طبيب الأطفال الفلسطيني خالد السعيدني: - تعرضت لإصابة في مخيم البريج نتيجة قصف إسرائيلي ما أدى إلى بتر قدمي اليمنى - رغم إصابتي أواصل عملي في رعاية الأطفال بمستشفى شهداء الأقصى - رؤية الأطفال يبتسمون بعد العلاج تجعلني أنسى آلامي وأتمنى توقف الإبادة والسفر إلى الخارج لتلقي العلاج
في مستشفى "شهداء الأقصى" بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يقف طبيب الأطفال الفلسطيني خالد السعيدني شاهدا على معاناة القطاع، مثقلا بجراحه الجسدية والنفسية، لكنه يواصل أداء رسالته الإنسانية بإصرار استثنائي، متحديا فقدانه لقدمه اليمنى جراء الإبادة الإسرائيلية على القطاع.
في قسم الأطفال، حيث يمتزج أنين المرضى بآهات الحصار، يبرز الطبيب الخمسيني بهدوء ملامحه، رمزا للصمود، أمضى من حياته عقودا في رعاية المرضى، متحملا آثار الحصار وقسوة الواقع اليومي.
غياب الرعاية الطبية
طبيب الأطفال، كغيره من أبناء شعبه، يواجه ويلات النزوح والقصف ونقص الماء والطعام، و إصابته التي تعرض لها في مخيم البريج قبل أشهر فاقمت معاناته، خاصة مع غياب الرعاية الطبية اللازمة.
وفي ظل حاجته إلى عمليات جراحية معقدة، إلا أن الحصار المفروض على قطاع غزة يحول دون إجرائها.
ومنذ بدء الإبادة على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تستهدف القوات الإسرائيلية بهجمات ممنهجة ومتواصلة المرافق الطبية والمستشفيات في مختلف مناطق القطاع، ما تسبب في تدمير المنظومة الصحية، وكارثة إنسانية وتدهور في البنى التحتية.
وتغلق إسرائيل معابر قطاع غزة بما في ذلك الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري مع مصر الذي سيطرت عليه في 7 مايو/ أيار 2024 ودمرته ما يحول دون خروج آلاف الجرحى والمرضى من قطاع غزة لتلقي العلاج في الخارج.
أطفال بحاجة إليّ
يقول السعيدني بابتسامة لا تخفي حجم المعاناة للأناضول: "عند بتر قدمي شعرت للحظة أن حياتي توقفت، لكن سرعان ما أدركت أن هؤلاء الأطفال بحاجة إلي، قسم الأطفال أصبح بيتي الثاني، وواجبي تجاههم لا يمكن التخلي عنه".
ورغم تركيب طرف صناعي مؤقت، يواجه الطبيب صعوبات يومية متعددة، أبرزها ثقل الطرف وعدم ملاءمته لجسده، ما يجعل حركته مرهقة، كما يعاني من نقص حاد في الطعام والمياه والعلاج اللازم لحالته.
ويضيف: "الطرف الصناعي ثقيل وغير مريح، لكنه أفضل من الكرسي المتحرك، الآن أستطيع التحرك بحرية نسبية، وهذا يمنحني القدرة على مواصلة عملي".
إلى جانب إصابته، يعاني السعيدني من مضاعفات مرض السكري، ما يزيد من تحدياته الصحية لكنه يجد عزاءه في ضحكات الأطفال الذين يعالجهم، وهو يقول بابتسامة مليئة بالأمل: "عندما أرى الأطفال يبتسمون بعد العلاج، أنسى آلامي هذا ما يدفعني للاستمرار".
وتدخل إلى غزة حاليا مستلزمات طبية ومساعدات دولية "محدودة جدا" تمر عبر إسرائيل، ولا تكفي حاجة سكان القطاع الذين يعانون أوضاعا إنسانية وصحية كارثية.
لكن خلف تلك القوة، يختبئ احتياج ملح إلى مساعدة، فالطبيب بحاجة إلى عمليات جراحية معقدة وطرف صناعي دائم غير متوفر في القطاع المحاصر كما يعاني من نقص العلاج الخاص به والنزوح.
ومع الإبادة الإسرائيلية نزح أكثر من 2 مليون فلسطيني من منازلهم، يعيشون حاليا في ظروف غير إنسانية، وفق بيان صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة مؤخرا.
ويتمنى الطبيب بتوقف الحرب و السفر إلى الخارج للحصول على العلاج الذي يمكنه من استعادة جزء من حياته الطبيعية.
وعلى مدار الأشهر الماضية، أجبر الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين قسرا على مغادرة منازلهم نحو مناطق يزعم أنها "إنسانية"، ومع ذلك يستهدفها بالقصف وبارتكاب مجازر.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 156 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة مذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.