شعارين وسذاجة واحدة

07:5113/01/2025, الإثنين
تحديث: 13/01/2025, الإثنين
سليمان سيفي أوغون

الجميع يحبسون أنفاسهم ترقبًا ليوم 20 يناير/كانون الثاني، موعد تسلم ترامب مهام منصبه. لكن إذا كان هناك من يفعل ذلك فعلاً، فمن الأفضل أن يعيد النظر في معلوماته التاريخية. فمثل هذه المراجعة ستكشف لهم حجم الغفلة التي يعيشونها. إن النظر إلى بايدن والديمقراطيين على أنهم رمز للعدوانية والتوحش المرتبط بتيار المحافظين الجدد، واعتبار ترامب والجمهوريين ضمانة محتملة للسلام، هو في حد ذاته وهم كبير. الأجدر هو متابعة ما يجري فعليًا على أرض الواقع. فعندما يقول ترامب: "كان لدينا 5000 جندي أمريكي في سوريا، والآن

الجميع يحبسون أنفاسهم ترقبًا ليوم 20 يناير/كانون الثاني، موعد تسلم ترامب مهام منصبه. لكن إذا كان هناك من يفعل ذلك فعلاً، فمن الأفضل أن يعيد النظر في معلوماته التاريخية. فمثل هذه المراجعة ستكشف لهم حجم الغفلة التي يعيشونها. إن النظر إلى بايدن والديمقراطيين على أنهم رمز للعدوانية والتوحش المرتبط بتيار المحافظين الجدد، واعتبار ترامب والجمهوريين ضمانة محتملة للسلام، هو في حد ذاته وهم كبير.

الأجدر هو متابعة ما يجري فعليًا على أرض الواقع. فعندما يقول ترامب: "كان لدينا 5000 جندي أمريكي في سوريا، والآن انخفض العدد إلى 900"، وبنفس الوقت تشير التقارير الميدانية إلى أن العدد الحقيقي هو 2000 جندي. (في الواقع، أعتقد أن العدد قد يكون ضعف ذلك أو قريبًا منه). فكيف نتعامل مع هذه المعطيات؟ هل نصدق تصريحات ترامب التي تبدو متناقضة وأحيانًا مضللة؟ أم نعتمد على الأخبار الموثوقة من الميدان؟ السؤال الحقيقي هنا: هل ترامب ينقل لنا الحقيقة، أم أن الحقائق الميدانية التي تكشفها أفعال القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) هي التي تعكس الواقع، مهما كان مؤلمًا؟

صحيح أن 20 يناير ليس تاريخًا سحريًا، لكن هذه السذاجة في انتظاره بحاجة إلى تفسير. يقف وراء هذا الترقب مجموعة من الأفكار البسيطة. يعتقد البعض أن ترامب في صراع مع النظام المؤسسي الأمريكي، بل ويرى فيه عدوًا يسعى للانتقام منه. ولكن، من هم هؤلاء الممثلون للنظام المؤسسي؟


تُشير التحليلات إلى أن هذه المجموعة تشكل أغلبية داخل الصفوف الديمقراطية، وهم المحافظون الجدد المرتبطون بحلف الناتو. تحمل هذه المجموعة إرثًا من العداء الشديد تجاه روسيا منذ الحرب الباردة، وتسعى إلى تعزيز قوة الناتو لتحقيق تكامل بين الولايات المتحدة وأوروبا. هدفهم الأساسي هو تحرير أوروبا، وخاصة ألمانيا، من الاعتماد على روسيا، وحمايتها من خطر الوقوع تحت نفوذها.


ومن السمات البارزة لهذه المجموعة أنها لا تكن الكثير من الود لدول الخليج العربي أو لإسرائيل. بل إن هذا البرود قد يدفعهم أحيانًا إلى منح إيران مجالًا للتمدد. وفي النهاية، يسعون إلى إدماج إيران في النظام الدولي. أما إسرائيل، التي يقودها نتنياهو وقيادات صهيونية متطرفة، فهي أيضًا ليست محل حبهم على الإطلاق.


في مواجهة المحافظين الجدد العدوانيين، برز المحافظون التقليديون كتيار يسعى إلى إنهاء الحروب التي كبدت الولايات المتحدة خسائر باهظة. ويعد ترامب ممثلهم الأبرز في الوقت الحالي. في المقابل، يرفع بايدن والديمقراطيون شعار "أمريكا عادت"، إلا أنهم في الواقع يلقون بالعالم في أتون الصراعات. والآمال الآن معقودة على ترامب لإطفاء هذه النيران.


