في البداية أود أن أوضح أن تواجدي بين صفوف أولئك الذين حركتهم ضمائرهم للخروج إلى الشوارع من أجل غزة، في وقت كان الناس فيه يحتفلون بأعياد الميلاد أو أُنهكوا جراء احتفالات رأس السنة الصاخبة، كان شرفًا عظيمًا لا يوصف بالنسبة لي. لقد عشنا صباحًا مليئًا بمشاعر لا يمكن وصفها.
مع بزوغ فجر اليوم الأول من يناير، وبعد أداء صلاة الفجر في الجوامع الكبرى المجاورة، بدأ الحشد يتحرك في آن واحد نحو جسر غالاطة. تدفق الناس من السلطان أحمد، والسليمانية، إلى سيركجي، ليشكّلوا سلسلة بشرية فوق الجسر أُطلق عليها "خط غزة". كانت هذه المرة الثانية التي يُقام فيها هذا الحدث، حيث نظّم العام الماضي أيضاً. ورغم ذلك، ارتفعت أصوات تنتقد هذا الحراك، قائلة: "ما الذي تغيّر بعد وقوفكم العام الماضي؟" أو "الإبادة في غزة لم تتوقف، لذا فإن هذه الأمور لا تُحل بالمظاهرات."
وهنا أود أن أوضح نقطة أساسية، أولاً يجب أن ندرك تماماً أنه من العبث توقع أي رحمة من إسرائيل، وقد تعلمنا هذا الدرس بوضوح خلال الخمسة عشر أو الستة عشر شهراً الماضية. ولكن خلال هذه الفترة، رأينا أيضاً الأهداف التالية التي تسعى إسرائيل لتحقيقها. رأيناها تقتحم لبنان وتعبث في سوريا، بل وتقترب من حدودنا. ونعلم يقيناً أن الأطماع الصهيونية الجنونية التي تسعى لتحقيق "أرض الميعاد" تمتد لتشمل أراضينا. وكان هذا التهديد المكشوف واضحا حتى ثورة الثامن من ديسمبر. ولهذا السبب كان علينا أن نحافظ على صمودنا. لقد أصبحت غزة خط الدفاع الأمامي لمنطقتنا ولم تتمكن إسرائيل حتى الآن من كسره. وفي هذه الأثناء، اندلعت الثورة السورية. تجاوز ومعها الخط الذي أُقيم على جسر غالاطة العام الماضي حدود المقاومة الذهنية إلى آفاق أوسع. لقد كانت إسرائيل تستعد للهجوم، ولكن النتيجة أن تركيا استجابت وتحركت بشكل غير مباشر.
في الواقع، كان من الضروري أن يُبنى هذا الخط في أذهان الناس أولاً. ولمن يسأل: "ماذا تحقق بعد أن أنشأتم هذا الخط هنا العام الماضي؟"، نجيبهم: تم فتح دمشق. الأراضي التي نطلق عليها بلاد الشام تشمل جغرافيا واسعة تضم القدس وغزة. وقد تناول ذلك الكاتب طه كيلينتش بشكل جميل ومفصل. ففي التاريخ، بدأ فتح القدس مع فتح دمشق وحلب. وهذه المدن هي بوابات، ومفارق طرق، ولم يتم فتح القدس إلا بعد أن أصبحت هذه المدن تحت سيطرة الجيوش الإسلامية، وأصبحت مقراً للقادة الإسلاميين.
ولمن يسألون "ماذا تغير منذ العام الماضي؟"، نقول لهم: لقد تغير مجرى التاريخ. ففي الفترة ما بين الأول من يناير والثامن من ديسمبر عام 2024، تغيرت كل التوازنات في منطقتنا. إن تغيير مسار التاريخ هو في جوهره فكرة وإيمان، ولن يدرك هذه الحقيقة إلا أولئك الذين يذهبون للمشاركة في الوقفة الاحتجاجية الإنسانية على جسر غالاطة بدلاً من الاحتفال بأعياد الميلاد.. فالأمور تسير وفقاً لبداياتها. وإذا نظرنا إلى العام الماضي، سنجد أن الأمور سارت كذلك. وبالتالي، فإن مسار عام 2024 سيستمر في 2025 أيضاً.
إن شعار "بالأمس آيا صوفيا، واليوم الأموي، وغداً الأقصى" الذي رفعته منصة الإرادة الوطنية، المنظمة للقاء التاريخي الذي حضره 450 ألف شخص عند جسر غالاطة، يشير بوضوح إلى هذا الهدف. وقد أكد المتحدثون على هذا الشعار، وخاصة رئيس مجلس أمناء مؤسسة نشر العلوم بلال أردوغان الذي شدد على ذلك قائلاً: "كما تحرر مسجد آيا صوفيا من أغلاله، وتحرر المسجد الأموي في دمشق من طغيان دكتاتور دموي، نؤمن بأن شمس الحرية والعدالة ستشرق قريبا في المسجد الأقصى وفلسطين. وبعد سوريا، نأمل أن تخرج غزة من حصارها منتصرة. هذه الأمة ستحرر المسجد الأقصى كما فعلت في الماضي. كل شيء يبدأ بالإيمان، يجب أن نؤمن أولاً ثم نعمل."
وفي هذه الأثناء، يجب أن نهنئ من أعماق قلوبنا جميع المنظمات المدنية التي نظمت وشاركت في هذه المسيرة. فقد كان هناك عمل كبير فاق ما تم في العام الماضي. ولم يتراجع عدد المشاركين، بل ازداد. وتم تنظيم الحدث بعناية وصدق، حيث تم تشكيل مشهد مدني بقدر الإمكان رغم وجود السياسيين. كانت الساحة في ميدان أمينونو تعكس تنوع وإصرار وإرادة الشعب، حيث كانت ألحان نشيد المقاومة والنضال بصوت كل من مصطفى يلدزدوغان وعمر كارا أوغلو، دليلاً على أن تركيا يقظة وأن المسلمين متيقظون ومتأهبون وأن غزة وفلسطين ليستا وحيدتين، وأن الثورة في سوريا قد عززت الإيمان.
لم تعد غلاطة مجرد جسر أو منطقة، بل أصبحت اسمًا لخط المقاومة أرض في منطقتنا. وإذا أمد الله في عمرنا فسنشهد نتائج إيماننا العميق ونرى أن الصباح الذي نرجوه بعبارة "ستشرق الشمس" في الطريق التي سلكناها قبل الفجر، سيصبح حقيقة. فكما أشرقت تلك الشمس في سوريا بالصبر والمقاومة، ستشرق أيضًا في فلسطين وغزة. سنعيش بهذا الإيمان. وفي هذا العمود الذي كتبنا فيها عن آلامنا، وثوراتنا ضد القتلة، وكتبنا في أوقات الأمل وأوقات اليأس، سنكتب أيضاً الانتصارات الجديدة بإذن الله.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة