قال مدير مهرجان "أيام قرطاج" المسرحي في تونس منير العرقي، إن فعاليات المهرجان ركزت في معظمها على الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، معتبرا أن كل مثقف يتجاهل مأساة الفلسطينيين "خائن".
جاء ذلك في مقابلة أجرتها الأناضول مع العرقي، بينما تتواصل الدورة الـ25 لـ"أيام قرطاج" المسرحية في المسرح البلدي بالعاصمة تونس حتى السبت المقبل، بعد انطلاقها السبت الماضي، تحت شعار "المسرح مقاومة".
وتشمل العروض 12 عرضا في المسابقة الرسمية و35 عرضا في الأقسام الموازية، إضافة إلى 13 عرضا في قسم مسرح العالم، وعرضيْن في تعبيرات مسرحية في المهجر، و10 عروض موجهة للطفل، و4 عروض في مسرح الإدماج، إلى جانب 11 عرضا في مسرح الحُرّية الذي يُخصص لنزلاء السجون.
وعن مسيرة المسرح، قال العرقي، إنها بدأت منذ 1983 مع المخرج الراحل والممثل القدير المنصف السويسي، وتداول عليها عدة مدراء من أهم ما أنجبت تونس في المسرح".
وأضاف العرقي "أردنا الاجتهاد كثيرا في إدارة هذه الدورة، فأضفنا ما يعرف بمسمى المسرح المختلف، الذي يعتني بالمرضى وأصحاب الإعاقات الجسدية، فهم في حاجة للفن المسرحي، بالإضافة إلى الاهتمام بفئة معينة من المرضى المصابين بمرض التوحّد، الذين يمكن أن يشكل المسرح فسحة لهم للتخلص من مرضهم".
وعن البرامج الجديدة الأخرى، أشار العرقي، إلى أنه "ضمن فعاليات المهرجان، أنجزنا مائدة مستديرة تعالج قضايا السجون والمهمشين والمرضى والمشردين".
*المسرح مقاومة
وبشأن الحضور الفلسطيني في المسرح، أضاف مدير المهرجان: "في ظل الإبادة الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة، وجدنا أنفسنا بين خيار أن نكون أو لا نكون، ولابد من اعتماد أسلوب المقاومة، فالمسرح مقاومة، وهذا شعار الدورة، ولذلك كان للقضية الفلسطينية حضور بارز".
ومن أجل ذلك، توجهت إدارة المهرجان، وفق قوله، إلى البروفيسور منير السعيداني، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، لمناقشة الندوة الفكرية التي سماها "المسرح والإبادة (الإسرائيلية) والمقاومة.. نحو أفق جديد".
كما استقدمت الإدارة عرضا من البرازيل تحت عنوان "صرخة في الظلام"، يناقش مسألة تعذيب الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بشكل عام".
وبشأن هذا التوجه، أكد العرقي أنه "يأتي في سياق أن المسرح مقاومة، فبخلاف الندوة التي يهتم بها المثقفون، تجد عامة الناس قد يقولون أن الاستمرار في ندوة لمدة 6 ساعات أمر صعب جدا، لكن المسرحية ومن خلال عدة لقطات يمكن فهم فحواها".
وأوضح أن "المسرح حركة وفعل له بعد ثوري ونمط واضح، وليس مجرد كلام، بل هو حوار مبني على التفاعل، وهو كاشف فاضح ويشير بالإصبع إلى المجرم ويفضح ما ارتكبه، فهو يخاطب الروح عاطفيا ويخاطب العقل".
وبشأن ميزة الاختصار التي يحظى فيها فن المسرح، قال مدير المهرجان: "ما تقرأه في 3 كتب يمكن أن تجده في مسرحية تستمر ساعة واحدة، وبحضورك أمام الممثل تستمع جدا وتتلقى المعلومة مباشرة، وبعض المشاهد القاسية تحيلك مباشرة إلى أرض غزة، فهي مسألة كاشفة فاضحة ومنددة".
