فلسطين.. ساحة اختبار أنالينا بيربوك

08:389/01/2025, الخميس
تحديث: 9/01/2025, الخميس
سلجوك توركيلماز

صرّحت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في خطاب لها قائلة: "لن نشعر بالحرج من استهداف المدنيين والمستشفيات طالما أن ذلك يضمن أمن إسرائيل، وهذا من ضمن التزاماتنا." هذا التصريح يُعتبر دليلًا على فكرة لطالما طرحناها للنقاش. إن الدعم غير المشروط الذي تقدمه ألمانيا لإسرائيل لا يمكن تفسيره فقط بالشعور بالحرج أو الذنب أو أنها مدينة لإسرائيل. وذلك لأن ألمانيا دعمت فكرة إنشاء مستعمرة غربية جديدة في فلسطين قبل قيام دولة إسرائيل. ورغم أن الإطالة في هذا الموضوع قد تكون بلا جدوى، إلا أن القلق الذي أبدته

صرّحت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في خطاب لها قائلة: "لن نشعر بالحرج من استهداف المدنيين والمستشفيات طالما أن ذلك يضمن أمن إسرائيل، وهذا من ضمن التزاماتنا." هذا التصريح يُعتبر دليلًا على فكرة لطالما طرحناها للنقاش. إن الدعم غير المشروط الذي تقدمه ألمانيا لإسرائيل لا يمكن تفسيره فقط بالشعور بالحرج أو الذنب أو أنها مدينة لإسرائيل. وذلك لأن ألمانيا دعمت فكرة إنشاء مستعمرة غربية جديدة في فلسطين قبل قيام دولة إسرائيل.

ورغم أن الإطالة في هذا الموضوع قد تكون بلا جدوى، إلا أن القلق الذي أبدته ألمانيا من نجاح عمليات مثل حملة قناة السويس خلال الحرب العالمية الأولى، رغم كونها حليفنا آنذاك، يستدعي الانتباه. وتفسير ذلك بالتضامن المسيحي غير دقيق، بل ربما يمكن القول إن الرغبة في إنشاء مستعمرة جديدة قد تداخلت مع ذلك التضامن. ومع ذلك، فإن هذا التفسير قد يُبعدنا عن جوهر الموضوع. فتضامن المسيحيين الذي أفضى إلى تأسيس دولة يهودية يوجهنا إلى مفاهيم "اللاهوت السياسي". لذلك ينبغي تحليل خطاب بيربوك في سياق مختلف تمامًا.

لطالما استند الدعم غير المشروط الذي تقدمه ألمانيا لإسرائيل إلى شعور عميق بالحرج والذنب تجاه المحرقة (الهولوكوست). ولهذا السبب يعتقد الكثيرون أن الألمان ما زالوا يدفعون ثمن جرائم الحرب العالمية الثانية. إلا أن هذا التصور ليس صحيحا.

وأشار الأكاديمي الألماني يورغن ماكيرت قبل بضعة أشهر، في مقال نشره على موقع "ميدل إيست آي" إلى الطموحات الاستعمارية الألمانية، وهو ما يمثل فرقاً مهماً وجوهرياً. ففي مقاله الأخير، قال ماكيرت: "إن قرار المحكمة الجنائية الدولية والجرائم الموثقة بشكل شامل لنظام الفصل العنصري الاستيطاني الصهيوني لم يمنعا ألمانيا من مواصلة استراتيجيتها المعتادة المتمثلة في الإنكار والرفض."

