تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية

08:462/01/2025, الخميس
تحديث: 2/01/2025, الخميس
سلجوك توركيلماز

كان شعار تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية أحد الشعارات اللافتة التي رددها المتظاهرون في مسيرة تضامنية مع فلسطين أقيمت على جسر غالاطة في أول أيام عام 2025. ولكن الشعار الأكثر لفتاً للنظر والذي اختاره منظمو الاحتجاج كان: "بالأمس آيا صوفيا، واليوم الأموي، وغداً الأقصى". يدرك الناشطون المطلعون على هذه القضايا أهمية الشعارات جيدًا في مثل هذه الأحداث، حيث تلخص الشعارات الجيدة الأفكار المعقدة بطريقة مبسطة وسهلة الحفظ، مما يجعلها تنتشر بسرعة بين الجماهير. ومن الصعب جداً تغيير أو تحريف المعنى المقصود من شعار

كان شعار تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية أحد الشعارات اللافتة التي رددها المتظاهرون في مسيرة تضامنية مع فلسطين أقيمت على جسر غالاطة في أول أيام عام 2025. ولكن الشعار الأكثر لفتاً للنظر والذي اختاره منظمو الاحتجاج كان: "بالأمس آيا صوفيا، واليوم الأموي، وغداً الأقصى". يدرك الناشطون المطلعون على هذه القضايا أهمية الشعارات جيدًا في مثل هذه الأحداث، حيث تلخص الشعارات الجيدة الأفكار المعقدة بطريقة مبسطة وسهلة الحفظ، مما يجعلها تنتشر بسرعة بين الجماهير. ومن الصعب جداً تغيير أو تحريف المعنى المقصود من شعار محكم الصياغة. كما أن قابليتها للتأويل تُضيف بُعدًا آخر لأهميتها، مما يسمح بتطورها وتغيرها مع مرور الزمن. إذ إن الاختلافات بين الشعارات تُظهر التحولات التي طرأت على الحركات والأفكار مع مرور الوقت. ويمكننا مثلاً أن نفهم من الشعار المختار الفارق الكبير بين الأحداث التي شهدتها سوريا العام الماضي وما حدث هذا العام. فحتى قبل بضعة أشهر فقط، كانت الصلاة في المسجد الأموي حلمًا بعيد المنال، ولم يكن من المستبعد أن يُقابل هذا الحلم بالسخرية. لكنني اخترت أن يكون عنوان هذا المقال "تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية" وهو شعار مشهور جداً ظهر في الأغنية الجماهيرية المعروفة "Leve Palestina".

إن "شعار "تحيا فلسطين ويسقط الاستعمار" في أغنية "Leve Palesitina" هو شعار قوي ومؤثر. وكما ذكرت آنفاً تُختزل الأفكار المعقدة في أكثر أشكالها وضوحًا وبساطة من خلال الشعارات المدروسة بعناية. لقد خاض الفلسطينيون، على مدار قرن تقريبًا، نضالًا تُجسده هذه الكلمات البليغة التي واجهوا بها العالم. ولو خصصنا دراسة لتأمل هذه الشعارات وحدها، لاحتجنا إلى كتابة صفحات عديدة. حتى إيضاح أن إسرائيل ليست مجرد "إسرائيل" أو "اليهود"، هو بحد ذاته عمل بالغ الأهمية. كما أن إظهار أن دعم الصهيونية من قبل بريطانيا والولايات المتحدة ليس نتيجة خضوعهما للوبيات يهودية فقط، بل هو جزء من استراتيجية أكبر، أصبح الآن ذا قيمة استراتيجية. فمن السذاجة اختزال القصف الوحشي المستمر منذ خمسة عشر شهرًا على الفلسطينيين باعتباره مجرد نتيجة لتأثير اللوبيات اليهودية. إن دولًا مثل ألمانيا وهولندا وبريطانيا والولايات المتحدة متورطة بشكل مباشر في هذا الإبادة. ويشير مصطلح "الاستعمار" في الأغنية بوضوح إلى النظام الذي أنشأته القوى الأنجلوساكسونية. وعلى مدار قرن ورغم كل أنواع الموت والألم التي يتجرعها الفلسطينيون، يواصلون إيصال المعنى العميق لهذه الكلمات إلى العالم، مهما كلفهم ذلك من تضحيات.

