لم يتبق سوى أقل من 10 أيام والتوقعات ببدء مرحلة "الغضب" بعد جلوس ترامب على مقعد الرئاسة آخذة في الازدياد، سواء في واشنطن أو على الصعيد العالمي.
دعونا نلقي نظرة سريعة وندون بعض الملاحظات بشأن الوضع الحالي والمستقبل القريب قبل نزول الفرق إلى الساحة. ترامب وفريقه لا يهتمون بـ "النظام العالمي الجديد أو العالم متعدد الأقطاب. ووفقًا لخططهم "لإعادة جعل أمريكا عظيمة"، فإنهم متفقون على أن النظام القائم على القواعد قد انهار أو على وشك الانهيار، ولديهم استعدادات جاهزة لاستبداله بنظام جديد قائم على القوة. لذلك يجب أن نتوقف عن معاملة ترامب كما لو كان مجنونًا.
سيتم استبدال النهج الليبرالي المتقادم الذي فقد فاعليته خاصة في المجال الاقتصادي، بممارسات ستطيح بوظائف النظام القديم بشكل واضح.
فعلى سبيل المثال، تصريحات ترامب المتكررة حول كندا وغرينلاند وقناة بنما والمكسيك وأوكرانيا وأوروبا. هذا هو السبب وراء جنون عواصم أوروبا باستثناء إيطاليا وإسبانيا إلى حد ما.
تخيلوا أن أحد الأعضاء المؤسسين لحلف الناتو يطالب بجزء من أراضي دولة أخرى عضو في الحلف، ولا يتوقف عند ذلك بل يهدد بعقوبات عسكرية وسياسية واقتصادية (رغم أن ترامب قد خفف من تصريحاته بشأن استخدام القوة يوم الثلاثاء، إلا أن هذا لا يغير شيء).
إنها مأساة حقيقية، لكن الناس يضحكون بسخرية من شدة الغضب، ويقولون: "ليطلبوا تطبيق المادة الخامسة من حلف شمال الأطلسي". (بالطبع، هذا مستحيل تقنيًا، ولكن بالحديث عن ذلك دعونا نتوقف لحظة لنفكر في اقتراح ترامب بزيادة مساهمات الدول الأعضاء في الناتو والعواقب المحتملة لذلك).
لماذا يفعل ترامب ذلك؟ إنه جزء من حالة الغضب. فالهجمات المهينة التي يشنها إيلون ماسك على دول مثل ألمانيا وإنجلترا ترتبط بسياسات لندن خلال الانتخابات الرئاسية، أي دعمها لبايدن. ويشمل ذلك أيضًا ألمانيا وفرنسا.
هل يمكن أن تصل الأمور إلى هذا المستوى من الانتقام؟ نعم، وسنشهد ذلك بالفعل، القيادات السياسية لهذه الدول ستصبح من الماضي، وبعضها بدأ بالفعل بالسقوط.
وكما ذكرنا سابقًا، إن غضب ترامب يتجه إلى الداخل والخارج. ففي فترة رئاسته الأولى، اتهم ترامب مكتب التحقيقات الفيدرالي والمخابرات البريطانية بمحاولة الإيقاع به من خلال ملفات مفبركة تتعلق بعلاقاته بروسيا. وهو يرى أنهم المسؤولون عن التفتيش حتى في منزله وفضح خصوصياته، بما في ذلك أغراض زوجته الشخصية. وهو عازم على الانتقام منهم بلا رحمة. سترون ذلك قريبًا.
ويعبّر بعض المحللين السياسيين في أمريكا عن قلقهم من أن هذا الصراع قد يصل إلى حد تدمير الحزب الديمقراطي. الطموحات السياسية وصلت إلى هذا الحد. أيام عصيبة تنتظر كلا من أوباما وبايدن.
إن المسألة التي طرحناها استنادًا إلى مثال إنجلترا أو ألمانيا ليست بالأمر البسيط. فقائمة الدول التي يعتزم ترامب مهاجمتها تمثل أيضًا خطًا جيوسياسيًا. ولكن حتى هذا لا يعدو أن يكون أمرًا ثانويًا. فالأولوية الأولى هي أمن الاقتصاد
أي أن كل دولة يتم ذكرها في هذه القائمة ترتبط بحقائق اقتصادية وجيوسياسية. عندما يتحدث ترامب عن "جعل كندا ولاية أمريكية"، فإنه يشير في الواقع إلى مكاسب تصل إلى 250 مليار دولار سنويًا. ولكن تُعد كندا أيضًا عضوًا في "الكومنولث البريطاني". والمسألة تمتد لتصل إلى لندن و"العيون الخمس" والحرب مع روسيا وكذلك قضايا الشرق الأوسط وسوريا وتوازنات الهند.