وهذه الاستراتيجية القائمة على الإنكار والرفض تحتاج إلى وقفة تحليلية. فألمانيا لا تقبل قرارات المؤسسات الدولية التي صُممت لحماية مصالح الغرب الإمبريالي، كما أنها ترفض الاعتراف بحقيقة جرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب في فلسطين. ولكن ما الذي يدفع ألمانيا إلى التمادي في دعمها غير المشروط لإسرائيل إلى حد التورط في جرائم الإبادة الجماعية؟ ويجيب ماكيرت عن هذا السؤال على النحو التالي:

"بدلاً من الاستماع إلى الخطابات التي لا تنتهي حول "الالتزام الأخلاقي" الذي تدعيه ألمانيا تجاه النظام الصهيوني، يجب أن نركز على المصالح المادية الجوهرية للدولة. فالكثير من البنوك الألمانية وشركات التأمين والمستثمرين والمؤسسات البحثية والجامعات وشركات الأسلحة الألمانية تربطها علاقات وثيقة جدًا مع إسرائيل، لدرجة أن أي تغيير في سياسة ألمانيا سيؤدي حتمًا إلى خسائر في الأسواق والأرباح والمعلومات الحيوية."

"ألمانيا تخشى فقدان مختبر فلسطين الذي تعلمت منه الكثير في عصر الليبرالية الجديدة، بدءاً من تكنولوجيا المراقبة وإدارة السكان، وصولاً إلى الطائرات المسيرة وحروب الذكاء الاصطناعي."

إن مصطلح "مختبر فلسطين" الوارد في النص ليس غريبًا علينا. فقد نُشر في تركيا كتاب أنتوني لوينشتاين بعنوان "مختبر فلسطين.. كيف تصدر إسرائيل تقنيات الاحتلال إلى العالم؟"، والذي يروي كيف اُستخدمت فلسطين كساحة لاختبار وتطوير الأسلحة الفتاكة. ويشير الكاتب إلى أن إسرائيل تستخدم هذه الحقيقة المروعة كجزء من استراتيجيتها التسويقية، حيث تُثبت لعملائها من خلال الفيديوهات أن هذه الأسلحة قد تم اختبارها على الفلسطينيين وأثبت نجاحها.

وعندما نضع تصريح وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك "لن نشعر بالحرج من استهداف المدنيين والمستشفيات" في سياق ما يُسمى "مختبر فلسطين"، يصبح من الصعب للغاية التعامل مع مشاعر الرعب التي تثيرها هذه الكلمات. لا يمكن بأي حال من الأحوال ربط تصريحات بيربوك التي تصدر عن أحد أعلى المناصب في الدولة الألمانية بالخوف من المحرقة، لأن هذه الكلمات تنم عن وقاحة واستهتار يتجاوزان حتى استراتيجيات الإنكار والرفض المعتادة. كما أضاف ماكيرت في آخر جمله: "ألمانيا (…) تهتم بما نتج عن منطق الاستيطان الاستعماري التدميري ضد السكان الفلسطينيين الأصليين على مدى عقود."

لقد كانت المحرقة رواية تم سردها انطلاقا من حقيقة معينة. فقد أقامت بريطانيا في فلسطين هيكلًا استيطانيًا استعماريا وقامت الولايات المتحدة بحماية ورعاية هذا الهيكل الاستيطاني الجديد. وقد قدم الألمان الدعم لهذا الهيكل منذ البداية. وقد جعل سرد المحرقة هذا الهيكل الاستعماري غير مرئي. فقد أخفى الصهاينة ومؤيدوهم بغير شروط كافة أعمال العنف التي نتجت عن الاستيطان الاستعماري في سردية المحرقة، واختبأ الألمان أيضًا وراءها. ولكن بعد السابع من أكتوبر، بدأت هذه الحقائق تظهر بكل وضوح. وهنا يجب أن نولي أهمية كبيرة لتصريحات وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك ونأخذها على محمل الجد.

يجب أن يواجه المثقفون الشرفاء ذوو الصوت العالي أمثال الراحل كمال طاهر، هذه الحقائق الجديدة ويعرضوها أمام المثقفين في ألمانيا ودول الإمبريالية الغربية الأخرى.


#أنالينا بيربوك
#فلسطين
#ألمانيا
#المحرقة
#إسرائيل
#الصهاينة