مدرسة الوعي الحضاري والمسلم الصالح

10:5911/10/2024, Cuma
تحديث: 11/10/2024, Cuma
يوسف قابلان

تشهد مدرسة الوعي الحضاري (MTO) في عامها الخامس، يوم الاثنين القادم، حماسة كبيرة مع انطلاق موسم التسجيل الجديد. نفتح أبواب المعهد أمام للتسجيل ونرحب بكل من قرأ أو تعهد بقراءة أول 20 كتابًا من قائمة الـ 100 كتاب التي أعددتها، وذلك باستخدام طريقة "أقلام الرصاص الملونة الأربعة" (أسلوب قراءة طوره الكاتب يهدف إلى تنشيط الذاكرة من خلال الألوان). ونحن نعتمد في ذلك على نموذج دار الأرقم، مؤكدين أن العمر لا يهم بل الرغبة والمعرفة. تعد مدرسة الوعي الحضاري الوحيدة في بلدنا التي تعمل على تنمية العقل والقلب والروح

تشهد مدرسة الوعي الحضاري (MTO) في عامها الخامس، يوم الاثنين القادم، حماسة كبيرة مع انطلاق موسم التسجيل الجديد. نفتح أبواب المعهد أمام للتسجيل ونرحب بكل من قرأ أو تعهد بقراءة أول 20 كتابًا من قائمة الـ 100 كتاب التي أعددتها، وذلك باستخدام طريقة "أقلام الرصاص الملونة الأربعة" (أسلوب قراءة طوره الكاتب يهدف إلى تنشيط الذاكرة من خلال الألوان). ونحن نعتمد في ذلك على نموذج دار الأرقم، مؤكدين أن العمر لا يهم بل الرغبة والمعرفة.

تعد مدرسة الوعي الحضاري الوحيدة في بلدنا التي تعمل على تنمية العقل والقلب والروح معاً. إنها صرحنا الخاص، ومدرستنا الفكرية في إسطنبول، حيث نزرع بذور أجيال رائدة واعدة، ستكون الأفضل في مجالاتها، وستتفهم الإسلام والعالم أجمع فهماً عميقاً.

تنتشر مدارسنا جميع أنحاء تركيا وفي أكثر من 60 دولة حول العالم، وتضم أكثر من 52 ألف طالب.

لن نسلم أطفالنا لشبكات الماسونية والبارونية، ولن نتركهم فريسة للذئاب والتيارات المنحرفة. فنحن لا نقوم إلا بدفعهم إلى حافة الجحيم والفناء من خلال نظام التعليم الاستعماري، والثقافة والفن المفسدين، ووسائل الإعلام التي تسعى إلى تدمير شخصيتهم. ولهذا السبب تأسس معهد الفكر الحضاري، لوقف هذا التدهور.

واليوم سأخصص مقالي لعرض مقال جميل لأحد طلابنا في المدرسة من أذربيجان، الأخ وقار عزيزوف، حيث يقدم لنا لمحة رائعة عن المعهد. دعونا نستمتع بقراءة مفيدة ومثمرة:

يؤكد الأستاذ يوسف كابلان على نقطة مهمة دوماً: "هدفي هو تربية مسلم صالح". ولكن، ما المقصود بـ "المسلم الصالح"؟

عندما يُذكر المسلم الصالح، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن صفات مثل: "الأدب، الأخلاق والحلم والتسامح والتزام العبادات والحرص على تطبيق القيم والأخلاق الإسلامية". هذه صفات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها لأي مسلم. ولكن مفهوم "المسلم الصالح" يفتح بابًا آخر.

هذه المدرسة لا تكتفي بهذا المستوى. هناك العديد من الجماعات التي تدعو إلى الإسلام، وتولي اهتمامًا كبيرًا بهذه الأخلاقيات. ولكن الدخول في الإسلام ليس نهاية المطاف بل هو البداية. هناك الكثير من الناس يدخلون الإسلام، ويمضون فترة فيه، ثم يعودون إلى حياتهم السابقة. فما السبب في ذلك؟ هذا ما يجب علينا أن نفهمه. وهنا تكمن أهمية الجانب النفسي.

ماذا يعني الدخول في الإسلام؟ يجب أن نبدأ من هذه النقطة.


الدخول في الإسلام...

الدخول في الإسلام هو تجسيد لمعنيين مختلفين في جملة واحدة: "لا إله إلا الله". قبل الدخول في الإسلام، يتجول الإنسان في الجزء الأول من هذه الشهادة، ضائعًا بين الآلهة. وبعد الانتقال إلى الجزء الثاني، يرفض كل الآلهة الأخرى ويعود إلى الإله الواحد الذي وسع كل شيء.

وفي المرحلة الأولى هذه، يخطو الإنسان خطوة نحو الحقيقة الكامنة في قلبه، ويتذوق منها رشفة. ورغم أن الجماعات والدعاة يفتحون للإنسان بابًا يدخل منه، إلا أن هذا الباب لم يعد كافيًا. اليوم، يسعى المسلمون للحفاظ على إيمانهم وعقيدتهم بالانضمام إلى مختلف الجماعات. وبالطبع، فإن من يخرج عن القطيع يصبح فريسة سهلة. ولكن المسلم ليس كائنا جامداً، بل هو دائم الحركة والإنتاج. وهو بحاجة إلى بيئة توفر له هذه الديناميكية، ويسعى إليها في أعماق نفسه سواء أدرك ذلك أم لا.

إذا لم يجد المسلم مثل هذه الأرضية فلن يتمكن من تطوير بنيته الديناميكية الأولى، وسيستسلم مع الوقت للتأثيرات الروتينية للعالم المادي الزائف. وهكذا تتحول طاقاته النشطة إلى سلبية، ويُحبَس في روتين الحركة ويصبح فرداً مستهلكاً في عالم المستهلكين. وسيظل مسلماً، ولكنه سيكون مسلماً متأثراً لا مؤثراً. ذلك المسلم الذي كان يطير بأجنحة الأمل نحو عدالة السماء في لحظة الإلهام الأولى، سيتعب ويقع في براثن الكسل عندما يفشل في إيجاد مكانه. والشرط الأول للحفاظ على الديناميكية في المسلم هو توفير بيئة تمنحه هذه الفرصة. ولا يوجد مجتمع قوي قادر على توفير هذا الشرط بشكل كامل.

كل إنسان فريد من نوعه. والبيئة ليست قالبًا يصب فيه الجميع وتجبرهم على التفكير بطريقة واحدة، فهذه فكرة ناتجة عن الفهم الرأسمالي. البيئة الحقيقية هي التي تتيح لكل فرد أن يكون على طبيعته وأن يكتشف ذاته ومعناه.

كل فطرة سليمة، والمهم هو توفير البيئة المناسبة التي تجعل هذه الفطرة تثمر.


المسلم الصالح

الإنسان في هذا الكون كائن يأخذ ويعطي في آن واحد. فهو يأخذ من روح الكون ويمنحه روحًا. وهكذا يشارك في رحلة الوجود. أما المسلم الذي لا يعطي، فإنه يعيق عملية النمو لديه، ويصبح كبركة راكدة تتلوث بمرور الوقت.

والمسلم الصالح يأخذ الجمال ويعطيه، وكلما زاد عطاؤه زاد جماله. لكنه لا يعطي استجابة لطلبات الآخرين، بل يعطي من ذاته ومن قلبه الصادق. يعطي وهو في سلام مع نفسه ومع الكون ومع ما هو أعلى من الكون. وينعكس الجمال منه جمالاً آخر. والمسلم الصالح يقدم أفكاراً جميلة، وهو لا يقلد الآخرين بل يحول التقليد إلى ابتكار ويضيف لمسة خاصة به إلى الحياة.

عندما يتحدث الأستاذ يوسف كابلان عن هذا في إطار مدرسة الوعي الحضاري، فإنه لا يقصد نوعاً معيناً من المسلمين، بل يقصد أولئك الذين يحملون في قلوبهم القدرة على بناء الجمال.


مدرسة الوعي الحضاري أرض خصبة تزرع فيها بذور الأفكار التي ستبني المستقبل

هناك الكثير من الدعاة الذين يتحدثون عن الإسلام اليوم، وكثير من المسلمين يشعرون بحماس كبير بعد الاستماع إليهم. ولكن غياب التربة الصالحة قد يسبب نتيجة عكسية، كمن يلحق الأذى بنفسه دون قصد أثناء الاعتناء بمظهره.

إن مدرسة الوعي الحضاري ليست مجرد مدرسة، بل هي أرض خصبة تزرع فيها بذور الأفكار التي ستبني المستقبل. هذه الأرض قد تبدو الآن كالصحراء القاحلة، لأن البذور لا تزال تحت الأرض تمتص العناصر الغذائية من التربة وتنتظر أن يحين وقتها. والقراءة والدراسة هي التي تغذي هذه البذور. هذه العملية تحدث في هذا العالم، ولكنها لا تظهر للعيان. إلا أن أثرها سيكون واضحًا في المستقبل.

إنها تنشئ جيلا يتفانى بالتضحية بالنفس، في حين يسعى الجميع للحصول على مكاسب دنيوية، إن هذا الجيل الرائد يتجاهل العالم المادي الفاني وينغمس في أعماق ذاته استعداداً لاستقبال الربيع.

إنه يتعمق في الجذور ويثبتها في الأرض، لكي يرتفع إلى السماء وهو متأصل فيها. أما من يخرج رأسه من الأرض سعيًا وراء متع الدنيا، فإنه سيتعرض لقسوة الشتاء ويهلك.

وبالتالي، فإن جمال المسلم يكون بقدر ما يقدمه للآخرين. والمسلم الصالح ليس جميلاً في الظاهر فقط، بل هو جميل في قوله وفعله. إنه جميل بآثاره التي يتركها بكلماته الصادقة. وجماله يتجلى في الأثر الطيب الذي يتركه في المجتمع.

إن الله جميل ويحب الجمال، والمسلم الذي يتأثر بالأخلاق الإلهية يكون جميلاً، ويتجلى جماله في أعماله.

وبالتالي فإن مدرسة الوعي الحضاري ليست مكانًا للمنافسة على المعرفة، بل هي مكان للتآزر العلمي الروحي. ففي المنافسات العلمية يفقد الفرد هويته ويصبح مقيدًا بمعايير محددة، أما التآزر العلمي الروحي فيسمح لكل فرد بالتعبير عن نفسه ويمزج معارفه التي تنبع من داخله لإضافة بصمته الخاصة. وختامًا، أتمنى للمسلمين الصالحين مستقبلاً مشرقًا يبنونه بأفكار إسلامية جميلة، ودمتم سالمين.


#مدرسة الوعي الحضاري
#المسلم الصالح
#يوسف قابلان