وفقًا لمركز "بيسا" للأبحاث، وهو مركز أبحاث إسرائيلي معروف ومؤثر، فإن أحد أبعاد العلاقات بين أنقرة وتل أبيب بعد سقوط نظام الأسد في سوريا هو كالتالي:
يشير المركز إلى أن "سقوط نظام الأسد في سوريا أتاح لتركيا فرصة لإحياء خططها لبناء خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز عبر سوريا، وتحويلها إلى "ممر لطاقة" إقليمي للدول المجاورة. وبعض هذه الخطط ستوفر طريقًا بريًا أكثر ملاءمة لدول الخليج لتصدير الطاقة إلى أوروبا عبر تركيا، مما يشكل تحديًا لطموحات إسرائيلية مماثلة. ورغم وجود فرص أخرى لإسرائيل لتصدير غازها الطبيعي إلى أسواق جديدة عبر خطوط الأنابيب، إلا أن الخطط التركية تشكل تهديدًا لعلاقات إسرائيل مع اليونان وقبرص. ولذلك ينبغي على إسرائيل أن تتابع عن كثب "لعبة خطوط الأنابيب" في سوريا، حتى لا تفوت الفرص الاقتصادية الجديدة في المنطقة."
وقد سبق أن تناولنا هذا الموضوع بشكل عام في مقال سابق بعنوان "لماذا تسعى تركيا وراء جميع ممرات الطاقة؟" في 5 يناير.
إنّ "الحوض التركي" الذي يربط الخليج والعراق وسوريا وأذربيجان والقوقاز والبلقان وأوروبا الشرقية وأوكرانيا وقبرص والبحر الأبيض المتوسط وحتى شمال أفريقيا، يمثل شبكة واسعة تجمع بين أكبر الشبكات الإقليمية التي ستجمع الطاقة من هذه المناطق وتعيد نقلها.
بالطبع، هذه عملية معقدة للغاية تتطلب مراقبة وإدارة العديد من الحسابات والتوازنات، وهي عملية متوسطة المدى (من 5 إلى 10 سنوات) تتم على مراحل. وتتأثر هذه العملية بالأوضاع الحالية في المنطقة، مثل الوضع الراهن بين إسرائيل وغزة ودمشق، والحرب الروسية الأوكرانية.
وتشمل العوامل المؤثرة أيضًا تقديم إدارة بارزاني في العراق إنذارًا إلى حكومة بغداد بشأن الشراكة في عائدات النفط في كركوك، وكذلك مصير موارد النفط التي تحتفظ بها المنظمات الإرهابية تحت حماية أمريكا في سوريا، وأعمال التخريب الغربية ضد "خط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم"، ومشروع "طريق التنميو" بين تركيا والعراق، وحرب أذربيجان وأرمينيا، وأزمات زنغزور، ومشاكل الطاقة التي تنبع من إيران، وغيرها الكثير.
وأخيراً، فإن قطع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط أنابيب شمال الدفق ـ والذي استمر حتى أثناء الحرب ـ في الأول من يناير بسبب رفض كييف تمديد الاتفاق، لم يشكل أزمة جديدة، ولكنه خلق ظروفًا جديدة. ولم يخلق أزمة لأن أوروبا كانت قد خفضت بالفعل اعتمادها على هذا الخط إلى حوالي 20%. واليوم تلبي الولايات المتحدة حاليًا الجزء الأكبر من احتياجات أوروبا.
كل هذه العوامل مجتمعة تخلق فرصًا جديدة لتعزيز دور تركيا في مجال الطاقة الأوروبية. فأحد الأطراف في هذه المعادلة يقع هنا، والآخر في الخريطة التي ذكرناها أعلاه.
وأخيرا، يشير الهجوم الذي شنته أوكرانيا على خط أنابيب "ترك ستريم" الذي يمد أوروبا بالغاز الطبيعي - وفقًا لوزارة الدفاع الروسية التي تُلقي اللوم على الولايات المتحدة بوصفها الجهة الفاعلة التي تسعى للحفاظ على موقعها كمزود للطاقة - إلى حجم الصراع والتنافس في مجال الطاقة، وكذلك يبرز موقع تركيا في هذا السياق.
إن ملف الطاقة هو أحد أهم الملفات التي تفسر علاقات السبب والنتيجة في الصراعات والحروب العالمية.
فقرار بايدن بحظر التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية الأمريكية في نهاية فترة رئاسته، وإعلان ترامب عن نيته رفع هذا الحظر بمجرد توليه منصبه، وتطور ديناميكيات "القطب الجديد" في جرينلاند، وصعود حزب "البديل من أجل ألمانيا" والذي تعهد بإعادة تشغيل خط "نورد ستريم" في حال وصوله إلى السلطة، والاستثمارات العسكرية متعددة الجنسيات في قبرص اليونانية، وخطط اليونان لتحويل جزر بحر إيجة إلى قواعد صاروخية بدعم من إسرائيل، وإمكانية إبرام اتفاقيات بحرية بين تركيا وسوريا الجديدة، والظروف المتقلبة لدول الخليج التي تعد مصدرًا للطاقة للشرق والغرب، ومشروع خط أنابيب يربط بين الهند والخليج وإسرائيل والبحر الأبيض المتوسط وأوروبا، وكذلك خط إيران وباكستان وأفغانستان، كل هذه الأحداث تشكل صفحات من الملف نفسه.
وبعبارة أخرى، إن صعود تركيا كمزود رئيسي للغاز إلى أوروبا لا يقتصر فقط على هذا الخط، بل يتصل بجميع هذه التطورات الجيوسياسية. فهو يربط بين مناطق الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقوقاز وأوروبا، ولا يتوقف الأمر هنا بل يجذب انتباه القوى العظمى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة والهند إلى تركيا. إنها معادلة معقدة.
كان اعتمادنا على الخارج في مجال الطاقة شديدًا ومحدودًا إلى درجة أننا كنا نحاول تقليل المخاطر من خلال تنويع مصادر استيرادنا من دول مختلفة بدلاً من السعي وراء الإنتاج المحلي. وهذه السياسة صحيحة، لكنها في جوهرها مجرد ترقيع. في النهاية، لم يكن لدينا موارد باطنية أو كنا نواجه صعوبة في اكتشافها. ولكن ما حققناه في عمليات التنقيب عن النفط والغاز بدأ يساهم في حل هذه المشكلة.
لقد أدى ذلك إلى فتح آفاق جديدة تمامًا في مجال الطاقة في تركيا لم تكن موجودة سابقا، مثل التنقيب والإنتاج الفعلي للطاقة في الخارج حتى في أماكن نائية، واستكشاف العناصر النادرة في أراضينا، والسعي لبناء محطات نووية، والاستثمار في الغاز الطبيعي المسال، من شراء سفن الحفر والتنقيب وصناعتها. كل هذه التطورات تمثل تغيرًا جذريًا في نهجنا.
واليوم لا يمكننا القول إننا أصبحنا مستقلين تمامًا عن الطاقة الخارجية، ولكننا بتنا قادرين على جمع الطاقة وتوزيعها وبيعها من مناطق مختلفة، مما يساهم في سد هذه الثغرة الحرجة بالكامل. والفرق بين الشراء والتوزيع يخلق علاقة تبادل مع الآخرين فبدلاً من أن نكون مجرد مستوردين للطاقة، أصبحنا شركاء في إنتاجها وتوزيعها. وهذا يعني أن أي تهديد لقطع إمداداتنا بالطاقة سيؤثر أيضًا على الطرف الآخر، مما يخلق نوعًا من التوازن.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة