الولايات المتحدة وإسرائيل والخليج: رموز النظام الجديد

08:484/10/2024, الجمعة
تحديث: 29/10/2024, الثلاثاء
يحيى بستان

العنوان الأمثل لهذا المقال كان يجب أن يكون: "في أي ملفات اتفقت الولايات المتحدة ودول الخليج؟" وكما هو معروف، كنت قد تناولت في مقال سابق الجانب الإيراني وطرحت سؤالاً مماثلاً: "في أي ملفات اتفقت الولايات المتحدة وإيران؟" وبعد نشر المقال ببضعة أيام، صرّح الرئيس الإيراني بزشكيان بأن الولايات المتحدة وعدت بهدنة مقابل عدم الرد على اغتيال هنية، مما أكد صحة تحليلي جزئياً. لكن لم يكن من الممكن الاكتفاء بالبحث في موقف إيران فقط؛ فقد التزمت دول الخليج بخطة الولايات المتحدة منذ 7 أكتوبر، وكان من الضروري التركيز

العنوان الأمثل لهذا المقال كان يجب أن يكون: "في أي ملفات اتفقت الولايات المتحدة ودول الخليج؟" وكما هو معروف، كنت قد تناولت في مقال سابق الجانب الإيراني وطرحت سؤالاً مماثلاً: "في أي ملفات اتفقت الولايات المتحدة وإيران؟" وبعد نشر المقال ببضعة أيام، صرّح الرئيس الإيراني بزشكيان بأن الولايات المتحدة وعدت بهدنة مقابل عدم الرد على اغتيال هنية، مما أكد صحة تحليلي جزئياً.

لكن لم يكن من الممكن الاكتفاء بالبحث في موقف إيران فقط؛ فقد التزمت دول الخليج بخطة الولايات المتحدة منذ 7 أكتوبر، وكان من الضروري التركيز على هذا الجانب كونه أحد أسباب جرأة إسرائيل. كنت أنوي الكتابة عن هذا الموضوع، إلا أن عملية اغتيال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، من قبل إسرائيل، التي أسفرت عن مقتل معظم قيادات حزب الله تقريباً، فرضت تطورات جديدة. وقد أطلق على هذه العملية اسم "النظام الجديد"، وهو اسم يحمل بحد ذاته رسالة قوية.


عبر هذه العملية، أنهت إسرائيل عملياً الاتفاق غير المعلن بين الولايات المتحدة وإيران؛ إذ أجبرت إيران على الرد وجعلت الولايات المتحدة طرفاً علنياً في الصراع. في هذا السياق، صرّح مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، قائلاً: "لقد أوضحنا أن لهذه الهجمات عواقب خطيرة، وسنعمل مع إسرائيل بشكل وثيق". يحمل هذا التصريح دلالات واضحة، فهو يؤكد أن الولايات المتحدة عادت إلى موقفها الداعم القوي لإسرائيل، الذي اتخذته منذ صباح 7 أكتوبر.

القلق من الأسلحة النووية التكتيكية


"تحاول إسرائيل استغلال الوضع الراهن لصالحها عبر مواصلة هجماتها التي تهدف إلى تقليص نفوذ إيران في المنطقة، سواء في لبنان أو سوريا، كما يُعتقد أنها قد تتخذ خطوات تستهدف البرنامج النووي الإيراني. ووفقًا للخبراء والمحللين المتابعين عن كثب للتطورات الإقليمية، فإن هذا التهديد أصبح أكثر وضوحًا وخطورة.

وتشير تحليلات المصادر التي تواصلت معها إلى احتمال أن تلجأ إسرائيل إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية ضد إيران. ويعد هذا السيناريو بمنزلة خطوة مدمرة قد تفتح أبواب الكارثة على مصراعيها، مع تداعيات قد تصل إلى أوكرانيا. ومع ذلك، يظل الأمر مقلقًا لأن لا أحد يمكنه الجزم بأن إسرائيل لن تقدم على استخدام الأسلحة النووية. يبدو أن ما تسميه إسرائيل "النظام الجديد" ليس إلا فوضى كبيرة وصراعات واسعة النطاق."


تحالف عربي ضد فلسطين

أما عن موقع دول الخليج ضمن هذا "النظام الجديد"، فمنذ 7 أكتوبر، اتخذت دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية والإمارات وقطر والأردن، خطوة للاجتماع مع الولايات المتحدة في نوفمبر تحت رئاسة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بدلاً من عقد لقاءات ضمن منظمة التعاون الإسلامي أو جامعة الدول العربية. وقد صرح بلينكن في ذلك الوقت قائلاً: "الولايات المتحدة والدول العربية تؤمن بعدم إمكانية استمرار سيطرة حماس على غزة."