وفيما يتعلق بالدور الغربي تجاه الإبادة الإسرائيلية في غزة، تساءل العرقي: "إذا كان المسرح لا يفضح ترهات هذه الشعارات فمن سيفضحها، ونحن الآن نعود ونتساءل لماذا كتب جون جاك روسو (مفكر فرنسي من عصر التنوير 1712- 1778) حول القيم الإنسانية الخالدة، والانتصار للحرية، وجمهورية كاملة مبنية على الحرية والعدالة المساواة، أين هذا إزاء ما يحصل في غزة؟"
وأضاف: "قرأنا أدبهم وفكرهم وفلسفاتهم، ولكن في واقع الأمر هم تنكروا لتلك المبادئ والمفاهيم التي ترسخت عندنا".
وأكد العرقي، أن الدول الغربية "تنتصر للكيان المحتل (إسرائيل) ولا يستمعون إلينا، و(سلطة النقض) الفيتو أصبح أمرا تافها، فلابد لنا من حراك، ولابد لنا من مواصلة النضال الفني".
ومنذ بدء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو 4 مرات، وتعود المرة الأولى بعد مرور 5 أيام على انطلاق الإبادة بغزة، حيث أفشلت مجلس الأمن في إصدار قرار بشأن وقف فوري لإطلاق النار، فيما كانت الثانية في 16 ديسمبر/ كانون الأول، إذ فشل المجلس في إصدار قرار بإرسال بعثة تقصي حقائق للتحقيق في ارتكاب إسرائيل "جرائم حرب".
والمرة الثالثة تعود إلى 20 فبراير/ شباط الماضي، حيث حصل مشروع قرار قدمته الجزائر، يدعو إلى وقف "فوري" لإطلاق النار في غزة لأسباب إنسانية، على تأييد 13 عضوا من أصل 15، فيما عارضته الولايات المتحدة باستخدام "الفيتو" وامتنعت المملكة المتحدة عن التصويت، قبل أن تستخدم واشنطن الفيتو للمرة الرابعة قبل أسبوع.
*المثقف المحايد خائن
وتابع العرقي: "كل من مكان عمله يستطيع أن يفعل شيئا من أجل غزة، والفنان يستطيع أن يكتب حتى يكشف ويفضح ويدين، فهو جزء من هذه المعركة، ولابد أن يكون جنديا في الصفوف الأمامية".
وطالب بأن "ينحاز المثقف والمفكر للقيم الإنسانية، ولو كان الواحد منا غير متحمس للقضية فعليه أن ينتصر للعدالة في أدنى التقديرات، فكل واحد منا جزء من هذه الإنسانية".
وتساءل مدير المهرجان: "كيف تتحقق هذه العدالة؟ لابد أن توضح رأيك وموقفك".
وبشأن الإبادة الإسرائيلية في غزة، قال العرقي: "نحن نتحدث عن سنوات من الظلم الذي تعرض له الفلسطينيون جراء الاحتلال الإسرائيلي، فكل من يقول أن الفلسطينيين من بدأوا القتال في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 فهو ينكر جرائم إسرائيلية وقعت قبل هذا التاريخ بحق أهلنا الفلسطينيين".
واعتبر أن "المثقف الذي لا يأخذ موقفا تجاه ما يحدث في غزة هو خائن لمبادئه".
وختم حديثه بالقول، إن "المسرح مؤسس للثقافة، وهو يدافع على الإنسان وهو ضد ثقافة الحرب والبطش والظلم والقهر وصولا إلى الإبادة، فالمسرح بطبيعته يدين هذه الأفعال".
وبينما تنعقد "أيام قرطاج" المسرحية، تشهد العديد من المدن التونسية لاسيما العاصمة، مظاهرات متواصلة للتضامن مع قطاع غزة ضد الإبادة الإسرائيلية، يطالب فيها المشاركون بوقف مجازر تل أبيب ورفع الحصار عن القطاع وإدخال المساعدات الإنسانية.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، إبادة جماعية في غزة خلفت نحو 149 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.