هذا هو السيناريو الذي يتخيله مؤيدو 20 يناير. لكن في الأثناء، اندلعت الحرب بين فلسطين وإسرائيل، حيث تُرتكب إبادة جماعية علنًا. إسرائيل تتحدث عن تغيير خرائط الشرق الأوسط، أي تصعيد الحرب، وهناك مؤشرات على ذلك في كل من لبنان وسوريا. فكيف يمكن تفسير أن الإدارة التي سيأتي بها ترامب قد تكون مليئة بالصهاينة المتطرفين؟ وهل بدلًا من تحقيق السلام المنتظر، قد نشهد تصعيدًا أكبر للأحداث؟


تأتي الإجابات على هذه التساؤلات مليئة بتفاؤل غير مبرر. يزعم البعض أن ترامب يمتلك "قبضة حديدية"، وقد لا يتردد في استخدامها حتى ضد نتنياهو إذا دعت الحاجة. كما يعتقدون أن حرب روسيا وأوكرانيا ستنتهي قريبًا، وأن إيران ستتعرض لضغوط كبيرة، وفي المقابل ستنحسر إسرائيل تدريجيًا إلى داخل حدودها. ويذهب هذا التصور المتفائل إلى أن تركيا وجامعة الدول العربية ستتوليان مهمة تحقيق الاستقرار في المنطقة.

أول ما ينبغي إدراكه هو أن ترامب لا يستهدف النظام المؤسسي الأمريكي بشكل عام، بل يركز على مجموعة معينة من النخب التي يهيمن عليها. فهو يرى أن هذه النخب أضعفت النظام المؤسسي الأمريكي (وهو في هذا الادعاء ليس مخطئًا تمامًا). هدفه الأساسي هو استبعاد المحافظين الجدد الذين لا يتبنون مواقف معادية لروسيا أو متحالفة مع الصهيونية. ومن المؤكد أنه سيشرع في عملية تطهير كبيرة قد تكون خطيرة عليه شخصيًا.

مع ذلك، فإن النخب التي يريد ترامب أن تحل محل هذه المجموعات ليست من النوع الذي سيغلق الولايات المتحدة على نفسها أو يدفعها إلى الانسحاب من العالم. لكن للأسف، هناك بعض الأطراف الساذجة التي تتوقع هذا الانسحاب. يمكن وصف هذا التصور بـ"عقدة الوزن المتوسط"، حيث يظن هؤلاء أنه بمجرد انسحاب القوة العظمى، ستتاح لهم السيطرة على الساحة. هذا الاعتقاد لا يعكس الواقع؛ فالولايات المتحدة، بفضل التزاماتها العالمية المعقدة، لا يمكنها الانسحاب حتى لو أرادت. الهيمنة تتطلب استمرار الانخراط العالمي، ولا يمكن الخروج من اللعبة بسهولة. علاوة على ذلك، من الواضح أنه لا يوجد أحد داخل الإدارة الأمريكية يرغب في الانسحاب أصلًا. (يجدر بالذكر أن ترامب، حتى قبل توليه منصبه رسميًا، أثار الجدل حول العديد من الدول مثل بنما، المكسيك، غرينلاند، وكندا).


خلال الانتخابات، رفع بايدن شعار "أمريكا عادت" ، بينما رفع ترامب شعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" لكن هل هناك فرق جوهري بين الشعارين؟ وهل يمكن ربط أي منهما بالانفتاح أو الانغلاق؟ إذا اعتُبرت التدابير الصارمة ضد الهجرة غير النظامية دليلًا على انغلاق الولايات المتحدة على نفسها، فإن هذا التفسير ليس إلا قراءة سطحية وساذجة.


العقلية السائدة بين النخب الأمريكية ترى العالم بعد الحرب الباردة وكأنه قد أصبح مستويًا إلى حد كبير. الطموح للسيطرة الكاملة على العالم هو رغبة مشتركة بين هذه النخب. المحرك الرئيسي لهذا الطموح هو تراجع القوة الاقتصادية للولايات المتحدة، في مقابل احتفاظها بقوتها العسكرية. الاختلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين يكمن في أساليبهم وتكتيكاتهم لتحقيق هذا الهدف. الديمقراطيون ركزوا على روسيا كهدف رئيسي، بينما يرى الجمهوريون أن الصين هي التحدي الحقيقي. هذا هو جوهر الخلاف.


الديمقراطيون جربوا حظهم ضد روسيا، لكنهم خسروا بسبب تدخل الهند الذي قلب الموازين. الآن، مع استهداف ترامب للصين مباشرة، من المتوقع أن تكون الهند حليفة له. (هل من المصادفة أن كندا، التي اصطدمت مؤخرًا بالهند، أصبحت هدفًا لغضب ترامب؟). التحالف بين إسرائيل والهند، تحت رعاية الولايات المتحدة، سيتطور ليعيد تشكيل معالم المنطقة، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في منطقة بحر قزوين أيضًا.


الولايات المتحدة تطلب من تركيا متابعة التحالفات التي تُبنى بين الهند وإسرائيل والعالم العربي. ومن الواضح أن هذه التحالفات تدعم توجهات نحو استقلال الأكراد، وتتبلور في مسار معادٍ للإسلام بشكل صريح.


الخلاصة المهمة أمامنا تبدو شاقة ومعقدة.


#الهند
#ترامب
#تولي ترامب
#بايدن
#أمريكا