههم كان فرحة التخلص من احتمال الشعور باليأس وفقدان الإيمان. ولا يمكن لمن ينظر من الخارج أن يفهم هذه الفرحة بسهولة.

بعد السابع من أكتوبر، كان هناك من اتهم حماس والفلسطينيين، وخاصة في بعض الأوساط الدينية المحافظة، بأنهم وقعوا في فخ إسرائيل. فهم يرون أن إسرائيل حققت ما كانت تريده، وبسبب اعتمادهم على العقل الأداتي توصلوا إلى نتيجة مفادها أن الفلسطينيين سيُهزمون. في الواقع نحن نشير إلى الاختلافات الظاهرة التي تبرز انفصالًا عميقًا.



#الفلسطينيون
#غزة
#إسرائيل
#الإيمان
#النصر
#القضية الفلسطينية
#السابع من أكتوبر