بعض الدول الأوروبية الصغيرة

08:4113/01/2025, الإثنين
تحديث: 13/01/2025, الإثنين
سلجوك توركيلماز

من الواضح أن عبارة "بعض الدول الأوروبية الصغيرة" كانت تشير إلى فرنسا، وقد صرح وزير الخارجية هاكان فيدان صراحة باسم فرنسا في جزء لاحق من خطابه. صحيح أن هذه العبارة قد أثارت ردود فعل لدى الرأي العام، حيث اعتبرت إهانة لفرنسا، إلا أنني أفضل تحليل هذه التصريحات بشكل منهجي دون الخروج عن "السيميولوجيا". وإذا استخدمنا مفهوم السيميولوجيا كما في اللغة الفرنسية، فإننا على الأرجح لن نقع في الخطأ، حيث أن السيميولوجيا كثيرا ما تُستخدم في المنشورات الأكاديمية. لقد سعت الدول الأنجلوسكسونية منذ التسعينيات إلى زعزعة

من الواضح أن عبارة "بعض الدول الأوروبية الصغيرة" كانت تشير إلى فرنسا، وقد صرح وزير الخارجية هاكان فيدان صراحة باسم فرنسا في جزء لاحق من خطابه. صحيح أن هذه العبارة قد أثارت ردود فعل لدى الرأي العام، حيث اعتبرت إهانة لفرنسا، إلا أنني أفضل تحليل هذه التصريحات بشكل منهجي دون الخروج عن "السيميولوجيا". وإذا استخدمنا مفهوم السيميولوجيا كما في اللغة الفرنسية، فإننا على الأرجح لن نقع في الخطأ، حيث أن السيميولوجيا كثيرا ما تُستخدم في المنشورات الأكاديمية.

لقد سعت الدول الأنجلوسكسونية منذ التسعينيات إلى زعزعة استقرار العالم الإسلامي بكل قوتهم من خلال الغزو والاحتلال. ولم تتردد فرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى في الانضمام إلى هذا المسعى الجديد الذي افتتحته القوى الأنجلوساكسونية. حتى أن فرنسا ارتكبت عملًا عدوانيًا مدمرًا للغاية، وهو قصف ليبيا الجوي المكثف. وقد أظهر هذا الهجوم العنيف على ليبيا بوضوح أن فرنسا دولة انتهازية. وربما اعتقدوا أنهم أمام فرصة جديدة للتوسع الاستعماري، كما حدث في بداية الثمانينيات عندما احتلوا تونس. ولكن الزمن تغير، ولم تعد الظروف كما كانت. صحيح أن هناك ادعاءات بأن الفرنسيين متكبرون، ولكن تفسير الأحداث بالكبر ليس دقيقًا. فعندما زار ماكرون لبنان، اقتصر الأمر على التقاط صورة مع فيروز. بينما من المعروف أن نابليون أحضر إلى فرنسا مجلدات من الكتب عند عودته من مصر. ويمكننا تحليل هذا التغيير المهم ضمن حدود السيميائية (علم العلامات).

لا أرغب في قول أي شيء سلبي عن فيروز ولا التقليل من شأن صوتها الذي يلامس القلوب. ويمكننا فهم صورة فرنسا لدى تركيا في السنوات الأخيرة من خلال مقارنتها بفيروز. فعندما ننظر إلى مسيرة التغريب خلال القرنين الماضيين، نتذكر الكتب التي أظهرت تأثير فرنسا على المثقف التركي. لطالما كانت فرنسا تمثل محورًا مركزيًا بالنسبة للنخبة الفكرية التركية. وكانت زيارة باريس بحد ذاتها ذات قيمة كبيرة. ولا أعرف عدد الكتب التي تُرجمت إلى التركية حول الثورة الفرنسية. ولكن في مكتبتي الخاصة، لدي أكثر من عشرة كتب عن الثورة الفرنسية، بما في ذلك كتاب ألبرت سوريل "أوروبا والثورة الفرنسية".

وفي النصف الثاني من القرن العشرين، تغير محور اهتمام المثقف التركي، ولكن التأثير الفرنسي استمر. وفي ذلك الوقت، كانت فرنسا ترمز إلى العقل والعلم والفن والأدب، والأهم من ذلك، الثورة الفرنسية. وقد شكلت هذه العناصر معا صورة ضخمة لفرنسا. وكان المثقف التركي يتحدث عن فرنسا بجدية تامة. حتى في التسعينيات، كان لدينا فلاسفة يقيمون رؤساء فرنسا من خلال أسلوب مشيتهم. ولكن في النهاية نجد إيمانويل ماكرون في لبنان يلتقط صورة مع فيروز.

هل هناك فرق حقيقي بين فرنسا التي مثَّلها إميل زولا وجان بول سارتر وفرنسا التي يمثلها برنارد هنري ليفي؟ لقد اهتم كل من زولا وسارتر بالمسألة اليهودية، بل إن سارتر دعم إسرائيل الصهيونية. ولكنني أعتقد أن كبار المثقفين الفرنسيين لم يكونوا راضين عن هذا التغيير. فعلى سبيل المثال عندما نفكر في فرنسا، فإن روجيه غارودي هو أحد الأسماء التي تتبادر إلى الذهن. ومن المعروف أن غارودي تعرض لهجوم من أمثال برنارد هنري ليفي. ولكن هل انفصل غارودي عن فرنسا بسبب قضية فلسطين فقط لأنه مسلم؟ لا أعتقد ذلك. لقد كانت هناك علاقة مباشرة بين استغلال الفرنسيين للفرص في الطريق الذي فتحه الأنجلوساكسونيون وارتباط فرنسا ببرنارد هنري ليفي. ونتيجة لذلك لم تعد تعليقات الفلاسفة الكبار في تركيا حول سلوك القادة الفرنسيين تثير الاهتمام. ربما يستمرون في هذه التعليقات في عالمهم الخاص، لكن تمثيل فرنسا في المجال العام أصبح من نصيب شخصيات اشتهرت في مجالات أخرى.

وكانت العبارات الأخرى التي وردت في خطاب وزير الخارجية هاكان فيدان، ذات أهمية بالغة أيضًا. فقد صرح فيدان في هذا الخطاب قائلاً: "نحن لا نأخذ بعين الاعتبار الدول التي تختبئ وراء أمريكا لتتكلم"، مظهراً بذلك الحدود التي بلغتها انتهازية فرنسا. هذه العبارة بالطبع قد تحمل، كما يظهر للرأي العام، استخفافا ودلالة تهكمية إلى حد ما. ولكن في سياق حديثه، تابع فيدان في خطابه قائلاً: "دعونا نرى ما إذا كانت فرنسا ترغب في العمل بشكل مستقل عن أمريكا" ومن هذه العبارة، يمكننا أن نستنتج بسهولة أن فرنسا ليست قادرة على اتخاذ خطوة من هذا القبيل. كما يمكن أن نعتبر هذه الكلمات بمثابة إشارة إلى أن تركيا سترد بشكل حاسم، وأن فرنسا ستتأثر بشدة من هذا الرد. ولكن هذه العبارة تعني في الأساس أن فرنسا ليست لديها القدرة على التحرك بمفردها. ربما رأى غارودي هذا الانحدار في وقت سابق.

إن التحليل الأعمق لكلام الوزير فيدان يقودنا إلى نتيجة مفادها أن الغرب لم يعد كما كان، وأن أوروبا لم تعد كما كانت في السابق.


#الدول الأوروبية
#الدول الأنجلوسكسونية
#فرنسا
#هاكان فيدان
#تركيا