للأسف، استمر النظام الاستعماري الجديد، الذي أُنشئ بقيادة بريطانيا والولايات المتحدة منذ أوائل التسعينيات، في السيطرة على المنطقة التركية والإسلامية لفترة طويل. وكانت أهم ركائز هذا النظام، الذي استمر قرابة خمسة وعشرين عامًا هي البنى التابعة. وبعد أن تمكنت تركيا من تحييد أحد أبرز عناصر هذه المنظومة في 15 يوليو 2016، بدأت مرحلة جديدة في منطقتنا. ما أثار دهشتي هو تردد المجموعات القومية المحافظة خلال هذه الفترة، ربما لعدم إيمانها بزوال النظام الذي أقامته بريطانيا والولايات المتحدة. والأكثر إثارة للدهشة هو أن جزءًا كبيرًا من هذه المجموعات ظل يدير ظهره للشعارات التي طالما رددها. والأكثر إثارة للدهشة كان عزوف هذه الجماعات، التي اتسمت بطابع محافظ وديني وقومي، عن دعم السوريين، بل وانتشار هذه الأفكار حتى بين أشخاص قريبين منا. ورغم صعوبة تقييم التحولات التي أحدثتها الثورة السورية حتى الآن، فإن شعار "بالأمس آيا صوفيا، واليوم الأموي، وغداً الأقصى" يُعدّ مؤشرًا هامًا على أصداء التغيرات الفكرية التي نشهدها. ربما تمثل هذه الشعارات بوادر صحوة جديدة.

إن العلاقة التي تم تأسيسها بين المساجد الثلاثة ليست بلا معنى، وهذا واضح تماماً. ولا يسعنا هنا إلا أن نتذكر كلمات المرحوم صالح ميرزابي أوغلو: "سوف تكسر أنت السلسلة من هناك وأنا من هنا، وسوف تلتقي أيدينا يوماً ما" فعلاً، إن مقاومة أهل غزة الهائلة أطلقت فكرة إمكانية القيام بشيء ما. كلما تحطمت قيود المساجد، يصبح من المستحيل عدم تلاقي الأيدى. نعم، كما هو واضح من شعار اليوم، فإن الرموز هي المساجد، والرسائل التي تنبعث من مآذن هذه المساجد هي التي توحد البشرية جمعاء. على مدار خمسة عشر شهراً، كان "الموت يتساقط من السماء" على غزة وكل الفلسطينيين، لكن شعوب الدول التي تمطر الموت أيضاً ترفع أصواتها مع أهل غزة، معلنة أن الفلسطينيين قد حرروا البشرية كلها. إن صمود الفلسطينيين وشجاعتهم، من دون شك، لا يمكن تفسيره إلا بمعونة الله سبحانه وتعالى.

إن هذه الشجاعة والعزيمة رأيناها مؤخراً في شخصية مدير مستشفى كمال عدوان، حسام أبو صفية. وكما أشار مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن الدكتور حسام أبو صفية ممثلاً في مشهد سينمائي. وبعد خروجه من المستشفى، سار بخطى واثقة فوق الأنقاض حتى وصل إلى الدبابات الإسرائيلية التي كانت تنتظره. وبلا شك لم يكن أولئك الذين ينتظرونه هم جنود الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل كان هناك أيضاً بريطانيا والولايات المتحدة. وكان حسام أبو صفية يواجههم جميعاً.

إن الحضارة الغربية هي التي انهارت والصهيونية هي التي تدمرت.

تحيا فلسطين.


#فلسطين
#غزة
#إسرائيل
#حسام أبو صفية
#الصهيونية