وكذلك الحال مع جرينلاند. وتعد هذه المنطقة التي تطل على العالم من الأعلى، واحدة من أهم المعابر لمصالح روسيا والصين في مجالات النقل واللوجستيات. كما تحتوي على موارد ضخمة تحت الأرض، ولا ينبغي التقليل من شأن مصادر الدخل الكبيرة مثل الصيد.
أما بنما، فهي أيضًا تخلق امتيازات اقتصادية لأمريكا، ويطمح ترامب للمزيد، لكن الواقع المتعلق بالصين في القناة واضح أيضًا.
وبالحديث عن الصين فلربما حان الوقت لمراجعة اعتقادنا السائد بأن التنافس الأمريكي الصيني سيتصاعد بشكل حاد خلال عهد ترامب. هذه مجرد ملاحظة جانبية. قد تزداد الحدة في تصريحات ترامب أو حكومته تجاه الصين، لكن هل ستكون الولايات المتحدة الجديدة راغبة إلى هذا الحد في محاصرة الصين وسحقها وكسرها؟ ولماذا لم يوجه أي انتقد لروسيا أو الصين في مؤتمره الصحفي الأخير؟ وعندما يتحدث عن جميع البحار، لماذا لا يذكر المحيط الهادئ؟ لنكتف بهذا القدر حاليًا. ("إيلون ماسك يجري محادثات سرية مع الصين وروسيا. حان الوقت للكونغرس للحد من تدخلاته"، 09/01، نيوزويك. "إيلون ماسك قد يتوسط بين الصين وترامب في الحرب التجارية العالمية المحتملة"، 04/01، سكاي نيوز. "العلاقات بين إيلون ماسك، المقرب من ترامب، والصين تشكل خطرًا أمنيًا، تحذير من جنرال سابق"، 31/12/24، الغارديان.)
ثانيًا: يمكن تلخيص الجيوسياسية في عهد ترامب على أنها فترة لتحويل مجال النفوذ الأمريكي إلى حوض كبير، مع التخلص من الشوائب أيضًا.
ولا تؤدي هذه الاستراتيجية إلى عزل الولايات المتحدة بل تحولها إلى دولة "تصطاد وحدها". ويعتقد الكثيرون أن هذا يعني انعزالاً، وهذا ليس خطأً، ولكن لا يمكن اعتباره "عدم اهتمام بالشؤون الخارجية". بل على العكس، يمكن لهذه السياسة أن تتجاوز الجميع، بما فيهم حلفاؤها، وأن تزيد من الضغط على "النظام القائم على القواعد". وإن تركتهم، فهم على وشك الموت بمفردهم.
تشهد الساحة السياسية في أوروبا تحولات كبيرة، ويبدو أن قليلًا من الدول ستنجو. فالتغيرات الحكومية في دول مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأوكرانيا وغيرها لن تكون استمراراً لما كان عليه الحال في السابق، بل يمكن أن تكون أكثر تقارباً مع ترامب وغير راغبة للحرب مع روسيا و مترددة في مسألة الاتحاد الأوروبي. و بالطبع، ستكون توجهاتهم الاقتصادية واضحة وفقًا لذلك. وزيارة رئيس الوزراء الإيطالي لترامب خير مثال على ذلك.
أما بالنسبة للشرق الأوسط وتركيا، فإن اهتمام ترامب بأنقرة يوازي اهتمامه بالمصالح الضخمة التي ذكرناها أعلاه. وهذا أمر بالغ الأهمية. هناك فرص في جميع الاتجاهات يمكن استغلالها. وستجد قضايا إسرائيل وإيران صدى لها في هذا السياق. نحن الآن نركز على واشنطن الجديدة بشأن سوريا وتنظيم "بي كي كي/ واي بي جي" الإرهابي، ولكن يجب علينا أن نتابع الفرص الأخرى التي قد تظهر، دون أن نفقد تركيزنا.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة