طوفان الأقصى.. عنوان النصر

09:0018/01/2025, السبت
تحديث: 18/01/2025, السبت
ياسين اكتاي

سيُضاف يوم الخامس عشر من يناير، إلى قائمة الأيام العظيمة التي نعتز بها كأحد أيام الله، والتي نذكرها بكل فخر وإيمان، شأنه في ذلك شأن السابع من أكتوبر. فقد مهدت موجات الطوفان التي انطلقت في 7 أكتوبر الطريق لثورة عظيمة طال انتظارها في سوريا، والتي بدأت في 8 ديسمبر الماضي بعد 61 عامًا من الانتظار. وانطلاقاً من هذا الحدث، دارت عجلة التاريخ لتصل إلى غزة، حيث حققت المقاومة انتصاراً عظيماً بعد صمودها لمدة 466 يوماً أمام أقوى جيوش العالم، بقوة مادية قليلة ولكنها كانت متسلحة بالإيمان والعزيمة والإصرار. إن

سيُضاف يوم الخامس عشر من يناير، إلى قائمة الأيام العظيمة التي نعتز بها كأحد أيام الله، والتي نذكرها بكل فخر وإيمان، شأنه في ذلك شأن السابع من أكتوبر. فقد مهدت موجات الطوفان التي انطلقت في 7 أكتوبر الطريق لثورة عظيمة طال انتظارها في سوريا، والتي بدأت في 8 ديسمبر الماضي بعد 61 عامًا من الانتظار. وانطلاقاً من هذا الحدث، دارت عجلة التاريخ لتصل إلى غزة، حيث حققت المقاومة انتصاراً عظيماً بعد صمودها لمدة 466 يوماً أمام أقوى جيوش العالم، بقوة مادية قليلة ولكنها كانت متسلحة بالإيمان والعزيمة والإصرار.

إن هذا النصر حقيقة واقعة كشمس ساطعة يبعث على الفخر والأمل، إنه انتصار تحقق في لحظة فقد فيها العالم الأمل في مواجهة عصابات استبدادية حكمت العالم. لقد أثبت هذا النصر أن أصحاب الحق مهما كانوا ضعفاء لابد أن ينتصروا بعزيمتهم وقوة إيمانهم. وشهدنا تحقق وعد ربنا مجدداً {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ}.

نقرأ هذا في كتاب الله ونؤمن به، لكننا لا نعرف مدى إيماننا به حقًا. فغالبًا ما نعتقد أن تحققه في عالم الواقع أمر بعيد المنال، أو حتى مستحيل. ولكن انعدام التكافئ هذه المرة لا يمكن مقارنته بالحروب السابقة، فهناك فرق شاسع واختلاف هائل في توازن القوى.

كيف يمكن لمجموعة صغيرة أن تتغلب على آلة الحرب الصهيونية التي تحظى بدعم غير محدود من قبل القوى العظمى في العالم كالولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية ولديها قوة استخباراتية ضخمة؟ لا يمكن لأي حسابات رياضية أو منطقية أو إحصائية أن تقارن بين القوة العسكرية لحماس والقوة التكنولوجية المتطورة لإسرائيل. ورغم ذلك تمكنت حماس من هزيمة هذه القوة العظمى. لقد انتصرت الفئة القليلة بجيشها البسيط وأسلحتها المحدودة على العديد من الجموع، وحتى على القوة العظمى في العالم. وهكذا تحقق وعد الله الذي ذكره في كتابه، والذي يراه الكثيرون اليوم حكاية تاريخية أو أسطورة خيالية، ليصبح حقيقة واضحة للجميع لا مراء فيها.

نعم تحقق هذا النصر ولكن بتضحيات كبيرة، فقد استشهد حوالي 50-60 ألف شخص، ودمرت البيوت، وانتشر الجوع، وتعرض المدنيون من النساء والأطفال والشيوخ والصحفيين والعاملين في المجال الطبي والطلاب والمعلمين ومتطوعي المساعدات الإنسانية ورجال الدين، للإبادة الجماعية. لقد دمرت غزة بالكامل تقريبًا.

ولمن يتساءل عما إذا كانت هذه التضحيات تستحق، فلينظر إلى الأمر من منظور أهالي غزة، فهم من خاضوا الحرب وهم الأقدر على الحكم والأحق بالتقييم. فالجهاد في سبيل الله والدفاع عن وطنهم هو أسلوب حياة بالنسبة لهم، والشهادة جزء أساسي من هذه الحياة، بل هي أعظم المكافآت. إنهم لا ينظرون إلى العالم من نافذتك الضيقة.

إن النصر الذي تحقق ليس مكسبًا شخصيا، بل هو نصر في سبيل الله الذي خلق الحياة والموت، وهو مالك الدنيا والآخرة. إن المؤمن يجاهد في سبيل الله ضد الظلم، ويسعى لحياة أكثر عدلاً وكرامة، ولكنه لا يفعل ذلك من أجل تحقيق سعادة دنيوية فانية. إن ثمرة هذا الجهاد الحقيقي هي عند الله في الآخرة.