وكان المشهد وكأن هناك عملية لإعادة تشكيل المنطقة. وقد أشار أحد مسؤولي حماس إلى أن الولايات المتحدة تسعى لتشكيل تحالف عربي ضد الفلسطينيين.


وخلال ذلك الاجتماع، انتشرت أنباء تفيد بأن دول الخليج أعطت الضوء الأخضر لإزالة حماس، التي كانت بالنسبة لها تشكل تحديًا أيديولوجيًا وتعد حليفًا مؤثرًا تحت النفوذ الإيراني. وينطبق الأمر ذاته على حزب الله.

وبغض النظر عن الجهة التي ستتولى القضاء على هذه التهديدات، سواء كانت إسرائيل أو الولايات المتحدة، فإن هذه التحركات تتماشى مع مصالح دول الخليج.

الضغوط التركية تؤتي ثمارها

في وقت لاحق، عدّلت دول الخليج موقفها جزئياً تحت تأثير الضغوط التركية. فقد رصدت أنقرة الاستراتيجية الأمريكية التي تضمنت: 1) القضاء على تهديدات حماس وحزب الله، 2) تعيين شخصية مثل محمد دحلان في السلطة الفلسطينية، 3) تعزيز عملية التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، و4) إنشاء تحالف بقيادة السعودية لموازنة النفوذ الإيراني في المنطقة.

في مواجهة هذه الخطط، ضغطت تركيا على شركائها للدفع نحو حل الدولتين. ونتيجة لهذه المبادرات التركية، تم تشكيل مجموعة اتصال، حيث طرحت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، شرط حل الدولتين كمتطلب للتطبيع مع إسرائيل.

ومع ذلك، تأخرت هذه الدول في التحرك الفعلي لمدة عام كامل. وبعد أيام قليلة من القضاء على تهديد حماس وتصعيد استهداف قيادات حزب الله، صدر تصريح ذو دلالة مهمة من السعودية.

وأعلنت الرياض عن إطلاق مبادرة جديدة لحشد الدعم الدولي لإقامة دولة فلسطينية وتحقيق حل الدولتين (للتعمق في هذا التطور، يُنصح بقراءة مقال الكاتب في صحيفة "يني شفق" إرسين جليك بعنوان "موت نصر الله: العتبة الثانية للأرض الموعودة"). وفي الوقت ذاته، بدأت الإمارات والسعودية بتقديم مساعدات إنسانية للفلسطينيين، في خطوة تحمل أبعاداً إنسانية وسياسية.

ما هي هذه المبادرة الجديدة؟ سألت مصادري، وقد لخصوا الأمر قائلين إنها مبادرة وُلدت بتوجيهات وتشجيع من أنقرة، وتتخذ الآن طابعًا مؤسسيًا. فقد عقدت مجموعة الاتصال التي أنشأتها منظمة التعاون الإسلامي بالتعاون مع جامعة الدول العربية اجتماعًا مع دول الاتحاد الأوروبي، وتلاه لقاء آخر بمشاركة دول مثل النرويج وآيسلندا، حيث تسعى النرويج لدعم هذا المسار بفعالية. فبخبرتها الكبيرة في استضافة محادثات السلام وحل الأزمات وبناء الدول، يعتبر دعمها لهذه المبادرة ذا أهمية بالغة.

وفي هذا الإطار، خُطط لعقد 6 اجتماعات خلال الأيام المقبلة، بهدف حشد الرأي العام الدولي لدعم حل الدولتين والمساهمة في بناء دولة فلسطينية، إلا أن صمت دول الخليج طيلة عام كلفها ثمنًا باهظًا؛ إذ انتظرت هذه الدول حتى يتم القضاء على تهديد حماس وحزب الله قبل التحرك، غير أن الأحداث انحرفت عن مسارها المرسوم.

في ظل الوضع الحالي، تصاعدت الأزمة الإقليمية بشكل دفع التوتر نحو مواجهة إسرائيلية-إيرانية مباشرة، وأدى إلى تدخل الولايات المتحدة كطرف في الصراع من خلال هجماتها الأخيرة. يبقى السؤال هنا: هل سيسمح الثنائي الأمريكي-الإسرائيلي بإعادة التركيز إلى القضية الفلسطينية؟ لا أعتقد ذلك.

#القضية الفلسطينية
#الخليج العربي
#الاردن
#حل الدولتين
#الخليج العربي وإسرائيل
#التطبيع مع إسرائيل
#حماس