- فاطمة بودقة: هاريس قد تكون الخيار الأقل سوءا من ترامب فيما يخص قضية غزة - الطاهر الثابتي: سواء كان الفائز هاريس أو ترامب لن يضيف أي منهما لنا شيئا - بسام الصالحي: علاقات تونس وأمريكا قائمة على المصالح بغض النظر عن الرئيس المقبل
"زيد مثل عبيد".. مثل عربي يعكس نظرة التونسيين للانتخابات الأمريكية المرتقبة غدا الثلاثاء؛ فهم يرون أن الساكن الجديد في البيت الأبيض سواء كان مرشح الحزب الديمقراطي أو منافسه الجمهوري لن يغيّر سياسة واشنطن تجاه القضايا العربية ثابتة، وإنما فقط تتبدل الأسماء والسياسة واحدة.
في استطلاع للرأي أجرته الأناضول بالشارع التونسي، توافق عدد كبير من المواطنين على أن التغيرات في الإدارة الأمريكية ليست سوى انتقال من السيئ إلى الأقل سوءا، أو العكس، في ظل الدعم المستمر لإسرائيل والمواقف المتشددة ضد الحقوق العربية، لا سيما في ملف قطاع غزة الذي يتعرض لإبادة جماعية ترتكبها إسرائيل منذ أكثر من عام.
وفي الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، تتنافس كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالية مرشحة الحزب الديمقراطي، مع دونالد ترامب الرئيس السابق مرشح الحزب الجمهوري.
وتظهر أحدث الاستطلاعات أن السباق متقارب جدا على المستوى الوطني وفي عدة ولايات متأرجحة، حيث يسير المرشحان في أغلب تلك الاستطلاعات "كتفا بكتف"، بينما تمنح استطلاعات محدودة تقدما محدودا لهاريس على ترامب بما يراوح بين نقطة و3 نقاط.
"الأسوأ والأقل سوءًا"
تقول فاطمة بودقة، وهي مهندسة ميكانيك سيارات، إن المفاضلة بين ترامب وهاريس هي "بين الأسوأ والأقل سوءا"، فيما يتعلق بملف الهجرة الذي يهم المهاجرين التونسيين بالولايات المتحدة.
وترى بودقة أن تعامل الحزب الجمهوري مع ملف الهجرة "كارثي"، وتقول إن هاريس ستكون "أقل سوءًا" في هذا الملف من ترامب المعروف "بتوجهاته المتطرفة" حيال المهاجرين.
وحسب ما ظهر من خطابات لهما ومناظرة جرت بينهما في 10 سبتمبر/ أيلول 2024، تتبع هاريس سياسة تؤيد الإصلاح الشامل بملف الهجرة، حيث تدعم توفير مسارات واضحة لحصول المهاجرين على الجنسية، مع تعزيز أمن الحدود.
فيما يعيد ترامب تقديم سياساته المتشددة السابقة، بما في ذلك ترحيل جماعي واسع للمهاجرين، وإلغاء حق الجنسية بالولادة، ويعد باستخدام الحرس الوطني لدعم حملات الترحيل، وتطبيق حظر على دخول رعايا دول معينة.
ووفق أرقام معهد سياسات الهجرة، يبلغ عدد المهاجرين من تونس بالولايات المتحدة نحو 176 ألف شخص، وذلك حتى منتصف عام 2020.
فيما يتواجد في الولايات المتحدة إجمالا 51.4 مليون مهاجر حتى فبراير/ شباط 2024، وفق مكتب الإحصاء الأمريكي.
غزة وملف الحريات
وبخصوص ملف الحريات، تعتقد بودقة بزيف ما تدعيه الولايات المتحدة من قيام حضارتها على "احترام مبادئ الحقوق والحريات".
إذ تقول إن الولايات المتحدة "تنتهك" هذه المبادئ في سياستها الخارجية، خاصة عبر دعمها غير المشروط لإسرائيل.
وتضيف: "الحقوق والحريات عند الإدارة الامريكية - وليس الشعب - مرتبطة دائما بمصالح لجنة الأيباك، وولاء المترشح للرئاسيات لهذه اللجنة هو ما يجعله يربح الانتخابات".
و تعد اللجنة الأمريكية للشؤون العامة الإسرائيلية (أيباك) مجموعة ضغط تدافع عن السياسات المؤيدة لإسرائيل لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية للولايات المتحدة.
وتتابع بودقة: "سياسات الولايات المتحدة (الخارجية) تتناقض مع المبادي التي تزعم الإيمان بها".
وتعتبر أن "المثير للاستغراب أكثر هو عدم اهتمام الإدارات الأمريكية حتى بحقوق وحريات شعبها (إذا تناقض صوت الشارع مع مصالح إسرائيل) رغم أنه من يدفع الضرائب التي تستعملها لتمويل إسرائيل عسكريا وماديا".
وفي هذا الصدد ترى أن "القضية الأهم اليوم هي قضية غزة ووقف إطلاق النار بالقطاع"، وتعتبر أن هاريس قد تكون الخيار "الأقل سوءا" من ترامب بخصوص هذه القضية.
لكنها تعتقد أن هناك عاملين يمكن أن يساهما في وقف حرب الإبادة الإسرائيلية بغزة، الأول هو مدى صمود المقاومة الفلسطينية واستنزافها لإسرائيل عسكريا، والثاني هو تزايد الضغوط الداخلية على الشارع الأمريكي.
وبصفة عامة، ترى بودقة أن هاريس هي "الأقل سوءا" بالنسبة للقضايا العربية الأخرى، لكنها تؤكد على ضرورة مراجعة الدول العربية لسياساتها إزاء الولايات المتحدة بما يخدم مصالح شعوبها.