لذلك لا ينبغي لأحد أن ينظر إلى ما قدمه أهل غزة من تضحيات بمعايير الربح والخسارة المادية. بل عليه أن ينظر إلى النتيجة فقد حققوا نصرًا استثنائيًا لا يحظى به إلا القليل في هذا العالم، نصر مبين مفعم بالعزة والشرف والعظمة. لقد أخضعوا القوة العظمى بأسلحتهم البسيطة وأعدادهم القليلة. خاضوا هذه المعركة غير المتكافئة مؤمنين بوعد الله، فحققوا هدفهم. وأذلوا الصهاينة وأسقطوا أساطير قوتهم ومناعتهم. وقوَّضوا دعاية إسرائيل بأنها الديمقراطية الوحيدة والنظام الأكثر إنسانية وحداثة في الشرق الأوسط. ووضعوا الأنظمة العربية الاستبدادية التي تسابقت للتطبيع مع إسرائيل في موقف مثير للسخرية.

وحتى لو لم تتحقق هذه النتيجة في 15 يناير، فإن كتائب القسام قد حققتها بالفعل منذ 7 أكتوبر. ولكن بالنسبة للبعض فإن النتيجة مهمة. حيث يرون أن انتصار 15 يناير أضفى لمسة من الجمال والروعة إلى هذه القصة، فقد تم كسر كبرياء وغرور النظام الصهيوني وإجباره على التفاوض.

فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها العدوانية التي شنتها بعد السابع من أكتوبر، والتي شملت القضاء على حماس وإخراجها من غزة، واستعادة الرهائن. فبدلا من القضاء على حماس وجدت نفسها مضطرة للتفاوض معها. وقد اغتالت إسماعيل هنية أحد قادة حماس، في إيران بطريقة غادرة لا تليق بدولة بل بمنظمة إرهابية، كما اغتالت قائدها الآخر يحيى السنوار لكن هذا لم ينهِ المقاومة، بل زاد من قوتها وعزيمتها.

وقبل ثلاثة أيام اعترف أنتوني بلينكن، الذي قدم كل أنواع الدعم للعدوان الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر بصفته "يهوديًا" وليس وزيرا للخارجية الأمريكية، بأن إسرائيل فشلت في توجيه ضربة قاصمة لحماس، كما أضاف أنه بدأ في تقييم الوضع بعد مرور 466 يومًا، مشيرًا إلى أن حماس اكتسبت مقاتلين جدد بدلاً من الذين خسرتهم.

استمر مجاهدو حماس لمدة 466 يومًا في تحدي القوى العظمى في العالم والسخرية منها وذلك من خلال نشر مقاطع فيديو لعملياتهم يوميًا. ففي الوقت الذي كانت فيه القوة الصهيونية تستخدم أحدث الأسلحة التكنولوجية التي حصلت عليها من أمريكا ضد المجاهدين، كانت المقاومة الفلسطينية تستخدم حطام هذه الأسلحة كمواد خام لصنع أسلحتها الخاصة. هذا الوضع جعل إسرائيل التي كانت تحاصر غزة لسنوات، تفقد صوابها وكذلك القوى التي تدعمها. فرغم فرضهم الحصار على غزة ومحاولتهم تدميرها، تمكنت حماس من تحويل حطام القنابل التي ألقتها قوات الاحتلال إلى مواد لصناعة أسلحتها، وبذلك قدمت درسًا عظيمًا، ليس فقط للعدو، ولكن أيضًا للدول الإسلامية التي امتنعت عن تقديم المساعدة خوفاً من إسرائيل.

إن هذا النصر المبين مليء بالعبر والدروس لجميع الناس وخاصة المسلمين. إن النصر الذي حققته حماس على الذين يتحدثون عن الواقعية والسياسة الواقعية ويحسبون المكاسب المادية فقط، يدعو الجميع إلى إعادة النظر في حساباتهم ونظرتهم إلى الحياة والعالم وكل شيء، ويدعوهم إلى حسابات جديدة تتجاوز مفاهيم العقلانية والواقعية والتوجهات الحديثة.

طوال 466 يومًا، وبينما كانت إسرائيل تتحدى العالم أجمع وتسحق كل قيم الإنسانية والشرف والكرامة تحت قدميها، لم ينبس أحد ببنت شفة، ولم يتقدم أحد لمساعدة أهل غزة. ولكن أبو عبيدة قال بوضوح: "نحن لا نطلب منكم أسلحة أو مساعدة عسكرية، نريد منكم فقط إيصال المساعدات التي تُرسل لشعبنا الذي يواجه المجاعة".

لكن حماس وحدها دحرت هذا العدو المتغطرس الذي لم يتجرأ أحد على قول كلمة له، دون أن تتلقى أي مساعدة عسكرية من أحد وإنما بإيمانها وصبرها وثباتها. لقد جعلت العالم أجمع يشهد تحقق وعد الله، فبارك الله فيهم.


#طوفان الأقصى
#غزة
#حماس
#فلسطين
#إسرائيل
#الاحتلال
#النصر
#السابع من أكتوبر