وتطالب في هذا الصدد الحكومات العربية بالعمل بشكل استباقي لتحقيق مصالح شعوبها وضمان موقف أكثر توازنًا من الولايات المتحدة.
ارتباط بسيط بين تونس
من جانبه، يقول الطاهر الثابتي، وهو عامل يبلغ من العمر نحو 50 عاما، إن ارتباط تونس بالولايات المتحدة "بسيط".
ويضيف: "من يصعد (يفوز) من الاثنين (هاريس أو ترامب) لن يضيف لنا أي شيء؛ فنحن كنا في ثورة (14 يناير 2011 التي أطاحت بحكم زين العابدين بن علي)، والديمقراطيون كانوا بالحكم، ولم يضيفوا لنا أي شيء وقتها".
ويتابع: "نحن لا ننتظر مساعدات من أي جهة تصعد في الانتخابات القادمة"، مؤكدا أنه "سواء صعد الديمقراطيون أو الجمهوريون، فإننا لا نتوقع تغييرًا كبيرًا في السياسة الأمريكية تجاه تونس".
ويستطرد: "كان الديمقراطيون بالحكم (إبان الثورة) ونحن كنا في انتقال ديمقراطي، لم نر مساعدات كبيرة منهم لتونس في تجربتها".
وفي بداية الاحتجاجات التي رافقت يناير/كانون الثاني 2011، آنذاك، تبنت الولايات المتحدة موقفا متحفظا، حيث كانت تربطها علاقات وثيقة مع نظام بن علي، الذي اعتُبر حليفًا في مكافحة الإرهاب وضمان الاستقرار في المنطقة.
لكن مع تصاعد الاحتجاجات وتزايد الضغط الشعبي، أعربت واشنطن بقيادة الرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، عن تأييدها لـ"حق" الشعب التونسي في التعبير عن تطلعاته.
تناقضات حقوق الإنسان
الثابتي يرى أيضا أن الحزب الديمقراطي يتحدث كثيرًا عن حقوق الإنسان التي تبقى انتقائية بالنسبة للولايات المتحدة، ولم يتم تطبيقها على الحالة في غزة.
ويقول: "نرى الإسرائيليون يتشفون في المدنيين بغزة، والولايات المتحدة ترى الجيش الاسرائيلي يقتل الأطفال والنساء والشيوخ هنا، ولا تتحرك، لذا نعتبر أن الجيش الإسرائيلي تحت قيادة أمريكية".
ويضيف: "أعتبر ان مشاركة الأمريكيين في التشفي من أطفال غزة واضح، ولو أرادت أمريكا إيقاف ذلك لحصل الأمر، فإسرائيل تأتمر بأوامر أمريكا".
ولا يتوقع الثابتي أي انفراجة في قضية غزة إذا فاز الديمقراطيون "الذي يعطون تطمينات، ولكن يمارسون الغدر من طرف خفي"، على حد قوله.
ويختتم حديثه قائلا: "بالعكس ترامب أوضح مسألة وقوفه مع العدو (إسرائيل)، ونحن نفضل العيش على الحقيقة على وهم الديمقراطيين".
ويعرض ترامب، في برنامجه الانتخابي، نهجا أكثر تشددا لدعم أمريكي غير مشروط لإسرائيل؛ حيث يسمح لها باتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة ضمن ما يصفه بـ"حقها في الدفاع عن النفس"، ودون أي تركيز على الجانب الإنساني.
بينما تدعم هاريس ما تعتبره "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" ضد "حماس"، وتزعم أن الأخيرة "منظمة إرهابية يجب القضاء عليها"، لكنها تؤكد في الوقت ذاته على "ضرورة حماية المدنيين في غزة”.
كما تقول هاريس إنها تدعم "حل الدولتين" للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتدعي أنها تعمل مع الإدارة الحالية على ضمان استقرار الأوضاع في غزة بعد انتهاء الحرب، بما يشمل إعادة الإعمار، وإعادة حكم السلطة الفلسطينية.
وفيما يبدو موقف هاريس أكثر توازنا من ترامب، إلا أن المواقف الفعلية إزاء غزة لإدارة جو بايدن التي تتواجد بها حاليا كنائبة للرئيس تتناقض مع وعودها.
فإدارة بايدن تقدم دعما مطلقا لإسرائيل عسكريا واستخباريا وسياسيا، حتى أن الفلسطينيين يتهمونها بأنها شريكا رئيسيا في الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل بالقطاع منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي خلفت حتى الآن أكثر من 145 ألف قتيل وجريح فلسطينيين.
"العلاقات مصالح"
أما بسام الصالحي، وهو طبيب أسنان تونسي عمره 26 عاما، فيرى أن العلاقات التونسية الأمريكية قائمة على المصالح المتبادلة، بغض النظر عن توجهات الرئيس المقبل.
لكنه يرى أن فوز هاريس قد يدفع نحو التركيز على حقوق الإنسان، بينما يميل ترامب إلى الدبلوماسية العملية التي تعزز التعاون الاقتصادي والأمني.
ويستنكر الصالحي كذلك الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل في الهجوم على الفلسطينيين بقطاع غزة، معتبرا أنه "يتناقض بوضوح مع القيم المعلنة (من جانبها) لحقوق الإنسان".
ويضيف: "هذا التناقض يهدد مصداقية الولايات المتحدة، ويكشف ازدواجية معاييرها؛ مما يدعو إلى مراجعة سياساتها لضمان حقوق الشعوب بشكل أكثر إنصافا".
ويعتبر الصالحي أن "الأمل قائم في تغير إيجابي بالأوضاع بعد الانتخابات؛ فالديمقراطيون غالبا أكثر ميلا لتفهم المطالب العربية؛ مما يمنح فرصة لبناء علاقات متوازنة تسهم في استقرار الشرق الأوسط".